الزموري الأمازيغي وسخافات
العربومانيا
بقلم: محمد بودهان
بعد هشام الكرّوج "العربي"، محمد شكري "العربي"، كاتب ياسين "العربي"،
سميرة بنت سعيد "العربية"... وغير ذلك من نعوت "العربي" التي تلصق بمبدعين وفنانين
ورياضيين من شمال إفريقيا، جاء دور المسكين الزموري ليصبح هو أيضا "عربيا" ومفخرة "عربية"
كأول "عربي" يهاجر إلى أميريكا في القرن السادس عشر. هذا ما كتبته عنه صحف عربية
ومغربية ـ وهل هناك فرق بين الإثنين؟ ـ بمناسبة افتتاح المتحف القومي للعرب
الأميركيين بـ"دترويت" في ماي الماضي: «هل تعرفون أن أول إنسان عربي حط الرحال في
الولايات المتحدة الأمريكية هو مغربي ويدعي الزموري؟» (القدس العربي، 11/05/2005)،
«حسب المعلومات المتوفرة لدينا إنه أول عربي وصل إلى أميريكا جاء عام 1528» (حوار
لقناة الجزيرة مع شخصيات عربية يوم 08/05/2005 بمناسبة افتتاح المتحف القومي
العربي، الحوار موجود على موقعها على الأنترنيت)، «قصة أول عربي ومغربي تطأ قدماه
القارة الأميريكية في بداية القرن الخامس عشر... وهو بذلك يغير الاعتقاد السائد أن
الهجرة العربية الأولى كانت من أرض الشام أواخر القرن التاسع عشر» (الجريدة الأخرى،
18 ماي 2005).
إذا كان مفهوما أن كل الشخصيات الفنية والرياضية والسياسية المغربية أصبحت تعتبر،
بعد الاستقلال، "عربية" ويتعامل معها على هذا الأساس لأنها تنتمي إلى "المغرب
العربي"، فالغير المفهوم، والغريب، أن يعتبر "عربيا" شخصٌ، مثل الزموري، عاش أولا
في القرن السادس عشر، أي في فترة لم يكن يوجد فيها لا "مغرب عربي" ولا عروبة
بالمغرب، بمفهومها السياسي والهوياتي والإيديولوجي، هذه العروبة التي ادخلها إلى
المغرب للمرة الأولى الاستعمار الفرنسي مع اتفاقية الحماية التي أبرمها مع بعض
المغاربة العرب. وثانيا لأنه يحمل اسما أمازيغيا قحا، وهو "الزموري"، أي نسبة إلى "أزمور"
التي تعني شجرة الزيتون في الأمازيغية.
هذه العادة المرضية لرد كل شيء هام وذي قيمة إلى أصول عربية، هي ما أطلقت عليه منذ
سنوات "العربومانيا". وهي لا تقتصر على المبدعين والفنانين والأبطال الرياضيين
فحسب، بل تشمل كذلك مختلف المرافق والأنشطة، حيث نسمع ونقرأ في الصحافة "العربية"
عن الرياضة "العربية"، الكرة "العربية"، الطب "العربي"، العلم "العربي"،
الدبلوماسية "العربية"، السياسة "العربية"، الديموقراطية "العربية"، الكتاب "العربي"،
التجارة "العربية"... بل امتدت هذه العربومانيا إلى الحيوانات كذلك، إذ نسمع ونقرأ
عن "الحصان العربي"، "النسر العربي"، الجمل العربي"...
وبصدد الزموري "العربي"، نلاحظ كيف أن العربومانيا لا تألو جهدا، لإشباع أنانيتها،
في استغلال مآسي الآخرين لتصنع منها مجدا وهميا لها ومفاخر ومناقب "عربية" تباهي
بها الشعوب الأخرى. ففي قصة الزموري الأمازيغي، ليس هناك، من الناحية الإنسانية
وحتى التاريخية، ما يدعو إلى الافتخار والتباهي به كأول "عربي حط الرحال في
الولايات المتحدة ". فهو لم يذهب إلى أميريكا فاتحا ومستكشفا كما فعل كرستوف
كولومبو مثلا. بل ذهب إليها مجبرا، أسيرا ومسبيا بعد اختطافه من بلدته بزمور على
شواطئ الأطلسي، وهو طفل في سن الحادية عشرة. ولنتصور حجم آلام وعذابات أسرته وهول
مأساتها وهي ممزقة بين الأسى والأمل، لا تعرف هل مات ابنها أم أنه حي سيعود إليها.
لكن العربومانيا تجاهلت هذا الجانب المأساوي الإنساني وركبت عليه لتصنع منه بطولة "عربية"
أخرى تتبجح بها وتردد أن الزموري هو "أول عربي" يهاجر إلى أميريكا، كأن المسكين جمع
حقائبه وقرر ذات صباح، بمحض إرادته، الرحيل إلى أميريكا كما يفعل أي مهاجر من بلد
إلى آخر.
ما دام مرضى العربومانيا يعتبرون الزموري الأمازيغي "عربيا" ينتمي إليهم، فقد كان
عليهم، إنصافا للحقيقة والتاريخ، أن يكتبوا بأنه أول عبد عربي اقتيد إلى أميريكا في
القرن السادس عشر، أي قبل أن يرحّل إليها عبيد إفريقيا في القرن الثامن عشر. لكن
بما أن العربومانيا لا تتبنى كمنتوج "عربي" إلا ما هو عبقري وبطولي يشكل مصدر فخر
واعتزاز وتبجح، فإنها في هذه الحالة الأخيرة، حالة الحقيقة التاريخية، ستعترف بأن
الزموري ليس أول عبد "عربي" وطأت قدماه أميريكا، بل هو أول عبد "بربري"، تمشيا مع
منطق العربومانيا وأنانيتها المتضخمة التي تجعل من كل الأعمال الجليلة إبداعات "عربية"
ولا تعترف بالفشل ولا الهزائم التي تعزوها دائما إلى الآخرين.
أخاف أن يكتب غلاة العربومانيا يوما في الصحافة "العربية" أن أرييل شارون هو "أول
عربي" قهر العرب، مع الاستدلال على أصله "العربي" بالقول إن تصحيفا وتحريفا غيرا
انتماءه من "عربي" إلى "عبري"، وقد تم تصحيح ذلك!!
|