|
|
منذ متى أصبح ربيع الشعوب يهدد الأوطان؟
بقلم: مصطفى ملّو (01 ـ 09 ـ 2012) مناسبة هذا السؤال تأتي تزامنا مع استطلاع للرأي يجريه أحد المواقع الإليكترونية المغربية يقال عنه إنه الأكثر تصفحا في المغرب. الاستطلاع يتمحور حول سؤال: "هل تعتقد أن "الربيع العربي" مازال يتهدد المغرب؟ -اللهم فاشهد أنا لسنا ظالمين. أحيانا يضطر المرء السوي، ذو الضمير الحي إلى انتقاد ذاته ومحاسبة نفسه، وطرح عدة أسئلة من قبيل، قد أكون ظلمت فلانا، قد أكون مسيئا إلى فلان، قد يكون شكي وظني السيء بفلان أو علان في غير محله...إلخ. إن الشخصية التي تحمل هذه الصفات يمكن أن ندرجها في إطار "الشخصية النقدية"، أو "الشخصية النسبية"، والتي تراجع نفسها في كل مرة لتصحيح ما قد تقع فيه من أخطاء واعوجاجات وما قد تسقط فيه من ظلم للآخرين. أوردت هذا التقديم لأقول وبكل صراحة، إني أحس أحيانا بأنني ظالم للموقع الذي يجري هذا الاستطلاع والذي لا داعي لذكر اسمه، حيث كان محط انتقادي في الكثير من مقالاتي، إذ أتساءل في كل مرة قائلا: قد يكون المشرفون عليه لم يقصدوا ما وقعوا فيه من خطأ، وقد تكون الأخطاء عن حسن نية، ولكن مع توالي الأيام تبين لي أني لم أظلم أحدا وأن "الأخطاء" متعمدة وترتكب عن سبق إصرار وترصد والغرض منها استبلاد الشعب وتوجهيه، كما يتبين من خلال استطلاع الرأي الأخير الذي ما يزال جاريا، فهل يعقل أن تصبح الأخطاء هي عادة هذا الموقع وليست استثناء؟ وهل يقبل من موقع يزعم أنه متشدد وغير متسامح مع الأخطاء اللغوية والإملائية والنحوية وغيرها أن يرتكب كل هذه الأخطاء (طبعا متشدد فقط مع من يريد، إذ ينشر مقالات كلها أخطاء بمختلف أنواعها)؟ ألا يعرف المشرفون عليه معنى كلمة تهديد وماذا يمكن أن تحدثه هذه الكلمة في النفس البشرية لمجرد سماعها؟ هل يجهلون أن الاستبداد والظلم هما من يهدد الأوطان وليس انتفاضة الشعوب وثورتها ضد هذا الظلم والطغيان؟ ثم متى كان ربيع الشعوب يهدد الأوطان؟ هل يجهل هؤلاء أنه لولا هذا الربيع لما وصلت الأمم المتقدمة إلى ما وصلت إليه من تقدم وديمقراطية واحترام لحقوق الإنسان؟ ما الذي يشكل التهديد إذن؟ وما دور الصحافة بما فيها الإليكترونية إن لم يكن هو نصرة الشعوب والانتصار للحق والوقوف إلى جانب المظلومين وليس استحمارهم وقياس نبضهم؟ إذا كان المشرفون على هذا الموقع لا يعرفون، ماذا مغبة ما ارتكبته وما ترتكبه أيديهم-ولا نعتقد أنهم لا يعرفون-، فسنشرح لهم، علهم يرجعون إلى جادة الصواب، ويكفون عن استبلاد القراء وتوجيههم والانتصار لرأي دون الآراء الأخرى (الرأي الإسلاموي والتعريبي)، حتى أصبحنا نشك في الهدف الذي يسعى هذا الموقع لتحقيقه، كما من حقنا كذلك أن نشك في الجهات التي تحركه. -استنتاجات. 1-التهديد ككلمة لها وقع خاص في نفسية الإنسان، إذ غالبا ما تكون مقرونة بالخوف والحذر والذعر والهلع وانتظار ما سيحدث، فمثلا عندما نسمع في الأخبار، أن دولة فلانية هددت دولة أخرى، أو جماعة فلانية هددت شخصا فلانيا، فإننا نترقب بفارغ الصبر في كل لحظة وحين ماذا يمكن أن يحدث؟ وكيف سينفذ هذا التهديد؟ وهل سيتحول إلى فعل أم سيبقى مجرد تهديد؟ 2-التهديد كفعل يكون بغرض التأديب، وبالتالي فهو غالبا ما يكون مقرونا بعقوبة تليه، وهو أسلوب تستعمله الأنظمة الاستبدادية في مواجهة شعوبها والجلادون في مواجهة المجلودين. 3-التهديد يكون دائما مرتبطا بما هو خطير، وبما هو فوضوي وغير منظم، وبالتالي بكل ما هو منبوذ وغير مرغوب فيه، فالوالدان مثلا يهددان الابن حينما يهمل دروسه، أو لا يهتم بنظافة جسمه أو حينما يرافق أصدقاء السوء، أو غيرها من الأمور غير المقبولة والمنبوذة. 4-إيراد "الربيع العربي"، مقرونة بالتهديد، من شأنه رسم اعتقاد خاطئ لدى القراء، خاصة ممن يقرؤون بعواطفهم، فكأن المشرفين على هذا الموقع أرادوا من خلال هذا الاستطلاع إيصال رسالة مفادها "الربيع خطر فابتعدوا عنه واتركوا"، باعتبار ما وضحناه سابقا من أن كلمة تهديد لها ارتباط وثيق بكل ما هو خطير وغير مرغوب فيه. 5-المشرفون على هذا الموقع، كمن يفرض وصايته على الشعب المغربي، فهم كذاك الأب الذي ينصح ابنه بنبرة تهديدية قائلا "أهي بعد على المشاكل ما عندك ما دير بيها، راه إلى جبتي شي منتيف ما تلوم إلا راسك!"، فهم يقولون متسترين بالاستطلاع "أهي المغاربة راه "ربيع" غير فوضى ومشاكل ما عندكوم ما ديرو بيه!" 5- رغم أننا نرفض تماما مثل هذه "الاستطلاعات الاستحمارية"، إلا أننا نسجل بأن استعمال عبارة "الربيع العربي"، وإن وردت بين مزدوجتين دليل على أننا لا نظلم المشرفين على هذا الموقع عندما نصفهم بالإقصاء والعنصرية والانحياز لتيار دون آخر، ففي الوقت الذي يستعمل فيها الديمقراطيون عبارة الربيع الديمقراطي، إنصافا لكل من صنع هذا الربيع وبعيدا عن كل قومجية ضيقة وعنصرية مقيتة، باعتبار أن الربيع الذي عرفته مجموعة من البلدان والذي يسمى زورا وبهتانا بالعربي، شاركت وساهمت فيه أعراق وأجناس مختلفة من أمازيغ وأكراد وأقباط ودروز... واختلطت فيه الدماء. 6-رغم عدم مصداقية هذه الاستطلاعات للأسباب التي سبق أن وضحناها في مقال لنا بعنوان" ما مدى مصداقية استطلاعات الرأي الاليكترونية؟"، إلا أن من شأنها توجيه الرأي العام صوب الجهة التي يرغب المشرفون على هذا الموقع توجيهها إليه، من خلال التلاعب بنفسية القراء، واستعمال كلمات من قبيل "تهديد، مثير للشفقة..."، وهي كلمات "غير علمية" ولا أساس لها في لغة استطلاعات الرأي، الغرض منها جس النبض وصنع المواقف: ضد/مع، وبالتالي فهي أشبه بتحقيق بوليسي منه إلى استطلاع للرأي. ختاما نقول، هل سيكون "استطلاع الرأي" القادم حول: ما رأيك، هل يمثل الربيع تهديدا للأوطان؟ -نعم. -لا، وهذا رأيي منذ الآن، في انتظار إجراء "الاستطلاع"!
|
|