الرسام
الأمازيغي موحند سعيدي يغادرنا إلى الأبد
بقلم: محمد
بودهان
(24 ـ 12 ـ 2014)
كان خبر وفاة الرسّام الأمازيغي موحند
سعيدي، يوم 21 ـ 12 ـ 2013، صادما وصاعقا، خلّف حزنا عميقا وأسى كثيرا في أوساط
الحركة الأمازيغية التي كان المرحوم واحدا من نشطائها وفنانيها الكبار، الذين
كرسوا فنهم لخدمة القضية الأمازيغية.
التقيت بالمرحوم مرة واحدة بجامعة وجدة
عندما استدعيت من طرف طلبة الحركة الأمازيغية لإلقاء عرض حول "أسطورة الظهير
البربري"، وذلك منذ أزيد من عشر سنوات. وقد لبى دعوة الطلبة للحضور من الرشيدية،
التي كان يعمل بها أستاذا للفنون التشكيلية، قاطعا أزيد من الف كلومتر ذهابا
وإيابا.
في هذا اللقاء سلمني ملفا يحتوي على مجموعة
كبيرة من إبداعاته الفنية والكاريكاتورية التي تدور كلها حول الأمازيغية. ومنذ ذلك
التاريخ، لم يخلُ عدد واحد من شهرية "تاويزا" من رسوماته التي كانت تزيّن صفحات
الجريدة، وتعبر، بشكل رسومي ومرئي، عن المشكل الذي يناقشه الموضوع الذي توضع تلك
الرسومات بجانبه. وقد استمر المرحوم في موافاتي من حين لآخر بإبداعاته الرسومية،
التي كنت أنشرها باعتزاز بـ"تاويزا".
عرفت، منذ أزيد من سنة ونصف تقريبا، ومن
خلال رسالة س.م.س لشقيقة المرحوم التي كان يقيم عندها بالقنيطرة ليكون قريبا من
الرباط حيث كان يتابع العلاج، والتي (الشقيقة) اعتنت به بكل تفانٍ وإخلاص، جزاها
الله خيرا، (عرفت) أنه مريض. بعد أن اتصلت به بالهاتف شرح لي ملابسات وضعه الصحي،
الذي لم يكن حالة ميؤوسا منها. أخبرت مجموعة من نشطاء الحركة الأمازيغية، هنا
بالناظور، وعلى رأسهم الأستاذ حسن بنعقية، بمرض الفنان موحند، فأبدوا استعدادهم
لعمل أي شيء يساعد في شفاء الفنان.
استمررت في الاتصال به عبر الهاتف من حين
لآخر، أستخبره عن تطور حالته الصحية. كان في كل مرة يطمئنني ويؤكد لي أن العلاج
الذي يداوم عليه أعطى نتائج حسنة. وكان مجرد صوته يبعث على التفاؤل ويكشف أن صحته
تتحسن. مرة واحدة تحدث معي بصوت متعب وخافت. لكنه شرح لي أنه عائد من حصة للعلاج
الكيمائي الذي عادة ما يعقبه التعب والعياء والإجهاد.
المرة الأخيرة التي تحدثت فيها معه
بالهاتف، كالعادة، كان حوالي خمسة عشر يوما قبل وفاته. كان صوته وهنا وخافتا
وضعيفا. وقبل أن أستفسره قال لي بأن المرض الخبيث بدأ ينتشر بمنطقة الرأس. لم أطل
الكلام معه مثلما كنت أفعل في المرات السابقة، نظرا للصعوبة التي كان يتكلم بها.
ودعته وأنا متشائم جدا، رغم أنني كنت أمني النفس بالتقدم الهائل الذي يعرفه الطب،
والذي من الممكن أن ينجح في تحقيق المعجزة بالنسبة لحالة الفنان موحند.
لما جاءني خبر وفاته، قلت مع نفسي: ها هو
عملاق آخر يغادرنا، بعد أن غادرنا المفكر الأمازيغي الحسين الإدريسي منذ أقل من
شهرين فقط. موحند كان يناضل بسلاح الريشة والألوان، والحسين كان يناضل بسلاح القلم
والكلمة. ما أحوجنا إلى هذه الأسلحة "الصامتة" لكن الفعّالة، في وقت كثرت فيه أسلحة
التدمير والتفجير المدوّية.
لقد كان كل رسم أمازيغي للفنان موحند يلخص
لوحده جانبا من القضية الأمازيغية، الذي يحتاج شرحه وعرضه إلى كتاب من الحجم
الكبير. وعندما نتأمل رسوماته، سنلاحظ كيف أنه جعل من حروف "تيفيناغ" الأمازيغية"،
ومن العلم الأمازيغي، سلاحا "فتاكا" للدفاع عن الأمازيغية والذود عنها. وإذا كان
هذا السلاح هو مجرد ريشة وأصباغ قد لا تقتل ولا تجرح، إلا أنها عندما تتحول إلى رسم
وكاريكاتور، فإنها تصبح سيفا يقطع رؤوس الأمازيغوفبيا، ورمحا يصيب في القلب أعداء
الأمازيغية، وصاروخا يدمر أساطير العروبة العرقية المناهضة للأمازيغية.
رغم عِظم الرزء الذي منينا به يا موحند
لفقدانك، إلا أن عزاءها هو تراثك الفني الأمازيغي الذي سيبقى نبراسا يضيء الطريق
الذي تسير فيه الأمازيغية.
|