| |
افتتاحية:
قانون لتنظيم الأحزاب السياسية
أم لمحاربة الأمازيغية؟
بقلم: محمد بودهان
تكشف
قراءة "المشروع
الأول لقانون الأحزاب السياسية" عن اتجاه نحو مزيد من التشدد من طرف السلطة
فيما يتعلق بحرية التعبير السياسي من خلال إنشاء تنظيمات سياسية. وهذا التشدد يهدف
بالأساس إلى حماية السلطة السياسية القائمة من ظهور منافسين سياسيين محتملين لهذه
السلطة، تصبح لهم شرعية جماهيرية وشعبية قد تشكل تهديدا لشرعية هذه السلطة القائمة
نفسها. وهنا تكون السلطة قد تصرفت، من خلال تقنين يحدّ، بشكل كبير ولافت، من حرية
تأسيس الأحزاب السياسية، كما لو أنها تحوز شيئا ليست مالكه الشرعي فتخاف أن ينتزع
منها، لذلك تشدد الحراسة عليه بالزيادة في عدد الحراس والجنود لصد كل الطامعين في
الوصول إليه والحصول عليه.لماذا إذن كل هذا التحصن من الأحزاب السياسية والاحتراز
من ممارسة العمل السياسي الحزبي إذا كانت السلطة شرعية ينظمها القانون ويحميها
الدستور، وبالتالي لا خوف عليها من أي حزب مهما كانت فوته وشعبيته؟
لن أتناول في هذا المقال العراقيل الكثيرة، ذات الطبيعة التقنية والتنظيمية
والإدارية، التي وضعها المشروع
الأول في طريق تأسيس الأحزاب السياسية، مثل تقديم تصريح
مكتوب يحمل توقيعات مصادق عليها لألف عضو مؤسس موزعين على نصف جهات المملكة على
الأقل (المادة 8 من المشروع)، أو اشتراط حضور 1500 مؤتمِر على الأقل حتى يكون
المؤتمر التأسيسي للحزب صحيحا (المادة 13 من المشروع). وإنما سأناقش فقط المادة
الرابعة للمشروع، والتي تقول: «يعتبر باطلا وعديم المفعول كل تأسيس لحزب سياسي يهدف
إلى المس بالدين الاسلامي أو بالنظام الملكي للدولة أو بالوحدة الترابية للمملكة أو
يرتكز في تأسيسه بكيفية عامة على أي غاية تخالف أحكام الدستور أو يقوم على أساس
ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي».
كل التحليلات التي تناولت هذا المشروع
الأول، وخصوصا موضوع المادة الرابعة هذه، أجمعت على
أن القانون الجديد ـ لا زال مشروعا
أول ـ يرمي إلى محاصرة الأحزاب ذات التوجه الديني،
ليس فقط بسبب ما قد تتضمنه إيديولوجيتها من مبادئ "جهادية" قد "تحرض" على الإرهاب،
بل لأنها تنافس الحكم على الشرعية الدينية التي هي أحد أسس سلطته السياسية. لكن هذه
التحاليل تناست عنصرا آخر يفسر الكثير من هذا التوجه المتشدد في الترخيص بتأسيس
الأحزاب السياسية، وفي ضبطها ومراقبتها. إنه لأمر "طبيعي" أن تغفل هذه التحاليل هذا
العنصر لأنه يتعلق بالأمازيغية التي لا تزال في حكم اللامفكر فيه عند أصحاب هذه
التحاليل، ولكن ليس لدى الدوائر المخزنية التي أعدت مشرع قانون الأحزاب السياسية.
فأول ضحية لهذا القانون عندما يصادق عليه ويصبح نافذا، هي الأمازيغية. لنوضح ذلك من
خلال مناقشتنا للمادة الرابعة عبر النقط التالية:
1 ـ نلاحظ أولا التباسا، بل تناقضا في صلب هذا النص، فيما يتعلق بالدين الإسلامي:
أ ـ إذا كان «باطلا وعديم المفعول كل تأسيس لحزب سياسي يهدف إلى المس بالدين
الإسلامي»، فهذا يعني، بمفهوم المخالفة، أن الأحزاب السياسية يجب أن تكون إسلامية،
أي دينية. لكن نفس المادة تقرر بطلان الحزب الذي «يقوم على أساس ديني...». وهذه
مفارقة غريبة تبرز تردد وغموض موقف محرري المشروع: على الحزب أن لا يمس الإسلام
ولكن لا يجب عليه أن يستلهم الإسلام في مبادئه وأسسه!
ب ـ ما المقصود بـ«المس بالدين الإسلامي»؟ إنها عبارة فضفاضة وملتبسة تتسع لكل شيء.
فهي لا تختلف عن عبارة “كل ما من شأنه” التي كانت تستند إليها السلطة لاعتقال كل من
لا تكنّ له ودا. وهل الدعوة إلى إقامة دولة عَلمانية سيعتبر مسا بالدين الإسلامي؟
إذا عرفنا أن الحركة الأمازيغية هي وحدها التي تطالب، بكل علانية ووضوح،
بالعَلمانية نستنتج أنها هي المستهدفة الأولى من هذه العبارة الغير المحددة: المس
بالدين الإسلامي.
2 ـ السلطة بالمغرب تتبجح بالديمقراطية التي "يعيش" فيها المغرب. لكن هل من
الديموقراطية أن يُمنع المواطن من تغيير دينه ونظام حكمه، كما تقرر المادة الرابعة
من المشروع
الأول؟
3 ـ كيف يجيز الحكم لنفسه أن يقوم على أساس ديني ويمنع الأحزاب من أن تقوم هي كذلك
على أساس ديني؟ إنه احتكار سياسي للدين يخدم الأصولية ويشجع على التطرف الإسلاموي.
4 ـ هذا أول قانون ـ لا زال مجرد مشروع
أول طبعا ـ يصدر بالمغرب يمنع قيام الأحزاب على
أساس لغوي. فالفصل 17 من قانون تأسيس الجمعيات، والذي كان يسري كذلك على تأسيس
الأحزاب السياسية، يقول في فقرته الأولى: «أن تتألف (أي الأحزاب) من مواطنين مغاربة
فقط وتكون مفتوحة في وجه جميع المواطنين المغاربة بدون ميز من حيث العنصر أو الجنس
أو الدين أو الإقليم».
فليس هناك إذن أي منع يخص اللغة، فضلا على أن هذا الفصل يضع شروطا أخفّ لتأسيس
الحزب من تلك التي وردت بالفصل الرابع من المشروع
الأول الجديد. فإذا كان الفصل 17 يمنع
الأحزاب التي تعتمد معيار الدين أو الإقليم أو الجنس في الانخراط بها، فإنه على
العكس من ذلك، لا يمنع قيام حزب على أساس ديني أو إقليمي أو جنسي، شريطة أن يكون
مفتوحا في وجه جميع المغاربة، من أي إقليم أو ديانة أو جنس كانوا. وليس في هذا
الأمر تناقض كما قد يبدو ذلك ظاهريا: فقد نتصور حزبا "نسائيا" خاصا بالدفاع عن حقوق
النساء والمساواة بين المرأة والرجل، أي يقوم على أساس جنسي، ومع ذلك فهو حزب شرعي
وقانوني، حسب الفصل 17 المشار إليه، شريطة أن يكون مفتوحا حتى في وجه الرجال. وهناك
طبعا العديد من الرجال من الذين يتبنون حقوق المرأة ويدافعون عنها سيلتحقون بمثل
هذا الحزب "النسائي". كذلك يمكن أن نتصور حزبا "فاسيا" خاصا بالدفاع عن إقليم فاس
وسكانه. سيكون كذلك حزبا مؤسَّسا بصفة قانونية وشرعية شريطة أن يكون مفتوحا في وجه
كل المغاربة من أي إقليم كانوا. وليس من الصعب إيجاد مواطنين ينتمون إلى مدن
وأقاليم أخرى، لكنهم يتبنون مبادئ الحزب "الفاسي" وينخرطون فيه. فباستثناء عنصر
الدين، حيث لا يمكن أن يكون الإنسان مسيحيا مثلا وينخرط في حزب ديني إسلامي، فمن
الممكن والجائز قانونا، حسب الفصل 17 المذكور، تأسيس أحزاب على أساس إقليمي أو جنسي
مثلا.
فبمقارنة المشروع
الأول الجديد (المادة 4) مع القانون السابق (المادة 17)، نلاحظ أن هناك
تدرجا ملموسا وملحوظا نحو المزيد من المنع والتقليص من الحريات العامة.
5 ـ نفس الشيء يمكن أن يقال عن الفصل الثالث الخاص بقانون الجمعيات، مقارنة لصيغته
الأصلية الأولى التي صدر بها في ظهير 15 نونبر 1958 وصيغته الجديدة المعدلة بتاريخ
23 يوليوز 2002. فهذا الفصل كان ينص على ما يلي: «كل جمعية تؤسس لغاية أو لهدف غير
مشروع يتنافى مع القوانين أو الأخلاق الحسنة قد تهدف إلى المس بوحدة التراب الوطني
أو بنظام الدولة الملكي تكون باطلة وعديمة المفعول». فلا يوجد إذن أي شرط يتعلق
بالدين أو اللغة أو العرق. أما تعديل 23 يوليوز لنفس الفصل 3 فيقول: «كل جمعية تؤسس
لغاية أو لهدف غير مشروع يتنافى مع القوانين أو الآداب العامة أو قد تهدف إلى المس
بالدين الإسلامي أو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي أو تدعو إلى كافة أشكال
التمييز تكون باطلة».أُضيف إذن قيد جديد متعلق بالدين وبـ"أشكال التمييز". وهذه
العبارة الأخيرة ـ أشكال التمييز ـ فضفاضة كذلك قد تتسع هي أيضا لكل شيء. والغرض
منها التضييق على الجمعيات الأمازيغية التي ستمنعها السلطة، "تطبيقا للقانون"،
بدعوى أنها "تدعو إلى أشكال التمييز". كما أن الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة،
والذي تدعو إليه الحركة الأمازيغية كذلك، قد يؤول على أنه مس بالدين الإسلامي كما
قلنا عن المادة الرابعة للمشروع
الأول.
هناك إذن سير حثيث نحو حدّ أكثر من الحريات العامة فيما يخص تأسيس الجمعيات.
والضحية الأولى المستهدفة هي الأمازيغية، كما رأينا ذلك بخصوص "أشكال التمييز" الذي
أضيف إلى الفصل 3 من قانون الجمعيات.
6 ـ لماذا الآن فقط يُفرض هذا القيد "اللغوي" على تأسيس الأحزاب؟ ذلك لأن الأحزاب
في السابق كانت تقوم على "أساس لغوي" عربي وحيد، كبديهية لا تثير نقاشا ولا تطرح
تساؤلا. بل حتى مسودة المشروع الأول
السابق للأحزاب كانت تؤكد في مادتها الثالثة على وجوب
احترام «اللغة الرسمية للدولة»، أي احترام اللغة العربية، وإلا كان تأسيسه باطلا.
وهذا يفيد أن على الحزب أن يتبنى اللغة العربية ويعمل على احترامها، وهو ما يعني أن
أحد أسسه وشروط قيامه يجب أن تكون لغوية.
إذن لماذا اليوم فقط تريد السلطة منع قيام الأحزاب على أساس لغوي بعد أن كان ذلك
مسموحا به في السابق؟ لأن اليوم هناك لغة أخرى غير العربية يمكن أن تتخذ أساسا
لتأسيس الحزب. إنها اللغة الأمازيغية. فالمستهدف إذن من هذا المنع هو اللغة
الأمازيغية وحدها، وليس العربية رغم أن النص جاء بصيغة عامة ومطلقة قد توحي بأن ذلك
ينطبق على كل اللغات. لأن منع تأسيس حزب يقوم على أساس اللغة العربية يكون مخالفا
للدستور الذي ينص في ديباجته على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للملكة.
وبالتالي لا يمكن منع الحزب الذي يقوم على أساس لغوي إذا كان هذا الأساس هو اللغة
العربية، لأن مثل هذا المنع سيكون اعتداء على حق دستوري، وبالتالي يكون لاغيا
وباطلا لأنه غير قانوني ولا شرعي. فاللغة المعنية، عمليا، بالمنع إذن هي الأمازيغية
التي لا يحميها قانون ولا دستور. وبالتالي فإن الأحزاب المعنية كذلك بالمنع هي التي
ستتبنى في قوانينها وأهدافها وبرامجها الدفاع عن الأمازيغية ورد الاعتبار لها. وهذا
ما ستعتبره السلطة، تطبيقا للمادة 4، "أساسا لغويا" يصبح معه تأسيس مثل هذه الأحزاب
باطلا. فالمستهدف الأول والوحيد إذن بهذا النص هو بالتحديد الأمازيغية ولا شيء آخر
غيرها.
في الحقيقة، كي يطبق هذا الفصل ينبغي أن تمنع كل الأحزاب الموجودة الآن، لأن كل
قوانينها وصحفها مكتوبة باللغة العربية وحدها، فضلا عن التي تدعو (الأحزاب) منها
إلى التعريب الشامل والكامل لكل مناخي الحياة بالمغرب. فهي إذن، حسب منطوق المادة 4
من المشروع
الأول، أحزاب غير شرعية ولا قانونية لأنها تقوم على "أساس لغوي" عربي. فهل
ستغير هذه الأحزاب "أساسها اللغوي" لتستجيب لمتطلبات المادة 4 من المشروع
الأول؟ وهل
ستتدخل السلطة لتطبيق القانون الجديد ـ بعد المصادقة عليه ـ في حالة استمرا هذه
الأحزاب في اعتمادها اللغة العربية وحدها كأساس لغوي لها؟
ثم إن تطبيق مضمون هذه المادة يفرض على السلطة إلغاء اللغة العربية من الدستور حتى
تكون هي نفسها (السلطة) غير خارقة للقانون، لأن الإبقاء على هذا المقتضى الدستوري
يعني أن الدولة تقوم هي نفسها على "أساس لغوي" عربي، كما رأينا في مسألة الدين
كذلك.
كما أن السلطة، لو لم يكن هاجسها هو محاصرة الأمازيغية، ولو كانت تريد حقا تنمية
الديموقراطية لدى الأحزاب، لاقترحت في مشروعها، ليس بطلان الحزب الذي يقوم على
"أساس لغوي"، بل بطلان كل حزب لا يولي العناية الكافية باللغات الوطنية ولا
يستعملها، بشكل منتظم، في وثائقه ومنشوراته وجرائده واجتماعاته وخطبه. وهذا ما يلزم
هذه الأحزاب باستخدام اللغات الوطنية والعمل على تنميتها بشكل لا تفضيل فيه لأحداها
على الأخرى. وهذا مبدأ ديمقراطي ووطني وحقوقي. ومن حق الدولة أن تفرضه إذا كانت هي
ديموقراطية وتريد نشر الفكر الديموقراطي بين الأحزاب، حخصوصا أنها هي التي ستمولها
كما ينص على ذلك المشروع في مادتيه 29 و 36. فالحزب كي يكون إذن مغربيا ووطنيا
ينبغي عليه استعمال لغات مغربية ووطنية وإلا تعرض للبطلان والحل.
7 ـ أما منع الأحزاب القائمة على أساس جهوي، فهو يبرز كذلك الالتباس والتناقض
والتردد الذي يسم، بشكل لافت، موقف السلطة: ففي الوقت الذي تدعي فيه هذه السلطة
أنها ماضية قدما في ترسيخ وتوسيع السياسة الجهوية بالمغرب، كأحد مظاهر وشروط
التنمية الاقتصادية، تكذب وتناقض ادعاءها هذا بحظر قيام أحزاب جهوية في مشروع قانون
الأحزاب. كما أن هذا الحظر يتناقض مع الدستور نفسه الذي ينص فصله 100 على «أن
الجماعات المحلية بالمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية
والقروية». فالجهة إذن مؤسسة دستورية ستفرغ من مضمونها التنموي والديمقراطي عندما
يمنع القانون تأسيس أحزاب جهوية.
لا شك أن الحكم لا زال لم يتخلص بعد من فوبيا الجهات عندما كانت القبائل الأمازيغية
تعيش في استقلال ذاتي تام عن السلطة المركزية التي لم تنجح في استعادة سيطرها على
هذه الجهات الأمازيغية إلا بعد أن استنجدت بفرنسا في 1912 لحمياتها من هذه القبائل
وإخضاعها من جديد للحكم المركزي.
وإذا كان الحزب الجهوي غير مسموح به، فينبغي، تطبيقا للمادة الرابعة من قانون
الأحزاب ـ بعد المصادقة عليه ـ حل الكثير من الأحزاب التي هي في حقيقتها أحزاب خاصة
بجهة فاس والرباط.
8 ـ فيما يتعلق بمنع الأحزاب التي تقوم على "أساس عرقي"، نلاحظ كذلك أن هاجس محاصرة
الأمازيغية حاضر وراء وضع هذا القيد على حرية تأسيس الأحزاب. فعندما سيدرج حزب ما
الدفاع عن الهوية الأمازيغية ـ وليس العرق الأمازيغي ـ ضمن برنامجه وأهدافه، ستؤول
السلطة ذلك بأنه "أساس عرقي" مخالف لمقتضيات المادة الرابعة، مع أن الهوية شيء آخر
لا علاقة له بالانتماء السلالي والأصل البيولوجي والصفاء العرقي. ولا يصعب علينا أن
نشتم رائحة "الظهير البربري" وراء صياغة هذه الفقرة، خصوصا عندما فضل المشروع
استعمال لفظ "عرقي" الذي يحيل على التفرقة والتجزئة اللتين تتسبب فيهما النزاعات
العرقية، بدل استعمال لفظ "عنصري" الدقيق والمستعمل في أدبيات حقوق الإنسان فيما
يخص رفض الآخر بسبب انتمائه العرقي أو اللغوي أو الديني أو الجنسي.
وكما قلنا فيما يخص موضوع اللغة والجهة، فإن الكثير من أحزابنا ينبغي أن تمنع وتحل
طبقا للمادة الرابعة من المشروع عندما يصبح قانونا مصادقا عليه، لأنها أحزاب عروبية
تعتبر المغرب بلدا عربيا وذا هوية عربية. فهي إذن تقوم على "أساس عرقي" عربي.
وعلى الدولة المغربية كذلك أن تنسحب مما يسمى بـ"الجامعة العربية" وتعلن استقلالها
عن العرب والعروبة، حتى لا يكون لها "أساس عرقي". وعلى السلطة الحاكمة أيضا أن تقطع
مع "النسب النبوي الشريف" الذي تدعي أنها تنحدر منه. فهو "أساس عرقي" تقوم عليه هذه
السلطة يخالف المادة الرابعة من المشروع.
وكما كتبنا في عنصر اللغة، حيث قلنا إنه كان ينبغي إلزام الأحزاب باحترام اللغات
الوطنية واستعمالها، فقد كان ينبغي التنصيص كذلك، في قانون الأحزاب، على ضرورة
احترم هذه الأخيرة للهوية المغربية، بدل استعمال لفظ "عرقي" الذي يذكّر بـ"الظهير
البربري" وما يوحي به من تفرقة وانقسام وقراءة "للطيف".
9 ـ نلاحظ إذن أن قيود المادة الرابعة،خصوصا ما يتعلق منها باللغة والعرق، هي قيود
تقيد الأمازيغية وتمنعها من التعبير عن مطالبها اللغوية والهوياتية ضمن تنظيمات
سياسية معترف بها. وهذه القيود الأمازيغوفوبية تتناقض حتى مع مضمون المشروع
الأول نفسه
الذي تقول مذكرته التقديمية «إن وجود إرادة لدى بعض الأشخاص لا يعد مبررا لوحده قصد
إحداث حزب سياسي وإنما يجب أن يطابق فعليا حاجة اجتماعية ملحة وأن يرتكز على قاعدة
انتخابية ذات دلالة، ولذلك، يجب أن يتوفر الحزب على تجدر اجتماعي وعمق ترابي يضمن
فعليا مواصلة العمل قصد تحقيق الهدف الذي أحدث الحزب من أجله». أليست الأمازيغية،
بمطالبها اللغوية والثقافية والهوياتية، حاجة اجتماعية ملحة؟ ألا توجد مئات
الجمعيات الأمازيغية تؤكد هذه الحاجة الاجتماعية الملحة؟ ألا يوجد ملايين من
الناطقين، وحتى غير الناطقين، بالأمازيغية مستعدين للانخراط في التنظيمات السياسية
التي ستدافع عن لغتهم وهويتهم الأمازيغية؟ وهل يوجد بالمغرب شيء ذو "تجذر اجتماعي
وعمق ترابي" أكثر من الأمازيغية؟
ويقول التقديم كذلك: «فعلى هدي التوجيهات الملكية السامية، تم إعداد مشروع هذا
القانون بهدف وضع إطار قانوني رهن إشارة الأحزاب السياسية يتسم بالتجديد وقادر على
تحفيز المواطنين وخاصة الشباب منهم للانخراط في العمل الحزبي وبالتالي التشجيع على
بروز نخب سياسية جديدة». إذن يهدف هذا القانون إلى «تحفيز المواطنين وخاصة الشباب
منهم للانخراط في العمل الحزبي». لكن القيود الخاصة باللغة والهوية الأمازيغيتين
ستمنع الشباب من الانخراط في أحزاب لا علاقة لها بهمومهم اللغوية والثقافية
والهوياتية. وهذا ما خبرناه جميعا مع تجربة الأحزاب الحالية التي يعزف عنها الجميع
لأنها تهتم بمشاكل المشرق العربي وتدافع عن اللغة والهوية العربيتين وتحتقر اللغة
والهوية الأمازيغية التي تخلو منها برامجها وقوانينها. إذن هناك تناقض بين ما يرمي
إليه المشرّع من تشجيع المواطنين على الانخراط في العمل الحزبي وما يضعه من قيود
تثنيهم عن هذا الانخراط وتنفرهم من الأحزاب، لأن القانون يمنعها أن تدافع عن لغتهم
وهويتهم بدعوى أن ذلك يشكل أساسا "لغويا" و"عرقيا" يحرمه القانون. إن وضع هذه
القيود والعراقيل أمام تبني الأحزاب للمطالب اللغوية والهوياتية الأمازيغية لا يحفز
على الانخراط فيها كما يريد المشروع، بل يحفز على النفور منها والعزوف عن هذه
الأحزاب، التي ستكون، في غياب تبنيها للمطالب الأمازيغية، عبارة عن قنصليات لفلسطين
والعراق تدافع عن قضايا المشرق في بلد المغرب. بل إن مثل هذه القيود ستدفع إلى ظهور
العمل الحزبي السري ما دام المشرّع لا يسمح بإقامة حزب على أساس لغوي وهوياتي
أمازيغي.
10 ـ إذا ربطنا هذه الموانع، خصوصا ما يتعلق باللغة والهوية، بما جاء في الخطاب
الملكي لـ20 غشت 2004 حول اللغة والهوية، يمكن أن نستنتج أن هناك تحضيرا لإقصاء
الأمازيغية مرة أخرى من الدستور في التعديل المقبل. إنها مؤشرات على أن هناك حربا
رسمية، لكنها صامتة، على الأمازيغية يستعمل فيها أخطر سلاح وهو سلاح القانون
والتشريع الذي يوجد في يد الحاكمين. كل هذا يطرح أكثر من سؤال وأكثر من تحدٍّ على
الحركة الأمازيغية.
إلا أن الإيجابي في مشروع قانون الأحزاب هو أنه يكشف لنا بأن الأمازيغية تشكل هاجسا
حقيقيا يؤرق أصحاب القرار الذين يفكرون فيها ليل نهار، مستنجدين بقوانينهم
لمواجهتها ومحاصرتها.
|