|
استحقاقات هوية تحترق بقلم: محمد ربيع عاشور ـ ماسينيسا كاباون (ليبيا) يتعذر الحديث عن الهوية دون قذف السياسة بالحجر, أو رجمها بالمنجنيق, لأن الكلام سيكون مجردا من التسيّيس, خاصة عندما يتعلق الأمر بسحب الهوية الليبية من أطفال ليبيين لمجرد أن أسماءهم التي يريدون تدوينها في السجلات المدنية الرسمية غير عربية. إذن نحن أمام قانون صادر عن الحكومة الليبية يحمل رقم 24 و.ر لسنة 1369, ويمنع الأطفال الأمازيغ الليبيين من الاعتراف بهم ويحرمون من الوثائق الرسمية وغيره.... القانون يضع عقوبات تفصيلية في مادته الثالثة، والتي تخص الذين يتجرأون ويطلقون أسماء أمازيغية على أبنائهم .. وتصل الغرامة الى 5000 دينار ليبي, كما يحرم الأطفال من الحصول على جوازات السفر وكذلك البطاقات الشخصية, والعقوبة الأكثر استعصاء عن الفهم , هي حرمان هؤلاء الأطفال من التمدرس في المدارس الليبية, وعليهم أن يتعلموا عن بعد!! القانون رقم 24 يستهتر بإعلان جنيف لحقوق الطفل والصادر عام 1924 ، والذي مهرته ليبيا بتوقيعها وصادقت عليه. وتقول مادته السابعة: ”يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في الاسم والحق في اكتساب جنسية“. وبقدر ما يكشف القانون عن استهتار معلن بأطفالنا الليبيين, بقدر ما يكشف عن حقيقة لا يعترف بها في العلن وهذه الحقيقة مفادها: إن هؤلاء الأطفال ليسوا عربا , وهم فعلا كذلك , لأن الأسماء التي أرادوا تدوينها في السجلات الرسمية هي أسماء أمازيغية ومستمدة من أصولهم الغارقة في الجذور الليبية. من هنا تبدأ هوية هؤلاء الأطفال تحترق, ومن هنا أيضا تبدأ الحيرة ويظهر السؤال العصي عن الإجابة: لماذا يحرم تسجيل الأسماء الليبية ويسمح بتسجيل الأسماء غير الليبية؟!! ومن هنا أيضا تصطدم الهوية مع سياسة التعريب. بكل المقاييس يعتبر هذا القانون مخالفا للعقل, لأن كل القضايا التي عرضها بعض أولياء أمور هؤلاء الأطفال على القضاء ـ ومنهم رضّع ـ لم تستطع المحاكم أن تتعاطى مع مثل هذه القضايا في ظل وجود قانون صريح يقول: ممنوع تسجيل الأسماء الامازيغية في السجلات المدنية والوثائق الرسمية الليبية. إن مثل هذه القوانين القراقوشية ـ نسبة إلى قاراقوش ـ تعتبر انتهاكا صارخا للعهود والمواثيق التي صادقت عليها الحكومة الليبية وتعهدت بالالتزام بها. لكن لمن ستكون الشكوى وقد عجزت كل المحاكم الليبية عن الفصل في مثل هذه القضايا, وحتى سلسلة جمعيات القدافي الخيرية, والتي تربع أبناؤه على كراسيها, لم تنبس ببنت شفة, وذهبت تجير المستغيثين في أطراف الأرض من أرخبيل الفلبين مرورا بتورا بورا, ومحتجزين آخرين بين أ يدي المرتزقة ـ أصحاب الأمس والغد. وإذا كانت المهمات الخاصة والكثيرة التي تجود عليها جمعيات القدافي تحتاج إلى مبالغ بالملايين, فإن إلغاء القانون المجف رقم 24 لا يتطلب سوى جرة قلم بالمدواة . في تصوري أن القانون الذي يمنع الأطفال الليبيين من ليبيتهم , هو ليس مجرد قانون مخالف للعقل, بل هو واجهة تخفي خلفها إقصاء الهوية الليبية الأصيلة وتتعمد تهييل التراب على ما تبقى من شرطها المهم ـ الأسماء. وعندما اجتهدت مؤسسة الرقيب لحقوق الإنسان مشكورة في إصدار بيان يناهض هذا القانون, كان عنوان البيان (بيان بخصوص حظر استعمال الأسماء غير العربية في السجلات المدنية) ولم ينتبه أحدهم أو أنهم فاتهم أن يفكروا بشكل آخر بحيث يكون عنوان البيان: بيان بخصوص حظر استعمال الأسماء الامازيغية في السجلات المدنية. أليست هذه هي الحقيقة؟ رغم أنني لا أبخس الخطوة الجريئة التي قامت بها مؤسسة الرقيب في شهر مارس الماضي, إلا أنهم أخطأوا ـ ودائما بدون قصد ـ في عبارة تقول: ”وقد ترتب على هذا القانون منع تداول الأسماء الغير العربية الامازيغية أو التركية“. وهل يمكن أن نقارن الأسماء الليبية الأصيلة ببعض أسماء عائلات تركية طاب لها المقام في ليبيا عقب الغزو العثماني لها!!؟. أم أنها إشارة إلى ما مفاده ـ ما حّد خير من حدّ ـ ويتساوى أصحاب الهوية والأرض مع بقايا أسماء تركية؟ وعلّق صديق. ”بيكحلها عماها“. نحن ندرك جيدا ومعنا العاقلون أن مثل هذه القوانين السيئة الذكر مصممة على استراتيجيا أكبر من التنديد بها ببيان يخلط ورقة الهوية مع ما تبقى من عائلات العصمانلي في ليبيا, وندرك أكثر أن المقصود من هذه القوانين, هو طمس الهوية الليبية الحقيقية, وذرها وسط رماد يتصاعد ويذهب بعيدا. حديثنا لا يزال حول قانون يتظاهر بالجنون, غير أنه أكثر من عاقل ويدرك بالضبط ماذا يستهدف, وتفاصيل مواد القانون المحبوكة بطريقة شيطانية تؤكد ذلك: 1- يعاقب بغرامة مالية لا تقل عن 1000 ولا تزيد عن 5000 دينار ليبي .. 2- الحرمان من الحصول على جواز السفر والتراخيص والوثائق الشخصية .(يعني ساقط من القيد) 3- يحرم أبناؤه الذين يحملون أسماء تخالف نص هذا القانون (يقصد الأسماء الامازيغية) من القيد (التسجيل) بالمؤسسات التعليمية حتى تزيل المخالفة. هذه العقوبات الصادرة في فرمان حكومي, يتعرض لها كل من يطلق على ابنه المولود اسما أمازيغيا , وهذا يعني أن هوية أبنائه ستحترق أمام عينيه. نحن نتحدث عن قانون يمس الهوية, والكلام يدور هنا حول السجلات المدنية والأطفال المحرومين من الجنسية الليبية والمحرومين من التسجيل في المدارس. نحن نتحدث عن قضاء ليبي لا بد أن يقف خجولا أمام هذه القضايا التي يعيد الاستئناف فيها لأكثر من ست سنوات ولم ينطق بكلمته, نتحدث هنا عن قضاء ليبي عليه أن يطأطئ رأسه أمام أطفال ليبيين يحملون أسماء مثل ( تازيري, تانس , تالا , نوميديا) ... إن أكثر الأسماء تحمل دلالاتها ومعانيها ولها في وجدان حامليها أكثر من مغزى ومعنى وهي امتداد للهوية التي لا يمكن أن يلغيها قانون غير عاقل، أو قانون جهنمي... لم يخرج الأكراد من المولد بدون حمص ـ فهويتهم محفوظة وأبناؤهم يحملون أسماء كردية صرفة ويتمدرسون في مدارس تعلمهم لغتهم الكردية وينكبون على دراسة تاريخ الأكراد . أقول لم يخرج الأكراد من المولد بدون حمص, لكن خرج الأمازيغ من المولد بقوانين قاراقوش .
|
|