|
|
الحركة الأمازيغية بالمغرب: عيون على المستقبل
بقلم: محمد زروال / خنيفرة (09 ـ 10 ـ 2012) راكمت الحركة الأمازيغية بالمغرب تجربة نضالية متميزة على الصعيدين الوطني والشمال إفريقي، وهذا ما جعلها من أبرز الحركات الاحتجاجية التي طبعت المشهد السياسي المغربي والمغاربي في العقود الأخيرة، وقد بنت نضالاتها من خلال التدافع والصراع مع كل قوى الرفض خاصة التيارات السياسية ذات التوجه القومي البعثي المتبنية للفكر اليساري، والتي ترى أن أي تقدم في المغرب رهين بإسقاط ما توصلت إليه دراسات المنظرين الاشتراكيين بالمشرق العربي، دون أن تكلف نفسها الغوص في عمق المجتمع المغربي والبحث في بنياته الثقافية و الذهنية والاجتماعية والاقتصادية، والتأسيس لحلول واقعية وملموسة من داخل الخصوصية المغربية، كما واجهت الحركة الأمازيغية ما يسمى بحركات الإسلام السياسي التي تعتبر كل نقاش خارج المرجعية الدينية الإسلامية زندقة وكفرا وإلحادا وفتنة وجبت محاربتها، ولو تطلب ذلك استعمال العنف. لا يجب أن ننسى صراع إيمازيغن مع المخزن المغربي الذي يوظف بدوره إيديولوجية الحركات الإسلامية أحيانا وإيديولوجية اليسار أحيانا أخرى لمواجهتهم. وهكذا فانطلاقا من موقع الحركة الأمازيغية في الساحة السياسية المغربية يمكن التخمين في إستراتجيتها مستقبلا لتضمن نفس الـتألق والحضور الذي تميزت به في العقود الثلاثة الأخيرة. إن أي إستراتجية مستقبلية يمكن للحركة الأمازيغية أن تسطرها لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار أطراف الصراع التي أشرنا إليها سابقا، وذلك من خلال معرفة أسلوب وطريقة التعامل معها وآفاق اشتغالها وإمكانيات التحالف المؤقتة أو الدائمة، كل ذلك لن يتم إلا إذا تم ضبط العلاقة مع كل طرف، وذلك ما سنحاول الوقوف عنده ولو بشكل موجز في العناصر التالية: الحركة الأمازيغية واليسار بالمغرب وفرص التحالف: كل من ينطلق من النسق الفكري والإيديولوجي للحركة الأمازيغية بالمغرب ويتعمق في أطروحاتها السياسية سيكتشف لا محالة أن خلافها مع اليسار ليس إلا مزايدة سياسية للطرفين من جهة، ومن جهة أخرى يمكن تفسير الخلاف بعجز بعض مثقفي اليسار عن مراجعة أفكارهم والقبول بمبدأ النسبية الذي يتبنونه في أفكارهم، فما "نعتقد" اليوم أنه صحيح قد نكتشف في الغد أنه غير صائب، وفي مثل هذه المواقف نحتاج إلى الجرأة للاعتراف، ولتحقيق تلك الغاية لا بد من استحضار العقل، وهذا الأخير يخضع للمنطق العلمي المبني على الحجج والبراهين العلمية التي تظل بدورها نسبية خاصة في حالة تغير الزمن والمكان. ومن هذا المنطلق أرى أن سوء التفاهم بين بعض مناضلي اليسار والحركة الأمازيغية مرتبط بعقدة الثوابت والمقدسات الفكرية والإيديولوجية التي لم يستطع بعض الرفاق التمرد عليها رغم أن التاريخ أثبت سقوطها. يشكل المثقف والمناضل اليساري أقرب المكونات السياسية إلى الحركة الأمازيغية لأن ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما، فمحور اهتماماتهما مرتبط بالدفاع عن العلمانية والتقدمية والحداثة، واحترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، فالعدو بالنسبة للأمازيغي واليساري واحد، تمثله الرجعية والاستبداد مهما كان مصدرهما، وهذا العدو المشترك يحتم عليهما الاشتغال وفق تصورات موحدة وفي إطار تشاركي يضمن الاعتراف المتبادل لمواجهة القوى الظلامية و وسياسة المخزن الاستبدادية. ولتحقيق ذلك وجب الاهتمام بالقطاع الشبابي الأمازيغي واليساري من خلال محاولة تقريب وجهات النظر بينهما، والتأسيس لعلاقة جديدة بين التيارين خاصة في الجامعة المغربية وكافة القطاعات الشبابية الأخرى، لأن ما نسمعه من أخبار في الحقيقة يجعلنا ندق ناقوس الخطر، لقد اعتقدنا مع نهاية التسعينيات أن لا مجال للعنف داخل أسوار الجامعة لكننا نفاجأ بعودته بقوة في السنوات الأخيرة، وأصبح البعض يتحدث عن قصد وعن غير قصد عن حرب للعصابات بين طلبة التيارين، ولتجاوز هذه الإشكالية يجب على رموز وزعماء كلا التيارين التدخل بشكل فوري لإنهاء هذه المهزلة لأن المخزن وحده من يستفيد من ذلك التطاحن. إن إستراتجية التعامل مع اليسار المغربي تسير في اتجاه التحالف والاستمرار على نهج حركة 20 فبراير التي قدمت إجابة واقعية على هذه الإمكانية، ولم لا تطوير صيغه في كل الأشكال الاحتجاجية الأخرى في كل المواقع لممارسة ضغط أكبر على المخزن في زمن كثر فيه المطبلون لسياساته. الحركة الأمازيغية والإسلام السياسي وضبابية الأفق: ظلت مواقف حركة الإسلام السياسي متطرفة تجاه الأمازيغية منذ ظهورها كقضية للنقاش العمومي، وتجلت هذه المواقف في اعتبار بعض تياراتها بأن الأمازيغية ضرة للغة العربية المقدسة التي نزل بها القرآن ولغة أهل الجنة، وأظن أن المعارك الشرسة التي خاضتها الحركة الأمازيغية على المستوى الفكري كانت مع الحركة الإسلامية مقارنة مع التيارات اليسارية. لقد اعتبر الإسلاميون الحديث عن الأمازيغية فتنة ودعوة للتفرقة بدعوى أن الإسلام يجمعنا، ويتناسون أنه لا يمكن الحديث عن مرجعية دينية إسلامية بدون سياسة عروبية، فمفكروهم الكبار يتحدثون عن العروبة والإسلام وليس عن الإسلام والعروبة، أي أن لاشعورهم يؤمن بأن كل مسلم فهو عربي، وهي معادلة لم ينجحوا في إسقاطها على عدة بلدان تبنت الدين الإسلامي من قبيل بلاد فارس وأندونسيا وباكستان وتركيا. انطلاقا من مواقف الحركة الإسلامية من الأمازيغية يمكن الحديث عن استحالة للتحالف بين الطرفين، لأن الاختلاف عميق على المستوى الإيديولوجي، لكن هذا لا يعني أن الاشتغال بآليات الإسلاميين غير ممكن، فهم يركزون على الخطاب المباشر والنزول إلى الميدان. ومن بين أخطاء الحركة الأمازيغية أن نضالها ذو صبغة نخبوية في حين نجد نشطاء الحركة الإسلامية أو المتعاطفين معها ينتمون لكل الفئات الاجتماعية، وهذا ما يجب التركيز عليه في المستقبل لضمان استمرار النضال الأمازيغي وأعني النزول للشارع والتغلغل في التنظيمات المهنية والأحياء الشعبية، وتجنب الحديث عن موقف الحركة الأمازيغية من التدين لأننا في الحقيقة فقدنا مئات المناضلين بسبب تسرعنا في الحديث عن هذا الموضوع أثناء انتقادنا للسياسة العروبية. فالمواطن البسيط أو الطالب بل وفئة ممن نعتقدهم مثقفين لا يقبلون النقد اللاذع للسياسة العروبية لأنهم يعتبرون ذلك استهدافا للإسلام وللغة القران، ولتجاوز هذا الإشكال أعتقد أنه يجب توخي الحذر من طرف مناضلي الحركة عند الحديث عن الأمازيغية كتصور فكري وكمشروع مجتمعي يتبنى العلمانية والحداثة كمرتكزات أساسية. وفي المقابل يجب التركيز على مناقشة المشاكل اليومية للمواطنين بما فيها المشاكل الاقتصادية ومحاولة ربطها بالأمازيغية، فمعاناة المغاربة الناطقين بالأمازيغية مع موظفي القطاع العمومي في القضاء والصحة والداخلية كافية لإقناعهم بضرورة حضور الأمازيغية في الخدمة العمومية بالمغرب، وبالتالي ضرورة الدفاع عن ذلك بكل حماسية، نفس النقاش يمكن فتحه حول وضعية الأمازيغية في الإعلام العمومي. إن مستقبل العلاقة بين الحركة الأمازيغية والحركة الإسلامية بالمغرب يكتنفه الغموض بسبب اختلاف المرجعيات خاصة وأننا في عهد حكومة يقودها حزب إسلامي كانت مواقفه ولا زالت غير واضحة تجاه الأمازيغية، لكن لا يجب التشاؤم فحزب العدالة والتنمية سقط في فخ المخزن ولن يكون عمره أكثر من ولاية واحدة في الحكم، وهي فرصة لكل الديمقراطيين ولكل من فقد أمله في الحزب الإسلامي لمراجعة أوراقه والبحث عن بديل حقيقي يستثمر معطيات الخصوصية المغربية دون إسقاطات طوباوبة. الحركة الأمازيغية والمخزن ،هدوء ما قبل العاصفة : تغيرت مواقف المخزن بخصوص القضية الأمازيغية بوتيرة سريعة وغير منتظرة في العقدين الأخيرين، وطبعا لم تكن تلك التنازلات تعبيرا عن "جنوح" مخزني نحو الديمقراطية، لكنها كانت استجابات تكتيكية لضغط الشارع الذي واصل الاحتجاج على جميع الجهات، كما أن المخزن لا يريد أن يسمع تأنيبا من أصدقائه في الخارج وبالتالي يحاول ما أمكن تلميع صورته ويسعى لتمثيل دور الريادة على صعيد دول الجنوب من حيث البناء الديمقراطي ولو بشكل مزيف. إذا كان المخزن يلعب على وتر تهدئة الشارع العام، وإرضاء الأصدقاء والحلفاء وضمان تعاونهم وسكوتهم على بعض الزلات، فإن الحركة الأمازيغية يجب أن تسير في نفس الخطى القديمة مع تصعيد أشكالها الاحتجاجية السلمية للمطالبة بتحقيق الديمقراطية والكرامة، طبعا بشكل تشاركي مع كل الفعاليات الديمقراطية، كما يجب فضح الممارسات غير القانونية والأوضاع المزرية التي يعيشها الشعب المغربي على جميع المستويات، وذلك عبر تكثيف الحضور في الملتقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والاشتغال أكثر على مستوى الإعلام الالكتروني لأنه أصبح في الحقيقة المعارض الأول لكل الأنظمة الديكتاتورية في العالم. هناك جانب آخر لا يجب أن تغفله الحركة الأمازيغية في المستقبل وهو ما يتعلق ب " أمازيغ المخزن". فالكثير من المحسوبين على الحركة الأمازيغية ليسوا في الحقيقة إلا "بيادق" في يد المخزن يحركم بالطريقة التي يشاء، ويسخرهم لإعاقة النضال الأمازيغي الحقيقي، فهؤلاء ينفذون سياسة المخزن من داخل بعض التنظيمات الأمازيغية ويعملون على تأجيل الإشكالات الحقيقية للقضية الأمازيغية عبر نقاشات جانبية مرتبطة في الغالب بحسابات شخصية، تجعلنا نعود إلى الوراء بسنوات كثيرة. وبالتالي فإن من واجب كل أمازيغي غيور على أمازيغيته وعلى الديمقراطية أن يكشف ممارساتهم ويفضح ألاعيبهم الدنيئة لأنه لا يمكن أن نواصل المعركة وأعداء قضيتنا مندسون بيننا.
|
|