|
|
لماذا ليست العربية ضرورية لكفاءة المسؤولين الحكوميين؟
بقلم: محمد بودهان
(27 ـ 02 ـ 2015) قد لا يوجد بلد تُسند فيه مسؤولية حكومية لمن لا يتقن اللغة الرسمية لذلك البلد، لأن عدم إتقانها يعني، بكل بساطة، نقصا في كفاءة ذلك المسؤول، وهو ما يجعله غير جدير بالتعيين في المنصب المعني. ولهذا لا يعقل ولا يُتصور مثلا أن وزيرا ألمانيا أو فرنسيا أو روسيا أو بريطانيا أو إيرانيا أو تركيا، لا يتقن الألمانية أو الفرنسية أو الروسية أو الإنجليزية أو الفارسية أو التركية. لكن هذه الظاهرة، في المغرب، ليست غائبة ومنعدمة. وإذا كان بعض المغاربة قد اكتشفوها مستغربين بمناسبة اعتراف وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، السيد رشيد بلمختار، للقناة "فرانس 24"، بأنه لا يعرف اللغة العربية، فإن الظاهرة ليست جديدة ولا غريبة ولا شاذة، بل هي شيء معروف ومألوف وجارٍ به العمل في المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم. كيف يُعيّن وزير في الحكومة، وبمنصب كبير، وهو لا يتقن اللغة الرسمية التي هي العربية؟ لأن عدم إتقان مسؤول حكومي للغة بلده الرسمية من غير العربية، كما في فرنسا مثلا أو روسيا أو إيران أو تركيا أو البرتغال أو النرويج أو اليابان أو كوريا، يعني نقصا في كفاءته ومستواه، كما سبقت الإشارة، وهو ما يبرر عدم إسناد أية مسؤولية له باعتباره غير مؤهل لها. أما عدم إتقان العربية من طرف مسؤول حكومي، فلا يعني ذلك إطلاقا أنه ناقص في الكفاءة التي يتطلّبها منصبه، أو أنه غير مؤهل لشغل ذلك المنصب، أو أن مستواه العلمي ضعيف ومحدود، كما هو الحال عندما يتعلق الأمر بعدم إتقان اللغات الرسمية الأخرى. والدليل على استقلال الكفاءة عن إتقان اللغة العربية، هو نموذج الوزير السيد رشيد بلمختار، الذي هو واحد من خيرة الوزراء على مستوى تكوينه المعرفي ومستواه العلمي، كما تشهد على ذلك الشواهد العليا التي يحملها في تخصصات علمية دقيقة. وقبله كذلك، كان الراحل إدريس البصري الذي لم يكن يعرف النطق بكلمة واحدة من العربية. بل حتى دارجته كانت لا تختلف عن دارجة الأميين البدويين. ومع ذلك لم يمنعه جهله بالعربية أن يكون وزير الوزراء بالمغرب لمدة عشرين سنة، ممارسا لعمله بكفاءة عالية، بفضل تمكّنه الجيد من العلوم القانونية التي درسها بغير اللغة العربية طبعا. ماذا يعني هذا الاستقلال لمستوى الكفاءة عن مستوى إتقان العربية؟ يعني أن حضور هذه اللغة كغيابها، وأن معرفتها كجهلها، وأن وجودها كعدمها، ما دام ليس لها أدنى تأثير على مستوى الكفاءة المطلوبة في مسؤول حكومي ما، كما يجسّد ذلك العديد من الوزراء الذين يجهلون العربية جهلا تاما، لكن ذلك لا ينتقص شيئا من كفاءتهم ومستواهم العلمي والمعرفي. فهي إذن لغة لا تصلح لشيء، ما دامت ليست صالحة لاكتساب الكفاءات والمهارات العلمية والمعرفية، كما تفعل غيرها من اللغات. وقد برهن التعريبيون أنها لا تصلح إلا للاستعمال الإيديولوجي، الذي لا يفيد تقدم البلاد ولا تنميتها ولا تطورها. وحتى نقدّر ونقيس مدى أهمية وضرورة وحيوية كل واحدة من اللغات المستعملة في المغرب، نسوق المثال التالي للمفكر الفرنسي "سان سيمون" (Saint - Simon 1760 – 1825)، والذي جاء به قصد إبراز الدور الحيوي والضروري للعمال. سأحتفظ بنفس الفكرة، لكن مع تطبيقها على اللغات وليس العمال. لنفترض، كما يقول "سان سيمون"، أن المغاربة وجدوا، ذات صباح، أن العربية قد اختف (ليطمئن التعريبيون، فهذا مجرد مثال خيالي للتوضيح)، ولم يعد أحد يعرف قراءتها ولا كتابتها ولا التحدث بها. فماذا سيتغير بالمغرب؟ قد لا يحضر التلاميذ حصص العربية، وقد لا تباع بعض الجرائد، وقد لا نسمع النشرة الخبرية بالفصحى، وقد لا نستمع لخطبة الجمعة بشكلها المعهود، وقد تختفي خطابات التحريض والتكفير... أمور عديدة قد تتغير، لكن لن يكون لذلك تأثير كبير على سير الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على الخصوص، إذ الأسواق تستمر في معاملاتها، والأبناك تواصل نشاطها العادي، والمستشفيات تقوم باستقبال وعلاج المرضى، والإدارات تنجز الشواهد الإدارية بالفرنسية... بل حتى أداء الفرائض الدينية لن يطرأ عليه تغيير كبير، كأن يختفي أو يتوقف. والدليل على أن هذا الأداء سيستمر بدون عربية هو أن جداتنا وأمهاتنا (بالنسبة لأبناء جيلي) كن يؤدين الصلوات في أوقاتها ولا يعرفن كلمة واحدة من العربية ولا حتى من الدارجة، باستثناء سورتي الفاتحة والإخلاص اللتين كنّ يرددنهما أثناء الصلاة، وبشكل ميكانيكي وغير سليم. ولنتذكر أن نسبة الأميين بالمغرب تصل الأربعين في المائة. ومع ذلك فإن هؤلاء الأميين يؤدون فرائضهم الدينية. ولا ننسى أن هناك مليارا ونصفا من المسلمين في العالم لا تعدّ العربية لغة لهم. ولنفترض الآن أن المغاربة اكتشفوا، ذات صباح، أن الفرنسية قد اختفت من المغرب ولم يعد أحد يعرف قراءتها ولا كتابتها ولا التحدث بها. ماذا سيحدث؟ ستتوقف مصالح حيوية تشتغل بالفرنسية، مثل الداخلية والمالية والخارجية والدفاع والقصر، ولا نجد طبيبا يحرر وصفة لشراء الدواء، ولا مهندسا معماريا ينجز تصميما للبناء... لأن كل هذه الخدمات تتوقف على اللغة الفرنسية. أعرف أن التعريبيين سيعترضون بأن حيوية الفرنسية شيء فرضه الحكام والسياسيون، وهو شيء يمكن أن تعوّضه العربية لو قرر ذلك هؤلاء الحكام والسياسيون. لكن السؤال هو: لماذا يرفض الحكام والسياسيون، ومن جميع التيارات والأحزاب، ومنذ الاستقلال، أن يجعلوا العربية بديلا للفرنسية؟ الجواب لأن ذلك أمر مستحيل، لأنه قد يؤدي، لو تحقق، إلى موت الدولة نفسها. لنفترض الآن أن المغاربة اكتشفوا، ذات صباح، أن الأمازيغية والدارجة قد اختفتا، ولم يعد أحد يتقنهما ويتحدث بهما، ولا توجد إلا العربية التي تحتفظ بمكانتها الحالية. فماذا ستكون النتيجة؟ سيصبح المغاربة مثل شعب أبكم لا يتفاهم إلا بالإشارات، وستُشل الحركة التجارية بالأسواق نهائيا، لأن المتعاملين لا يتقنون لغة يستعملونها للتفاهم والبيع والشراء... هذه الأمثلة الافتراضية تبيّن أن العربية هي اللغة الوحيدة التي تكون أضرارها الناتجة عن غيابها شبه منعدمة، لأنه لا يكون لاختفائها أي تأثير على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمغرب، لأن وجودها كعدمها ومعرفتها كجهلها كما سبقت الإشارة. ومع ذلك فإن "الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية"، سارع كعادته، بمجرد انتشار خبر رفض السيد بلمختار التحدث بالعربية التي يجهلها، إلى مهاجمة الوزير، واصفا جهله للعربية «بالسابقة الخطيرة والصادمة»، و«مسّا خطيرا بهوية البلاد وتهديدا للأمن اللغوي والتربيوي للمغاربة، وإهانة للنصوص القانونية والرسمية المؤكدة على رسمية اللغة العربية»، مطالبا بإقالته، مع تصريح السيد فؤاد بوعلي، رئيس "الائتلاف"، «أنّ الأمر قد لا يتوقف عند الإقالة، بل قد يصل إلى المحاسبة»، لأن الوزير برفْضه الحديث باللغة العربية «لم يرتكب خطأ مهنيا فحسب، بلْ جريمة في حقّ الوطن وهويّته»، ذلك أن موقفه «يعني احتقاره لها (يعني العربية) ولتوافقات المغاربة حوْلها ولوجوده في حكومة التزمت بحماية اللغة العربية»، مضيفا أن اللغة العربية «ليست اختيارا ذاتيا، بل لغة رسمية ودستورية وتعبيرا عن هوية الوطن ووجوده». ودعا "الائتلاف" رئيس الحكومة ووزراءه «إلى احترام رموز الهوية الوطنية واستعمال اللغة العربية في اللقاءات الوطنية والدولية» (انظر الخبر على رابط "هسبريس": http://www.hespress.com/societe/256258.html. اعتبار رفض الوزير التحدث بالعربية «مسّا خطيرا بهوية البلاد وتهديدا للأمن اللغوي والتربوي للمغاربة»، والمطالبة بإقالته، وحتى محاسبته، هو تدشين لإرهاب لغوي جديد، يعزل ويحاسب المسؤولين ليس لأنهم اختلسوا مالا عاما، بل لأنهم لا يعرفون التحدث بالعربية. لكن لماذا يتوقف "الائتلاف" في منتصف الطريق، ولا يستطيع أن يذهب بمنطقه حتى النهاية، فيطالب بإقالة ومحاسبة رئيس الحكومة الذي لا يعرف، مثل السيد بلمختار، التحدث بالعربية، وفي ذلك "مس خطير بهوية البلاد وتهديد للأمن اللغوي والتربوي للمغاربة"؟ فمن الأكثر تهديدا للأمن اللغوي والأحق بالتالي بالإقالة والمحاسبة؟ أليس رئيس الوزير، الذي هو رئيس الحكومة السيد بنكيران، قبل الوزير السيد بلمختار؟ فإذا كان السيد رئيس الحكومة لا يتقن التحدث بالعربية، فكيف نلوم من يعمل تحت إمرته على عدم إتقانه لهذه اللغة؟ ولماذا لم يطالب "الائتلاف" بإقالة ومحاسبة الوزراء الذين لا يتقنون التحدث بالأمازيغية، التي هي أيضا لغة رسمية، مما يشكّل "إهانة للنصوص القانونية والرسمية المؤكدة على رسمية اللغة الأمازيغية"؟ أما أن الدستور لا يهم أصحاب "الائتلاف" إلا عندما يتعلق الأمر بالعربية؟ ثم إذا كان جهل السيد بلمختار التحدث بالعربية مدعاة لإقالته، فيجب منطقيا إقالة أغلبية الموظفين بالمغرب، وإغلاق المستشفيات والأبناك وجميع المؤسسات التي لا يستعمل المسؤولون فيها العربية في الحديث والتواصل. وهو ما سيعني شللا لمرافق الدولة تتعطل معه كل المصالح والخدمات. وهذا هو التهديد الحقيقي لأمن المغرب والمغاربة. من جهة أخرى، وكما سبق أن لاحظنا، السيد بلمختار حاصل على شواهد علمية عليا. ولا أحد يشكك في كفاءته ومستواه العلمي والفكري. فهل من يكون بمثل هذا المستوى العلمي والفكري يشكل تهديدا للأمن اللغوي والتربوي للمغاربة؟ فما يهدد المغاربة، والثلاثون سنة الماضية شاهدة على ذلك، هو التعريب الذي لم يجنوا منه سوى التخلف والتطرف. وهو الذي يشكّل «مسّا خطيرا بهوية البلاد»، لأنه ينشر المسخ الهوياتي والتحول الجنسي للمغاربة، وذلك بإقناعهم أنهم من جنس عربي وليسوا من جنس أمازيغي إفريقي. فهؤلاء التعريبيون هم الأحق بالمحاسبة القضائية لارتكابهم جريمة في حق الشعب المغربي، الذي جعلوا منه شعبا نغلا بلا أصل ولا هوية، كأنه بلا أرض ولا موطن. أما بالنسبة للسيد بلمختار، فلا شك أن كل مغربي يتمنى أن يصل أبناؤه إلى المستوى العلمي الذي وصل إليه. ومن يتمنى ذلك لأبنائه لن يتردد في أن يختار لهم نفس المناهج والمضامين واللغات التي درس بها السيد بلمختار. وإذا عرفنا أنه لم يدرس بالعربية ولا يعرفها ولا يتقنها، فالنتيجة إذن أن من يحب الخير لأبنائه، ويتمنى لهم أن يصلوا إلى نفس المستوى العلمي الذي وصل إليه السيد بلمختار، لن يختار لهم العربية كلغة للتدريس، وإلا فلا يمكنهم أن يكونوا مثل السيد بلمختار في تكوينهم العلمي. وكما أن الآباء يتمنون أن يتخرج أبناؤهم بنفس المستوى العلمي للسيد بلمختار، مع ما يعني ذلك من تفضيلهم للغات الأجنبية كلغات لتعليم وتكوين أبنائهم بدل العربية، فكذلك الوطنيون الحقيقيون، الغيورون على الوطن وعلى مستقبله، يتمنون أن ينال أبناؤه تعليما مفيدا وجيدا، وبلغة مفيدة وجيدة، مثل التعليم الذي تلقاه السيد بلمختار وأوصله إلى أعلى الدرجات العلمية. هؤلاء الغيورون على الوطن سيختارون إذن لأبنائه نفس اللغات التي أوصلت السيد بلمختار إلى ما وصل إليه من مستوى علمي رفيع. وهنا تشكّل العربية، لأنها لا تسمح بوصول المغاربة إلى مثل هذا المستوى العلمي، تهديدا حقيقيا لأمنهم العلمي والفكري، ولتنميتهم الاقتصادية والثقافية. أما إذا كانت العربية لغة اختارها الشعب المغربي وارتضاها كلغة للتدريس والتكوين، كما يردد التعريبيون دائما، فأنا أتحداهم بالاحتكام إلى استفتاء تجريبي لاختبار مدى اختيار المغاربة للعربية كلغة لتعليم وتكوين أبنائهم. يكفي، لإنجاز هذا الاستفتاء/الاختبار، أن تصدر وزارة التربية الوطنية مذكرة تأمر فيها بتقسيم كل مدرسة إلى جناحين: جناح يجري فيه التدريس والتكوين بالعربية، وجناح يجري فيه نفس التدريس والتكوين بالفرنسية أو لغة أجنبية أخرى مثل الإنجليزية أو الإسبانية. ثم نترك للآباء حرية تسجيل أبنائهم في جناح العربية أو جناح اللغات الأجنبية. وبناء على عدد التلاميذ المسجلين في كل من الجناحين، سنرى هل سيستمر "الائتلاف" في الكذب على المغاربة بتكرار أن العربية "اختيار شعبي" ارتضاها الشعب كلغة للتدريس والتكوين. رغم أن السيد بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب المصباح، لا يتقن هو أيضا العربية ولا يتحدث بها، ويكتفي باستعمال الدارجة في اجتماعاته الحكومية الرسمية، إلا أنه هاجم، بمناسبة ندوة داخلية نظمتها الأمانة العامة لحزبه يوم 14 فبراير 2015، المطالبين باعتماد الدارجة كلغة مدرسية، مؤكدا أن في ذلك «استهدافا للدولة وللعرش»، «لأن أسس الدولة هي الإسلام والعربية والعرش»، و«لأن من مرتكزات الدولة والاستقرار والعرش اللغة العربية» ("أخبار اليوم" بتاريخ 23 فبراير 2015). لو كانت العربية، كما يقول السيد بنكيران، أحد أسس الدولة والاستقرار بالمغرب، لانهارت هذه الدولة ولاختلّ هذا الاستقرار بمجرد أن يكون أحد كبار مسؤولي هذه الدولة، وهو السيد بنكيران رئيس الحكومة، غير متقن للعربية ولا متحدث بها. فهنا نلاحظ غيابا لأحد أسس الدولة والاستقرار، والذي هو العربية، دون أن يترتب عن هذا الغياب تفسّخ للدولة ولا اضطراب في استقرار المغرب. وهو ما يعني أن العربية ليست أبدا أحد الأسس التي تقوم عليها الدولة بالمغرب. ونعرف اليوم، من خلال اعتراف السيد بلمختار، أن العديد من الوزراء، وهم عنصر أساسي في الدولة، لا يعرفون العربية ولا يتقنونها ولا يستعملونها، ومع ذلك فالدولة بألف خير. أما العرش فلم يسبق أن حمته العربية، بل حمته الفرنسية التي لا تزال هي لغة القصر، كما أنها لغة كل المصالح الحيوية بالمغرب. ولم يسبق أن سمعنا الملك يتحدث العربية، بل يقرأها فقط. وحتى إذا استنتجنا من ذلك أنه، مثل السيد بكيران والسيد بلمختار، لا يعرف التحدث بالعربية، فذلك لم يمنعه أن يكون ملكا عظيما، قادرا ومقتدرا يسيّر شؤون البلاد بحكمة ومهارة وكفاءة عالية، بفضل اللغات الأجنبية التي تعلمها ودرس بها. والسيد بنكيران يعرف أن الذي أنقذ الجامعة من تعريب العلوم هو الراحل الحسن الثاني، الذي كان مقتنعا أن التعريب كاد أن يؤدي بالمغرب إلى "السكتة القلبية" التي تحدث عنها في إحدى خطبه. ولولا ضغوط التيارات القومية المغربية التي كانت قوية في السبعينيات والثمانينيات، لرفض الحسن الثاني تعريب العلوم في الابتدائي والثانوي. إذن رفض التعريب لا يستهدف العرش لأن هذا الأخير يحميه الشعب وليس العربية المفترى عنها. ويبدو أن التعريبيين، بعد أن كانوا يستعملون الدين لتسويغ سياسة التعريب بالقول إن العربية لغة القرآن، هاهم يقولون إن العربية لغة العرش، مع أن لا أحد يتحدثها بالقصر الملكي عكس الفرنسية. عادة ما يتهم التعريبيون المناهضين لسياسة التعريب الإجرامية بأنهم فرانكفونيون يجهلون العربية التي لا يعرفون عنها شيئا. وهذا لا يصدق طبعا على حالتي، أنا الذي أناهض نفس السياسة التعريبية. فأنا لست فرانكوفونيا، لأنني لم أكن من النخبة المحظوظة حتى أحظى بهذا الشرف، كما أنني أجيد اللغة العربية أفضل من التعريبيين أنفسهم ومن ملايين العرب الحقيقيين. ولست كذلك بصدد الدفاع عن السيد بلمختار لأنه "متعاطف" مع الأمازيغية التي أدافع عنها. بل إن أحد منجزات هذا الوزير هو أنه "دفن" مشروع تدريس الأمازيغية، وصرّح داخل البرلمان أن "وضعها غامض" وأن دسرتها لا علاقة لها بتدريسها. فموقفه يُصنّف إذن ضمن المواقف الأمازيغوفوبية حسب الحركة الأمازيغية. الغاية من هذا التنبيه هو سد الطريق على "نظرية المؤامرة" التي قد يقرأ بها هذا الموضوع، وخصوصا أن التعريبيين يصعب عليهم التفكير من خارج هذه النظرية.
|
|