|
|
هل هو موقف جديد لحزب الاستقلال من الأمازيغية؟ بقلم: محمد بودهان (04 ـ 02 ـ 2014) قرر حزب الاستقلال، في اجتماع لجنته التنفيذية ليوم 9 يناير 2014، اعتبار فاتح السنة الأمازيغية، الذي يصادف يوم 13 يناير من كل سنة، عيدا وطنيا رسميا، مع تنفيذ الحزب عمليا للقرار الذي أعلن عنه، وذلك بتعطيل العمل، يوم فاتح يناير 2964 المواقف لـ13 يناير 2014، بكل الأجهزة والمؤسسات والمقرات التابعة له. قد يبدو هذا القرار المفاجئ للحزب شجاعا ومنصفا، يعبر عن تطور نوعي متقدم بالمقارنة مع المواقف التقليدية للحزب تجاه الأمازيغية، والتي كانت تتسم بعداء تاريخي معروف. إلى حد الآن لم يصدر أي بيان "أمازيغي" ينوّه بهذا الموقف أو يشكر الحزب عليه. بل على العكس من ذلك، نددت بعض الكتابات التي تناولت الموضوع بقرار الحزب، بمرر أنه يمارس "الاسترزاق السياسوي" بالأمازيغية (انظر أحد هذه المقالات على الرابط http://www.maghress.com/dalilrif/17282).صحيح أنه من الصعب تصور وقبول أن العدو التاريخي للأمازيغية يدعي اليوم الدفاع عنها والاعتراف بها. قد لا يعدو الأمر إذن أن يكون مجرد مكيدة وتكتيك تآمري يستفيد منه هذا العدو التاريخي أكثر مما تستفيد منه الأمازيغية نفسها. إذا كان حزب الاستقلال، بدعوته إلى ترسيم رأس السنة الأمازيغية كيوم عطلة رسمية مؤدى عنها، إنما يستغل الأمازيغية ويستقوي بها ويستعملها كورقة ضغط ضد خصومه السياسيين، وخصوصا بعد أن أصبح من أشرس المعارضين لرئيس الحكومة "الإسلامي" السيد عبد الإله بنكيران، فقد يكون من الموضوعية، وقبل إصدار أحكام نهائية بخصوص القرار الجديد للحزب من الأمازيغية، تتبع هذا القرار الجديد لمعرفة هل للحزب قناعة بما دعا إليه، يعبر عنها بدفاعه عن الأمازيغية داخل البرلمان كحزب معارض، أم أن الأمر هو فعلا مجرد استغلال سياسوي رخيص. وفي كل الأحوال، فليس من الموضوعية ولا من الحكمة ولا من السياسة رفض قرار حزب الاستقلال لمجرد أنه قرار صادر عن حزب الاستقلال. كما أن اختبار مصداقية هذا القرار يقتضي ربطه بالقانون التنظيمي المنتظر صدوره تطبيقا للفضل الخامس من الدستور: فإذا كان الحزب قد تراجع فعلا عن موقفه العدائي من الأمازيغية، فسيدافع كذلك عن إخراج هذا القانون التنظيمي، وبصيغة منصفة للأمازيغية تتجاوز "السياسة البربرية" الجديدة التي انطلقت مع ما يسمى "العهد الجديد". وحتى إذا كان القرار هو بالفعل مجرد استغلال للأمازيغية لاستعمالها كسلاح ضد الخصوم السياسيين، فيجب الاعتراف أن هذا القرار يشكل تطورا هاما بالنسبة للقضية الأمازيغية، إذ أصبحت تفرض نفسها حتى على ألدّ أعدائها التاريخيين الذين أجبرتهم على أخذها بعين الاعتبار في حساباتهم السياسية، بعد أن أصبحوا مقتنعين أن الأمازيغية مفيدة سياسيا لأنها تملك القدرة على التعبئة والاستقطاب. وهذا مكسب حقيقي للأمازيغية وتقدم كبير إلى الأمام، أوصلها إلى أن تصبح طرفا في المعادلات السياسية للأحزاب التي بدأت ترى فيها اليوم فرصة للربح السياسي، بعد أن لم تكن في السابق توليها أي اهتمام باعتبارها ليست ذات أهمية سياسية من حيث قدرتها على التعبئة والاستقطاب. ولهذا، فحتى على فرض أن قرار حزب الاستقلال لا يخرج عن إطار استغلال الأمازيغية واستعمالها لخدمة مصالحه، فإن هذا "الاستغلال" هو مفيد للأمازيغية إذا كان يدعم ما ظلت تطالب به الحركة الأمازيغية منذ عقود، وهو مطلب إقرار اليوم الأول من رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة رسمية. وعلى ذكر اعتبار هذا "الاستغلال" مفيدا للأمازيغية، أستحضر بالمناسبة ما جرى بالناظور عندما قرر المجلس البلدي لهذه المدينة في 28 أبريل 2003 كتابة علامات المرور، ومختلف اللوحات العمومية، بالأمازيغية وبحرفها تيفيناغ، (انظر موضوع "الحرب على 'تيفيناغ' تنطلق من الناظور" على رابط "تاويزا": http://tawiza.olikeopen.com/Tawiza74/Boudhan.htm). فاتصل بي رئيسه آنذاك وقدم لي لائحة من العبارات الخاصة باللوحات العمومية وعلامات المرور وطلب مني أن أكتبها بالأمازيغية لفائدة المجلس البلدي. ولما تم تثبيت علامات المرور في الشوارع، اتصل بي الخصوم السياسيون لرئيس المجلس، وكذلك مسؤولون في السلطة فاجأهم وأربكهم قرار المجلس البلدي للناظور، لـ"ينبّهوني" إلى أن رئيس المجلي البلدي مجرد انتهازي يستغل الأمازيغية لكسب الأصوات في الانتخابات القادمة. فكان جوابي لهم: هذا الرئيس يستغل الأمازيغية دون أن ندفع له مقابلا. أما أنتم فستدفع لكم مقابلا إذا قبلتهم أن تستغلوها، وذلك بتعميم كتابتها بكل علامات المرور واللوحات العمومية بشوارع المدنية. فهل أنتم قادرون على هذا الاستغلال؟ لأن الذي كان يهمني في قرار المجلس البلدي ليس من يربح بكتابة علامات المرور بالأمازيغية، بل ماذا ستربح الأمازيغية هي نفسها من وراء ذلك؟ ونفس الشيء ينبغي أن نتعامل به مع قرار حزب الاستقلال: فلا يهم أن هذا الحزب سيجني مكاسب سياسية بـ"استغلاله" للأمازيغية، بل الأهم أن الأمازيغية ستجني هي أيضا مكاسب من هذا "الاستغلال" الذي يشكّل دعما لمطالبها واعترافا بحقوقها. ولأن قرار حزب الاستقلال ليس قرار حزب كان له تعاطف مع الأمازيغية، مثل "الحركة الشعبية" أو "التقدم والاشتراكية" مثلا، وإنما هو قرار حزب تنبني كل أيديولوجيته على العداء للأمازيغية، فإن هذا القرار يكتسي أهمية خاصة تجعل منه قرار تاريخيا وثوريا لأن فيه خروجا عن "الانضباط" الإيديولوجي لحزب الاستقلال. ولهذا لا ينبغي أن يواجه بلغة الخشب ونظرية المؤامرة لمجرد أنه قرار لحزب الاستقلال. بل يجب أخذه بعين الاعتبار والتعامل معه إيجابيا لأنه قرار لحزب الاستقلال. ثم لا ينبغي أن ننسى أن النواة الصلبة المعادية داخل حزب الاستقلال للأمازيغية، والمتكونة تاريخيا من نخب وعائلات معروفة، لم تعد لها المسؤولية القيادية بعد أن أصبح السيد حميد شباط هو الأمين العام للحزب منذ 23 شتمبر 2012. وإذا عرفنا أن الأحزاب بالمغرب لا تنفصل إيديولوجيتها عن إيديولوجية مؤسسيها وقادتها، فسنفهم أن حزب الاستقلال اتخذ هذا القرار لصالح الأمازيغية بعد أن تحرر من القيادة السابقة التي كانت امتدادا إيديولوجيا وعائليا لمؤسس الحزب، علال الفاسي، الذي كان أحد أشهر الأمازيغوفوبيين. ولهذا فإن القيادة الجديدة للحزب هي فرصة لإمكانية مد جسور الحوار بين النشطاء الأمازيغيين ومسؤولي الحزب حول القضية الأمازيغية، لإقناع هؤلاء أن الأمازيغية تمثّل ربحا سياسيا كبيرا للحزب إذا كان جادا في الدفاع عنها والعمل على استردادا حقوقها والاعتراف بها كهوية للمغرب والمغاربة. والذي يهم هنا، هو ـ كما سبقت الإشارة ـ ما تكسبه الأمازيغية، حتى لو كان ذلك قليلا وصغيرا لكنه حقيقي ومفيد، وليس ما يكسبه الحزب، حتى لو كان ذلك الكسب كثيرا وكبيرا بالنسبة لهذا الأخير. ومن جهة أخرى، إذا كنا سنرفض في كل مرة قرارا لصالح الأمازيغية لأنه صادر عن حزب أو هيئة أو جهة معروفة بعدائها للأمازيغية، فذلك يعني أن الأمازيغية "ممنوعة" من التقدم والسير إلى الأمام، أي "ممنوعة" من استقطاب حلفاء وأصدقاء جدد لأنه سبق لهم أن كانوا أعداءً لها. وهذا ما سيعزلها ويسجنها في عددها المحدود من المناضلين، لأن هؤلاء يرفضون أن يلتحق بها مناضلون من إيديولوجيات كانت في الأصل معادية لها. وهذا ما يتخذه خصوم الأمازيغية "حجة" على أن الحركة الأمازيغية ليست ذات عمق اجتماعي وشعبي، وإنما هي حركة معزولة ومبتورة الصلة بالمجتمع والشعب. بل إن استقطاب القضية الأمازيغية لأعداء الأمس هو دليل على تقدمها إلى الأمام، ما دام أعداء الأمس غيروا مواقفهم تجاهها وأصبحوا يغازلونها ويخطبون ودها. يجب إذن التعامل إيجابيا مع هذا الموقف الإيجابي الجديد لحزب الاستقلال من الأمازيغية. ولا شك أن هذا الحزب، أمام الردود "الأمازيغية" المؤيدة لقراره، سيتشجع ويذهب بعيدا في اعترافه بالحقوق الأمازيغية وتبنيه لها ودفاعه عنها. وعلى العكس من ذلك، إذا كانت الردود رافضة لقراره ومعارضة لموقفه بدعوى أنه حزب "معادٍ" تاريخيا للأمازيغية، فإنه قد يراجع موقفه الجديد من الأمازيغية ويعود إلى "قواعده" و"ثوابته" الأمازيغوفوبية التقليدية، ويعتبر أن ما صدر منه بخصوص الأمازيغية كان خطأ لن يتكرر. لهذا يجب تشجيع وتأييد الأحزاب التي تغير موقفها العدائي من الأمازيغية، بشكل أو آخر، في الاتجاه الذي يخدم هذه الأخيرة. وليكن ـ كما سبق أن قلت ـ معيار هذا التشجيع والتأييد هو السؤال: "هل تربح الأمازيغية شيئا من هذا الموقف أم لا؟"، وليس: "هل يربح الحزب شيئا من هذا الموقف أم لا؟". بل إن هذا "الربح" بالنسبة للحزب يجب أن يكون مضمونا ومتاحا، يجد فيه الحزب خدمة لمصالحه قبل مصالح الأمازيغية، التي لا تستفيد في البداية من هذا الموقف إلا بشكل غير مباشر. وهكذا، فعندما تصبح الأمازيغية رهانا سياسيا للأحزاب تؤمّن بها مصالحها، وتستحضرها في الصراع من أجل السلطة، فسيكون ذلك "انتصارا" للأمازيغية لأن الدفاع عنها أصبحت تفرضه "مصلحة" تلك لأحزاب. وهذا ما ينبغي دعمه والتشجيع عليه والترحيب به. الشيء الذي يتطلب تغييرا في موقف الحركة الأمازيغية نفسها. فبعض فصائل هذه الحركة لا زالت تقيم جدارا "عازلا" سرمديا بين المدافعين عن الأمازيغية، وبين أعدائها الذين تعتبرهم أبديين، لا تقبل "توبتهم" ولا تراجعهم عن خطئهم السابق في حق الأمازيغية.
|
|