ويحدثونك عن تحرير
المشهد السمعي البصري!
بقلم: حميد تاكني (إنزكان)
لم نكن نتوقع أن تعطينا القناة الرابعة شيئا تفتقده. ولم نكن
نرجو أن تضيف أية نقلة نوعية للإعلام المغربي. بل على العكس من ذلك كنا نعلم العلم
كله أن هذا الغصن من تلك الشجرة، ومن المستحيل أن نسجل أي اختلاف بين العراب
وأتباعه.
فشلت القناة الرابعة في لفت انتباهنا وحشد اهتمامنا، وسارت في نفس الدرب الذي سارت
عليه دار البريهي وتابعتها القناة الثانية. وبدت كمولود جديد في شكل ملحق لعرض
فضلات الإنتاجات المشرقية. والأكيد أن المنتجين المشارفة الذين دأبوا على بيعنا
صورا لا تشبهنا في شيء، قد استبشروا خيرا عندما علموا بهذا الخبر، هذا إن لم يكونوا
هم الذين حفزوا مسئولينا على إنشاء قناة رابعة بحجة ربطهم أكثـر بجذورهم العربية.
فهذا المشهد السمعي البصري الذي أوهمونا بتحريره ومحاولة ترميمه وتجديده، حتى يتنفس
هواء نقيا غير ذلك الذي عشنا في نفاياته في العهد القديم، قد بدا للعيان على أنه
مازال مطيعا للتعليمات القديمة التي قسمت المغرب إلى اختيارات وأولويات لحساب مصالح
أقلية معينة حتى تخفي وجه المغرب والمغاربة الحقيقي، وتدنس أعراقهم وأصولهم
الحقيقية بثقافة وإيديولوجية لا يجمعنا بها لا خير ولا إحسان.
تفتح القناة الأولى فتجد فيلما مصريا، تم تعرج على المصونة الثانية، فتفاجأ بفيلم
آخر مصري ثم تبقي شيئا من الأمل بين ضلوعك وتضغط طالبا القناة الرابعة فيخيب ظنك
ويصيبك نوع من الإحباط لا تفسير له، وتتحسر كثيرا على هذا التشريف الكبير الذي
يوليه المسئولون على القطاع السمعي البصري للإنتاجيات المشرقية. وللقارئ الكريم أن
يقوم بجولة حول القنوات العربية ليدرك تماما أن لا أحد "يتسوق" للمنتوج المغربي ولا
للأخبار المغربية ولا للمبدعين والفنانين المغاربة... وما يتم تغطيته لا يعدو أن
يكون مواضيع قوارب الموت وتهريب الحشيش... ولا أدل على هذا قناة MBC التي حطت
ببرنامجها التعيس “يلا ياشباب” في المغرب، وهو برنامج يعرف بحضارة البلدان
الإسلامية والعربية وبثقافاتها، وقد عرج البرنامج على عدد من البلدان العربية
والإسلامية وعرف بكل سطحية بمعالمها التاريخية وكتابها ومبدعيها ودعاتها، وما أن
أذيعت حلقة المغرب حتى شاهدنا الشباب الذين يتبجحون بأنهم شباب دعاة أتوا للتواصل
مع إخوانهم المغاربة في قلب "جامع الفنا" وهم يسألون الفتيات سؤالا غريبا عن موضوع
البرنامج، وهو لماذا الفتاة المغربية لها سمعة غير طيبة في المشرق؟ وطبعا لم ولن
يحرك هذا في المسئولين أية ردة فعل، فهم قد استقبلوهم بالأحضان والولائم وفسحوا لهم
المجال لتصوير ما يريدون ومساءلة من يحبون، وودعوهم من غير أن يعرفوا ماذا يخبئون
في كاميراتهم.
لا نعرف لمن تشيد هذه القنوات؟ ولفائدة من تهدر هذه الأموال؟ ومن المستفيد من قناة
لم تكشف لحد الآن عن سبب تواجدها، فما زالت البرامج العربية هي الطاغية فيها،
ومازالت الأفلام المصرية الهزيلة المستوى تترنح فيها كما تشاء، ومازالت الأشرطة
الوثائقية المدبلجة من دور إنتاج مشرقية فارضة نفسها بقوة، واللغة والتراث
الأمازيغي مازال حبيس تنظيرات كلاسيكية ولا سبيل لإشعاعه ولا التعريف به وفرضه
كمكون مغربي أصيل ومهم.
لقد فهمنا الدرس جيدا، وعرفنا أن هذا المغرب الذي يعرضونه في هذا الإعلام المزعوم
لا يشبهنا في شيء، بل الأدهى من هذا كله أنه لا يشبه منظريه في شيء. فهذه القناة
الثانية سائرة بخطى ثابتة في تعليم النشء أصول الأغنية والميوعة المشرقية في
برنامجها "فاصلة"، وهذه جماعة من الفنانين المغاربة يحتجون بعنف ليس على تأمينهم
الصحي أو أسطوانتهم المقرصنة، بل لأنهم استبعدوا ظلما من المشاركة في تخليد ذكرى أم
كلثوم!!! وهذه السلطات المراكشية توافق على إستضافة نجمة غنائية في سهرة ماجنة في
الهواء الطلق اختلطت فيها الأجساد بالنبيذ والمخدرات، وطارت النجمة بالدولارات
وتركت الجميع في مخافر الشرطة يشكون همومهم على الذين رخصوا بإقامة الحفلة، وهذا
عيد العمال الذي نعتز ونفرح بقدومه يشهد في يوم الاحتفال به صور جمال عبد الناصر
وهي محمولة في أيدي الأحزاب التي باعت مناضليها ومنتخبيها.
لقد بدا جيدا بأن الصورة التي يسوقها سماسرة الإعلام في المغرب لا تعدو أن تكون
صورة بعيدة عن المغرب الذي نعيش ونتعايش فيه، ولا شك أن الخطوات التي تتخذ في هذا
المجال تتجه نحو طمس وقتل الهوية المغربية بكل مكوناتها وفسيفسائها، ولا أدل على
هذا أن الدولة قد تفطنت أخيرا لأخطائها الفادحة وخصصت سويعات لإخواننا الصحراويين
في التلفزيون المغربي، ولكن هذه الالتفاتة حصرتها في تنميط صورة المواطن المغربي
الصحراوي على شكل صحراء وإبل و"كدرة".
لا نعلم متى ينتهي هذا التعتيم وهذا المخطط القاتل الذي يقوده القائمون على الحقل
الإعلامي، ولكن نحن مصممون على الوقوف بقوة في وجهه حتى يتسنى للمغاربة أن يمتلكوا
إعلامهم بأيديهم ويصنعوا الصور التي تشبههم وتروق لهم.
|