|
|
الأمازيغية في عمق الصراع الأيقوني
بقلم:
محمد زروال/ خنيفرة
(15 ـ 09 ـ 2012)
يتخذ
الصراع في وقتنا الحالي أبعادا جديدة ومختلفة بالمجال العالمي، خاصة أمام ثورة
الإعلام والاتصالات، حيث أصبح الخبر سهل الانتشار وكل طرف يدافع عن أطروحته انطلاقا
من قنوات متعددة، فعوض اقتناء وصناعة الدبابات وتجييش الجنود وتدريبهم أحسن تدريب،
أضحت الدول، خاصة تلك المتحكمة في الاقتصاد العالمي والمندمجة في نظام العولمة
منشغلة بتطوير وسائل إعلامها لتسويق خطابها على نطاق واسع، كما أنها تعطي أهمية
لحماية أنظمتها المعلوماتية من القرصنة، وقد رأينا الضجة الإعلامية التي أحدثها
موقع ويكيليكس، وأثاره على الصعيد العالمي. لن نستغرب إذا وجدنا عشرات القنوات
الفضائية تمولها الولايات المتحدة الأمريكية لتسويق نموذجها الثقافي والاقتصادي
والقيمي عبر إنتاجاتها السينمائية والتلفزيونية وبرامج تلفزيون الواقع، وتعمل على
تسويق ذلك بلغات غير الإنجليزية لضمان الوصول إلى مختلف مناطق العالم. وقد تنبهت كل
من فرنسا وروسيا مثلا إلى الأمر، وأنشأت قنوات فضائية تتحدث بلغات مختلفة دون
استثناء اللغة العربية التي يفهمها جمهور واسع في الشرق والأوسط والشمال الإفريقي،
وعبر هذه القنوات تدافع هذه الدول عن مصالحها الإستراتجية والاقتصادية، وقد حاول
الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في حملته الانتخابية اللعب على هذا الوتر
الإعلامي عن طريق تنديده بدفع الفرنسيين للضرائب لتمويل مشاريع إعلامية غير ناطقة
بالفرنسية، وكان يقصد قناة فرانس24
الإخبارية، لكن بعد نجاحه في الانتخابات أبقى على هذه القناة لأنه استوعب جيدا
أهميتها في تقريب المجتمع الدولي من وجهة نظر فرنسا في كل القضايا العالمية.
برزت أهمية وسائل الإعلام و الأيقونات التي تسوقها مختلف القنوات بشكل كبير في ما
سمي بالربيع الديمقراطي، حيث كانت هناك اختلافات كبيرة بين ما تبثه القنوات
الإخبارية الرسمية الموالية للأنظمة الحاكمة، وما تبثه القنوات الأخرى، وخاض تقنيو
قناتي "الجزيرة" و"العربية" مثلا حربا شرسة
مع المشوشين على ترددات بثها في مختلف الأقمار الصناعية، وفي الأيام القليلة
الماضية تعرض الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة لهجمة مدمرة من طرف قراصنة موالين
لنظام بشار الأسد بسوريا احتجاجا على عدم حيادها. وإذا كنا نجد لهذا الصراع
الإعلامي والأيقوني حضورا وازنا في العلاقات الدولية مع بداية القرن 21 فإن المغرب
بدوره غير بعيد عن هذا الصراع سواء في
علاقاته مع الخارج أو في إطار التدافع
بين مختلف التيارات السياسية والفكرية على المستوى الداخلي.
ويهمنا أن نرصد في هذا المقال بعض تجليات
الصراع الأيقوني في علاقته بالقضية الأمازيغية.
نتذكر جميعا كيف أقدمت وزارة الداخلية على إزالة علامات التشوير الطرقية المكتوبة
بخط تيفيناغ بمدينة الناظور، ونتذكر أيضا الصراع الكبير الذي خاضته الحركة
الأمازيغية مع باقي الأطراف السياسية في إطار ما سمي بمعركة الحرف، فالتيارات ذات
النزعة العروبية والإسلاموية كانت تدافع عن الحرف الآرامي العربي بينما دافع
العلمانيون عن كتابتها بالحرف اللاتيني في حين دافع ما يمكن أن نسميه بتيار
الأصولية الأمازيغية عن حرف تيفيناغ. لن ننسى أيضا تهكم رئيس الحكومة المغربية عبد
الإله بكيران بحروف تيفيناغ وتشبيهه لها بحروف اللغة الصينية وهو تشبيه غير بريء
لأنه كان يعني مسألة الغموض والغرابة بقدر ما كان
يقصد التشابه على مستوى الكتابة، كل هذه الأحداث وأخرى ترتبط في نظري بصراع
أيقوني يبحث فيه كل طرف عن اكتساح سوق الصورة بالمغرب والهيمنة عليها رمزيا،
وبالتالي نجد هذا الصراع يكون مرتعا لكل أنواع الخداع والتمويه وأحيانا تستعمل فيه
أساليب تتبنى المرجعية العلمية.
تبرز مظاهر هذه الحرب في العديد من المجالات الأخرى، فدفاتر تحملات القنوات
الفضائية المغربية كانت ساحة شاسعة لها بين التيارات الأصولية والتيارات
الفرنكفونية العلمانية الحداثية، وللأسف لم يكن هناك من يدافع عن حضور الأمازيغية
سواء في النسخة التي قدمها الخلفي في البداية أو في النموذج الثاني الذي أعده وزير
الاتصال السابق السيد نبيل بنعبد الله، وإذا عدنا إلى الوراء ألفينا أن القنوات
التلفزية المغربية لم تحترم ما تم الاتفاق عليه فيما يتعلق بحصص الأمازيغية وحتى
البرامج والأفلام التي تم إنتاجها تقدم دائما صورة الأمازيغي البدوي الذي يسكن
القرية، ويمكن ملاحظة ذلك من عناوين بعض البرامج كـ "ارحال" مثلا. وتشكل قناة ميدي
1 الاستثناء في القنوات المغربية في
علاقتها بالأمازيغية إذ تم تغييبها تماما وبالمقابل تبث برامج تلفزية بعناوين
تتضمن كلمات مستفزة مثل
"المغرب العربي".
يثار النقاش حول حضور الأمازيغية كأيقونة
في الكثير من الفضاءات العمومية، فمثلا كانت كاميرات القناة الأولى والثانية تتجنب
التقاط صور واضحة للجوانب التي يحضر فيها العلم الأمازيغي خاصة في الملاعب الرياضية
والمظاهرات التي تنظم في مختلف مناطق المغرب، فحضوره في مباريات البارصا والريال
وفي الملاعب الفرنسية وبطولات كأس العالم، وفي مناسك الحج وفي اليابان والبرازيل،
يلتقط من طرف المتلقي ويطرح الكثير من الاستفهامات حول دلالاته ومعانيه، وهذا يعني
الكثير من الانتصارات الأمازيغية في إطار الحرب الأيقونية.
تعرض طلبة الحركة الثقافية الأمازيغية لانتقادات كثيرة من طرف المتتبعين سواء من
الطلبة أنفسهم أو من الفعاليات المدنية الأمازيغية بخصوص طريقة كتابة اللافتات
أثناء تنظيم الأيام الثقافية أو المظاهرات الاحتجاجية، وقد تركزت هذه الانتقادات
على ترتيب اللغات التي تكتب بها، إذ في
إطار خضوع غير واعٍ للهيمنة التي
تمارسها اللغة العربية في مخيالهم كانت هي التي توضع في البداية ثم يكتب بحرف
تيفيناغ بعدها، لكن بعد ذلك انتبه المناضلون إلى خطورة هذا الترتيب في وعي المتلقي،
فغيرت الترتيب بل أصبحت تكتب لافتات خاصة بتيفيناغ، وهو ما فرض على المخزن تدريس
الأمازيغية بحروفها لرجال الاستخبارات لكي يضمنوا فك رموز وشفرات تلك اللافتات.
وعندما تكتب جمعية أو تنسيقية جمعيات لافتاتها باللغة العربية وحدها في مؤتمر
تأسيسي وتعلقها بشوارع المدينة مثل ما قامت به إحدى التنسيقيات بمدينة خنيفرة فإن
ذلك يطمئن المخزن ويرسل رسائل هامة له: أولها أن ما تقوم به لا يهدد مصالح أحد
وأنها تشتغل في إطار المزايدة السياسية وتشويه صورة النضال الأمازيغي الحر، وما
تأسيس هذا التنظيم بمدينة خنيفرة التي شكلت بعمقها الحضاري وتاريخها النضالي من
القلع التي تضرب لها السلطة المركزية بالمغرب ألف حساب منذ القدم. ويمكن تشبيه عمل
هذه الجمعيات بما تقوم به جماعة الدعوة والتبليغ بالنسبة لحركات الإسلام السياسي.
وكلما تكثف حضور الأيقونات الأمازيغية
في الندوات واللقاءات الفكرية كلما شكل ذلك تهديدا لأيقونات المخزن، فقد حضرت في
لقاء ثقافي مؤخرا بمدينة إفران خصص لقراءة في ديوان شعري بالأمازيغية، لكن
المداخلات ومطوية اللقاء شكلت فيها الأمازيغية نسبة قليلة مقابل طغيان الدارجة
والعربية الفصيحة، ودائما يتم تبرير إقصاء الأمازيغية بضرورة إيصال الرسالة إلى غير
الناطقين بها، مع العلم أن اللقاء المذكور حضره شعراء أمازيغ لا يعرفون إلا
الأمازيغية. هذا الإقصاء لم ينتبه إليه معكوسا لمدة تجاوزت 40 سنة، وذلك حينما عاش
ملايين الأمازيغ بالمغرب وضعا ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا ونفسيا عصيبا أمام الآلة
الإعلامية والإدارية العروبية الرسمية. إن الأمازيغية هي أول ما يضحى به عندما
يتعلق الأمر بالصراع اللغوي بالمغرب، فالقناة التلفزية المسماة
"تامازيغت" لا تريد أن تغضب المغاربة غير
الناطقين بالأمازيغية، و توفر لهم ترجمة كاملة لكل برامجها الناطقة بالأمازيغية، بل
إن سهرات نهاية الأسبوع دائما هناك حضور لفنان غير ناطق بالأمازيغية، عكس السهرات
التي تبث عبر القناة الأولى والثانية حيث يظل حضور الفنان الامازيغي موسميا، وهذه
ليست دعوة للإقصاء ولكنها في العمق دعوة للمساواة، وإعطاء كل ذي حق حقه، لأن إقصاء
الفنان الأمازيغي هو إقصاء له أبعاد متعددة.
بعدما تمت دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية رغم ربطها بقانون تنظيمي قد ننتظره
لسنوات، خاصة مع حكومة يقودها حزب كانت مواقفه مناهضة للمطالب الأمازيغية، بدأنا
نلاحظ حضور حروف تيفيناغ وهو أمر لا يجب أن نستهين به، فإلى وقت قريب كان الكثير من
أعداء الأمازيغية يعتبرونها لهجة فقط، وحروفها
من أصل فينيقي وغيره من المواقف العنصرية التي ناضلت الحركة الأمازيغية كثيرا
لدحضها.
لقد بدأت حروف تيفيناغ تنقش على بوابات الإدارات العمومية الكبرى بما فيها وزارة
التربية الوطنية، وأصبحت حاضرة في منبر الندوات الصحافية لوزارة الاتصال التي
تحضرها منابر إعلامية كثيرة وطنية ودولية، وهذه الأشياء قد تبدو للبعض بسيطة لكن
تأثيرها كبير جدا، وهناك من المغارية من يستفزه ذلك للأسف الشديد. وإذا تأملنا في
طريقة حضور تيفيناغ في لقاءات وزارة الاتصال نجدها في الرتبة الثانية بعد العربية
وهي إحالة ضمنية إلى تراتبية مرتبطة بذهنية التفكير المخزني. وارتباطا بنفس الموضوع
أصدرت وزارة التربية الوطنية مع بداية هذا الموسم الدراسي مذكرة تحث فيها نوابها في
الأقاليم على ضرورة كتابة أسماء المؤسسات بالحروف الأمازيغية إلى جانب الحروف
العربية، وهي خطوة قام بها نائب
الوزير قبل إصدار المذكرة بميدلت السيد أحمد كيكيش، كما أن نيابة خنيفرة دخلت في
نفس الخطوة قبل إصدار المذكرة الوزارية أيضا وذلك بعد طلب تقدمت به جمعية مدرسي
اللغة الامازيغية بالمدينة، كما قدمت
جمعية أمغار للثقافة والتنمية مساعدة تقنية في الترجمة لمسؤولي النيابة. وإذا كانت
هذه الخطوة إيجابية في إطار الصراع الأيقوني الذي يعرفه المغرب، فإنه يجب على
جمعيات المجتمع المدني الانتباه لطريقة وضع هذه الأيقونات إذ يجب أن تكتب حروف
تيفيناغ والحروف الأرامية العربية بنفس الحجم وبطريقة تقابلية، لأن أي تمييز في هذه
الجوانب سيقرأ مرة أخرى قراءات خاطئة من طرف عيون المتلقين العاديين والمتخصصين على
حد سواء.
في الختام أنادي بضرورة التدخل الفوري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في إطار
اختصاصاته بوضع دليل مرجعي للترجمة فيما يتعلق بكل ما ستحتاج إليه كل الوزارات من
أسماء إدارية في إداراتها مركزيا، جهويا ومحليا، وفي غياب هذا الدليل نفتح
الباب أمام اجتهادات قد تغير المعنى الحقيقي للاسم، وتكون لنا عدة أسماء أمازيغية
في واجهات اسم مؤسسة واحدة، وهذا ما يهدد مكانة ومستقبل الأيقونات الأمازيغية في
إطار الصراع الذي تحدثنا عنه سالفا.
|
|