| |
بعض الأشكال التعبيرية ذات الطابع الاحتفالي بقبيلة
آيت ورياغل بالريف الأوسطـ ـ تدوين دراسة (الجزء الخامس)
إنجاز: قسوح اليماني
4- عناصر الاحتفال بالشعر الغنائي "ئيزران
ن رالا بويا"
- المكان: غالبا ما يتم الرقص الغنائي في ساحة المنزل التي تعرف محليا ب "ءازاك"121
أو في ساحة واسعة داخل منزل فسيح "ءازقاق ن ثاداث ثامقرانت". ينظف المكان، ويرش
بالماء، وتوقد في إحدى زواياه النار (رعافيث)، ويفرش بالحصير.
ـ الزمان: تعتبر المناسبات العائلية مثل الزفاف، العقيقة، والختان، والخطوبة...
والتضامنية مثل: ثويزا...، أحسن فرص لتمدد الإبداع الشعري الأنثوي. يتم الترديد
نهارا كما يتم ليلا، ونظرا لارتباط الرقص والغناء بالزمن الليلي، يدخل عنصر آخر هو:
"ثافكيث ن رعافيث" "كومة النار"، التي توقد في مكان خاص من ساحة العرض الشعري،
لتؤدي عدة مقاصد منها إنارة المكان122، إذ يتهادى منها ضوء خافت لا يسمح برؤية
صافية، لكنه يكشف عن سحر الفرح في العيون، ومن وظائفها تسخين جلود الآلات الإيقاعية
"أدجون" كي يسمع صوتها، وتؤجج الحالة النفسية للمتلقين، وتجعلهم يحلقون في عوالم
التأثر والخيال الشعري والرمزي123.
- الجمهور: يتشكل الجمهور من المدعوين لحضور الحفل، والمقربين من أبناء العائلة
وأفراد القرية، وحتى البعيدين عنها في حالة حفل الزفاف. من الجنسين ومن مختلف
الأعمار، تجتمع النساء والفتيات والأطفال، أمام باب المنزل أو بالقرب منه، في حين
يقف الرجال والشباب في الناحية المقابلة، مشكلين شكلا هندسيا قريبا إلى الدائرة في
مركزها ترقص وتغني الفتيات.
يساهم الجمهور بدور كبير في تنشيط مراحل الفرجة، والرفع من إيقاعها، والتأثير على
الراقصات والمرددات للشعر ودعمهن نفسيا ومعنويا، وخلق جو من التنافس فيما بينهن،
وإطالة النفس من خلال الإنصات والتصفيق والهتاف والزغاريد، ودفعهن لاستعراض قدراتهن.
ـ الشاعرات الراقصات: تسمى المجموعة التي تردد الشعر المصحوب بالرقص: "ءارايس"124 و"ثيوكاوين"125.
وتتكون من أربع فتيات في الغالب أو من ست أحيانا.
تنقسم الفتيات إلى مجموعتين متقابلتين مثنى مثنى (أنظر الصورتين رقم: 20)، أو ثلاثي
ثلاثي (أنظر الصور رقم: 18-19).
يصطفن في صفين متقابلين، تمسك كل واحدة بدف (ءادجون) أو على الأقل بندير لكل
مجموعة، لابسات أجمل الأزياء.
يقوم اختيار أعضاء المجموعة على عدة معايير: الصداقة، القرابة، القامة، تقارب الصوت...
تتعدد مواضيع الأشعار المغناة وتتنوع، والتي تبين
براعة وقدرة “ذيبريغين” (الفتيات) على الإبداع الشعري للتعبير الصادق عن مشاعر
النفس الجياشة. ورغم غلبة تيمة “العشق”126 على هذا النمط الإبداعي، إلا أن هناك
مواضيع أخرى تطرق لها علاقة بالمجتمع127 من الناحية الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية128.
فمن ذكر محاسن العروس والعريس، والتباهي بأخلاق عائلتيهما من شرف وكرامة وقدرة
وأملاك، إلى ذكر محاسن الحبيب129، والتعبير عن الرأي في قضية من القضايا مثل
الزواج، وكيفية اختيار رفيق أو رفيقة الحياة، والهجرة، والغربة ومشاكلها، الصداقة،
الأخوة، إلى نقد ما اعوج من الحياة الاجتماعية، أو ما حاد منها عن الأعراف
والتقاليد مثل التكبر، والعناد، والخداع والمعاكسات الشاذة130، والتعبير عن الرأي
العام131.
حيث يتم استعمال سلاح السخرية اللاذعة والرمزية، في توجيه الخطاب والرسالة.132
ومن “نماذج” الشعر الغنائي ذي الطابع السخري أقدم المثال التالي: في إحدى مناسبات
الزفاف، رددت فتاة وصديقتها بيتا شعريا تتمنيا فيه الزواج بربان الطائرة، يقول
البيت:
بالأمازيغية الترجمة
زوجغ زوجغ حتى ذكمرغ ئيميا أقسم حتى استكمل المائة
زوجغ ءاذاويغ ءاشيفو ن طيارا أقسم بأن أتزوج بربان الطائرة.
تلفظ أحد الأشخاص من الجمهور الحاضر مستهزئا من هذا التمني، قائلا بأن الزواج لن
يكون إلا من “قائد العربة الحديدية” (باويطا). فكان الرد لاذعا من طرف الفتاة
وصديقتها في الحين في البيت التالي:
بالأمازيغية الترجمة
ءاون ديساوارن سرقامث ئيرعوين الذي يتكلم وجهوه للرياح
ءاشيفو ن باويطا ذ وتشماش ئيثغاياوين قائد العربة تتزوج به أخته.
أما عن رمزية هذا الشعر، فالحديث عنها قد يطول، إلا أنه يمكن الإشارة إلى حكاية
أسطورية تبرز جانبا من هذه الرمزية. تقول الحكاية إن ذات ليلة كانت فيه امرأة تقوم
بطحن الحبوب في زاوية من بيتها بالرحى اليدوية، في الوقت الذي كان زوجها نائما،
داهمها الغول الذي هددها بافتراسها. وبينما كانت المرأة تردد أبياتا شعرية تتلهى
بها عن سجو الليل، وجهت رسالة الإشعار بالخطر، وطلب النجدة والاستغاثة إلى الرجل،
واصفة الخطر المحدق بها عبر البيت الشعري المردد، دون وعي الغول بذلك، وتمكنت
المرأة –تقول الحكاية- من النجاة، يقول البيت:
بالأمازيغية الترجمة
ءاكار ءابويضس حد ئيحاري ءاكيذي انهض يا نائم، أحد يطحن معي
ذيطاوين ءام رباق ذيغماس ءاشت ئيسكني133
عيونه مثل البرق وأسنانه في حجم الإبرة
ومن سمات هذا الشعر: العاطفة، فعند قراءته وبعد فهمه، نحس بشحنات عاطفية تشدنا إليه
مهما تباعد الزمن، واختلفت نوعية التكوين المعرفي، لما يحتوي عليه من قيم إنسانية
عامة تكسر قيود اللغة والزمن والمكان، لتجعل منه شعرا إنسانيا134، يرصد تناقضات
المجتمع ويدعو إلى قيم إنسانية نبيلة كالعدل والمساواة، كما يدعو إلى الإخاء
والتعاون والتآزر بين أفراد الجماعة...
ويمتاز هذا الشعر بأسلوب سهل نابع عن الطبع والفطرة، دون الميل إلى التصنع أو
التكلف، والدقة والواقعية، والميل إلى التعبير المباشر، والجمع بين الرقة والجزالة.
ومن خصائصه: عنصر القص، والسرد، والحركة والحيوية، والتشخيص والحوار.
الرقص المصاحب للشعر الغنائي: «رالا بويا»
يعتقد العديد من الباحثين أن الرقص ظاهرة «كرنفالية» واحتفالية، ارتبطت منذ القدم
بالطقوس والاحتفالات الدينية المخصصة لمواسم الزرع والحصاد والحروب135. كما يرى
آخرون استعماله كطقس، ثم كفنّ، هو سابق زمنيا عن الشعر، ذلك أن الإنسان ميال
بالفطرة إلى التعبير بالجسد والإيماء. وفي هذا الصدد، يتحدث عباس الجراري عن الرقص
الأمازيغي قائلا بأنه «يعتمد إيقاعات معينة يكاد في حركاته وحلقاته يقترب من
المسرح، كما يقرن بصناعة الدمى والتماثيل واتخاذ الأقنعة والرسوم. وهي كلها تدل على
وجود فن يتوسل في تعبيره باللغة والتشكيل136. وفي منطقة الريف لا يكاد يمارس الغناء
إلا ورد فيه الرقص الذي هو تعبير رمزي عن حاجات الإنسانية إلى التآزر، والإبقاء على
العلاقات الاجتماعية. وقد سبق ل»إيميليو بلانكو» أن تحدث عن العلاقة المتينة بين
«رالا بويا» والرقص، وميز بينه وبين الرقص المجرد من الغناء «شضيح».
يشخص الرقص في «رالا بويا» من طرف الفتيات باعتماد صفين متقابلين وجها لوجه137،
بحيث يقترب الصفان بخطى وئيدة، وعلى إيقاع الدف «ءادجون». تتم الحركة جانبيا من
اليمين نحو اليسار في إطار دائري مع ضرب بالرجل الواحدة على الأرض، وكل مغنية راقصة
تملك دفها الخاص أو على الأقل دفا في كل صف، يتم النقر عليه بإيقاع على الشكل
التالي «دز تك دز». وهذا الإيقاع لا يتغير رغم تغير لحن «رالا بويا» مما يؤكد
ارتباطه بالحركات الجسدية، التي تتراوح بين مد وجزر، بل إن الجسد يقول: «بلانكو» لا
يوهن من رعشات أو حركات الأطراف، وعليه، لا يعدو هذا الرقص – حسب نفس الباحث- أن
يكون بناء حركيا لفضاء سيكولوجي يسمح بعدم التردد أمام المتلقي الذي ينتظر الكلمة
قبل كل شيء، وهنا تكمن أهمية الحركة، مما جعل «بلانكو» يحذو حذو «مالينوفسكي» في
الاعتراف بأن هذه الرقصة هي أكثر من مجرد تمضية للوقت138.
وعن الأجواء المصاحبة لهذه الرقصة يقول «دافيد هارت»: و»رالا بويا» تمثل تواصلا بين
الراقصات والحاضرين الذين توجه إليهم معاني هذه الخطابات، فبعض المقاطع يتم الاتفاق
عليها وتبتكر وترتجل لحظة الغناء عبر الحوار بين كل زوج من الراقصات خلال لحظة
ترديد الزوج الآخر139.
الشكل الرابع عشر: «رعياث ن ذسريث» غناء ورقص العروس
(يتبع في العدد القادم)
******
إحالات:
121 - من الأسماء التي تدل على ساحة العرض الشعري بمنطقة سوس نجد: ءاسارك، وهذه
اللفظة قريبة إلى كلمة ءازاك، حيث تحول حرف السين في اللفظة الأولى إلى حرف الزاي
في الكلمة الثانية، واختفى حرف الراء من كلمة ءازاك، في الوقت الذي ظل ظاهرا
ومنطوقا في ءاسارك، وهذا ما يتماشى مع النطق المحلي لقبيلة آيت ورياغل التي تهمل
نطق الراء في وسط الكلمات وأواخرها. وبالتالي فأزاك هو ءاسارك.
لمعرفة مزيد من المعلومات حول كلمة ءاسارك وما يرتبط بها أنظر: عمر أمرير: مرجع
سابق، صص: 87-89.
122 - تستعمل أيضا المصابيح الغازية.
123 - إن حضور النار في حفلات الرقص الشعري لدى الأمازيغيين قديم حسب بعض روايات
المؤرخين مثل «بلين الشيخ» (ت 79م). لمزيد من المعلومات في هذا الموضوع يمكن العودة
إلى: عمر أمرير، مرجع سابق، ص: 108.
124 - «ءارايس»: لغة تعني: الرئيس والرئاسة.
125 - ثيوكاوين: جمع مفرده ثيوكا: في اللغة تعني العدد المزدوج.
126 - كان يطلق على هذا النوع من الشعر حسب «بيارني» «رهوا»: Biarny : op. cit.
pp : 32-33.
انطلاقا من احتكاكي اليومي ببيئة هذا الشعر بآيت ورياغل، سجلت مجموعة من الألفاظ
المستعملة والموظفة للدلالة على شعر العشق من ذلك:
«ئيزران ن ءاريضا» و»ئيزران ن لحوب».
127 - المجتمع قد يضيق وقد يتسع من الأسرة إلى القرية والقبيلة إلى الوطن والمجتمع
الإنساني.
128 - اعتمدت في تحديد هذه المواضيع على ما جمعته من الأبيات الشعرية مباشرة من عين
المكان مستعملا في تدوينها أشرطة الكاسيط، فضلا عن ما تم توثيقه عبر الكتابة
انطلاقا من روايات شفوية، حيث تمكنت من تسجيل سبعة أشرطة كاسيط تنتمي مجاليا إلى
مختلف دواوير القبيلة وجهاتها: دوار كمون جماعة آيت حذيفا، دوار تركوزين جماعة آيت
عبد الله، دوار ماروي جماعة سيدي بوخيار، دوار آيت طاعا جماعة آيت بوعياش.
129 - توظف عدة ألفاظ للدلالة على الحبيب من ذلك: «الليف» و»مامي» و»لعزيز»
و»النوبيو» و»لحوب».
130 - يطلق بيارني على هذه الأشعار لفظة: «رعارور». أنظر: Biarny : op. cit. p :35.
ومن الألفاظ الأخرى التي تستعمل للدلالة على هذا النمط من الشعر: «رمعاني»
و»ءامعايا».
131 - يروي أن محمد بن عبد الكريم الخطابي في إطار إصلاحاته، كان في البداية أصدر
أمرا بتحريم النساء والفتيات من ترديد الشعر الغنائي «رالا بويا»، وهو ما نلمسه من
البيت التالي الذي تتساءل فيه مبدعته عن المنع الذي أصدره مولاي موحند، ونلمس فيه
نوعا من الحيرة، وفي نفس الوقت الترجي بالعدول عن المنع، يقول البيت:
بالأمازيغية الترجمة
ءايا مولاي موحند ءاسيذي نو موكاس يا مولاي موحند، يا سيدي، ما العمل؟!
ذ كسيذانغ رالا بويا ميكذ غانمواناس منعتنا من ترديد رالا بويا فمع من نتأنس
كان يطلق على اللواتي يقمن بترديد الأشعار في عهد مولاي موحند لفظة «ذيمنوحين».
وقيل أن هذا البيت وجهته فتيات من دوار آيت زيان جماعة آيت عبد الله، لمحمد عبد
الكريم الخطابي عندما كان مارا بجوارهن بمكان يعرف ب»ثاندا أومعيش» بواد غيس، بعد
ذلك، تراجع المجاهد عن موقفه، وأصدر بلاغا يشجع فيه قول الشعر بعدما تيقن من دوره
الإعلامي والإشعاعي، والتعبير أيضا عن الرأي العام. من رواية آمينة سي حدو، 96 سنة،
دوار آيت زيان، جماعة بني عبد الله.
132 - لمزيد من المعلومات حول موضوع رمزية الشعر الأمازيغي يمكن العودة إلى:
- عمر أمرير: مرجع سابق
-Hassan BEN HAKEIA. « sur la production du symbolique dans la poésie rifaine
moderne »
ضمن كتاب: سؤال الأمازيغية: البناء والنظرية، مرجع سابق، صص: 3-15.
133 - رواية: تاميمونت العتابي، مرجع سابق.
134 - زاهية أفلاي: «المرأة في الشعر الأمازيغي باعتبارها مبدعة وموضوعها: منطقة
الريف نموذجا». مداخلة في الندوة المنظمة بكلية الآداب، وجدة. تحت عنوان: الأدب
الأمازيغي تواصل وإبداع، 2003، تحت الطبع، ص: 7.
135 - أنظر مثلا: الكزاندر هجرتي راب: علم الفولكلور. ترجمة: رشدي صالح، دار الكتاب
العربي للطباعة والنشر،القاهرة، 1967، صص: 457-469.
136 - عباس الجراري: الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، مرجع سابق، ص: 174.
- عباس الجراري: من وحي التراث، مرجع سابق، ص: 204 وما بعدها.
137 - تتشابه مشاهد هذا الفن بين مناطق المغرب رغم اختلاف التسميات، ففي المغرب
الشرقي نجد ما يسمى بالصف أو الزريع. أنظر:
Abdelkader Bezzazi et Soelle Réthoré : chants de femmes de l’orient Marocain,
Pub de la Faculté des lettres, N°55, série, Etudes et séminaire N°18 imp :
chems- Oujda, 2002, pp :12-15.
- مصطفى رمضاني: «الرقصات الشعبية...»، مرجع سابق. ص: 128.
في الأطلس المتوسط نجد ما يعرف بأحيدوس، أنظر: محمد شفيق، «تصنيف مقتصر...» مرجع
سابق، صص: 10-11 وفي الجنوب بسوس نجد أحواش وما يتفرع عنه من أنواع أخرى.
138 - أنظر ملخص رؤية الباحث ضمن كتاب دافيد هارت «The Ait waryagher» مرجع سابق،
ص: 170.
139 - المرجع نفسه، ص: 173.
|