الممثل الناطق بالأمازيغية والإنتاج التلفزي
بقلم:
محمد زروال/ خنيفرة
(14
ـ 08 ـ 2012)
استأثرت الإنتاجات التلفزية المغربية باهتمام كبير من لدن الباحثين والمختصين،
وغالبية الآراء متذمرة من رداءة ما تبثه قنواتنا من إبداعات فنية، وهي ظاهرة تتكرر
كل رمضان، ويبدو أن الأمر غير طبيعي إذ لا بد من نقاش مستمر طيلة السنة لكي يستفيد
المنتجون والمخرجون والمبدعون من انتقادات وملاحظات المتخصصين في المجال لتجاوز
هفواتهم في المستقبل، ننتظر شهر رمضان للتداول في أمر تلفزتنا كأننا شعب لا يشاهد
التلفزيون إلا في رمضان، وفي إطار تفاعلي مع هذا النقاش أود أن أتناول الموضوع من
زاوية أخرى ترتبط بحضور الممثلة/الممثل الناطق بالأمازيغية في هذه الإنتاجات.
يكتشف كل متتبع للإنتاج الدرامي والكوميدي والسينمائي بالمغرب هيمنة مجموعة من
الوجوه على الظهور في الشاشة الصغيرة والكبيرة سواء تعلق الأمر بالأدوار الثانوية
أو الرئيسية، ويفسر بعض المتتبعين ذلك بتحكم العلاقات الشخصية بين المنتجين
والمخرجين من جهة والممثلين من جهة أخرى في الكثير من الاختيارات، وهناك من يفسر
ذلك بالكفاءة المهنية إذ نجد وجوها فنية دائمة الحضور في الشاشة بسبب الموهبة
الفنية التي تمتلكها عكس وجوه أخرى يتم تهميشها. ولم تقتصر هذه الهيمنة على الإنتاج
الدرامي والكوميدي بل أصبحت نفس الوجوه تهيمن على قطاع الإشهار لدرجة نجد فيها
شركات تجند عددا كبيرا من الفنانين في مجال الموسيقى مثلا للمشاركة في وصلة إشهارية
واحدة.
سبب
حديثي عن هذه الهيمنة فرضه تحول ملموس يمكن لكل مهتم بالفنان الناطق بالأمازيغية
ملاحظته، فقد بدأنا نلاحظ حضور بعض الوجوه المعروفة بمشاركتها في الأعمال الفنية
الناطقة بالأمازيغية بأدوار ثانوية في أعمال ناطقة بالدارجة المغربية، ويمكن
التمييز بين فئتين من الفنانين الناطقين بالأمازيغية: الفئة الأولى هم ممثلون
وممثلات ينتمون لأسر ناطقة بالأمازيغية استقرت في مدن المركز كالدار البيضاء
والرباط منذ فترة الحماية أو بعد الاستقلال، هذه المدن شكلت مجالا خصبا لبروز
مواهبهم الفنية، أو كبروا في هذه المدن بعدما هاجر إليها آباؤهم، وهكذا يمكن
الحديث عن استفادة هؤلاء من التواجد في المركز، حيث سنحت لهم الفرصة لتلقي التكوين
في التمثيل أو المشاركة في المسرحيات بدور الشباب كهواة قبل أن يشاركوا الإنتاجات
الفنية الضخمة الناطقة بالدارجة أو الفرنسية التي غيرت مجرى حياتهم وجعلتهم محترفين
للفن بعدما ولجوا إليه كهواة فقط، وهكذا فإن أمازيغية هؤلاء كانت مرتبطة بالمنزل
فقط وبعض الأصدقاء وكمتتبعين لمسيرة هؤلاء كنا نفاجأ بكون الكثير منهم ناطقا
بالأمازيغية بسبب النظرة التي كانت سائدة تجاه الأمازيغية في تلك الفترة. (حدثت ولا
زالت تحدث هذه المفاجآت أيضا في علاقة التلاميذ بالأساتذة، فآخر من سيتحدث
بالأمازيغية بالنسبة لتلاميذ المناطق الناطقة بالأمازيغية هو الأستاذ خاصة إذا
كانت أصوله من الرباط أو الدار البيضاء أو فاس) .ومن بين عناصر هذه الفئة نذكر: عمر
السيد، السعدية ازكون، سعيدة باعدي وشقيقتها، عبد الله فركوس، لطيفة أحرار و مجيدة
بنكيران سناء عكرود... قد يكون بعض الممثلين المغاربة ممن يتحدث بالأمازيغية
وأنا لا زلت أجهل ذلك.
والفئة الثانية هم فنانون وفنانات أنتجهم الهامش الفني خاصة القادمين من منطقة سوس،
صقلوا موهبتهم الفنية في أعمال الهواة أو تصوير أشرطة الفسدي والفيديو، ومنهم من
تلقى تكوينا علميا في مجال التمثيل، هذه الفئة بدأت مشوارها الفني في أعمال ناطقة
بالأمازيغية وأبانت عن أداء متميز، استحسنه النقاد والمشاهدين، وهذا ما جعل
المخرجين والمنتجين في المركز المهيمن على آلية الإنتاج الفني يستعينون بها في
أعمال ناطقة بالدارجة، وهنا يمكن الحديث عن ميزة أساسية من المنتظر أن تعطي
الأفضلية للفنانين الناطقين بالأمازيغية سواء من الفئة الأولى أو الفئة الثانية،
فتمكنهم من الأمازيغية والدارجة والفرنسية سيجعلهم محط اهتمام المنتجين شريطة
امتلاك موهبة جيدة في التمثيل مقارنة مع الفنانين غير الناطقين بالأمازيغية الذين
لا يستطيعون المشاركة في الأعمال الناطقة بالأمازيغية. ويمكن أن نصنف ضمن الفئة
الثانية كل من محمد عاطف ، زاهية زاهيري ومحمد باسو رشيد أسلال...
هذا
الحضور الذي يسجله الممثل الناطق بالأمازيغية هو مسألة تحتاجها الأمازيغية في هذه
اللحظة فهي السبيل الحقيقي لضمان المزيد من الاعتراف بها كلغة وثقافة متجذرة في عمق
الوجدان المغربي، كما أنها ستقطع الطريق على كل من يرى في الأمازيغية فولكلورا
للاستهلاك السياحي والسياسي ورمزا للبداوة والترحال، وأخيرا ستضمن لنا التوفر على
رموز فنية على المستوى الوطني توصل رسالتنا الحضارية وتعبر في نفس الوقت عن
ارتباطنا بقيم الحداثة والديمقراطية.
|