| |
اختفاء
المعطيات العددية حول الأغلبية الأمازيغية والأقلية العربية من بوابة المغرب بمجرد
ما أعلنت عنها "تاويزا"
بقلم: محمد بودهان
لما كتبت في العدد السابق، 110 ليونيو 2006،
بأنني لم أكد أصدق ما قرأته بالبوابة الرسمية للمغرب، www.maroc.ma، حول المكونات
الديموغرافية لبلدنا، والتي جاء فيها بأن الأمازيغيين يشكلون 75% من السكان والعرب
25% الباقية، فلم يكن ذلك من باب التضخيم أو المبالغة، بل كان تعبيرا عن شعوري
الحقيقي أمام ما نشرته السلطات ببوابتها الوطنية الرسمية. وقد أثبتت هذه السلطات
صحة شعوري هذا عندما أسرعت إلى حذف تلك المعطيات من الموقع بمجرد ما نبّهت إليها "تاويزا"
في العدد السابق، ورحّبت بها وعلقت عليها في الصفحة الأولى تحت عنوان: "البوابة
الوطنية الرسمية للمغرب على الأنترنيت تعترف أن الأمازيغيين يشكلون الأغلبية والعرب
الأقلية". لقد جاء في البوابة: «يعرف سكان المغرب عربًا كانوا أو أمازيغ ـ بشكل
رئيسي ـ عن طريق اللغة المتداولة بينهم: العربية أو الأمازيغية. ويشكل العرب ـ حسب
المصادر المغربية الرسمية ـ حوالي 25% من جملة السكان، بينما يشكل الأمازيغ أغلبية
النسبة الباقية.». وهو ما قلت عنه بأنني لم أكد أصدقه. لماذا؟ لأنه شيء حقيقي.
والحال أن السلطات العروبية بالمغرب عوّدتنا أن لا تنشر شيئا حقيقيا عن الأمازيغ،
بل فقط الأساطير والافتراءات والمغالطات. لذلك اعتبرت ما جاء في البوابة، من اعتراف
بأن الأمازيغيين يشكلون الأغلبية والعرب الأقلية،
شيئا مفاجئا ومدهشا «بالنظر إلى هيمنة النزعة الأمازيغوفوبية على الأجهزة الرسمية
للدولة بالمغرب»، مضيفا أن نشر مثل تلك المعطيات بشكل رسمي يشكل «انقلابا حقيقيا،
ورسميا، يعترف بأن المغرب بلد أمازيغي مع تقديم كل الأدلة العددية على ذلك، والتي
كانت الأجهزة الرسمية تخفيها دائما لإبقاء المغرب بلدا "عربيا" بساكنة عربية وأقلية
"بربرية"»، معلقا بأن «هذه الحقائق والمعطيات، عندما كان يكتبها وينشرها ناشط
أمازيغي، كان سرعان ما يتهم بأنه "متطرف" ورافض للعرب ومعادٍ للعروبة. وها هي أصبحت
حقائقَ ومعطياتٍ رسمية جدا، وهذا ما جعلني لا أكاد أصدق ما كنت أقرأه كما قلت.»
فماذا حدث حتى أعطيت الأوامر بسرعة البرق، بمجرد ما نشرت "تاويزا" مقالها حول
الموضوع، لحذف المعطيات العددية التي تؤكد أن الأمازيغيين يشكلون الأغلبية والعرب
الأقلية، وأن اللغة الأكثر تداولا هي الأمازيغية؟
إن البوابة تضم مجالات وأبوابا متعددة، بعضها ذو طابع علمي وتقني بحت لا يشترط
إعداده وتحريره محتوى إيديولوجيا، بل مجرد معطيات موضوعية وتقنية وعددية، كما هو
الشأن في ما يخص بعض جوانب الاقتصاد والاستثمار والبورصة والصرف والديموغرافيا
والجغرافيا... وتبعا لذلك، غالبا ما يُكلف من لهم إلمام بالموضوع لإعداد وتحرير تلك
الأقسام الخاصة بما هو موضوعي وعلمي وتقني. وهذا ما يكون قد حصل مع الحقائق
والمعطيات الخاصة بالمكونات الديموغرافية للمغرب. فالذي حرر ذلك النص لم يكن له
موقف إيديولوحي مسبق يوجه اختياره لبعض الحقائق والمعطيات، أو إخفاءه وإقصاءه للبعض
الآخر، أو تأويله وتحريفه للبعض الآخر منها. بل أورد الأرقام والمعطيات الرسمية حول
عدد الأمازيغ والعرب دون أي حكم سابق. قلت الأرقام والمعطيات الرسمية لأن الذي
يهمنا في هذه المناقشة هي الأرقام الرسمية المنشورة بالبوابة الرسمية، وليست
الأرقام الحقيقية لعدد العرب بالمغرب، الذين هم قلة قليلة جدا تتكون من مجموعة
أمازيغية مستلبة تعتقد أن أصلها عربي حفاظا على مصالحها الاقتصادية والسياسية.
فمحرر موضوع المكونات الديموغرافية بالمغرب أورد إذن الأرقام الرسمية المتعلقة بهذه
المكونات كحقائق رسمية، بل موضوعية، لا علاقة لها بأي استعمال إيديولوجي. لكن بمجرد
ما قرأ "أصحاب الحال" ـ وهم المعنيون بـ25% من الأقلية العربية ـ "تاويزا" التي
علموا منها أن البوابة الرسمية للملكة تتضمن أرقاما رسمية تؤكد أن الأمازيغ بالمغرب
يشكلون 75% والعرب 25%، حتى مسهم الذعر وأصابهم الهلع، فأعطوا تعليماتهم لإزالة تلك
الحقائق "المهددة" لوجودهم من البوابة. وهكذا اختفت تلك الأرقام الرسمية بمجرد ما
صدر العدد 110 من "تاويزا" التي أشارت إلى الموضوع في صفحتها الأولى.
لماذا حذف إذن ما يتصل بالعدد الرسمي للأمازيغيين والعرب بالمغرب، والذي هو 75% و25%
كما سبق أن نشرته البوابة الرسمية للدولة المغربية على الأنترنيت؟
1 ـ لأن هذه المعطيات تبرز المغرب، بأغلبيته الأمازيغية وأقليته العربية، كبلد
مستعمر تحتله أقلية تفرض على السكان لغتها وثقافتها وإيديولوجيتها الدينية الوهابية
المشرقية، وتستحوذ على ثروات البلاد، وتحتكر السلطة السياسية والاقتصادية لصالحها.
فكان لا بد إذن من إعطاء التعليمات من طرف الأقلية العربية لحذف هذه المعطيات التي
تكشف عن الطابع الاستعماري لهذه الأقلية العربية بالمغرب.
2 ـ إن الإعلان عن هذه الحقائق على بوابة رسمية للدولة، يضع الأقلية العربية
بالمغرب في تناقض قاتل ومحرج: كيف لا تزال اللغة الأمازيغية بالمغرب مستعملة بنسبة
75% في حين أن العربية لا يتداولها إلا 25% من السكان؟ فأين هي نتائج سياسة التعريب
التي أنفقت عليها الدولة الملايير والملايير؟ أين هي حصيلة تعريب الإنسان والمحيط
والحياة، الذي تدافع عنه الأحزاب وترعاه السلطة وتوظف لإنجاحه الوسائل والإمكانات
العمومية للشعب الأمازيغي؟ أين التعريب الذي تتبجح به الأقلية العربية عندما تقول
بأنها حققت في ربع قرن من التعريب بالمغرب ما يفوق بكثير ما تحقق خلال أربعة عشر
قرنا من دخول العربية إلى شمال إفريقيا؟ لتجنب الإحراج والتناقض الذي توقع فيه تلك
المعطياتُ الأقليةَ العربية الحاكمة بالمغرب، لم تجد من وسيلة لإنقاذ ماء الوجه
أمام تساؤلات العرب الذين يتصفحون البوابة إلا حذف تلك المعطيات وإخفاءها.
3 ـ كيف يكون المغرب أمازيغيا في لغته وسكانه بنسبة 75%، وهو عضو بالجامعة العربية،
التي هي منظمة "دموية"، أي مقصورة على من يحملون الدم العربي؟ إنها مفارقة تؤكد مرة
أخرى الطابع الاستعماري للأقلية العربية بالمغرب التي ألحقت هذا البلد الأمازيغي
بالجامعة العربية، ليس لأن شعبه عربي، بل فقط لأنها هي عربية أو تعتقد ذلك. كان
ينبغي إذن إخفاء تلك الحقائق لإخفاء الوجه الاستعماري للأقلية العربية بالمغرب.
4 ـ كيف يكون المغرب عربيا بنسبة 25% فقط، مع أنه احتضن مؤخرا (ما بين 5 و8 ماي
2006) المؤتمر القومي العربي كبلد عربي كامل العروبة، كما أن الأمانة العامة
للمؤتمر القومي آلت إليه (انتخاب المغربي خالد السفياني أمينا عاما للمؤتمر) كبلد
عربي بامتياز وتفوق؟ إنه شيء يتناقض إذن إلى حد النشاز مع معطيات البوابة حول الطابع
الأمازيغي للمغرب، التي (المعطيات) تكذّب تكذيبا فاضحا كل ما تروجه الأقلية العربية
بالمغرب حول عروبة هذا البلد الأمازيغي. كان لا بد إذن، لرفع هذا التناقض القاتل
والتستر على الكذب، من حذف المعلومات المتعلقة بالموضوع.
5 ـ وليس مستبعدا كذلك أن تكون تنبيهات وتوبيخات قد صدرت من "الأشقاء" العرب
بالمشرق، يستفسرون فيها "ممثليهم" بالمغرب عن زلّتهم "البربرية" بالبوابة الوطنية،
محذرينهم من مغبة إحياء جديد "للظهير البربري"، وآمرينهم بحذف تلك الأرقام المسيئة
إلى العرب والعروبة بالمغرب. وهو ما يكون قد انصاع له أولئك "الممثلون" للعرب
بالمغرب، مع الاعتذار وتقديم كل الضمانات على أن لا تتكرر مثل تلك "الزلّة"
مستقبلا.
إن نشر معلومات رسمية حول الأمازيغية ثم التراجع عنها وحذفها، ليعبر عن مدى تخوف
السلطة وترددها فيما يخص الأمازيغية. وقد صاحب هذا التخوف والتردد والتراجع كل
مشاريعها المعلنة حول الأمازيغية: فبعد أن أنشأت معهدا للنهوض بالأمازيغية كاستجابة
للمطالب الأمازيغية، حولته إلى سجن لاعتقال هذه المطالب. وبعد أن أعلنت عن مشروع
تدريس الأمازيغية وانطلاق عملية هذا التدريس، تحول المشروع، بعد سنة فقط على
انطلاقه، إلى عبث واستخفاف بالأمازيغية والأمازيغيين. وكلما صرح مسؤول بأن الدولة
جادة في رد الاعتبار إلى الأمازيغية، كلما اشتد واحتد التوجه العروبي المشرقي
بالمغرب أكثر مما كان عليه، متمثلا في خدمة قضايا المشرق وإظهار الولاء والتبعية
لأصحاب هذه القضايا.
إن تردد الأقلية العروبية الحاكمة بالمغرب واضطرابها وتراجعاتها إزاء موضوع
الأمازيغية، يترجم خوفها من فقدان امتيازاتها وسلطاتها السياسية التي تجد لها سندا
في العروبة والنسب العربي "الشريف". وبالتالي فاعترافها بالأمازيغية كهوية وحيدة
للمغرب، يعني القضاء على مصالحها وامتيازاتها، لأنها لا تريد أن تصبح جزء من الشعب
الأمازيغي تتبنى هويته وتتقن لغته وتعتز بالانتماء إليه. وبالتالي فهي تؤكد، برفضها
الانتماء إلى الأمازيغية، على أنها دائما أقلية أجنبية استعمارية. وهو ما يعطي الحق
للأمازيغ في مقاومة الأجنبي المستعمر.
|