|
|
من يحكم المغرب؟
بقلم: محمد بودهان (11 ـ 07 ـ 2017) "غزوة" عيد الفطر بالحسيمة: في الدول الديموقراطية، الجواب عن السؤال حول من يحكم الدولة معروف، وهو أن القانون والمؤسسات (البرلمان، الحكومة، القضاء...)، هما من يحكم، لأن الدولة الديموقراطية، هي شخص اعتباري بكامل المعنى، مستقلّ بكامل المعنى كذلك عن الأشخاص الطبيعيين الذين يطبقّون القانون أو يمثّلون هذه المؤسسات. أما في الدول غير الديموقراطية، مثل المغرب، فالدولة لا تزال ذات طابع شخصاني، غير مستقل عن الأشخاص الطبيعيين، الذين يسيّرونها كما لو كانت ملكا شخصيا لهم. ولهذا فالجواب عمن يحكم المغرب، بديهي ومعروف، وهو الملك، ليس فقط كمؤسسة، كما عندما نقول إن الرئيس الأمريكي هو من يحكم الولايات المتحدة، وإنما كشخص طبيعي لأن الدولة لا تزال دولة أشخاص وليست بعدُ دولة قانون ومؤسسات. وهذا التشخصن للدولة نجده عامّا وحاضرا في كل مستوياتها وتمظهراتها، من وزير مسؤول عن قطاعه الوزاري إلى موظّف بسيط بقسم الحالة المدنية لجماعة قروية، من مدير ديوان وزير إلى "شاوش" بالمحكمة، من عميد كلية إلى حارس مدرسة ابتدائية، من قائد مقاطعة إلى مقدم الحي، من والي الأمن إلى شرطي المرور... وهذا التشخصن هو الذي يفسّر انتشار الرشوة التي تنخر الإدارة المغربية، لأن الرشوة لا تدفع إلى مؤسسات ذات وضع اعتباري، وإنما تُدفع إلى أشخاص طبيعيين يشغلون مسؤوليات في هذه المؤسسات. ينتج عن هذا الطابع الشخصاني للدولة المغربية، أن الملك هو من يحكم المغرب، كشخص قبل أن يكون مؤسسة، كما سبقت الإشارة. وقد نصت كل الدساتير لما قبل دستور 2011على أن «شخص الملك مقدّس». إذا كان الأمر كذلك، وكان الجواب حول من يحكم المغرب بديهيا ومعروفا، فلماذا طرح هذا السؤال أصلا؟ ما يبرّر طرحه هو "غزوة" عيد الفطر، يوم 26 يونيو 2017 بالحسيمة، والتي نفّذتها قوات القمع في حق المتظاهرين المسالمين، ومنعت حتى القادمين من خارج الحسيمة لزيارة أقاربهم بمناسبة العيد، مع فرض حصار أمني وعسكري على المنطقة منذ شهور. فهذه "الغزوة"، مع ما سبقها وصاحبها من حصار وترويع للسكان ومداهمة للمنازل واعتقال للأبرياء وتعذيب للموقوفين، لا يمكن أن يأمر بها موظّف مرؤوس مهما كانت رتبته عالية ومنصبه ساميا. فهل يعني هذا أن الملك هو الذي أمر بهذه "الغزوة"، وأصدر تعليماته بتنفيذها؟ الاستبداد بين عهدين: في عهد الحسن الثاني كانت القرارات الأمنية والاستراتيجية الهامة، وفي إطار دولة مشخصنة، وبحكم مخزني استبدادي، تصدر عنه مباشرة، رغم ما كان له من مستشارين ذوي كفاءة عالية وتكوين سياسي جيّد. وحتى وزير الداخلية القوي، إدريس البصري، كان دوره يقتصر على الإشراف على تطبيق تلك القرارات، وخصوصا الأمنية منها، دون أن يكون له دخل في إصدارها. أما في عهد محمد السادس، فقد طرأ تغير على مَصدر القرارات الأمنية والاستراتيجية، إذ أصبح الملك يعتمد على مجموعة من المقرّبين منه، ضمنهم حتى بعض أصدقاء الدراسة، اختيروا كمستشارين فاعلين ـ وليس فقط صوريين ـ، يشار إليهم، كما يُطلق عليهم في مسميات أخرى، بحكومة الظل، أو بالدولة العميقة، أو حتى بـ"العفاريت والتماسيح"، أو بالمنتمين إلى المربّع الملكي، والذين يشكّلون أصحاب حلّ وعقد جدد، يشاركون عمليا، بحكم موقعهم، في صناعة القرارات الأمنية والاستراتيجية. وهو ما أهّلهم أن يصبحوا نافذين ومتحكّمين (لا أشعر بأية عقدة في استعارة هذا المصطلح من السيد عبد الإله بنكيران وحزبه) في أجهزة الدولة، ويلعبوا دورا أساسيا في اختيار الشخصيات التي يرونها مناسبة لشغل الوظائف الأمنية والاستخباراتية والقضائية، الحسّاسة والهامة، ويقرّرون في الاختيارات السياسية والتنموية. كل هذا قد يبدو عاديا جدا، لا يخرج عن استعانة الملك بمن يختارهم كمستشارين له. لكن ما ليس عاديا هو أن يزداد، مع مرور الأيام، نفوذ هؤلاء "المستشارين"، ويكبر ويتوسّع، ويتجاوز دور تقديم المساعدة والاستشارة للملك، إلى دور التحكّم (وهي تسمية استعملها، كما قلت، السيد بنكيران وحزبه، قبل أن يكون ضحية راضية لذلك التحكّم)، ليس فقط في الدولة، بل وحتى في الملَكية، وذلك عندما أصبحوا يتخّذون قرارات هامة، وخصوصا الأمنية منها، باسم الملك دون أن يكون هذا الأخير هو المُصدر المباشر لتلك القرارات. وهو ما قد يجعل الملك يتحوّل، شيئا فشيئا، إلى شبه رهينة في يد هذه النخبة من المتحكّمين، ذات العدد المحدود جدا، والتي تقوم بدور الحكومة الحاكمة في مقابل الحكومة المحكومة (من طرف تلك النخبة)، بتعبير السيد ناصر الزفزافي، فكّ الله أسره، والتي يقتصر دورها على التصفيق للفساد والاستبداد والتحكّم. لقد كانت القرارات في عهد الحسن الثاني، الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية، واضحة وصارمة لأنها كانت تصدر عن إرادة واحدة، هي إرادة الحسن الثاني، رغم أنه، هو أيضا، كان له مستشارون. أما اليوم، وبسبب وجود جهة متحكّمة، مقرّبة من الملك، تشارك في صنع واتخاذ القرارات، فإن هذه القرارات يطبعها، في العديد من الحالات، غيرُ قليل من سوء التدبير والتقدير، وغيرُ قليل من الارتباك والتردد والتناقض، كما في طريقة التعامل مع حراك الريف منذ ثمانية أشهر. مع أن هذا الحراك، لو حصل مثله في عهد الحسن الثاني، لحلّ المشكل بقرار حاسم ونهائي، وذلك، حسب تقديره للربح أو الخسارة سياسيا، إما بإحراق الحسيمة، كما فعل في 1958 ـ 59، وإما بفتح حوار مع المحتجّين للبدء في الاستجابة لمطالبهم. فمقارنة مع حكم الحسن الثاني، نستنتج أن الاستبداد الذي كان يميّز حكمه، ليس فقط أنه لم يختفِ في عهد محمد السادس، كما كان مطلوبا ومأمولا، بل أضيف إليه استبداد آخر هو التحكّم. فما يمتاز به عهد الحسن الثاني هو أنه كان يمارس استبداده بنفسه دون وساطة متحكّمين، أي دون الحاجة إلى مستبدّين صغار يمارسون استبدادهم الخاص بدعوى خدمة الاستبداد الأكبر. فلا نتصور مثلا أن في عهد الحسن الثاني، كان سيجرؤ مسؤول، مهما كان نفوذه أقوى وأكبر، أن يعرّي سجينا أمام الكاميرا وينشر صوره على شبكة الأنترنيت، حتى لو كان هذا السجين هو العدو رقم واحد للحسن الثاني، كما فعل المسؤولون في عهد محمد السادس (يوم 10 يوليوز 2017)، الذين تحدّوا كل القوانين والأخلاق والأديان والقيم والأعراف والحقوق، عندما أمروا بتعرية البطل ناصر الزفزافي وبثّ فيديو عن تلك التعرية على الأنترنيت، إمعانا في الانتقام منه. ولا شك أن المسؤول عن هذه الجريمة الشنعاء والنكراء، لم يُقدم على إعطاء الأمر بارتكابها إلا لأنه واثق أنه في منأى عن أية متابعة أو مساءلة. وبما أنه من غير الممكن أن يكون الملك ـ وإلا لكان ذلك طامة كبرى ـ هو الذي أعطى تعليماته باقتراف هذا الجرم المشهود، فهذا يعني أن المسؤول عن ذلك يتصرّف كـ"ملك" آخر داخل مملكة محمد السادس. والأخطر في هذه الجريمة، أن محمدا السادس، بحكم اختصاصاته الدستورية، هو من يتحمّل في الأخير المسؤولية عنها. وهذا ما يعرفه ويريده المسؤولون المباشرون عن هذه الجريمة. الشيء الذي يؤكد تحليلنا أن المتحكّمين، الذين صنعتهم الملكية نفسها، يسعون إلى جعلها رهينة في أيديهم، باسمها وتحت غطائها يخرقون القانون وينتهكون الحقوق، ويعتدون على الأبرياء وينتقمون من الشرفاء. نموذج الحماية الفرنسية: باستعمالهم للملكية التي صنعتهم لتتقوّى بهم في عهد محمد السادس، يكرّر المتحكّمون نفس الخطة التي نهجتها الحماية الفرنسية، التي احتلت المغرب وحاربت قبائله وقتلت أبناءه ونهبت ثوراته، وكل ذلك باسم حماية الملك، الذي لم يكن سوى ذريعة لاستعمار المغرب، دون إنكار مسؤوليته المباشرة (السلطان مولاي حفيظ) في ذلك الاستعمار لموافقته الصريحة عليه. نفس الشيء يقوم به المتموقعون في المربّع الملكي، أصحاب الحلّ والعقد الجدد، الذين يتذرعون بخدمة الملك لخدمة نفوذهم وتحكّمهم، دون إنكار مسؤولية الملك الذي كان وراء توسّع نفوذ هؤلاء المتحكّمين، الذين هم في الطريق ـ إن لم يُقطع عليهم ـ إلى جعله رهينة في أيديهم يستعملونه ويبتزونه، كما كانت تفعل الحماية الفرنسية. وحتى يعزلوا الملك عن شعبه ليستفردوا به ويستعملوه كما أرادوا، تماما كما كانت تفعل الحماية الفرنسية، عملوا، ودائما باسمه، على إضعاف الأحزاب، وتدجين المعارضة، وإفساد الحياة السياسية، والتساهل مع نهب المال العام، وصنعوا مؤسسات فاقدة للمصداقية ومرفوضة من الشعب، مع رفع تقارير إلى الملك تقول إن كل شيء، بفضلهم، على أحسن ما يرام في المملكة السعيدة، فاطمأنّوا، بكل ثقة وتبجّح، أنهم أحكموا التحكّم، وأن كل سيء تحت رقابتهم وسيطرتهم. الحراك يبعثر أوراق المتحكّمين: ثم جاء الحراك الشعبي بالريف، فهزّ أركان تحكّمهم، وبعثر أوراقهم وحساباتهم، وزعزع اطمئنانهم وثقتهم في مخططاتهم، وزرع الشك في فعالية نهجهم وحكامتهم، ورأوا فيه تهديدا مباشرا لتحكّمهم ونفوذهم. فلم يكن أمامهم من حلّ، كدفاع "شرعي" عن البقاء (بقاء تحكّمهم ونفوذهم)، وحتى لا يخسروا كل شيء ويصبحوا بين عشية وضحاها أعداء مكشوفين للشعب، إلا العمل على إنهاء الحراك بالقوة والعنف مع انتهاك صارخ للقانون. وكل ذلك، وهذا هو بيت القصيد، باسم الملك وتحت غطائه. وهم، باستعمالهم الملك مرة أخرى، يضربون بذلك عصفورين بحجر واحد: القضاء على الحراك، كما يعتقدون ويتوهّمون، وتوريط الملك نفسه في انتهاكات لحقوق الإنسان والشعب، بذريعة أنه هو رئيس الدولة المسؤول دستوريا عن "غزوة" عيد الفطر بالحسيمة، وما سبقها وتلاها من "غزوات" أخرى. وبخلقهم لشرخ بين الملك والشعب، يحوّلون الأول إلى رهينة في أيديهم يستعملونه ويبتزّونه كما يريدون، كما سبقت الإشارة، مع العمل على إقناعه أنه بدونهم فهو في خطر أمام احتجاجات الشارع، التي يصوّرونها له كتهديد للعرش، تماما كما كانت تفعل الحماية الفرنسية، عندما كانت تحارب القبائل التي رفضت الاستعمار بدعوى أنها انفصالية ورافضة للملكية، كما سبق أن شرحنا. فباسم الملك يعتقلون ويختطفون ويداهمون ويحاكمون ويسجنون، حتى لا يطالهم هم أي اعتقال ولا محاكمة ولا سجن، مع أن هذا هو مصيرهم لو كان هناك إعمال للعدالة والقانون. وليس بغريب أن يحذّروا من الحراك الشعبي، كما يفترون عليه في إعلامهم وبلاغاتهم التي رددتها الحكومة المحكومة، أن يؤدي إلى ما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا من اقتتال وتخريب وحرب أهلية تدميرية ودموية. لماذا؟ لأن في نيتهم، كآخر هروب انتحاري لهم إلى الأمام، أن يحوّلوا المغرب إلى ما يحذّرون منه، إن كانوا سيخسرون نفوذهم وامتيازاتهم وهيمنتهم وتحكّمهم بالخصوص في الملكية، التي باسمها يفعلون ما يفعلون ويرتكبون ما يرتكبون. ليس هناك شكّ أن الملك أعطى أوامره لحل مشكل حراك الريف. ولكن هل أعطى الأمر المباشر بتنفيذ "غزوة" عيد الفطر وما سبقتها من "غزوات" منذ 26 ماي 2017؟ مهما كان المسؤول المباشر عن تلك "الغزوة"، فلا يمكن إعفاء الملك من المسؤولية عما وقع، لماذا؟ لأن ذلك، أولا، يتم باسمه كرئيس للدولة وكملك ذي اختصاصات تنفيذية، يسود ويحكم، وثانيا لأن هؤلاء المسؤولين المباشرين عما حدث، يفعلون ذلك خدمة للتحكّم والاستبداد والفساد، وهو شيء خلقته الملكية، وبالتالي فالملك مسؤول عن قرارات خدّامه المتحكّمين والمستبدّين والفاسدين. الحلقة المفرغة للتحكّم والاستبداد: إذن عن السؤال حول من يحكم المغرب، يكون الجواب: تحكمه جماعة من المتحكّمين، لكن كوسيلة فقط لتقوية استبداد الملكية كغاية. ونوضّح، لتبيان الفرق بين الاستبداد والتحكّم، أن الاستبداد هو تحكّم تمارسه الملكية. أما التحكّم فهو استبداد شخصي يمارسه باسمها المقرّبون منها. وإذا كان إضعاف الأحزاب واحتواء المعارضة وإفساد السياسيين، أحد مميزات العهد الجديد، فذلك من أجل مزيد من الاستبداد السياسي والاقتصادي للملكية. ولأن من قوة هذا الاستبداد يستمدّ المستبدّون "الصغار" استبدادهم، الذي يمارسونه كتحكّم، لهذا فهم يعملون كل ما في وسعهم حتى لا يَضعُف استبداد الملكية أو يتراجع، لأن في ذلك ضعفا وتراجعا لتحكّمهم هم أنفسهم. وهذا ما يفسّر صعوبة تحقيق ديموقراطية حقيقية بالمغرب، بانتقال الملكية من شكلها المخزني، الاستبدادي التنفيذي، إلى شكل ملكية برلمانية، لأن ذلك سيعني عدم الحاجة إلى تحكّم ولا متحكّمين يقرّرون، حسب أمزجتهم وأهوائهم وأمراضهم ومصالحهم الشخصية، خارج القانون والدستور، وخارج أية محاسبة ومعاقبة، لأنهم يمارسون تحكّمهم باسم الملك وتحت غطائه. لكن هؤلاء المتحكّمين، الذين خلقتهم الملكية نفسها لتبثيت استبدادها، صاروا يستعملونها لتثبيت تحكّمهم هم أنفسهم، وهو ما ينتج عنه إضعاف للدور الحقيقي للملك، الذي أصبح يؤدّيه باسمه ونيابة عنه ممارسو التحكّم. ولهذا نرى أن كل القرارات الأمنية الخرقاء التي تعاملت بها السلطة مع حراك الريف، منذ 26 ماي 2017، مع ما حرّكها من رغبة عقابية وانتقامية، وما شابها من خرق للقانون وانتهاك لحقوق الإنسان، وما صاحبها من ترهيب للسكان ومداهمة للمنازل واختطاف للأبرياء وتعذيب للمعتقلين، واعتداء على المتضامنين معهم في الرباط ومدن أخرى، اتخِذت وطُبّقت كما لو أن الملك غير موجود عمليا، رغم أن كل ذلك يتم مبدئيا باسمه. وهذا لا يعني أن كل القرارات يجب أن يتخذها الملك بنفسه أو يشرف عليها شخصيا عندما تكون مطابقة للدستور وللقانون، لأن في هذه الحالة لا يمكن الحديث عن تحكّم ولا بغي ولا شطط في استعمال السلطة، لأن قرارات وتصرفات السلطات لم تخالف الدستور والقانون. أما الحضور المطلوب للملك، فهو الذي يقتضيه تدخله الدستوري (الفصل 42) لإيقاف مذبحة الدستور والقانون وحقوق الإنسان، كالتي ارتكبت في الحسيمة، وخصوصا "غزوة" عيد الفطر، والتي ارتكبت في حق المناضل الشريف ناصر الزفزافي الذي عُرضت صور له وهو شبه عارٍ على الأنترنيت، تشفيا منه ومسّا بكرامته. فالأكيد أن المتحكّمين، الذين أعطوا أوامرهم الأمنية لاقتراف هذه المذابح الدستورية والقانونية والحقوقية، تصرّفوا كما لو أن الملك لا سلطة ولا رقابة له عليهم. لكن الأدهى أنهم يفعلون ذلك باسمه. وفي هذا إضعاف لدوره وخطر على الملكية نفسها. وما يجعل هذا الخطر أكبر، هو أنها قد لا تستشعره حتى تعمل على وقفه والحدّ منه. الحاجة إلى حراك ملكي: ما هو الحل حتى تتخلّص الملكية من التحكّم الذي يُمارس باسمها، بعد أن كانت هي مصدره وسببه؟ لم يبق لها إلا أن تنضم إلى الشعب بإعلان "حراك ملكي" على شكل "ثورة للملك والشعب" حقيقية، هذه المرة، وليست تلك التي اختلقتها "الحركة الوطنية" كما اختلقت ظهور محمد الخامس على سطح القمر. وإذا كانت مثل هذه الثورة، التي تجمع بين الملك والشعب، تبدو أمرا مستبعدا، بل وخياليا، لأن الاستبداد والفساد يفرّقان بينهما، فذلك لأن المستفيدين من الاستبداد والفساد، من جماعة المتحكّمين، هم الذين يعملون على توسيع الهوة بين الملك والشعب، حتى يستأثروا به ويستعملوه ويبنزّوه من أجل مزيد من الاستبداد والفساد، اللذيْن يجتهدون لتحميل المسؤولية فيهما للملك حتى تتسع تلك الهوة بينه وبين الشعب، كما في حالة الحراك الشعبي بالريف، الذي رفعوا عنه تقارير إلى الملك تقول بأنه حراك انفصالي ومعادٍ للمغرب وللملك، حتى يقوم هذا الأخير برد فعل في مستوى خطورة الحراك، وهو ما يخلق مزيدا من العداء بين الملك والشعب. الحلّ إذن بالنسبة للملكية هو، بكل بساطة، أن تقطع مع الاستبداد والفساد اللذيْن يغذيّان التحكّم، الذي كانت تلجأ إليه لحماية استبدادها من أية معارضة حقيقية. وبذلك لن تكون في حاجة إلى متحكّمين ولا مفسدين يحمونها من الشعب، لأن هذا الشعب سيكون هو من يحميها بعد أن تتخلى عن استبدادها، وتتحول إلى ملكية شعبية ومواطِنة، يتوقف بقاؤها واستمرارها على تعلّق الشعب بها، وليس على الاستبداد والفساد والتحكّم. وفي هذا الصدد، فإن الحراك الشعبي بالريف، هو فرصة ذهبية وتاريخية لتتخلص الملكية من عاهتيْها الملازمتين لها، وهما الاستبداد والفساد، اللذيْن يستعملهما المتحكّمون النافذون، الذين يستمدون تحكّمهم ونفوذهم من قربهم من الملك، بشكل يهددها ويشكل خطرا عليها، وذلك بإظهارها كما لو كانت معادية للشعب، من خلال الشطط الكبير في استعمال السلطة الذي يمارسه المتحكّمون، بنفوذهم الأمني الكبير وسلطاتهم الواسعة، على الشعب باسم الملك. أما في ما يتعلق بالمعتقلين السياسيين لهذا الحراك الشعبي، وفي علاقة برغبة الملكية في القطع مع الاستبداد والفساد، فلا يكفي الإفراج عنهم ومتابعة من اختطفوهم وعذّبوهم وأساؤوا إليهم، بل تجب مكافأتهم على تنبيههم للملكية إلى مخاطر الاستبداد والفساد، اللذيْن بسببهما تحوّلت إلى مجرد وسيلة في يد تلك المجموعة الصغيرة من المتحكّمين الذين صنعتهم بأيديها، يمارسون بها تحكّمهم المزاجي والشخصي، الذي جعلوا منه الحاكم الحقيقي للمغرب.
|
|