|
إشكالية خطاب الذات/ وخطاب الآخر داخل المنظومة الفكرية الأمازيغية (المحور الثالث، تتمة) بقلم: عبد الحميد الطاوسي (آيت ملول- أكادير) "من لا يعرف طبيعة العالم يعمق ويكتفي بتكهنات أسطورية لن يستطيع الانعتاق من الرهبنة التي يستشعرها اتجاه أهم الأشياء، بحيث بدون دراسة الطبيعة لا يمكن للإنسان أن يظفر بالمسرات الخالصة" (أبيقور) فعن أي خطاب يمكن أن نتحدث داخل منظومتنا الفكرية الأمازيغية؟ وقبل ذلك ما هو الخطاب؟ وما أسسه النظرية والمعرفية؟ وبعبارة أخرى كيف يجب أن نؤسس نمطا فلسفيا في التفكير يجمع ذواتنا المشتتة عبر العالم؟ وعن أية أسس نظرية ومعرفية يجب أن نبدأ لنؤسس لمسارنا الفكري والإيديولوجي؟ إن أهم الإشكاليات المطروحة هنا لا نستطيع أن نؤسس عليها أجوبة قطعية ونهائية، ولا حتى مباشرة، فكما يفرض ذلك مجال العلوم الإنسانية. فالمسألة لا تعدو أن تكون تأملات فلسفية يمكن التفكير من خلالها في ذواتنا وفي العالم من حولنا. وهذا معناه ضرورة "التدخل ليس لإصلاح ذات/الذات فحسب، الفكرية على الخصوص، بل ويستدعي كذلك تأسيس نمط في التفكر الحر والمستقل، لكون الفعل الفكري التنظيري أساسا لأية استراتيجية تحويلية، يحول من خلالها العقل الفاعل الإنسان والطبيعة إلى مشروع فاعل مؤثر ومندمج. فحين نعالج مفهوم الهوية /Identité/tamagit فإننا نواجه بذلك المعالجة الجوهرية لقضية وجودية ومصيرية لأن خطاب الهوية، خطاب حديث العهد بالاهتمام والرعاية في التاريخ السياسي الدولي خصوصا في تاريخ أحقية الشعوب في تقرير مصيرها وتأكيد وجودها العام، فإن القضية ليست عرقية بل مجموعة القيم والمثاليات المرادفة للتحرر الفردي والاجتماعي والمرادفة لمفاهيم حقوق الإنسان، والحداثة العقلانية، والتي تشكل ثوابت تقوم عليها الشخصية المغربية والمغاربية والتي هي نسيج وحدتها لأنها ولدت من معاناة الإنسان الشمال الإفريقي الذي ظل يذود عن حمى الوطن ضد الأطماع الأجنبية، وإذا كان هذا هكذا، فإن الأمازيغية قضية وجودية فوق منطق التصنيفات الطبقية، وعليه تفرض ذاتها كمنظومة فكرية انطلاقا من كونها تحمل مشروعا نهضويا بناء على ما يسجل في هذا الاتجاه من طرف منظمات حقوقية وجمعوية وباحثين. يقول الباحث السوسيولوجي أحمد جسوس "إن الدفاع عن هذا الرصيد هو دفاع عن كل ما هو شعبي، وهو دفاع عن تراث يختزل مكونات تحمل على المقاومة والمجابهة والنضال أكثر مما نجده في الثقافة المدينية وثقافة النخبة أو في ثقافة المخزن أو في ثقافة تلك الطلائع التي احتكت بالثقافة الغربية بالثقافة العربية في بعض جوانبها "الخاصة" والسطحية. "إنها جملة من المواقف الشريفة لدى نخبة من المثقفين والمفكرين، والتي تعد في جوهرها ممارسة، والتي تعني ممارسة لمنظومة أمازيغية في إطار التعلق بالحرية وما يربط بها من قيم تترجمها في الواقع الملموس"*. لقد أيقظت في هذه المواقف، بل أيقظت في داخلي عنف السؤال الفلسفي: ما الفرق بين وجود الذات هنا ووجودها هناك؟ أي بعيدة عن صورتها. ووجودها هناك داخل لحظتها؟ وفاجأتني بسؤالها المادي: ألا ترى أن رغبتك في مقاربة ذاتك مسوكنة بانزياحة الآخر؟ لم يكن من الممكن استيعاب سؤالها، لذلك تعمدت أن أنحدر خطوات نحو قاعدة الجبل، وهي تنتظر جوابي في صمت كاد يخنقني: أرى أن سؤالك حكمة "ياتيليلي"، فكما تعلمين فهناك رماد كامن فينا يحجب عنا منطوقا جسديا يحمل كيانا مشروطا بالرعب والشقاء (...) إن ما يجدد الأنا –إذن- هو ما هو منفصل عنها وما يوجد خارجها، هو ما يعينها عن غيرها، هو تميزها الذي يتضمن ويشترط تعددية واقعة مشروطة بحدود دالة، والآخر بالنسبة لتعددية الدالة يشكل استثناء مستقلا وينظر إلى نفسه باعتبار تعددية الآخر، فالذات لا يمكن أن تتطابق مع نفسها، وبالأحرى مع الآخر، ذلك إن الذات باعتبارها تمارس نشاطا ما وتحمل وعيا ما، وباعتبارها تمارس نشاطا على نرجسيتها، وهذا النشاط "المضاد" هو العنف، وبالتالي فالذات تمارس عنفا على لانرجسيتها لحجزها عن الإمساك بزمنها وبمنطوقها. فهي تجاهد كي تنفصل عن نسبها قصد معاينتها من الخارج (...) في حين أن الاختلاف كفعل ينسف كل تطابق أو فعل من أجل الهوية، إنه بالضرورة يستدعي عنفا ما على المستوى الوجودي والاجتماعي والنفسي أو حتى اللغوي، وهذا معناه في الارتباط المنهجي لا يعني أن الذات تشكل وحدة لا مرجع لها، فالإنسان جزء من الكل، ولكنه لا يندمج فيه بشكل وحشي. وأن هذا الكل لا يتشكل من عناصر منعزلة. إنه يقوم أساسا –أي الكل- على شبكة علائقية تجمع تلك العناصر. وهذه النسقية –ce système- هي التي تعتبر الغرض عنصرا متفاعلا يتأثر عند حدوث أية هزة أو خلخلة عبلكية أو تأثير بنيوي ما وفي هذا الاتجاه تجدر بنا ملامسة مبدأ الهزة والخلخلة التي أصابت المثقف المغربي الشرقي حسب تحديد حفيظ بودي (أنظر حوار مع الجابري والعروي: قراءة بمنطق التاريخ العام جريدة تمازيغت عدد 27 سنة 99. إن اعتبار المثقف المغربي ذا مرجعية فكرية عربية وشرقية بالأساس لا يحيل إلى الاستخدام السليم لعلم النفس وحقل اللغة كمرجعية لغوية ومعرفية، نظرا لوجود قطيعة ليس فقط بين المرافق التحتية والتاريخ لكونه لم يسع إلى الهدف المراد بسبب ازدواجية شمال إفريقيا- تامازغا- وسواء من الناحية الاجتماعية أو السوسيو ثقافية في التاريح الدولي، وبالتالي فأية عملية إنتاج خطاب لدى المثقف يجب أن تكون -خارج حصيلة "صراع الليبيدو" والشخص والغاية الذي ميز المشروع العربي... وهو ذاك الهروب الديمغرافي من جغرافيته نظرا لسيادة خطاب الاستعطاف وغياب نزعة عقلية- أو العقلانية son Rationalisme. إن أبعاد الخطاب القومي الآن –لدى القومين العرب انكشفت هشاشته الفكرية وأوهامه الإيديولوجية كمرجع مرتكز لتحرير الشعوب، ويمكن القول إنه قضية بدون مرجع Proposition sans Référent إن خطاب الآخر إذن إقصائي لأنه خارج الثقافة الوطنية جغرافيا وفكريا ويمارس عملية الإسقاط Projection ، ولا عقلاني non Rationalisme، ويرتكز بالتالي على خطاب السفسطائية والإكراه المطلق وشمولية العقل الإنساني المتحرر مع العقل الإيحائي والعقل الإلهي المتعالي بأنماط سلوكية فوقية تتعامل مع الأشخاص والأشياء بشكل مطلقAbsolu، وتنفي كل عملية تحليلية بنيوية Analyse structurale. وإذا كان هذا حال خطاب الآخر في غياب عملية تفاعلية مع الذات، فإن ما ينتجه المثقف المغربي وبآليات اشتغال شرقية –خارج عن الثقافة الوطنية كمرجع يعتبر لاغيا في مجال نقد الفكر- انظر مثلا ما يقوله الجابري وحميش... الخ عن الثقافة الوطنية وعلى الثقافة الأمازيغية بالخصوص. إنه شكل من أشكال الاستلاب* الفكري أو الذهنيAliénation Mentale فأي خطاب فكري وإيديولوجي وجب أن يسلك المثقف –الوطني، وعن أية أسس معرفية يرتكز خطاب الحركة الأمازيغية، ويجب أن يرتكز مشروع الثورة الفكرية والحضارية في المغرب المعاصر ما بعد الهزات والخلخلات التي تلقاها الخطاب "المطلق" العنف؟ وكيف يجب تحليل وضعية التاريخ السياسي بثقافته الوطنية باعتباره مرحلة سيرورة تاريخية ومكونها العام داخل رقعة جغرافية شمال إفريقية...؟ -هذه الإشكالات سأحاول التطرق إليها لاحقا لما لها من أهمية لتحليل وضعية العلاقات الدولية، وآثارها، وأهميتها بالنسبة للحركة الأمازيغية. *بعض المراجع والمصطلحات: -جريدة "تيفاوت" العدد 8، مقال أحمد حسوس، الأمازيغية مسؤولية وطنية. -*تمارس نشاطا على نرجسيتها وهذا النشاط المضاد: المقصود هنا هو العنف الممارس من طرف الذات لاحتوائها داخليا لحجزها عن الإمساك بزمنها ويمنطوقها (أنظر مقال رشيدة الدغمي، تحت عنوان النقص العائد إلى الاختلاف، مجلة اختلاف. -*حفيظ بودي، قراءة بمنطق التاريخ العام –حوار مع الجابري والعروي- جريدة "تامازيغت" العدد 27، سنة 1999. -نسق: أهم معانيه: Système مجموعة من العناصر المادية أو غير المادية التي ترتبط فيما بينها بشكل عضوي منظم. يعني على الخصوص مجموعة من الأفكار العلمية أو الفلسفية المتماسكة منطقيا وذلك إذا ما أخذناها من زاوية ترابطها لا من زاوية حقيقتها. -الاستلاب: Aliénation مصطلح مشتق من الأصل اللاتيني alienus بمعنى "غريب" étranger، وقد استعمل في البداية في مجال القانون يعني التخلي عن ربح أو ثروة لفائدة الآخر، ويستعمل كذلك في مجال علم النفس في الحديث عن حالة "الشخصية المستلبة" أي الفاقد لحريتها وإرادتها. واضطراباتها تجعلها "غريبة" عن واقعها الاجتماعي. (...) عن هيجل تشكل لحظة استيلاب الفكر مرحلة من انغماس الروح في الطبيعة حيث يفقد الفرد حريته. ويعني الاستلاب عند الآخرين النشاط الخاص بالإنسان الذي يسقطه على قوى خارجية، إما على شكل تمثلات دينية (فيرباخ) ويصبح بذلك سجينا لها ومن خلال قوة اقتصادية غير خاضعة لإرادته وحريته ولكنها من نتاج شغله (ماركس).
|
|