| |
الكونكريس العالمي
الأمازيغي بالناضور والتأويلات الممكنة
بقلم :عمر زنفي(اسيف ن دادس،ورزازات)
رغم أن ثقافة «كذبة أبريل» لم تجد مكانا لها في ثقافتنا ولم
تتجذر بالشكل الذي تجذرت به ثقافات وسلوكات أخرى، فلا أحد من مناضلي القضية
الأمازيغية صدق نبأ استضافة المدينة التي منعت بها «تيفيناغ» ـ الناضور المغربية ـ
للمؤتمر العالمي الأمازيغي. وذللك راجع بالأساس إلى المعطى التاريخي الذي يؤكد
تناقض الحدث مع المكان والزمان. قبل أقل من ست سنوات كان هذا المؤتمر، وكل ما تمخض
عنه من شعارات ومطالب، في عداد المحظورين. فماذا تغير وجدّ في تمازغا/ المغرب
بالخصوص، حتى يحظى الأمازيغ بكرم الضيافة هذا، وعلى أرضهم، في إطار «المؤتمر
العالمي الأمازيغي»؟ فنفس الظروف التاريخية التي جعلت المؤتمر الأول ينعقد بعيدا عن
شمال إفريقيا ما تزال قائمة. فالقضية الأمازيغية التي ستكون ولا شك موضوع النقاش
وسبب انعقاد هذا المؤتمر أساسا، ما تزال تلك القضية التي يؤجلها كل جيل يدبر الشأن
السياسي، والتي يجب أن تحظى بتوافق سياسي أو يجدّ جديد خارج عن إرادة أعدائها.
فإذا رجعنا شيئا ما إلى الوراء، أي إلى التاريخ، لنستحضر الظروف والحيثيات التي
كانت وراء انعقاد مؤتمر «تافيرا التاريخي»، سنجد أن الحدث لم يأت من العبث أو كان
صنيع أياد خفية كمسرح الكراكيز. لكن عكس ذلك كان وليد أجواء نضالية ومخاض عسير
عرفته الحركة الأمازيغية آنذاك، الشيء الذي يفتقدها المؤتمر الحالي، والذي سبقته
مجموعة تنسيق جهوية ووطنية بالمغرب، كما عرف الأمازيغ أينما وجدوا بجل أنحاء تمازغا
صحوة وانتعاشا جعلهم مؤهلين للاجتماع في إطار عالمي أمازيغي لتدارس جديد ما حققته
القضية. إدن انعقاد المؤتمر الأمازيغي بتمازغا «المغرب» ووضع الأمازيغ والأمازيغية
المزري بنفس تمازغا حيث موطن انعقاد المؤتمر، يطرح أكثر من سؤال ويستوجب، بل
ويستدعي أكثر من تأويل، خاصة إذا علمنا أن التنسيق المحلى، الجهوي والوطني لم ولن
يتحقق، فكيف إذن نحقق تنسيقا عالميا؟
فبالمغرب، كما في جل تمازغا (خاصة الجزائر) مثلا ما زالت الجمعيات لا تتمتع بأبسط
حقوقها في الاحتفال. وإذا احتفلت لا تتجاوز مقر عملها وتبقى حبيسة جدران الجمعية أو
دور الشباب، ولا يمكن لها أن تحظى بولوج الساحات العمومية كي يصبح الحدث في متناول
العامة. كما أن الحرف الأمازيغي ما زال حبيس جدران الجمعيات والمعهد نفسه كما أنه
لا زال يسبب للسلطات نفورا وضيقا كلما لمحوه على جدران البنايات. أما المعهد المؤسس
بظهير ملكي فقد تحول إلى كرة لعبة التنس بين وزارة «التربية الوطنية» ووزارة «الاتصال»
مع غياب قانون ينظم اللعبة. أضف إلى ذلك أن دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية قرار
غير وارد، لتبقى الأمازيغية رهينة توافق سياسي أو استفتاء شبيه بالاستفتاء حول
الدستور، قد تتراوح نسبة معارضي دسترة الأمازيغية بين 99 بالمائة و 100 بالمائة كما
تم استفتاء الأمازيغ عن ترسيم العربية.
فهل وصل الفيروس الذي عطل المعهد إلى المؤتمر؟ وهل تتكرر صورة طبق الأصل للمعهد
الملكي ومؤتمر «بروكسيل»... في مؤتمر الناضور؟ ماذا قدم المؤتمر من تنازلات مقابل
الترخيص للمؤتمر للانعقاد بالناضور؟ هل سيكشف المؤتمر عن تشكيلة جديدة «لنخبة» لم
يفلح المعهد بضمها إلى الحلبة؟ لماذا مدينة الناضور وليس أكادير، أو كلميمة أو
بومال ن دادس؟ ولماذا المغرب بالضبط وليس الجزائر أو مكانه الطبيعي المنطقي جزر «الكناري»؟
في قراءة لتاريخ الحركة الأمازيغية، وفي تعامل الجزائر والمغرب مع القضية
الأمازيغية، ما تكاد السلطات الجزائرية تفرغ من تلاوة قرار لها حول الشأن
الأمازيغي،حتى يكون رد فعل السلطات المغربية مدروسا وجاهزا يتناوله الإعلام
المغربي، يساوي أو يقل شكلا ومضمونا حمولة القرار الجزائري. فبعد الاتفاق التاريخي،
في انتظار المحك التطبيقي، على شكل التزام بين الحكومة الجزائرية وتنسيقية القصور،
وفي إطار السباق التاريخي الجزائري والمغربي نحو اعتلاء ريادة وزعامة إفريقيا،
وبذلك الظفر بمفاوضات الشراكة مع الاتحاد الأوربي من جهة، والتعامل السياسي مع
مشروع شمال إفريقيا الأمريكي وما يتطلب ذلك من اتخاذ قرارات آنية لم تدرج في
سياستها، وقد تفقدهما الانتماء القومي «العربي»، لتلميع صورة البلدين، خاصة من حيث
الجانب الحقوقي، لم يجد مدبرو الشأن الأمازيغي بالمغرب سوى ورقة لعب استضافة
المؤتمر العالمي الأمازيغي عبر فتات النخبة التي لم تحصل على ثقة ولوج المعهد، ولم
يشملها التوسيم بمناصب لم يعتدها الإطار الأمازيغي، عمادة الكلية على سبيل المثال
لا الحصر. وتصبح القضية الأمازيغية كما كانت رهينة حسابات سياسية داخلية وورقة
مربحة على الصعيد الدولي. بهذا الترخيص لاستضافة المؤتمر العالمي الأمازيغي يكون
المغرب قد سجل نقطا وحصد نقطا على المستوى الخارجي على حساب السلطات الجزائرية،
التي خطت خطوة نحو ترسيم اللغة الأمازيغية وإعادة الاعتبار للاما زيغ، ما دامت
الدسترة لم يحصل عليها توافق سياسي كما حصل على مدونة الأسرة... وفي عداد
المستحيلات كما أكده وشهد شاهد من أهلها وهو عميد المعهد الملكي بوكوس، البابا
الأمازيغي الجديد، في تصريحه لجريدة العلم. هذ الترخيص إذن يدخل في إطار محاولة
السلطات المغربية تلميع صورة المغرب، والحدو حدو الجزائر مع اختلاف في الشكل
والمضمون. ويقاس القرار المغربي على القرار الجزائري في خط متواز تكاد التجربة
الجزائرية تماثل التجربة المغربية في التعامل مع هذه القضية التي أصبحت كالثوب تقاس
وتقطع لكن يصعب خياطة كل إطرافها طالما أن هناك شعبا أمازيغيا حيا يتكلم لغته ويحلم
بيوم يدبر فيه شؤون قضيته.
من خلال القراءة السالفة الذكر في وضع الأمازيغ والأمازيغية بالمغرب وتمازغا عامة،
إذا قورنت بحدث الترخيص لاستضافة للمؤتمر العالمي الأمازيغي بالمغرب، فالتنازلات
المقدمة من طرف مكتب المؤتمر لن ترضي الأمازيغ المناضلين الحقيقيين، إلا في حالة
إذا كانت التوصيات المرفوعة حبرا على ورق وفعاليتها أخمدت على الأوراق، سيرا على
نهج القمم العربية، وكيف لا وقد عشرناهم ولبسنا ثوب ثقافتهم، لن تجد لها آذانا
صاغية أو طاقات تضحي بالغالي والنفيس من أجل تطبيقها. أتساءل إذا كان باستطاعة ضيوف
تمازغا أن يحملوا دول تمازغا مسؤولية ما آل إليه حال الأمازيغ والأمازيغية. كما
أتساءل إن كانوا سيطالبون بمحاكمة بوتفليقة على جرائمه بالقبائل الجزائرية والقدافي
بليبا ومحاكمة إسبانيا وفرنسا على جرائمهم في الريف والغازات السامة الممنوعة دوليا
ومحاكمة فرنسا وعملائها مواطني تمازغا، على جرائمهم خلال فترة الاستعمار... أو ما
إذا كانوا سيحتفظون بما حققه وسطره المؤتمر الأول كمصطلح «تمازغا»، العلم
الأمازيغي، المطالبة بالحقوق اللغوية الثقافية السياسية الاجتماعية والاقتصادية
الأمازيغية... إلى غير ذلك من المطالب التي قد تسبب حرجا للضيف والمضيف. فما دام أن
لكل حدث كواليسه، وكون المؤتمر لم يعقد بعد، فلا يمكن الحسم في نوع التنازل الذي قد
يقدمه الضيف للمضيف. لكن يبقى التنازل الأكبر الظاهر للعيان هو إقامة المؤتمر
العالمي الأمازيغي على أرض لا زالت الأمازيغية والأمازيغ في عداد المفقودين
والمبحوث عنهم في برنامج «مختفون». فما نوع تنازلات أمازيغ المغرب لاما زيغ الجزائر
لإقامة المؤتمر بالناظور؟ وما نوع تنازلات السلطات المغربية للسلطات الجزائرية
لإقامة المؤتمر بالمغرب و ليس بالجزائر؟
إن اختيار مدينة الناضور راجع بالأساس إلى كون هذه المدينة المكان التاريخي الذي
شهد على كشف نوايا المخزن المغربي من خلال الكشف على جانب من تناقض الظهائر
والممارسات السياسية في الواقع، إذ مباشرة بعد مصادقة المعهد الملكي المؤسس بظهير
شريف على اعتماد حرف تفيناغ، بادر المجلس البلدي بالناضور إلى كتابة العلامات
التجارية وعلامات المرور بالحرف الأمازيغي تفيناغ. الأمر/ القرار الذي استدعى تدخل
السلطات المحلية بعد تلقيها أوامر لإلغاء آثار هذا القرار. وقد خلف هذا السلوك /رد
الفعل هذا استياء لدى سكان المدينة بالخصوص، ولدى كل أمازيغي عقد آمالا على إنشاء
المعهد عموما. كما فتح هذا الحدث باب النقاش على مستوى أوسع امتد إلى الشارع الذي
أيقظه هذا السلوك وجعله يعيد النظر في حقيقة إنشاء المعهد والشعارات /المهرجانات
المصاحبة لهذه الزوبعة، والتي حملت على عاتقها إعادة الاعتبار للأمازيغية. وإذا كان
هذا السلوك من صنع الذين حاولوا إسقاط المناضلين المؤيدين لكتابة الأمازيغية بالحرف
اللاتيني، والمعارضين لسياسة تعامل المعهد مع القضية الأمازيغية في فخ التناقض،
وذلك بجعلهم ينددون بهذا الإجراء، فإنه كشف عن أسئلة محرجة للمخزن المغربي الذي وضع
في موقف لا يحسد عليه بالنظر إلى تناقض النوايا مع الممارسات. واعتبارا للضجة
الإعلامية التي أثارها هدا الحدث وطنيا وعالميا، كان من المنتظر والمنطقي أن تكون
مدينة الناظور على رأس المدن المرشحة لاحتضان المؤتمر العالمي الأمازيغي، وذلك بغرض
المصالحة مع المدينة من جهة، و در الرماد في أعين المهتمين بالشأن الحقوقي
الأمازيغي بالمغرب.
بعد تشكيل إدارة المعهد الملكي، ظن مدبرو الشأن الأمازيغي بالمغرب أن ساحة النخبة
التي أسست لخطاب أمازيغية ما بعد انقلاب السبعينات، والتي تبحث لها عن مركز يصطفيها
عن سائر المناضلين الحقيقيين «Hommes de terrain»، قد خلت وسيقبر الاحتجاج
الأمازيغي في انتظار تكوين وظهور نخبة أخرى. لكن مع توالي الأيام تبين لها أن ثمة
نخبة أخرى، لا تختلف عن الأخرى من حيث طريقة النضال والطموح الشخصي وراء طموح
المشروع الأمازيغي، و يجب ضمها وإدماجها كي تلعب دور متمم العمليات التي بدأها
المعهد وتشكيلته. وليس غريبا أن تظهر ذات النخبة من داخل المؤتمر ما دامت المبادئ
والمواثيق الأمازيغية تم العطف عليها في إطار مهزلة المعهد. ولم لا نقول نفس
العدوى، عدوى الانتهازية إلى أعتاب المؤتمر. لكن الشيء الواجب الجزم به هو أن خيانة
بوخوس للملك «يوكرتن» قد تتكرر مع الأمازيغ في كل لحظة ومناسبة تشهد لصحوة الأمازيغ.
فكما تمت محاولة إفراغ القضية الأمازيغية من محتواها محليا بالمغرب من خلال تجربة
المعهد وتجارب أخرى عبر تراب تمازغا، وما تلاها من ظهور أنواع من المنضلين: نوع
حقيقي وغيور على القضية و»مناضلين» انتهازيين تطفلوا على القضية، وتحويل القضية
السياسية إلى قضية لغة يجب تدريسها بالطريقة التي تسقى بها الأرض في فترة الجفاف أو
بالأراضي الجرداء «Goûtte à goûtte «، جاء دور إفراغ القضية الأمازيغية عالميا.
ونعيد الكرة كما جرى في «آخر مراحل تافيرا وببروكسيل و...» من ظروف التهيىء لمسرحية
المعهد وتدجين الاحتجاج الأمازيغي. إذن بقياس تجربة المعهد والمؤتمرات المشبوهة
التي تلت مؤتمر تافيرا، على مؤتمر الناضور سيتعثر المشروع الأمازيغي لأزيد من 4
سنوات وسنعيش فصولا وأنغاما مألوفة من اتهامات وصراعات بين الأمازيغ في العالم كما
حصل في المعهد. كل واحد سيحاول أن يظهر كالبريء أمام فشل المؤتمر والقرارات التي قد
يتمخض عنه المؤتمر. وقد نسمع عن انسحاب أعضاء من القبايل، ليبيا، النيجر، من
المؤتمر كرد فعل لرفض مشروع برنامج المؤتمر كما سيستمر الوفد المغربي، ومعه
المنضوون تحت هذا اللواء، في العمل دون حرج لهم كضيوف وللبلد المضيف.
zanifi@hotmail.com
|