|
|
بمناسبة عيد المرأة (8 مارس 2014): الأمازيغية والمرأة، ضحيتان لتمييز واحد بقلم: محمد بودهان (07 ـ 03 ـ 2014) جاء في كتاب "نفح الطيب" لأحمد بن محمد المقري التلمساني (تحقيق الدكتور إحسان عباس، الجزء 3، دار صادر ـ بيروت 1988، صفحة 412) أن الشاعر الأندلسي السميسر، المتوفى في 480 هجرية، قال في هجاء الأمازيغيين البيتين التاليين: رأيت آدم في نومي فقلت له ** أب البرية إن الناس قد حكموا أن البرابرة نسل منك قال إذن ** حواء طالق إن صح الذي زعموا. لن أقف عند المعنى الظاهر الخارجي، والذي يفهمه كل من يقرأ البيتين، هذا المعنى الذي يعبر فيه الشاعر العربي عن أفظع وأبشع صورة للعنصرية تجاه الأمازيغيين. إذا اكتفينا بهذه القراءة "الخارجية" للبيتين، فإن العنصرية ضد الأمازيغيين تصبح أمرا شخصيا مرتبطا بالشاعر والظروف التي قال فيها شعره. هناك شيء آخر غير هذا المعنى الجزئي الظاهر و"الخارجي" الذي يربطه الشاعر بآدم ـ آدم العربي طبعا ـ الذي رفض أن يكون "البرابرة" من صلبه ونسله رغم أنه أب كل البشر! هناك معنى آخر أعمق وأصدق لأنه يجعل من احتقار الأمازيغيين ظاهرة عامة توجد في كل زمان ومكان توجد فيهما الإيديولوجية العروبية، وليس أمرا لحظيا ناتجا عن انفعال الشاعر ومقصورا عليه وحده، وفي منطقة محددة بالأندلس، وفي تاريخ معين من القرن الثالث عشر أو الرابع عشر. إلا أن الجانب الأكثر أهمية ودلالة ـ لكن لا يمكن إدراكه من خلال القراءة "الخارجية" للبيتين ـ هو أن الذي يؤدي ثمن وجود الأمازيغيين هي حواء وحدها، التي هي رمز للمرأة. وبما أن آدم لا يعترف بانتساب الأمازيغيين إليه، فهذا يعني أن حواء "زانية"، وأن الأمازيغيين "لقطاء" وأبناء غير شرعيين لأنهم ثمرة للخيانة الزوجية ولعلاقة جنسية خارج بيت الزوجية. نلاحظ إذن انسجاما في فكر الشاعر العنصري، الذي وظف خيانة المرأة/حواء التي (الخيانة) كانت ثمرتها وجود الأمازيغيين، الذين لا زال لهم "ارتباط" بهذه الخيانة عندما يستحضر "الظهير البربري" ويقال بأن الاستعمار استعملهم للتفرقة العنصرية ومحاربة الإسلام وضرب الوحدة الوطنية. ولهذا فإن في البيتين من الاحتقار للمرأة/حواء أكثر مما فيه من الاحتقار للأمازيغيين، ما دام وجود هؤلاء ناتجا عن خيانة حواء/المرأة التي جاءت بنسل لقيط لتدنس النسب "الشريف" لأبناء آدم. فآدم لم يطلق حواء لأنها كانت سبب عصيانه لأمر إلهي وإقدامه على أكل الفاكهة المحظورة، وما نتج عن ذلك من عقاب له بطرده من الجنة وإنزاله إلى الأرض حيث تنتظره المعاناة التي لا تنتهي، وهو ما كان سيعتبر مبررا مقبولا ومعقولا لفسخ رابطة الزواج، لكنه قرر تطليقها إن كانت أما للأمازيغيين. فـ"الخطيئة الأولى" Le péché originel للمرأة/حواء ليست هي تحريض آدم وإغواؤه على الأكل مما نهى عنه الله، كما في المسيحية، بل "الخطيئة الأولى" للمرأة تصبح هنا هي إنجابها لأمازيغيين. هكذا تكون المرأة مصدرا للخيانة والشر ("الخطيئة الأولى" المتمثلة في كونها أما لأمازيغيين). ولذلك فهي "عورة" لا يمكن سترها إلا بدفنها حية، سواء في شكله القديم (الوأد في الجاهلية) أو العصري (الحجاب). هذه النظرة المهينة إلى المرأة عند العرب هي التي تفسر لماذا لم يصدقوا ولم يفهموا، عند غزوهم لشمال إفريقيا، كيف أن امرأة ـ الملكة الأمازيغية "ديهيا" ـ تحكم شعبا وتقود جيشا وتخرج لمواجهتهم. فهذا شيء لم يألفوه لأنه يتنافى مع نظرتهم إلى المرأة التي كانوا يدفنونها حية لغسل العار الذي يسببه ميلادها. لهذا فسروا هذه الظاهرة ـ ظاهرة "ديهيا" الملكة المحاربة ـ الفريدة من نوعها بالنسبة إليهم على أنها سحر لأنها شيء خارق للعادة، ولذلك سموا "ديهيا" بـ"الكاهنة"، أي الساحرة. البيتان يبينان كذلك، وبوضوح، أن العداء للأمازيغيين والأمازيغية قديم قدم الإيديولوجية العروبية بشمال إفريقيا والأندلس، وليس وليد "الظهير البربري" في 1930، مثله في ذلك مثل احتقار المرأة في المجتمع العربي الذي يرجع إلى ظاهرة الوأد الجاهلية. المفارقة الصارخة هي أن العرب استعملوا الإسلام، الذي جاء ليساوي بين بني البشر ويرد الاعتبار للمرأة، لإقامة لامساواة بينهم وبين الشعوب الأخرى، وتبرير هيمنتهم على هذه الأخيرة وإقناعها بأنها أدنى منهم مرتبة وشرفا ولغة، ولإعطاء المشروعية الفقهية لاحتقار المرأة باعتبارها عارا وعورة. إن ما يتضمنه البيتان من عنصرية ضد الأمازيغيين ومن إهانة للمرأة، شيء لا زال قائما وسائدا يعاد تكراره وإنتاجه. فالوضعية الدونية التي تعيشها الأمازيغية، مقارنة مع العربية المدلّلة، هي نفسها الوضعية التي توجد فيها المرأة مقارنة مع ما يتمتع به الرجل من امتيازات وحقوق هي محرومة منها. وهذا يعني أن رد الاعتبار للأمازيغية ومساواتها بالعربية لا ينفصل عن رد الاعتبار للمرأة ومساواتها بالرجل، لأنهما ضحيتان لنفس الإيديولوجية الأمازيغوفوبية ونفس الذهنية الذكورية. فالأمازيغوفوبية والميزوجينيةMisogynie (عداء المرأة واحتقارها) نتاج واحد لتفكير واحد وعقلية واحدة وتمييز واحد. وليس صدفة أن الشاعر العنصري ربط بين الأمازيغية والمرأة/حواء لأنهما قضيتان مترابطتان أصلا منذ وصول العرب إلى شمال إفريقيا والأندلس. فهل ستعي المرأة المغربية أن الدفاع عن الأمازيغية هو دفاع عنها أيضا فتنضم إلى جبهة الحركة الأمازيغية؟
|
|