| |
الذكرى 26 للربيع الأمازيغي
بقلم: إبراهيم أوزيد
تحل في هذه الأيام الذكرى 26 لاندلاع أحدات «الربيع
الأمازيغي» في الجزائر. وأهم ما ميز احتفالات هذه السنة في منطقة القبايل، هو تنظيم
مسيرة شعبية بمدينة: أقبو بولاية بجاية (260كلم شرق العاصمة الجزائرية)، أشرفت
عليها «الحركة من أجل استقلال القبايل»، التي يتزعمها المغني القبايلي المشهور
فرحات مهني، الذي يعيش في فرنسا على غرار معظم الفنانين الجزائريين. وقد احتفلت
العديد من الجمعيات الأمازيغية بهذه المناسبة، تكريما للشهداء الذين سقطوا خلال
المواجهات بين القوات النظامية والمتظاهرين، والتي أدت إلى مصرع 32 شهيدا وإصابة
مئات الجرحى يوم 20 أبريل1980. في هذه الورقة سنتناول كيف اندلع «الربيع الأمازيغي»
في الجزائر؟ وما هي حصيلة النضال الأمازيغي بعد ربع قرن من الكفاح. . . . ؟
1) لمحة تاريخية:
تضم الجزائر أقلية أمازيغية نشيطة وفاعلة، والأمازيغ هم السكان الأصليون في البلاد
وتقدر نسبتهم بـ: ثلث السكان، أي 10 ملايين مواطن من أصل 30 مليون عدد سكان الجزائر.
وتتركز غالبية الأمازيغ في منطقة القبايل شرق الجزائر العاصمة، وهذه المنطقة يوجد
بها أكبر عدد من الأمازيغ وعاصمتها هي مدينة تيزي وزو (100 كلم عن العاصمة
الجزائرية). وفي العام 1979 عرفت هذه المدينة ميلاد نواة جامعية تحتضن طلاب تيزي
وزو وما جاورها. وهكذا تحولت الجامعة إلى مركز لتجمع المثقفين والمبدعين والمفكرين
في القبايل، ومختبر لإنتاج الأفكار وتوعية الطلاب بهويتهم الحقيقية. وبعد عام واحد
على إنشاء جامعة تيزي وزو، بدأت تظهر الأنشطة الإشعاعية حول اللغة الامازيغية، التي
كانت أنداك من أكبر المحرمات في الجزائر. وفي يوم 20 أبريل 1980 منعت السلطات
الجزائرية محاضرة حول «الأشعار القبائلية القديمة» كان المرحوم مولود معمري، الكاتب
الجزائري الكبير، يستعد لإلقائها، بسبب ما اعتبرته السلطات «إخلالا بالنظام العام».
وقد خرج الطلاب والسكان إلى الشوارع للاحتجاج ضد قرار السلطات، من خلال مظاهرات
عفوية سرعان ما انتقلت إلى مطالب سياسية عميقة واحتجاجات كبيرة شلت الحركة في جميع
مدن منطقة القبايل. لكن السلطات الجزائرية الوفية للنهج الدموي في التعامل مع
الأصوات المعارضة، فتحت النار على المتظاهرين، مما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء
ومئات الجرحى، بينهم الفنان المناضل معطوب لونيس، الذي اغتاله الإرهاب الاسلاموي في
العام 1998. وقد استمرت المواجهات في منطقة القبايل بين الأمازيغ وأجهزة القمع
الجزائرية بشكل متقطع إلى حدود شهر ماي 1981. وقد أطلق على تلك الأحداث اسم «الربيع
الأمازيغي». وقد شكل هدا الحدث غير المسبوق في شمال أفريقيا، مؤشرا قويا على صحوة
الوعي بالهوية الأصلية للجزائر وهي الهوية الأمازيغية، أي نفس الهوية التي يعمل
النظام الجزائري على اجتثاثها بالقوة، حيت يمنع على الأمازيغ آنذاك مجرد الحديث
بلغتهم في حافلات العاصمة. وكانت جميع الدساتير الجزائرية مند الاستقلال في العام
1962 تنص على أن: «العربية هي اللغة الوطنية والرسمية للبلاد»، وكان نظام بومدين
يفرض التوحيد القسري في المجال اللغوي والثقافي، مثلما فرض الأحادية الحزبية في
المجال السياسي من خلال الحزب الواحد: «جبهة التحرير الوطني.
لقد أكد «الربيع الأمازيغي» أن الملف المطلبي الأمازيغي ليس من صنيع المثقفين
الموالين للاستعمار، كما يطلق عليهم عادة الكتاب القومجيون والظلاميون الإسلاميون،
بل هو رغبة جامحة للجماهير في العودة إلى الهوية الحقيقية للجزائر قبل الغزو العربي
في القرن السابع الميلادي. ولم تزد سنوات القمع والإقصاء الذي فرضته السلطات
الجزائرية على اللغة الأمازيغية المواطنين الأمازيغ هناك، إلا إصرارا وتشبثا
بهويتهم وأصولهم. وبالتالي فشلت أجهزة القمع في إجبار الناس على الاندماج في بوتقة
العروبة القومجية، المستوردة من الديكتاتوريات العربية في الشرق الأوسط. لقد برهن
الأمازيغ الجزائريون على غيرتهم على لغتهم الضاربة في القدم في تاريخ شمال أفريقيا،
بعيدا عن جزيرة العرب. . . . إن الغالبية العظمى من سكان القبايل واعية كل الوعي أن
المطالب حول الهوية الأمازيغية هي مطالبها، لذلك شاركت بنسب متفاوتة في هذه الحركة
الاحتجاجية، لدرجة أن منطقة القبايل برمتها أصبحت خارج سيطرة السلطة لعدة أسابيع،
وهدا يحدث لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة.
2) حصيلة النضال الأمازيغي في الجزائر:
منذ مطلع التسعينات بدأت الحركة الأمازيغية الجزائرية تجني ثمار كفاحها من أجل رد
الاعتبار للغة الأمازيغية. وهكذا اضطرت السلطات الجزائرية إلى فتح كرسي للغة
الأمازيغية في جامعة تيزي وزو أولا، تم كرسي آخر لنفس اللغة في جامعة بجاية. وفي
العام 1995 قامت وزارة التربية الوطنية بإدماج اللغة الأمازيغية في التعليم
الجزائري، وتحديدا في الولايات التي ينتشر فيها الأمازيغ، وذلك بعد مقاطعة التلاميذ
للدراسة احتجاجا على إقصاء لغتهم الأم من التعليم. وشهد نفس العام ميلاد أول مؤسسة
رسمية تعنى باللغة والثقافة الأمازيغية في الجزائر وهي: «المندوبية السامية
للأمازيغية» التي ترأسها السيد: ايدير عمران إلى غاية وفاته، ليعوض بالسيد يوسف
مراحي الذي يترأسها إلى الآن. وبدأ التلفزيون الجزائري في بث نشرة أخبار باللغة
الأمازيغية منذ يوم 6 يونيو1996. كما تم توسيع البت الإذاعي الأمازيغي في البلاد،
حيث أصبح بإمكان جميع الجزائريين أينما كانوا، أن يلتقطوا برامج الإذاعة الأمازيغية
التي تبث برامجها من العاصمة الجزائرية. وفي العام 1996 شهدت الجزائر، أول تعديل
دستوري يعترف بوجود الأمازيغية، حيت اعترف الدستور الجزائري لأول مرة بان: «الأمازيغية
مكون من مكونات الهوية الجزائرية إلى جانب الإسلام والعربية».
وفي ربيع 2001 شهدت منطقة القبايل مجددا انتفاضة أخرى، بعد مقتل المناضل الأمازيغي
الشاب ماسينيسا كرماح في أحد مخافر الدرك الجزائري، والدي اعتبره وزير الداخلية
الجزائري السيد يزيد زرهوني «مجرد وغد». . . . في حين قال رئيس الحكومة الجزائرية
السيد أحمد اويحي (وهو قبايلي بالمناسبة) عندما زار قبره في العام الماضي رفقة
السيد بلعيد ابريكا رئيس تنسيقية العروش: «أعتبر ماسينيسا بمثابة ابني». وقد خلفت
تلك الأحداث، التي أطلق عليها فيما بعد «الربيع الأسود»، مقتل 100 مواطن وعدد كبير
من الجرحى. . وقد قام الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بزيارة مصالحة إلى
القبايل، لكنه استقبل بفتور كبير من طرف السكان، الدين يطالبون بالاستجابة لمطالبهم
المشروعة، وعلى رأسها ترسيم اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية. لكن بوتفليقة
رفض هذا المطلب، بدعوى أن أمرا كهذا يحتاج إلى استفتاء الشعب. لكنه عاد يوم 22
شتنبر2005 في مدينة قسنطينة شرق الجزائر، ليقول عكس ذلك حيت قال بالحرف الواحد: «لن
تكون هناك لغتان رسميتان في الجزائر، العربية ستبقى اللغة الرسمية الوحيدة في
البلاد». وفي العام 2002 عرفت الجزائر تعديلا دستوريا جديدا يجعل من اللغة
الأمازيغية «لغة وطنية»، أي في المرتبة الثانية بعد اللغة العربية. وفي مجال
الإعلام أنشأت المندوبية السامية للأمازيغية، بتعاون مع وزارة الاتصال الجزائرية،
قناة أمازيغية تبث برامجها ارضيا على جميع أنحاء التراب الجزائري وذلك مند شهر مارس
2005 وبمعدل 6 ساعات في اليوم من الرابعة بعد الزوال إلى العاشرة ليلا. وتجدر
الإشارة كذلك أن بعض البلديات الجزائرية تكتب يافطات المرافق العامة وأسماء الشوارع
والأزقة بحروف تيفيناغ، ولا تمنع السلطات الجزائرية المواطنين من إطلاق أسماء
أمازيغية على مواليدهم كما هو الحال في المغرب. وعلى صعيد آخر توقفت المفاوضات بين
الحكومة الجزائرية وحركة المواطنة القبائلية (تنسيقية العروش) بدون التوصل إلى أية
حلول، بعد عدة جولات من المحادثات وتطالب تنسيقية العروش أساسا بدسترة الأمازيغية
كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، وهي المسألة التي يرفضها الرئيس الجزائري عبد
العزيز بوتفليقة. وتدعو عدة أحزاب جزائرية إلى ترسيم الأمازيغية كما هو الحال
بالنسبة إلى أحزاب المعارضة الرئيسية: «جبهة القوى الاشتراكية» بزعامة السيد الحسين
آيت أحمد، و «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» بزعامة السيد سعيد سعدي.
والحزبان المذكوران لهما نفوذ واسع في منطقة القبايل، بالإضافة إلى»حزب العمال»
بزعامة السيدة لويزة حنون الذي دعا السلطات الجزائرية أكثر من مرة إلى ترسيم اللغة
الأمازيغية في البلاد «بغية ضمان الوحدة الوطنية». لكن إلى متى سيستمر «الربيع
الأمازيغي» الجزائري، في الإنابة عن نظيره المغربي؟ لماذا تأخرت الصحوة الأمازيغية
في المغرب بالمقارنة مع الجزائر؟
|