| |
المعهد الملكي للثقافة
الأمازيغية: قراءة في الحصيلة.
بقلم: رشيد نجيب سيفاو
تم الإعلان عن إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في خطاب
العرش لـ 30 يوليوز 2001, وخلال الفترة الممتدة من غشت إلى أكتوبر من نفس السنة تم
العمل على إعداد الظهير المنظم والمحدث للمعهد من طرف اللجنة المؤقتة, ومن نونبر
2001 إلى يوليوز 2002 تم الانكباب على إعداد تصور لعمل المعهد وهيكلته الإدارية
والأكاديمية بما في ذلك صياغة وتدقيق مشاريع النصوص القانونية من قانون داخلي ونظام
أساسي, وعرضت كلها على مجلس إدارة المعهد الذي عين في 17 يونيو 2002, هذا المجلس
يعقد دورات عادية ويمكن له عقد أخرى استثنائية طيلة السنة.
ويعتبر المعهد الملكي مؤسسة أكاديمية ذات أهلية قانونية واستقلالية مالية, يتولى
إنجاز وترجمة ونشر دراسات حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين, الحفاظ على الأمازيغية
وتطويرها, إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية وضمان إشعاعها في الفضاء
الاجتماعي والثقافي والإعلامي, تعزيز مكانة الثقافة الأمازيغية...
يشرف على تسير المعهد عميد يساعده على المستوى الإداري أمين عام, إضافة إلى وجود
مجموعة من الأقسام والمصالح الإدارية, أما على المستوى الأكاديمي فهناك مجموعة من
مراكز الأبحاث وهي: مركز التهيئة اللغوية- مركز الأبحاث الديداكتيكية والبرامج
التربوية- مركز الأبحاث الأنتروبولوجية والسوسيولوجية- مركز الدراسات الفنية
والتعابير الأدبية والإنتاج السمعي البصري- مركز الترجمة والتوثيق والنشر والتواصل-
مركز الدراسات الإعلامية وأنظمة الإعلام والتواصل, وتتفرغ عن كل مركز وحدات للبحث,
ويعكف كل مركز على تحديد مجموعة من الأهداف التي يروم تحقيقها عبر برنامج سنوي موزع
على ثلاث حلقات رئيسية تهم الإنتاج والإشعاع والتكوين...
ومنذ إنشائه, كان المعهد الملكي محط أنظار المتتبعين والمحللين, غير أن الكثير منهم
لا يعرفون أنه لم يمض الوقت الكثير على إرسائه, كما أنهم يتوقفون طويلا عند
السلبيات التي قد تقع فيها أية مؤسسة فتية لازالت في بدايتها,ويتجنبون ذكر الحصيلة
الإيجابية التي حققها المعهد منذ إنشائه إلى الآن. ومن خلال تتبعنا المتواضع,
لاحظنا أن السنتين اللتين خلتا من عمل المعهد الملكي, تميزتا بفتحه لأربعة أوراش
رئيسية وهي: ورش الشراكة والتشارك, ورش الإشعاع, ورش التواصل, وأخيرا ورش النشر
والإصدار...
فمن خلال ورش الشراكة, تم عقد شراكات هامة مع كل من ديوان المظالم, وزارة الاتصال,
وزارة التربية الوطنية, المعهد الوطني للغات والثقافات الشرقية بباريس المعروف ب
INALCO وهي المؤسسة التي لها باع طويل في مجال البحث في اللغة والثقافة
الأمازيغيتين ويرأسها الباحث الأمازيغي المعروف سالم شاكر صاحب كتاب «الأمازيغيون
اليوم» Les berbères aujourd’hui. وعبر هذا الورش تمكنت الأمازيغية من الدخول لأول
مرة وبعد سنوات طوال من التجاهل إلى المنظومة المدرسية بدء من الموسم الدراسي
2003-2004. ففي إطار هذه الشراكة, تم إنجاز مجموعة من العمليات الأساسية الممكنة من
إدماج الأمازيغية بشكل عملي وواقعي في النظام التعليمي المغربي, وهمت هذه العمليات
إعداد البرامج والمناهج والكتب والوسائل والوسائط الديداكتيكية والتكوين الأساسي
والمستمر للمدرسين والمشرفين...هكذا عرف المشهد المدرسي المغربي ولأول مرة وجود
الكراسات التربوية الأمازيغية وهي: كراسة الأنشطة الشفوية المسماة Awal inu والكتاب
المدرسي tifawin a tamazight للسنتين الأولى والثانية مع الدليلين البيداغوجيين،
علاوة على مجموعة من الحوامل الديداكتيكية التي تتوزع على الحكايات والأناشيد
التربوية والقصص المصورة.
وفيما يخص العلاقة مع الجمعيات الثقافية الأمازيغية, فإن هذه الأخيرة تتوصل
باستمرار بأخبار المعهد وأنشطته, ويتم العمل آنيا على وضع وتنفيذ خطة شاملة للتعاون
والتشارك معها وبقية المؤسسات الوطنية والدولية المختصة.
وهم ورش الإشعاع تنظيم مجموعة من الندوات الفكرية واللقاءات الثقافية الهامة, وكانت
كلها مفتوحة لجمهور الباحثين والمتتبعين الذين تمكنوا من إيصال أفكارهم وعرض نتائج
أبحاثهم التي قاموا بها في مجال الشأن الأمازيغي, هكذا نظمت ندوات حول: المسرح
الأمازيغي, المخطوط الأمازيغي, المقاومة المغربية عبر التاريخ, الوضعية الراهنة
لتدريس الأمازيغية, التكنولوجيات التربوية الجديدة لتدريس وتعلم الأمازيغية, محاربة
الأمية بالأمازيغية, القانون والمجتمع بالمغرب, معيرة اللغة الأمازيغية, الأمازيغية
والترجمة, الصحافة الأمازيغية, الأنتروبولوجيا والتنمية...وتتمخض توصيات متنوعة عن
كل ندوة أو لقاء على حدة. ويمكن أن ندرج هنا كذلك الحفل التكريمي على شرف الأستاذ
محمد شفيق العميد السابق والحفل التأبيني للمرحوم علي صدقي أزايكو عضو مجلس الإدارة
والباحث بمركز الدراسات التاريخية والبيئية.
أما ورش التواصل, فتميز بإنجاز موقع للمعهد على شبكة الأنترنيت يطعم بشكل منتظم
ومتواصل بكل المستجدات الخاصة بالأمازيغية ويمكن من خلاله التحميل المعلوماتي للحرف
الأمازيغي العريق تيفيناغ, وبعقد ثلاث ندوات صحفية الأولى أثناء صدور الكتاب
المدرسي الأمازيغي, والثانية بمناسبة الاعتراف الدولي بحرف تيفيناغ, والثالثة أثناء
تخليد الذكرى الثالثة لخطاب أجدير, بقيام مجموعة من القنوات التلفزية العالمية
بإعداد ريبورتاجات عن المعهد, بتغطية مختلف المنابر الإعلامية الوطنية والدولية
لجميع الأنشطة التي ينظمها المعهد,كما أن عميد المعهد وأمينه العام ومدراء مراكزه
يخصون الصحافة الوطنية بحوارات وتصريحات مختلفة تهم اشتغال المعهد حول الأمازيغية,
ويصدر المعهد نشرة إخبارية نصف سنوية بعنوان Inghmisn n usinag .
ويتجه ورش الإصدار والنشر إلى إيلاء الأهمية القصوى للمؤلفات باللغة الأمازيغية
وعنها, فقد تم إصدار كتاب يحمل عنوان Initiation à la langue tamazight وهو عبارة
عن وصف للعناصر الأساسية المرتبطة بالبنية الفينولوجية والتركيبية للغة الأمازيغية,
ورصد للوضعية السوسيولسانية للغة الأمازيغية بالمغرب كما يتجه من خلال مضامينه
المتنوعة إلى معيرة وتوحيد اللغة الأمازيغية. ومن تأليف فقيد البحث التاريخي
الدكتور أزايكو تم إصدار مؤلف بعنوان «نماذج من أسماء الأعلام الجغرافية والبشرية
المغربية» شرحت فيه أسماء جغرافية وبشرية ومؤسسات سياسية واجتماعية وثقافية منسية.
وصدر كتاب للأستاذ مصطفى أعشي حول المماليك الأمازيغية وكتاب اخر للأستاذ محمد
ألحيان حول الأطلس الصغير الغربي والقضايا التنموية. وشارك المعهد الملكي ولأول مرة
بالمعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء برواق خاص عن الكتاب الأمازيغي معززا
بذلك باقي أروقة الجمعيات الثقافية الأمازيغية في نفس المعرض. وهذا طبعا, إلى جانب
العديد من الدراسات في مجالات جمع وتصنيف وتحليل متون المادة الأدبية والفنية
الأمازيغية, كما تم تكوين النواة الأولى لخزانة المعهد التي ستكون بمثابة الفضاء
الذي سيضم كل ما كتب بالأمازيغية وعنها, ويوجد جرد تمهيدي أولي لمحتويات هذه
الخزانة بشبكة الأنترنيت.
ويبقى أن أهم عمل قام به المعهد الملكي, هو إعداد الحرف الأمازيغي العريق تيفيناغ
ونشره على نطاق واسع بعد أن أخضعه لمجموعة من العمليات التحسينية التقنية والجمالية,
وكذلك تنميطه وانتزاع اعتراف دولي به من لدن المنظمة الدولية الخاصة بتنميط الخطوط
والمعروفة ب ISO / Unicod .
إن مجمل ما تحقق في ظرف قياسي جدا, يجعلنا نطمئن لمستقبل الأمازيغية, فما أحوجنا
للثقة في مثل هذه المؤسسات الوطنية العاملة من أجل جعل الثقافة الأمازيغية في خدمة
التنمية المستديمة وكذلك المشروع الديمقراطي الحداثي الذي انخرطت فيه بلادنا.
|