|
كيـف نقـرأ الفضاء المغــاربـي؟بقلم: محمد أركون ـ ترجمة : حمو بوشخار نحن على بينة من سلوك حركات التحرير الوطني، جمعيات ”العلماء“ الإصلاحية وأخيرا الدول الوطنية المابعد الاستعمار كيف فرضوا تعريفا دوغماتيا، نضاليا، مغلقا لمغرب عربي وإسلامي بتحريف، لغايات سلطوية، معطيات التاريخ، علم الاجتماع الثقافي واللساني والإناسة الاجتماعية، القانونية والدينية. ثمة باحثون صنعوا أسماءهم بالتأهيل في شبكات نفوذ سياسي – أكاديمي لا تعتمد الجودة أو جهود أعمالهم، ساهموا بدعمهم ”العلمي“ في هذا التوجه الإيديولوجي المحض. إذ يعسر على الباحثين الشباب أن يهتموا بكاتب أو بموضوع محلي دون أن يثيروا الشبهة، أو الاعتراض الإقصائي على التوجه نحو الجهوية أو بشكل ضمني ضد البرابيرية، (للتفريق بين Barbare و Berbère عمدنا إلى إدخال (ي) بعد الباء الثانية حتى يكون المقصود هم سكان شمال إفريقيا) إن كاتبا ”ممثلا“ للمغرب يلزمه ممارسة العربية، زيارة أماكن التعبد وكذا الفكر الإسلامي حتى يصير مؤهلا كموضوع درس. أما إذا لم يمارس إلا لهجة قبلية ولم يقم بأية زيارة لبحث المعرفة العالمة، كما هو الحال مع القبايلي الشيخ موحاند Mohand، لا مجال لإضاعة الوقت لانتشاله من مغموريته. هذا النوع من الحجج ”العلمية“ سمعتها بنفسي من أساتذة كبار عندما اخترت تخصيص أطروحتي لفيلسوف التاريخ ميسكوية. لقد اعترضوا بأنه مؤلف من درجة ثانية، فهو لا يمثل الفكر الفلسفي كالفرابي، أو ابن سينا، ولا التاريخ كابن خلدون، واعتقد أني أجبت على هذا التصور الازدرائي للثقافة والفكر بتوسيع مجال البحث كي يشمل عصر ميسكوية. صحيح أن البعد المسمى برابيري في الفضاء المغاربي – من الحدود المصر – ليبيا حتى الأطلنتي، و من الساحل المتوسطي حتى النيجر – كان قد تعرض لتأثيرات القهر والتوجيه السياسي للرومان. التسلل البطيء لكن والمستمر، العام والعميق للغة والثقافة العربية، الحاملة لدين جديد، انتهى إلى اختزال كل أشكال التعبير الهوياتي ”البرابيري“ إلى مجرد بقايا . لكن دخول قوة ثالثة منافسة مثلها الاستعمار الفرنسي وأجزاء من الحداثة الذي رافقته عرقل لعبة جدل القوى والبقايا (دولة – كتابة – ثقافة – عالمة – عقائدية في تنافس مستمر مع المجموعات المقطعية، الشفوية، الثقافة الشعبية التي صارت اعتقادا شعبيا Populiste منذ 50-1960، وكذا مختلف المذاهب الدينية و/ أم السياسية المعينة والمتبعة من قبل كل أشكال السلطة السياسي – دينية . ففي الجزائر والمغرب ستواصل ”البقايا“ التي يسميها ابن خلدون في ذلك الوقت البربر Barbar من دون انشغال بالحمولة السلبية في النعت الللاتيني، مقاومتها أكثر للاقتلاع حتى أيامنا هذه. والحكايات التاريخية الرسمية لم تنشغل أبدا بعد الاستقلالات بإقامة نظرة ذات مغزى إيديولوجي سابقة عن تلك التي فرضها العلم الاستعماري. لقد تمت إدانة هذه بحماس أخلاق – سياسي وبالقوة العلمية بالتركيز على تقليص العربية والإسلام إلى حالة بقايا دون أن توسع هذا النقد الصائب إلى مجموع اللغات، والثقافات والتعابير الدينية في الفضاء المغاربي. لقد كانوا على صواب عند إدانة الاثنوغرافيا التي تتبناها الإدارة الاستعمارية التي تأخذ بداهة ”الخصوصيات“ البرابيرية كي تستعملها ضد التعابير والعادات الخاصة بالتجمعات التي تعرضت للتعريب؛ لكن القراءة الأنتربلوجية للفضاء المغاربي لم تمارس إلى اليوم بشكل جيد إلا من قبل عدد ضئيل من الباحثين المغاربيين. ويلزم هذه القراءة بالفعل أن تقطع مع تشكيل المجال البرابيري كموضوع منعزل ومتميز عن الحقل العربي والإسلامي، إن تقطيعا من هذا القبيل يضحي بالحدث التاريخي والاجتماعي التام للبقايا الحية منذ الاحتلال الروماني، إنه يواصل، غالبا على غرار المؤلفين، فارقا إيديولوجيا يتناسب بشكل خطير مع المبادرات النضالية لتوجهات البرابيرية. على النقيض من ذلك يلزم تشخيص الصيغ ومواقع التداخل، تأرجح الذبذبات، التأثيرات المتبادلة، الإبداعية، أو المقاومة كذلك، التنافي المزدوج، الطرد بين المجموعات الإثنولسانية وثقافية، العادات والتقاليد، المؤسسات، الذاكرات الجماعية، المخيلات الاجتماعية، العقائد الدينية الواردة خارج تكفير الإلهيات الدوغمائية. من المناسب إعادة تشكيل النسيج السوسيوثقافي المغاربي في كل تعقده التاريخي والأنتربلوجي البطيء والمتعدد الخاص بسيرورات بناء هوية المغاربي التي تظل متشظية ومتنافسة بعنف. اعتبر المونوغرافية التي خصت بها فريدا آيت فروخ الشيخ موحاند مساهمة دقيقة في هذه المقاربة اللامتزمتة dépassionnée ، الغير مؤدلجة، صلبة المعرفة، بالفضاء المغاربي انطلاقا ليس من أحد المراكز السياسية، الدينية أو ”العلمية“، ولكن مما أسميه الهامش المهجور، الأكثر دلالة اليوم، من بين الضواحي. سيكون مفيدا إبراز تطور الضواحي وأطراف هذه الضواحي على خريطة جيواجتماعية انطلاقا من مراكز كقرطاج، ليبتس ماغنا، تيمغاد، هيبون، كيروان، مهديا، تونس، بجايا، ألجير، تلمسان، فاس، مراكش، مكناس، الرباط، إلخ. لقد باشر مؤخرا، و. مارسي فكرة خريطة لهجاوية dialectologique ، أساس علم اجتماع لساني بالمغرب. فكرة ليست منسية فقط للأسف، ولكن مرفوضة من المناضلين العلميين الأقل خبرة بالتعريب. في كتاب صدر حديثا، كشف، ر. بيليي الأهمية التفسيرية التي يمكن جنيها عند كتابة تاريخ للإسلام انطلاقا من الهوامش (Islam. The view from the Edge, Cambridge u.p.1994). الحاجة كبيرة لمثل هذه الأعمال في تحرير الاستغرافيا من المجال العرب – إسلامي من سطوة المراكز والثقافات العالمة الملازمة للرقابة الأرثدوكسية والسلطة. تقديمات الشيخ موحاند من طرف المرحوم مولود معمري كانت رائدة، لكن أكثر تركيزا على المحلي كي يسجل هذه الشخصية المعيارية ذات الوزن الكبير في الأفق المنهجي والابستملوجي لما أتيت على تسميته جدل القوى والبقايا في المغرب، جني النصوص، نشرها بطريقة علمية، ترجمتها وتحقيقها خطوة أولى وضرورية في نقل تقليد أدبي مربوط بالشفاهية إلى الكتابة. بفضل هذا العمل وتقدم علوم الإنسان والمجتمع، منذ 1960 يمكن إنجاز خطوة ثانية ليس فقط مع الشيخ موحاند، ولكن لكل النتاج الثقافي في اللهجات العربية والبرابيرية بالمغرب. بديهي بالفعل أن الوضع السياسي والسوسيولوجي للهامش والبقايا لا يعني فقط المجموعات الناطقة بالبرابيرية؛ أتكلم عن الفضاء المغاربي حتى يشمل كل المجموعات المعنية، المشروطة في تعبيراتها بوزن القوى، مراكز التطور التاريخي للفضاءات الاجتماعية المسماة بلاد السيبا من طرف المخزن المغربي، تعارض المخزن / سيبا – دولة /تمرد – لا قانون – يمثل جيدا الاستثناء المغربي فيما يخص استمرارية سلطة المسلمين منذ 808 في مواجهة العصيانات المتكررة للمجموعات البرابيرية على الخصوص، هذا في حين أن هناك في الجزائر قطيعات جغرافية وتاريخية تهم السلطة. والحالة هذه كان على فريدا آيت فروخ أن تعود إلى وضع عمل وحياة الشيخ موحاند في سياقها. فعاينا الخسائر التي تعرضت لها الذاكرة الجماعية والتي لم تتمكن الكتابة أن تنتشلها من النسيان، وكذا إعادة بناء الماضي بعشوائية لأجل سد الفراغات الفاحشة. لن يرى كل هؤلاء الذين يرضون بالذاكرة العربية للمغرب كم من تشتت، اللااندماج، وأخيرا المحو القاهر للذاكرات البرابيرية، كيف قادوا إلى بتر خطير لما نسميه الهوية المغاربية. القاعدة المحض إيديولوجية لهذه الأخيرة مؤسسة على تجاهل مدروس، ومدستر للتاريخ والانثربلوجيا المغاربية . لقد غذى هذا التجاهل عند عدد من المناضلين المتحمسين للهوية البرابيرية أو العربية تقريبا إرادة إقصاء آثار ”الآخر“ . مع ذلك، يمتد الغموض التاريخي الذي يغمر الشيخ موحاند لنفس الأغراض المتعلقة بتعارض الشفاهية والكتابية إلى ”وجوه المعنى“ الأخرى (شعراء، أولياء، حكماء، ”سحرة“، وسطاء، رجال ونساء) ذات التعبير العربي. لهذا أتحدث عن المدى المعياري الذي يمثله الشيخ موحاند ليس فقط لكل الفضاء المغاربي، وإنما لكل المجتمعات حيث الثقافات الشفوية تناضل من أجل البقاء بالالتجاء للكتابة، والبحث الاثنلوجي، للنعوتات الإناسية، للنظام التربوي الملائم لمتطلبات التحول السريع والخصب. في غياب تاريخ مضبوط، يمنح الاعتقاد للشيخ موحاند عمرا مساويا للخاص بالنبي (63 سنة)؛ عاش في النص الثاني من ق 19، إذ كان شاهدا على إعادة احتلال القبايل Kabylie في 1871 . هناك إذن لقاء بين حدث جماعي ومأساوي وبروز شخصية متفردة. مقارنة بالسلط الأخرى الكبيرة الملهمة، سيصير بسرعة واحدا من ”وجوه المعنى“ العظيمة التي تظهر داخل المجموعة كل مرة يتم فيها تلمس نقص المعنى بألم أمام امتحانات القدر أو تهديد القوى الخارجية. ب ”وجوه المعنى“ Figure du sens نقصد الشخصيات الصلبة القادرة على خلق ديونات المعنى بإكراه عند كل أعضاء المجموعة التي تبلغ انتظاراتها، تجيشاتها، آمالها، عواطفها الروحية والأخلاقية قيمها الجماعية المثيرة جماليا، دينيا، واجتماعيا، درجة عالية من التفصيل في خطاب شعري مخزن بأمانة، ومستظهر ومغنى من قبل أجيال متتالية. يصرف الشيخ موحاند عددا من الوظائف الخاصة بالفاعل الاجتماعي: أنه مرشد، وسيط، وال Saint ، شاهد، حامل معرفة – حكمة (amusnaw ) متابعة محترمة ومطلوبة للسلطة، ناطق رسمي شعري وكاريزمي؛ تلتقي هذه الوظائف كلها عند إعادة تنشيط ضروري، كذا أغناء وترقية الذاكرة الجماعية للقبايل الخاضعة مرة أخرى لامتحانات غزو قاس، تأديبي، لا يرد في منطقة هامشية، نائية عن كل مركز، إلى هنا مستقلة وشبه مكتفية بذاتها. نحن نوجد في سياق تحكمه الشفاهية، منذ الوهلة الأولى يلج الرجال والنساء ، أغنياء وفقراء من أول العمر حتى الأكثر تقدما في الحياة العائلية، والأنشطة القروية والأشغال الفلاحية لثقافة هذه المجموعة الموصوفة بشكل جيد من قبل ب . بورديو تحت عنوان الحس العملي. لا أحد هنا يحتاج للمؤسسات، آلات التنقيل الضرورية في سياق الثقافة العالمة المكتوبة. هكذا، يعد الشيخ موحاند من دون شك آخر النماذج المنجزة لإنتاج ”وجه المعنى“ بالعمل البطيء واللامدرك للذات على الذات المتعلقة بمجتمع من دون كتابة، ولا مركز سياسي مسيطر، ولا هيئة دينية متدرجة وملتزمة في بنية سلطوية دائمة. يتعلق الأمر هنا بشروط بنيوية لنهوض وقيام ”وجه المعنى“ مستقل ما دام يستقي سلطته من الانخراط الشخصي، العفوي الحماسي، المتفاني لكل عضو من الجماعة التي تعترف بدينها الروحي والثقافي فيما وراء موتها الفيزيقي تجاه السيد ، الموجه والوالي. يستطيع علم النفس التاريخي وعلم الاجتماع دون غيرهما أن يصفا سيرورات لاانسجام الأطر الاجتماعية للتلقي، الإدراك وترويج نحو تلك ”وجوه المعنى“. عن طريق تحقيب زمني نستطيع القول إنه خلال سنوات 1940، أخذت تبرز شروخات بنيوية لا ترد تحت الحدث المتصرف للإدارة الكولونيالية، للحركات الوطنية وفقهاء الإصلاح لإسلام المدينة في معارضة لإسلام ”الأولياء“ Maraboutique المدان عموما على اعتباره حليفا للمستعمر. لكن الدولة – الأمة – الحزب الارادوية هي من ستستهل تكسير الأعراف الثقافية، التقاليدية،“الدينية“ (المطلوب إعادة تعريف الحدث الديني في هذا السياق الخاص) التي ينهض عليها نظام سياسي اجتماعي وثقافي عريق Séculaire . إلى حدود 1962، لم يقم النظام الاستعماري شرطة، ولا دركا، ولا محاكم، ولا جبايات في القرى المعلقة في الأعالي؛ واصلت الجماعة اشتغالها في القرى حتى غداة حرب التحرير، عكس الدولة – الأمة – الحزب التي سارعت إلى إدخال كل العلامات وكل المؤسسات الخاصة بالرقابة الدولتية. هكذا، سيتم تعويض كل الآليات التقليدية للتنظيم الذاتي، الحماية الذاتية، الرقي الذاتي، التأويل الذاتي التي ضمنت اشتغال الذات على ذات المجموعة باستراتيجيات الإدماج الاديولوجي، بأطر إدارات التسيير، بشبكة المراقبة والجزاء البوليسية، بالمؤسسات والبرامج التربوية التعبوية، بالنظام القضائي للدولة المركزية. لا يتعلق الأمر بنكران الوظائف الايجابية للدولة – الأمة كهيئة تحكيم منظور إليها كمرحلة تاريخية في بناء فضاء ديمقراطي يسع المواطنة، سأبين من خلال مثال واحد ضارب في الغنى الدلالي، المشاكل المطروحة عند الانتقال من الثقافة الشفوية للمجتمعات المقطعية واللاكتابية(1) كالقبايل Kabylie إلى الثقافة العالمة المكتوبة، المدارة، المراقبة، المعبأة من قبل دولة متمركزة، مهووسة بتوسيع سلطتها وتصورها للأمة الموحدة بدلا من تشجيع القيم الايجابية الواعدة بالمستقبل والشرعية ما دامت تحيل للتاريخ الطويل للذاكرات الجماعية الحية التي تم إبقاؤها إلى اليوم في الهامش. التسيير الديمقراطي المرجو في الانتقال من مرحلة الشفوية إلى المرحلة الكتابية والعالمة تفرض نفسها في كل المجتمعات؛ لكن الدول بعد استعمارية فضلوا استيراد نموذج الدولة – الأمة (بالجمع) على الطريقة الأوربية دون كشف عن المظاهر الإيديولوجية السلبية لإحالاتها الثقافية، القانونية والمؤسسية الحديثة التي يفتقر إليها اليوم كذلك في الفكر والممارسة السياسية عدد كبير من الفاعلين وأصحاب القرار والمواطنين. تحتاج هذه الوضعية التي وجدت منذ الاستقلالات أن توضح بمنوغرافيات حية، مقنعة علميا كتلك التي اقترحتها فريدا آيت فروخ التي يعود لها الفضل الكبير في تشغيل عدد من التخصصات، والمناهج وجهد مستمر في المفهمة لأجل معايشة مجتمع بكامله، نظام تمثيلات، نماذج فعل تاريخي، معالم هوياتية معرضة منذ خمسين سنة لعوامل عدة من العزل القسري. في أطروحتها حول الإثنوشعرية البرابيرية l’ethno poétique berbère، حالة الشعر الشفوي القبايلي، تمكنت المؤلفة من استخدام تقنيات التحليل النقدي للخطاب الأدبي، ودراسة أفعال التناص كأمثلة سائرة للبيت في نظام الشفاهية. كذلك تعود بشكل واسع للأناسة الاجتماعية والثقافية لدراسة ”العلاقات اللاإنسانية مع الإنسانية“ أو تمثيلات اللامرئي في الوسائطية الخاصة بالثقافة الشفوية. بخصوص عمل المفهمة (صناعة المفاهيم) نقرأ التمليكات الثقافية الدقيقة للتصورات المستعملة في نظام التفكير القبايلي التي نجد لها مرادفات، وتقابلات في أفكار المجموعات البرابيرية أو العروبية الأخرى عبر الفضاء المغاربي. أوصي بقراءة متأنية للتحليلات المتعلقة ب الاغراو Agraw ، آت ربي At Rebbi تاروحانيت Tarouhanit وتيروبدا Tirrubda ، تاقبايليت Taqbaylit ، تاموسني Tamusni إلخ. سنحتفظ بالمسافة الفاصلة بين المفهمة المتمركزة على ذاتها، متعقلنة وشكلية في التقليد الارسطوطاليسي القديم والمفهمة الملازمة للتجارب الوجودية لأسياد الفعل المولد الذي يمتح من التورط Ethos الأخلاقي والشفرات الرمزية للمجموعة بالقدر الذي يغذونه ويحيويونه ( جعله حيويا) بإبداعيتهم . هناك تجول وتنازع مستمر بين التجارب المعاشة للمجموعة والخطابات التي تزينهم، تقدرهم وتدمجهم في الذاكرة الجماعية، بالرغم من صدورها عن مؤلف متعين كشخص يتجاوز المجموعة، تظل خطاباتهم تلهم الذات الجماعية وتقوي الإحساس بالانتماء الهوياتي، وتدعم الوحدة الروحية للكل عند التخليد، الصلاة، طقوس المقايضة، القسمة، الرعب والتآزر ... كيف تندرج العلاقة بالإسلام في كل هذا؟ لأي إسلام تحيل هذه الخطابات كي تدمجه كعين منعشة لمثال للكمال الوجودي؟ فريدا آيت فروخ تتكلم عن التصوف، الروحانيات، الخلوة الروحية، الحقيقة، طقوس البلوغ initiation ، الشيخ والمريد، مقدس، تقديسية، ملائكة، رواحن Esprits قوى فوق طبيعية، عجائب، عطايا مقدسة أو البركة (ينظر ثبت المصطلحات الذي أنجزته)... فهي تستعمل قاموسا إسلاميا مشتركا، أكثر شعبية، والذي يفترض بسبب انتشاريته الواسعة بالذات، تحليلات نقدية أكثر تقدما كي يعيد تفكير الوضع المعرفي ووظائف الحدث الديني في عموم الفضاء المغاربي. أتكلم عن الحدث الديني كي أحرر البحث والتأويل من الإسلام النصي، المعياري المفروض دون نقد على المجتمعات اللاكتابية، والتي تنتج في الواقع تدينا معقدا يجمع العقائد السابقة للإسلام والعناصر المختزلة، والعامية المأخوذة من متنين مختلفين داخل التقليد الإسلامي الهائل نفسه: لقد تأثر المتن الإلهي – القانوني كثيرا على التحليل المتمركز عقليا (تحليل بياني، حجاجي، تحليل قانوني أجرائي، تفييئات مجردة) المتن الصوفي نفسه تقلص إلى وحدات متنية متعلقة بمستويات الثقافة والتجارب الجماعية الخاصة بالتقاليد الشفوية. هكذا سيكون مغاليا الكلام واحديا عن التزهد والتصوف كي تتم الإحالة جيدا إلى المؤلفات المجددة للخيال الخلاق الحلاجي، المحاسبي، البسطامي، ابن العربي ... كذلك للمؤلفات الشكلية (السكولاستيكية) لشيوخ الزوايا الضامنة بنجاحات متباينة استمرار تجانس اجتماعي وثقافي في حده الأدنى لمجموعات محدودة. هذا شأن الزوايا المبثوثة في القبايل أو في سياقات ذات تقليد شفوي برابيري . ستعمل الزوايا على نشر الممارسات والتمثيلات المقدسة والتقديسية لضمان بواسطة مقاطع سردية مؤسطرة (أخبار، تاقسيت Taqsit ، تيموشوها Timushuha ) صحة نظام العقائد واللاعقائد المعرضة لإعادة الإنتاج، الاقتباسات، تناصات دقيقة التخفي بواسطة تقنيات الحكي، المداخلة العالمة للأمير عبد القادر في مواقفه الهائلة (كتاب المواقف ج I تقديم ترجمة وتحقيق ميشال لاغارد، ليدن 2000 من 632) يكشف أنه في ق 19 كان هناك إلمام بالتقليد الصوفي العظيم في الفكر الإسلامي. وهذا يدعم ضرورة وجود علم اجتماع تاريخي للصيغ ولمستويات الحضور في الفضاء المغاربي لكل المتون على اختلافها في الفكر الإسلامي الكلاسيكي. نرى كل العمل الذي يلزم إنجازه حتى لا تساهم علوم الاجتماع، بدورها، في تمتين الاعتقاد بالصيغ العديدة للتخييل الديني المسمى اتفاقا إسلاميا باعتماد سلطتها العلمية، هذه الصيغ التي تعد بناءات اجتماعثقافية؛ والمطلوب توضيح آليات خطابها، محتويات علم النفس، المرامي الاديلوجية، الاحتمال التاريخي لنزع الحدث الديني لمستثمري المقدس وكذلك من ممارسة علمية متوقعة مرة أخرى – بالخصوص ما يعني الإسلام – في ”الموضوعة التاريخية المتعالية“ التي قوضت منذ زمن طويل بأعمال باتت مشهورة. أتمنى أن تكون هذه الملاحظات السريعة التي اعتنت بأهمية القضايا المثارة كافية بإقناع القراء المغاربيين بهذا الكتاب الذي تضع فيه فريدا آيت فروخ مقاييس جديدة على طريق غير مستقيمة، والتي يلزم أن تقود إلى إعادة قراءة تحريرية وتأسيسية للفضاء التاريخي والأناسي المغاربي. إن التحرير الفكري والثقافي للمغرب يوجد بهذا الثمن. إشارات : هذا النص كتب كمقدمة للكتاب الذي خصت به فريدا آيت فروخ الشاعر القبايلي الشيخ موحاند. (1) الكتابة العربية واللاتينية حاضرة بداهة، لكن النخبة الضيقة والذكورية بالخصوص تبقى المستفيدة . هذه الكتابة تستعمل لتحصيل فقرات من الثقافات البرانية étrangères عند تشغيل الذاكرة الجماعية التي، هي بالضبط، لا تستفيد من التثبيت بالكتابة. ثقافة بعض الصلحاء بالعربية توجز في قراءة مقررات مبسطة وحدها الجائزة في الزاوية. فيما المتن الكبير للاعتقاد الإسلامي يظل مجهولا. هذا يفسر تشتت وتهميش متصاعد للذاكرة الحية التي تتكفل بها أكثر فأكثر النساء قبل أن تستفيد هي الأخرى من تمدرس يشتغل في آن كتثاقف وكاجتثات لها. (2) في انتظار صدور كتابي: من أجل فكر مغاربي، أحيل إلى مساهمتي اللغات، المجتمع والدين في المغرب المستقل ضمن: ثقافات المغرب ل ماريا – انجيل روك، س . د . لارماتان 1996.
|
|