| |
عندما
يتجول الإرهاب على رجليه في شوارعنا وأحيائنا
بقلم: محمد بودهان
بينما كنت أتصفح بعض الجرائد على الأنترنيت
صباح يوم الجمعة ثاني يونيو، إذ بي أسمع صوتا جهوريا يقترب من المنزل، يستعمل عربية
عامية "ركيكية"، يتوعد، في خطاب ذي حمولة إرهابية، تارك الصلاة الذي يستحق القتل
كما يقول الخطاب ذو الصوت المرتفع. بل يضيف أن المصلي المنافق هو كذلك يجب أن يقتل،
مستعرضا مجموعة من المظاهر الاجتماعية التي يعتبرها الخطاب انحلالا وكفرا يجب أن
تحارب ولو بالسيف، مثل عمل المرأة وسفورها، السينيما، الرقص والموسيقى، الاختلاط في
المدارس والجامعات...
ولما اقترب مني ذلك الخطاب التكفيري وأصبح عند عتبة المنزل، فتحت النافذة لأرى من
هذا الذي يهاجم داري بتلك الصواريخ التكفيرية الإرهابية. فماذا وجدت؟ وجدت شابا لا
يتجاوز عمره الثامنية عشر سنة، يدفع أمامه عربة صغيرة محملة بالعشرات من أشرطة
الكاسيط التي شغّل واحدة منها عن طريق المسجلة التي يتوفر علها مع تجهيزها بمكبر
للصوت لبث تلك السموم التكفيرية إلى أبعد المسافات.
إنه أسلوب جيدد وخطير لجأ إليه المتطرفون للتغلغل أكثر إلى العقول والنفوس،
بالإضافة إلى جمع الأموال عن طريق بيع تلك السموم. هذا الأسلوب الجديد يعتمد على:
ـ استعمال اللغة العامية لأيصال الخطاب الإرهابي إلى أكبر عدد ممكن من العقول
والسكان بعد أن فهم المتطرفون أن استعمال الفصحى لا يؤثر إلا على نخبة محدودة من
المتعلمين نظرا لتفشي الأمية، بالإضافة إلى أن المتعلمين يتوفرون على مستوى ثقافي
قد يسمح لهم بمحاججة ذلك الخطاب الظلامي الإرهابي ومناقشته وحتى تفنيده رفضه ، في
حين أن الأمي لا يستعمل إلا حاسة السمع التي ينفذ منها الفكر الإرهابي المتطرف إلى
دماغه وعقله دون القدرة على المناقشة أو الاستدلال أو الرد. إن المتطرفين يعرفون
إذن كيف يكيفون أساليبهم مع الوضع "الأمي" بالمغرب. لذلك فهم يستعملون خطابا "أميا"
لاستقطاب الأميين. إنهم يسايرون العصر!
ـ نهج "سياسة القرب" عن طريق التجوال بالشوارع، خصوصا بالقرى والأحياء الهامشية
والفقيرة، لنشر سموم التطرف بين السكان الأميين واستقطاب أكبر عدد منهم، فضلا عن
اغتناء المتطرفين عن طريق ما يبيعونه من تلك السموم للمواطنين.
والسؤال: أين هي السلطات العمومية التي تسكت عن هذا النوع من الإرهاب الذي يتجول في
الشوارع العمومية مع استعمال مكبرات الصوت كما لو كان الأمر يتعلق بحملة انتخابية
مرخص لها؟ أين هي وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي لا تتدخل لمنع هذه الخطابات
الإرهابية العلنية، والتي تنتشر حتى عند أبواب المساجد وتهاجم السكان في عقر دورهم
بمكبرات للصوت تسمع من بعيد؟
أما صانعو تلك الأشرطة السامة فهم مطمئنون وعلى يقين أن لا أحد يستطيع أن يقف في
طريقهم أو يعترض على افتراءاتهم على الإسلام، وإلا سيتهم بأنه يرفض "شرع الله"
و"الدعوة إلى الله" كما يقول المتطرفون.
إن عدم تدخل السلطات العمومية والقضائية لاعتقال هؤلاء الدجالين الجدد الناشرين
للفكر الظلامي التكفيري الأرهابي ومحاكمتهم طبقا للقانون (قانون محافحة الإرهاب،
القانون الجنائي، قانون الحريات العامة، قانون الصحافة والنشر) ليعد تسامحا إزاء
التطرف وتساهلا واضحا مع المتطرفين، حتى أن الأمر ليتساءل: هل الأمر تواطؤ ومشاركة
Complicité؟ وهنا تنكشف حقيقة موقف الحكم إزاء التطرف والإرهاب، موقف بوجهين ينفي
أحدهما الآخر: فهو (الحكم) من جهة يدعي أنه يحارب الإرهاب ويتعاون مع أميريكا من
أجل ذلك، لكنه من جهة أخرى يترك الفكر الظلامي التكفيري والإرهابي يصول ويجول في
شوارعنا مستعرضا عضلاته وحنجرته.
إن هذه الأساليب الجديدة لنشر الفكر الظلامي الإرهابي بين السكان، وسكوت السلطة عن
ذلك، لدليل على أن الأسوأ هو ما سيأتي، وليس هو 16 ماي الذي أتي ومضى.
|