|
نحـو سـوسـيولـوجـيـة أمـازيـغـيـة ـ مقاربة أولية ـ إنجاز الباحث: امحمد عليلوش (Iyider-النقوب). مدخـــل: إن أول سؤال يتبادر إلى الذهنن، والذي يمكن طرحه انطلاقا من العنوان (نحو سوسيولجية أمازيغية) هو بالذات: هل يمكننا الحديث عن سوسيولوجيا أمازيغية؟ وماذا يقصد بذلك؟ ولكون هذه الأسئلة بذاتها تطرح وتفرض بدورها الإقرار بوجود سوسيولوجيا خاصة بالأمازيغ، وبالتالي بالمجتمع الأمازيغي، فماذا عن كل ما يوجد الآن من دراسات حول المجتمعات الأمازيغية في دول تمازغا (شمال إفريقيا)، والتي أنجزت من لدن باحثين، سواء من الأمازيغ أنفسهم أو غيرهم؟ ألا يمكن لها أن تكون نواة أولى لبناء سوسيولوجية أمازيغية قائمة بذاتها؟ وماذا عن كل ما أنتجه الأمازيغ عن حضارتهم وعن المجتمع والإنسان ثم حول الأخر؟ إنها فعلا أسئلة تفرض علينا نحن الأمازيغ محاولة الإجابة عليها، وبالتالي تحليل مغزاها. ولكي نفهم كذلك ما نتوخاه من هذه السوسيولوجيا, ومحاولة مني كمهتم بهذا الجانب وكأمازيغي، أود أن أطرح هذا الموضوع للنقاش وأتمنى أن يعطى له ما يستحق من عناية قصد الدراسة، وذلك لفهم المجتمعات الأمازيغية بشكل صحيح وكذلك الإنسان الأمازيغي وثقافته الغنية... ولتقريب الفكرة أكثر لابد في البداية أن نفهم ماذا يقصد بالسوسيولوجيا بشكل عام وما هو موضوعه كعلم؟ يان: ماذا يقصد بالسوسيولوجيا؟ وما هو موضوعه كعلم؟ لقد أكد الفيلسوف ”ريمون أرون” بان علم الاجتماع يتميز أساسا بأنه يبحث دائما عن نفسه, وان أكثر النقاط اتفاقا بين المشتغلين به هي صعوبة تحديد علم الاجتماع. وهذا ما يجعل تحديد تعريف دقيق للسوسيولوجيا أمر صعبا, كما أن جل الباحثين يتباينون في تحديد تعريف خاص لهذا العلم وهذا راجع أساسا إلى طبيعة هذا العلم وكذلك للجذور التاريخية التي يرتبط بها منذ نشأته إلى يومنا هذا حيث تأثر علم الاجتماع بأفكار عدد كبير من الفلاسفة، سواء من مؤسسيه الأوائل كسان سيمون و اكيست كونط وكارل ماركس واميل دوركايم , إلى آخرين, كما تأثر كذلك علم الاجتماع بالتغيرات التي طرأت على المجتمعات الإنسانية، خاصة في المجتمعات الأوروبية, ثم بالمنهج العلمي في كل فترات التاريخ, إلا انه يمكن القول بان علم الاجتماع بالأساس هو ذلك العلم الذي يعمل على دراسة الإنسان والمجتمع دراسة تحليلية علمية تعتمد على المنهج العلمي, وكل ما يقتضيه هذا المنهج من أسس وقواعد وأساليب في البحث. واهتمام علم الاجتماع بالإنسان والمجتمع يجعله يتداخل مع فروع أخرى من فروع العلوم الإنسانية كالانتربولوجيا والسيميولوجيا والفلسفة والسيكلوجيا والاركيولوجيا... إلا أن الميزة الأساسية التي تجعل علم الاجتماع أكثر أهمية هو انه يدرس المجتمع ككل في ثباته وتغيره , ويدرس الإنسان من خلال علاقته بالمجتمع، أي انه أكثر شمولا من العلوم الإنسانية الأخرى... وكونه كذلك علما تحليليا يدرس المجتمع، علما حديثا، في حين أن دراسة المجتمع والظواهر والنظم الاجتماعية بشكل فلسفي , دراسة قديمة قدم الإنسان نفسه (1) وهذا بالفعل ما يؤكد بان التفكير الاجتماعي لازم الإنسان منذ وجوده الأول. وهنا فإننا في عصرنا اليوم، والذي أصبحت فيه الحياة الاجتماعية معقدة ومتشابكة حيث أصبحت حياة الإنسان ترتبط بالجانب الاجتماعي أكثر من الجوانب الأخرى , وهذا ما يدعوا بطبيعة الحال إلى ضرورة التفكير من جديد في دور السوسيولوجيا... سين: مــاذا عن السوسيولوجية الامــازيغية ؟ إذا ما حاولنا تدقيق وحصر وظيفة علم الاجتماع في كونه يهتم بدراسة المجتمع والإنسان عبر السيرورة التاريخية , وبالتالي يهتم أساسا بدراسة البناء الاجتماعي بما فيه من كل الظواهر الاجتماعية , وإذا ما حاولنا كذلك الاعتماد على هذا التعريف والانطلاق من الحاجة الماسة إلى تأسيس علم اجتماع أمازيغي وذلك لتوضيح الرؤيا وتجنب الخلط الذي وقع فيه كتاب وباحثون اتخذوا لهم مذهبا ومنهجا تخريبيا حيث ينسبون الأشياء إلى غير أصلها والى غير أهلها, وبالتالي يكرسون الجهل ويطمسون الحقائق المتعلقة بالإنسان الأمازيغي الذي ارتبط تاريخه بشمال إفريقيا. فقد ظهر فعلا بالمغرب مثلا منذ السبعينات كتاب ومؤلفون كعبد الله العروي ومحمد عابد الجابري ومحمد جسوس... واشتغلوا فيما سموه بالفكر العربي والاديولوجية العربية والعقل العربي معتبرين أن وطنهم كذلك يدخل ضمن هذا الفكر العربي ويتجاهلون بان هناك فكرا أخر يحتاج إلى بناء، وهو الفكر الأمازيغي والاديولوجية الامازيغية. هذا في الوقت الذي كانت فيه هناك دراسات وأبحاث أنجزت حول المجتمع الأمازيغي من لدن كتاب غربيين واروبييين بالخصوص في المغرب وفي باقي مناطق تمازغا كالدراسات الانتروبولوجية التي قام بها الباحث دفيد مونتكمري هارت وكذلك ارنست كيلنير ثم الدراسات الكولونيالية التي قام بها الفرنسيون كالكولونيل جيورج سبيلمان,وكذلك الباحث اميل لووست... كما انه لابد من الإشارة إلى أن هناك من المفكرين من أشار إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار للمكون الأمازيغي إذا ما أردنا التأريخ للسوسيولوجية في المغرب مثل عبد الكريم الخطيب... ويبدو صعبا فعلا أن نعترف بان هناك سوسيولوجيا أمازيغية كما هو الحال للسوسيولوجيا في العالم العربي الإسلامي على حد قول الكاتب عبد الصمد الديالمي في مؤلفه: القضية السوسيولوجية ـ نموذج الوطن العربي ـ ولكن ما يمكن أن نؤكده هو وجود كتابات سوسيولوجية أمازيغية تستمد تصورها النظري واليات تبلورها من المجتمع الأمازيغي... وإذا ما عدنا إلى ما أشار إليه عبد الصمد الديالمي حيث اعتبر أن المرجعية الأساسية لظهور علم الاجتماع في العالم العربي الإسلامي كانت سنة 1930 مع صور كتاب ”البرابرة والمخزن“ لروبير مونتاني لكونه أول أطروحة سوسيولوجية حول المغرب . ولكن السؤال المطروح هنا ما علاقة ”البرابرة“ بالعالم العربي؟ ولماذا لا يمكن القول بأن هذا الكتاب وهذه السنة 1930 والتي تؤرخ كذلك للظهير الاستعماري ل 16 مايو بأنها المرجعية الأساسية لظهور علم الاجتماع الأمازيغي في بلا تمازغا. وارى بشكل عام بان السوسيولوجيا في بلاد تمازغا (شمال إفريقيا) تؤثر فيها مجموعة من العناصر وهي : 1)السوسيولوجيا التي ينتجها المجتمع الأمازيغي نفسه 2) السوسيولوجيا التي ينتجها الآخر بما فيه العالم العربي والإسلامي والعالم الغربي 3) المجتمعات الامازيغية في بلاد تمازغا. ومن خلال هذه العناصر نجد أن هناك علاقة بين ما يمكن تسميته بالسوسيولوجية الامازيغية وسوسيولوجية الآخر (العربي ثم الغربي) منذ زمن بعيد. فإلى أي حد تؤثر الأولى على الثانية وما علاقتهما؟ وكيف يمكن إبراز دور السوسيولوجية الامازيغية في إنجاح عمل سوسيولوجية الآخر لإبرازها على حسابها؟ وكذلك مدى استفادة هذه الأخيرة من السوسيولوجيا الامازيغية التي مازالت لم تعرف إلى يومنا هذا النور، كعلم قائم بذاته له قوانين وقواعد ومفاهيم خاصة وكنسق فكري خاص؟ ولأن غياب السوسيولوجية الامازيغية نتيجة للتهميش الذي يعانيه الإنسان الأمازيغي وكذلك تأثير السياسات القومية والاديولوجية التي مورست على المجتمعات الامازيغية في بلادهم من لدن دعاة القومية العربية، وبالتالي نسب كل ما هو أمازيغي إلى ما هو عربي. ولهذا فلكي ترى السوسيولوجية الامازيغية النور لابد من إيجاد حل لازمة الإنسان الأمازيغي، وبالتالي المجتمع الأمازيغي برد الاعتبار لحياته وثقافته ولتاريخه وكذلك أن تنسب الأمور لأهلها دون أية اديولوجية مزيفة... وعموما ألا يمكن لنا الحديث عن علم اجتماع خاص بالامازيغ نظرا لشساعة المساحة التي يقطنونها، وكذلك لغنى موروثهم الثقافي ورصيدهم الحضاري؟ ولعراقة تاريخ الأمازيغ ولصمودهم أمام كل التيارات التي حاولت طمس هوياتهم عبر كل الأزمنة من الفينيقيين والرومان إلى العرب والأوروبيين... فعلا لقد أصبح من الضروري إعطاء هذا الموضوع ما يستحق من أهمية وذلك لتأسيس سوسيولوجيا الأمازيغ (Tawsmadal amazigh ) كما أننا في نفس الوقت بحاجة إلى تأسيس علم النفس الأمازيغي (Tawsadu amazigh ) وعلم السياسة... إلى ما هنالك من علوم الإنسان التي تهتم بدراسة الإنسان والمجتمع، وكذلك الحضارات والثقافات كالانتربولوجيا والسيميولوجيا... وكما يشير الفيلسوف الفرنسي ”بيربورديو“ بأن علم الاجتماع هو علم المشاكل وذلك بالرجوع لموضوعه الذي يراهن على مقاربة الواقع الاجتماعي والذي لا يخلو بالطبع من مشاكل، وبالتالي فان ظهور أية سوسيولوجية يرتبط بتفاقم مشاكل اجتماعية تؤدي بدورها إلى بروز أزمة. وهنا نشير كذلك إلى كون السوسيولوجيا هي علم الأزمة وأنها دائما في بحث دائم عن الذات , فإذا كانت الثورة الفرنسية سنة 1789 هي بداية ظهور علم اجتماع اروبي فإننا قد نقول بان بداية علم اجتماع أمازيغي قد كانت فعلا مع ظهور ظهير 16 ماي 1930 حيث كانت هذه السنة هي بداية ظهور أزمة الإنسان الأمازيغي من حيث العدالة الاجتماعية حيث جاء كضرورة لإحداث محاكم عرفية أمازيغية، وبالتالي ضرورة رد الاعتبار لهذا الإنسان. وكذلك لأعرافه ولثقافته ومحاولة حل الأزمة التي يتخبط فيها, هذا بغض النظر عما كانت القوات الفرنسية تسعى من ورائه كأهداف استعمارية وسياسية. وفعلا فان أزمة 16 ماي 1930 قد تكون هي بداية انطلاق أو بروز سوسيولوجية أمازيغية وذلك لدراسة وتحليل ما يعانيه الإنسان الأمازيغي من مشاكل اجتماعية مرتبطة بأرض شمال إفريقيا... كراض : من اجل سوسيولوجية أمازيغية إذا ما حاولنا قراءة ما كتب عن السوسيولوجية المغربية عبر تاريخها نجد أن المغرب كبلد نامٍ عرف ظهور سوسيولوجية استعمارية ركزت عليها فرنسا في حملاتها الاستعمارية، وذلك لدراسة المجتمع المغربي سعيا للسيطرة عليه فعملت هذه السوسيولوجية على إعطاء نتائج مغلوطة عن حقيقة المغرب لان هاجسها كان أساسا استعماريا. ولكن رغم ذلك فقد ساهمت هذه المرحلة في إبراز إشكالية في علم اجتماع دول تمازغا بصفة عامة والمغرب بصفة خاصة , أما بعد الاستقلال فقد ظهرت كما اشرنا سابقا محاولات تسعى أساسا وحسب ما تدعو إليه, التحرر من أوهام السوسيولوجية الكولونياية الفرنسية فركزت على المنهج الخلدوني في فهم الواقع و هو منهج فعلا قد يقود بنا إلى الحقيقة شيئا ما. إلا أن انزلاق اغلب الباحثين السوسيولوجيين إن لم أقل جلهم وراء الاديولوجية المشرقية فانطلقوا من حقيقة ليست حقيقة أصلا فبدأوا ينسجون عليها أفكارهم وتحاليلهم بعيدين عما هو واقع في حياة المجتمع المغربي الذي اغلب سكانه أمازيغ مع وجود العرب كذلك, فأدى بهم هذا الانزلاق إلى فوضى وتشتت في التحليل, فغابت الحقيقة الاجتماعية التي يسعى علم الاجتماع إلى إظهارها، وبالتالي ظهور نتائج مغلوطة لأنها تربط المغرب بالخليج العربي وبالشرق , فأصبحت الدراسات السوسيولوجية التي تدخل ضمن ما يسمى بالسوسيولوجية المغربية تتصف بنوع من الغموض والتزييف لأنها لم تنطلق من حقيقة الواقع كما أنها تصنف ضمن ما يسمى بسوسيولوجية العالم العربي أو سوسيولوجية المغرب العربي. ولكونها دراسات مؤطرة باتجاهات ”الأخر“ ... وبالتالي نحن اليوم في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في السوسيولوجية المغربية وضرورة الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن نسميه السوسيولوجية الامازيغية , أي أننا أمام ضرورة النقد البناء لتاريخ السوسيولوجية ولمفاهيمها في دول شمال إفريقيا بشكل عام مع الانطلاقة من الأنا عوض الآخر , ولنقوم بإعادة تحديد موضوع ومفاهيم السوسيولجية بمزيد من الدقة والموضوعية. وبصريح العبارة إننا أمام ضرورة تأسيس السوسيولوجية الامازيغية والتي تكون كفرع تخصصي في الحقل السوسيولوجي يهتم بالمجتمع والإنسان الأمازيغيين وبالظواهر الاجتماعية ذات المنشأ الأمازيغي. إنها سوسيولوجية جاءت أساسا لفهم الحضارة الامازيغية في شمال إفريقيا وضد السوسيولجية الاستعمارية الغربية أو المشرقية, وهي فعلا ضرورية في الوضعية الراهنة والتي بدأ فيها الإنسان الأمازيغي يتصالح مع ذاته وبدأ يعرف حقيقة أمره, ولهذا فإننا ندعو الباحثين السوسيولوجين إلى إعطاء هذا الموضوع ما يستحق من دراسة موضوعية سعيا لتأسيسه كفرع وكعلم قائم بذاته وكنسق فكري. كوز: الخـــاتـــمـــة: إن ما ارمي إليه من وراء هذه السطور القليلة والتي عنونتها بعنوان ضخم يحتاج إلى صفحات والى كتب , هو إثارة موضوع طاله النسيان وربما قد يكون هذا المقال بداية للحديث عن ضرورة التفكير من اجل تأسيس سوسيولوجية أمازيغية كعلم نسعى من ورائه جمع كل ما له علاقة بالمجتمع الأمازيغي وبجل الظواهر الاجتماعية المرتبطة به كانسان له بصمات على وجه البسيطة. وأعود لأسال من جديد ما الذي نتوخاه من السوسيولوجيا في الوقت الراهن؟ وهل نحن فعلا في حاجة إلى سوسيولوجية أمازيغية؟ وهل ليس ضروريا في الوقت الراهن أن تتم دراسة ابستمولوجية لعلم الاجتماع بشكل عام وما يسمى بالسوسيولوجية المغربية بشكل خاص؟ أسئلة تبقى بدورها كمفاتيح للدخول إلى موضوعنا. ولأن السؤال في العلوم الإنسانية يبقى أكثر أهمية من الجواب لأنه يمكننا من خلخلة الأفكار والتشكيك من المعلومات السابقة، وبالتالي البحث والنبش من جديد وفي كل لحظة ... فهلموا جميعا للبحث عن سوسيولوجية أمازيغية وسط تراكمات علم الاجتماع بصفة عامة إن كانت هناك تراكمات، ونقوم بتصنيف وتخصيص كل ما تم جمعه من أبحاث في شمال إفريقيا أو ما يسميه الأمازيغ ب“تمازغا“. مراجع: ـ اتجاهات نظرية في علم الاجتماع . د عبد الصمد المعطي –عالم المعرفة العدد 44 ـ “دفاعا عن السوسيولوجيا“ عبد الرحيم العطري .شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع , الرباط الطبعة الأولى 2000. ـ العمل الجمعوي الأمازيغي بالمغرب، احمد الدغرني .امبريال .الرباط . ـ القضية السوسيولوجية –نموذج الوطن العربي- عبد الصمد الديالمي . ـ نحو علم اجتماع عربي، لمجموعة من المؤلفين , مركز دراسات الوحدة العربية 1984.
|
|