| |
ماذا تحقق للإنسان المغربي؟
بقلم: علي زنّو
إن العالم يتغير ويتجدد باستمرار، وتحل هذه السنة الجديدة في ظل
مستجدات ومتغيرات لا نكاد نستوعبها، فقد تحقق الكثير للإنسانية فضلا عن التطور
التكنولوجي، إلا أن السؤال الجوهري، في نظرنا، هو: ماذا تحقق للإنسان المغربي؟ وما
هو الدور الذي يجب أن يلعبه ليساهم في عملية التغيير والتنمية؟ ولكن قبل هذا وذاك
من هو هذا الإنسان؟ أي العنصر البشري الذي لا يجب، بل لا يمكن، إقصاؤه وتهميشه
لأنه، في رأينا، لا بد من معرفته ودراسته دراسة حقيقية لمعرفة ذاته وكينونته
وحضارته ووجدانه، والخطأ الكبير هو تجاهل بعض مكوناته.
ويأتي في المحور الثاني موضوع التغيير والتنمية، والسؤال المطروح هنا: ما هو
التغيير الذي ننشده ونريده، وبالأحرى التغيير الذي يتلاءم وذاك الإنسان؟ وكيف
السبيل إلى البناء الديمقراطي؟ وما معنى الحديث عن التغيير الديمقراطي بدون
ديمقراطيين، حامليها وممارسيها؟ وهل هناك فعلا تنظيمات ديمقراطية؟ وهل هناك
ديمقراطية داخلية داخل الأحزاب؟ وهل هناك احترام متبادل بين القيادات والقواعد؟ ما
معنى أن تكون قياديا؟ وما معنى أن تكون مجرد عضو منخرط؟ وهل الديمقراطية تبنى
للأقلية أم للأغلبية؟
هذه الأسئلة وأسئلة فرعية أخرى تتطلب منا الخوض فيها، لأن الديمقراطية هي احترام كل
الآراء المختلفة، وليس الرأي الوحيد، وهي نكران الذات، والنسبية في المواقف،
الحقيقة نسبية، وهي الممارسة واحترام الآخر وأفكاره، وليس الرأي الذي يحمله ذلك "الديمقراطي
المفترض" بل هي كل الآراء المتناقضة أحيانا، فحينما يخالفنا أحد الرأي لا يجب
اعتباره غير ديمقراطي، بل هي كل الآراء الممكنة وحتى غير الممكنة. فأين نحن من هذه
الشروط الحقيقية للديمقراطية حينما أصبحت تسمية يطلقها من يشاء على نفسه وعلى
تنظيمه- السياسي - المدني - النقابي – أصبح ذلك دليلا على غيابها، إذ نجد القيادي
يستمر في قيادته حتى يموت وإذا أحس بخطر ما يهدده، انشق عن تنظيمه أو يؤسس تنظيما
آخر ليستمر في الزعامة، وأصبح الزعيم زعيما بقوة خطابه وثرثراته وليس بعمله الجاد،
وأصبح زعيما بقوة ضبطه لأدبيات تنظيمه وليس بذكائه في التخطيط والتنظيم والمثابرة.
وأصبح المنطق لدى هؤلاء هو إما معي وإما ضدي، والمفارقة هي أن حتى المنخرط العادي
يكرس ذلك بطريقة أو بأخرى، إذ يمجد زعيمه، يعتبره المرجع في تصرفاته وتحليلاته،
فكيف يمكن لهؤلاء بناء مجتمع ديمقراطي؟ وهل بالرأي الواحد تبنى الديمقراطية؟ وكيف
تبنى الديمقراطية وجل التنظيمات تقتبس أدبياتها من الشرق أو من الغرب مستعملة في
ذلك الإسقاطات السياسية من التجارب الأخرى إذ يقتصر العمل في محاولة تطبيق التجربة،
وليس في بناء تجربة خاصة بنا، انطلاقا من واقعنا الخاص، انطلاقا من ذاتنا، من
هويتنا المتنوعة، من حضارتنا المغربية الخاصة، هذا التنوع من شأنه تثبيت الاختلاف
الذي هو الدرس الأول في الديمقراطية، وليس ترديد شعارات مستوردة قد لا تصمد مع
الزمان. يجب ألا يقتصر دور التنظيمات في رفع النظريات الجافة، تعكس شيئا آخر
متناقضا، وفي هذه الحالة يقتصر المناضل في عرض وقراءة الوثائق التي تنظر لواقع
مفترض، ويصبح النضال هو من يعرض أحسن من الآخر، لا أقل ولا أكثر، وللأسف الشديد نجد
في الأدبيات عالما آخر، قد يكون جيدا، وما علينا نحن المواطنين إلا التكيف مع هذا
الواقع، وإلا أصبحنا لدى هؤلاء المناضلين مجرد أميين أو في أحسن الأحوال "أناسا
عاديين"، الشيء الذي يجعل المناضلين في معزل عن الواقع اليومي للمواطنين، وهؤلاء في
نفور تام من السياسة والسياسيين (أو السياسويين) ونعتقد أن المناضل الحقيقي هو الذي
يعيش في وسط المواطنين ويعيش آلامهم وآمالهم، أفراحهم وأتراحهم، يغني أغانيهم ويحكي
حكاياتهم، ويتحدث لغتهم، وهذا طبعا يتطلب الوعي بذاته، وأن يكون هو نفسه لا مستلبا
فكريا لصالح الشرق أو الغرب، بل إنسانا معتزا بانتمائه لوطنه وثقافته وحضارته
المتميزة بقوة التاريخ والجغرافية، ممتنا بأرضه وقيمها ورموزها.
كيف يمكن إذن بناء ديمقراطية بدون الاهتمام بذاكرتنا التاريخية واعتبار رموزها كافة
دون انتقاء، والحفاظ عليها بنقلها إلى الأجيال اللاحقة بأمانة، ودون تزوير للحقيقة،
تلك الحقيقة التي يمكن أن تعيد الثقة في الأجيال الآتية والاعتزاز بوطنيتهم دون
نفاق، والعمل بإيجابية داخل المجتمع للمساهمة في بنائه بناء حسنا وسليما، يستوعب
التنوع الذي نمتاز به، ويستوعب كل التفاعلات التي ربطت المغرب مع محيطه الطبيعي،
فذلك من شأنه إرساء ثقافة ديمقراطية متعددة ترسخ قيم التنوير والتسامح وتشجيع
الإبداع والمبادرة وروح المسؤولية.
أما تزوير الحقيقة فيولد أجيالا لا تثق في نفسها ولا تستطيع مواجهة أبسط المشاكل
التي تواجهها، فبالأحرى المساهمة في بناء تصور سليم لمجتمعها. وتشعر بالتردد أمام
كل موقف، والنتيجة انبهارها للشرق أو للغرب وجعلها نموذج التقدم والتطور في كل
المجالات واحتقار ما هو محلي. تجد مثلا عندما يريد أحد شراء حاجة ما يسأل صاحبها إن
كانت من صنع مغربي أو أجنبي (الخارج) وإذا ما سمع أنها أجنبية يبدي إعجابه بها، أما
إذا كانت مغربية فيجيب إنها ليست من النوع الجيد. وقد نجد شبابا يغامرون بحياتهم من
أجل الوصول إلى الضفة الأخرى للمتوسط ليجد حياة نموذجية هناك، فكيف لا والدرس الأول
الذي يتلقاه الطفل في التاريخ هو أن المغاربة الأولون أتوا من الشام واليمن ...
وهنا أشير إلى أنني لا أناقش الحقيقة التاريخية بل عواقبها النفسية على الأقل في
مرحلة معينة من العمر، إذ يتبادر إلى ذهن الطفل أن هذه الأرض العزيزة ليست له أصلا،
فضلا عن نشر مغالطات أخرى مما سيولد لديه نكرانه لجزء من ذاته وهو الأمازيغية
واحتقارها، ونكرانه لانتمائه لإفريقيا، فعندما نقول لمغربي مثلا إنه من الأفارقة
يتبادر إلى ذهنه أنه نقصد أفارقة جنوب الصحراء، مما يولد لدى المغربي نوعا من
الازدواجية وعدم الثقة في النفس وكثرة التردد وعدم القدرة على اتخاذ القرار
فبالأحرى الانخراط في البناء والتنمية والتقدم ليتبوأ المغرب مكانته اللائقة بين
الأمم.
|