|
|
لماذا وصف مصري مساند لـ"لإخوان" المغربَ بـ"ملجأ اللقطاء"؟
بقلم: محمد بودهان (22 ـ 08 ـ 2013) يروج، منذ 19 غشت 2013، فيديو من 52 ثانية على شبكة الأنترنيت، يُظهر مصريا مساندا للإخوان يسبّ غاضبا المغاربة بشكل وقح وخبيث، ويصف المغرب بـ"ملجأ اللقطاء". وجاء هذا السب للمغاربة كجزء من سب الجنيرال عبد الفتاح السيسي، الرجل القوي بمصر، الذي قال عنه المصري المعني بأن أمه مغربية. ثم استرسل مضيفا بأنه لا يمكن أن يعرف هل هي "مغربية أصلية أم يهودية، لأنه لا توجد في المغرب جنسية مغربية أساسا، بل هو عبارة عن ملجأ للقطاء. لقيط من هنا ولقيطة من هناك...". ما يثير الفضول والسؤال على هامش هذا السب الوقح والخبيث كما قلت، ليس لماذا يسب هذا المصري المغرب والمغاربة؟ بل لماذا يوجه لهم هذا السب بعينه؟ أي لماذا يصف المغرب بـ"ملجأ للقطاء"؟ ولماذا يقول "بأنه لا توجد في المغرب جنسية مغربية أساسا؟" إذا فهمنا ما يقصده هذا المصري الغاضب بكلمة "جنسية" التي وردت في كلامه، فسيسهل علينا الجواب عن الأسئلة التي طرحناها بصدد اختيار هذا المصري لهذا النوع من السب الذي وجهه إلى المغرب. فمن خلال سياق كلامه، يبدو جليا أن ما يقصده بـ"الجنسية" ليس تلك الرابطة القانونية والسياسية بين الفرد والدولة التي ينتمي إليها كمواطن، بل يقصد بـ"الجنسية" الهوية والانتماء. لهذا فهو يقول بأنه لا يعرف هل أم السيسي مغربية أم يهودية، وهو ما يبيّن أنه يعني الهوية لأنه لو كان يقصد الجنسية لقال بأنه لا يعرف هل أمه مغربية أم إسرائيلية، لأن الانتماء الإسرائيلي يعني حمل الجنسية الإسرائيلية، في حين أن الانتماء اليهودي يعني الانتماء إلى الهوية اليهودية وليس الجنسية اليهودية التي لا وجود لها، لأنه لا توجد دولة تحمل رسميا لدى الأمم المتحدة اسم الدولة اليهودية، وإنما توجد دولة باسم إسرائيل. بعد هذا التوضيح، نفهم جيدا لماذا وصف هذا المصري الهجّاء المغرب بـ"ملجأ اللقطاء"؟ إنه يعني بذلك ملجأ من لا هوية لهم. فعندما يقول: "لقيط من هنا ولقيطة من هناك..."، فو يعني أن هؤلاء المغاربة بلا هوية أصلية لأنهم مجرد تجمّع لما يسميه "اللقطاء"، أي القادمين من خارج المغرب (من هنا... ومن هناك..). ولهذا فهو يُقذع الجنيرال السيسي بأن أمه مغربية، أي "لقيطة" لأنها بلا هوية. وهذا سبّ لاذع فيه حطّ مهين من قدر المغرب والمغاربة. لكن لنكن صرحاء مع أنفسنا: من يقول عن نفسه بأنه بلا هوية مغربية أصلية، مدعيا، وبتبجح، أنه قادم "من هنا ومن هناك"، منتحلا هويات الآخرين كما يفعل "اللقطاء" الذين يبحثون عن هويات بالتبني؟ من يفاخر جهارا بـ "شذوذه الجنسي"، أي استبدال جنسه الأمازيغي بجنس عربي؟ أليسوا هم المغاربة الذي يقولون بأن أصلهم ليس من المغرب، بل من اليمن أو العراق أو من الجزيرة العربية والمشرق العربي بصفة عامة؟ أليس هم المغاربة الذين يحملون شواهد إدارية يثبتون بها أنهم بلا هوية مغربية أصلية، لأنهم ذوو نسب غير مغربي أصيل، أي نسب غير أمازيغي؟ فمن هو الفاقد لهوية مغربية أصلية، أي من هو "اللقيط" بتعبير المصري؟ أليس هو المغربي الذي يدعي لنفسه هوية غير هويته الأمازيغية، وينتحل هويات مشرقية ينظر المنتمون الحقيقيون لها إليه كـ"لقيط" بلا أصل هوياتي، بعد أن تنكّر هو نفسه لأصله الأمازيغي؟ رغم أن هذا المصري يستحق أقصى العقوبات التي يقررها القانون لجريمة السب والشتم العلنيين، إلا أنه في الحقيقة لم يفعل أكثر من التعبير عن واقع لا ينكره الكثير من المغاربة الذين يمارسون "شذوذا جنسيا" لا يخفونه عندما غيّروا جنسهم الأمازيغي بالجنس العربي، ويقولون علانية وبفخر واعتزاز، وقبل أن يكرر ذلك المواطن المصري، بأن هويتهم ليست مغربية أصلية، أي ليست أمازيغية، وأن أصولهم خليط "من هنا وهناك". بل الأكثر من ذلك أن الدستور المغربي نفسه يعترف بهذا الخليط عندما يتحدث في التصدير عن "تنوع مقومات هويتها (المملكة المغربي) الوطنية الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية". فالهوية، بدل أن تكون واحدة وأصلية لأنها تابعة ونابعة من الأرض الواحدة والأصلية للمغرب، يجعل منها الدستور خليطا بعناصر متعددة ومتنوعة. لهذا لا يجب أن نغضب عندما يشتمنا الآخرون بأننا بلا هوية (بلا جنسية حسب قول المصري). فهذا صحيح بعد أصبح المغرب منذ 1912 بلدا بهوية عربية، أي هوية أجنبية انتحلها وتبناها كما يفعل "اللقطاء" مجهولو الأصول. فاللوم يجب أن يوجه أولا إلى المسؤولين عن هذا "الشذوذ الجنسي" الذي تعيشه الدولة كما لو كان شيئا سويا وطبيعيا، مع أنه "شذوذ"، أي خروج عما هو سوي وطبيعي، بعد تغيير الجنس الأمازيغي الأصلي لهذه الدولة بالجنس العربي المستورد. ولأن المغاربة يتبنون هوية ليست لهم، فهم كذلك يتبنون قضايا ليست لهم، كما يفعلون عندما يدافعون عن قضايا المشرق العربي حتى يظهروا أنهم عرب في هويتهم وانتمائهم وليسوا "بربرا" (انظر مقالنا: "عندما يكون الغلو في الانتماء إلى العروبة دليلا على الانتماء إلى الأمازيغية" على رابط هسبريس: http://hespress.com/writers/85870.html). والمفارقة العجيبة، أنه قبل يوم واحد فقط من نشر هذا المصري لهجائه الموجه للمغاربة، كان جزء من هؤلاء المغاربة يتظاهرون (يوم الأحد 18 غشت 2013) تضامنا مع "الإخوان" بمصر، الذين من أجلهم صبّ المصري شتائمه على المغاربة. فبقدر ما تبيّن هذه الحالة، في الجانب المغربي، هوس المغاربة بالتضامن مع قضايا المشرق العربي، ليثبتوا بذلك أنهم عرب وليسوا أمازيغيين، تبيّن بنفس القدر، في الجانب الخاص بالمصري، أن المشارقة لا يعترفون بتضامن المغاربة معهم ولا بانتمائهم العربي المنتحل، بل يستمرون في التعامل معهم، كما يفعلون دائما، كـ"لقطاء" بلا هوية أصلية، رغم كل الخدمات التي يقدمونها للعرب وبدون مقابل. لكن المصري الذي يصف المغاربة أنهم "لقطاء" وبلا هوية، نسي، تحت تأثير الاستلاب الهوياتي العميق الذي تعرض له المصريون، أن حالة هؤلاء، بخصوص الهوية، أفدح من حالة المغاربة بعد أن تخلوا، كما فعل الكثير من المغاربة تجاه هويتهم الأمازيغية، عن هويتهم الفرعونية ـ وما أدراك ما الهوية الفرعونية ـ الأصلية، وتبنوا عوضها الهوية العربية التي فرضها عليهم جمال عبد الناصر منذ 1954. فليس المغاربة وحدهم من لا هوية لهم بعد أن تنكروا لهويتهم الأمازيغية الأصلية، بل المصريون أصبحوا بلا هوية أصلية بعد أن تنكروا لهويتهم الفرعونية هم أيضا. ومن جهة أخرى فإن كل بلايا القومية العربية، التي كانت وراء تخلي المغاربة والمصريين عن هويتهم الأصلية، نشأت وانطلقت ببلاد الفراعنة بمصر. فحري بهذا المصري، الذي يعيّر المغاربة بكونهم "لقطاء" لأنهم بلا هوية (بلا جنسية حسب تعبيره)، أن يبدأ من نفسه ومواطنيه المصريين الذين يدعون هم كذلك أنهم أتوا "من هنا ومن هناك"، رافضين، بل محاربين لهويتهم الفرعونية والقبطية الأصلية والتاريخية.
|
|