|
بين الزلزال والعبث بقلم: ZYANE.M MEMMIS N’LATLAS بين كل مصيبتين, هما في العمق و المدى كارثتان, مما يسميه أصحابنا في قنوات "الطباخات" و"الطبالين" من الرباط والبيضاء بالهزات الارتدادية, ينتاب المرء وهو يتتبع مجريات الحدث الزلزالي بالمغرب عديد من الهزات النفسية و الفكرية والعصبية بسبب هول المفارقات في هذا البلد الطيب الذي يبدو أنه يحيى زمنا خارج الزمن وواقعا صار أغرب من الخيال... ولم يعد يفصل العقل فيه إلا ما قاله المغني: "لميما طلي طلي تلقاني شبر يفارقني عن لهبال"... في ذلك الصباح البارد المكفهر الحزين كان يكفي سماع درجة الهزة –حين أعلنها الإسبان- لتتصلب الدماء في كل عرق حي و يفهم ويحس كل من فوق التراب أن مصابا جللا ضرب شموخ الريف... لكن طيلة الصبحية لم تنبس "جطومة" الرباط ببنت شفة بينما استمرت قنواتنا في برامجها السخيفة كالمعتاد... الخبر تجاوز مدريد و تلقفته الدوحة ودبي... وبعض الفرق "الإنسانية" أخذت الطريق نحو الكارثة... و لكن وكأن الزلزال ضرب في العاصمة, الصمت مطبق والسخافة تكاد تصبح سبة للشعب المغربي الذي بدأ يتنادى حيا على إنقاذ إخواننا في الريف... تحركت الدنيا وبدأ المعنيون في دول العالم يحضرون رسائل التعازي لدولة لن تعلن أي حداد على موت كارثي لألف من أبناء الريف... "الرباط" بين مدمن لياليه الحمراء "يحنزز" من تحت ملأته أو من تحت إبط مومسة أحضرها من إحدى الحفر المظلمة ولم ير وجهها جيدا بعد ويلعن طلوع النهار ومن لازال لم ينته من شرب كأس القهوة الرابع ومن جليسه الرابع حول نرفزة كلمات متقاطعة مستعصية, لا تزال تمرر عبر أمواجها أجواء اللامبالي بهول الكارثة... منتصف النهار و المذيعون, بلعثمة غريبة, وبصيغة أقرب لتكذيب أي بأس يعلنون أن زلزال الحسيمة قد خلف بعض الضحايا وأن "الوضع متحكم فيه" وكأن "مانفيل" الزلازل هو أيضا بيد عاصمة أصر زلزال الريف أنها ربما صلحت عاصمة لطرب الأندلس وموشحات دمشق وأناشيد القاهرة و ليالي بديع الزمان... لكن الواقع المر هو أن قبائل العز في الريف صارت مآتم وخرائب أمام ضربة الطبيعة الموجعة للزلزال العنيف... مداشر و دواوير قروية و شبه حضرية, منازل و محلات هي "تحويشة" العمر, تهاوت كلها في لحظة على ساكنيها مخلفة الموت و الخراب وعلى ما فيها مخلفة الفقر و الحاجة... ذلك رجل فقد كل شيء حتى عقله, و ذاك شيخ يبكي أحفادا لم يمهلهم القضاء ليخطئه هو المعمر ليهرم في الحزن الرهيب, وتلك امرأة تندب الزوج و الأبناء متسائلة لماذا فقط بقيت هي للعذاب, وتلك شابة يافعة تجري صارخة بين الجبال والوهاد وقد رحل الأب والأم والأخ وفارس الأحلام والصديقات من الجارات, وذلك طفل غصبه القدر في أبويه ليجد نفسه "ظاهرة" في نظر هؤلاء المستلبين بالغربانية أكثر من الغرب حين سموه: إكس بن إكس, و كأننا في مغربنا العميق ليست لنا أعرافنا في تسمية الطفل المجهول الأبوين... وتلك حكاية أخرى مع نخبة الاستلاب التي عرى زلزال الحسيمة عن عورات ضمنها "قلة تربيتها"... وأما الهزات التي لا يدري إلا الله ماهيتها الحقيقية إن كانت ارتدادية أو امتدادية أو حتى مجرد إنذارية لما هو أهول في الطبيعة –نرجو الله السلامة واللطف - طردت من بقي من أبناء الريف مما بقي, أو بالأحرى ما لم يتبق, من منازلهم حافيا, بـ"قشابة النوم" و ربما عاريا, ليسكن "الخلاء العاري" بلا رمق مسعف من أحد في انتظار أن يسمح البروتهزل... أيام تمر بين الفاجعة والغبن, ولاشيء و لو مجرد كسرة"خبز حافي" من دولتهم بعد أن أصبحت ديارهم نذير الموت و الخراب مرتهنة تحت جدرانها المنهارة أو الآيلة للسقوط ما لم يعودوا يملكون... و على شاشة الرباط يعبر أحد مراسليهم وهو يحاول بمجهود- غير منكور و لا مشكور- يدلل على مستوى إعلامنا المعذور و على موقف "جطومة" في الأمور حين قال بالحرف من أمام عمارة منهارة في "إمزور" لا شك أنها قتلت العديد من مواطني بلاد النكور, قالها بلا حشومة: "الموقف نوعا ما أليم...". صحيح أن الموقف كان ولازال أليما ولكن لماذا "نوعا ما" تلك؟... "نوعا ما" قليلة في الكلام كبيرة و خطيرة في المعاني لأنها تعبير على أن هناك هامشا مثيرا من عدم الاهتمام واللامبالاة وكأن المراسل يتحدث من بلاد قوم غير "مغربنا الواحد الحبيب" الذي لأجله نحيى أو نموت... وما دمنا في إعلام عمومي فـ"نوعا ما" تلك دعوة صريحة للاستخفاف بمصائب الشعب المغربي... جطومة أظهرت أنها مصابة بالشلل العضلي فلم تتحرك بالنسبة للإنقاذ ولا الإسعاف إلا كمساعد للمجتمع المدني المحلي ثم الوطني لانشغالها بإرباك تدخل الأجانب مباشرة في فك أبعاد الكارثة وبمعضلتها الأمنية بدليل أن من يضع التدخل الأولي تحت المجهر يكتشف أن الخبر وصل ربما مقلوبا بشكل فظيع إلى الرباط حيث حضرت الزرواطة أولا وإن توارت محتشمة عن العيان بعدما تبين لها أنها في مجرد "تخييمة" لا يزعجها سوى أنين طفل جائع خارج خيام "المخزن" الخاصة علما أن المخزن اعترف أنه لا يملك أي مخزون جدي لمواجهة حتى أتفه الحالات كتوفير قدر معقول من الخيام. لا شك كذلك أن جطومة بنت "الحومة المعلومة" مصابة بالنضوب الفكري بدليل مزاحمتها للمجتمع المدني على رفع شعار التضامن في حين كان عليها أن تظهر بمظهر المعنية "المتضامن معها" كمسئولة أولى في التعامل القبلي و البعدي والآني مع الكارثة... والمؤكد أنها فاقدة حس المسئولية لأنها لم تجتمع إلا في اليوم الثالث الموالي للكارثة ولم تخرج إلا بارتباك أكبر حيث لم تعلن شيئا يمكن أن يحسب لها في مواجهة الفاجعة التي كان مداها الفظيع قد علم بعد أن تبين أن الدمار القاتل عم قرى الريف و من لم يمت فهو مشرد, وحيد, على حافة الجنون من فقد الأحبة و الأصحاب... اجتمعت وكنا ننتظر لا أن تلبس معنا "الحداد الوطني" على الأقل لتبرير التعازي الرسمية و الهبات الشبه رسمية التي تقاطرت على عاهل البلاد... كنا ننتظر أن تعلن شيئا مثل تقدير الريف "منطقة منكوبة" يتم إعادة بنائها وإعمارها وفقا لقانون يفترض أن يكون موضوعا لمثل هذه النكبات... لكنا اكتشفنا حكومة "فارغة حتى من الوفاض" من صنف أقسام الهواة ولا تمت لاحتراف حكم الشعوب لا بالخير ولا بالإحسان... اللهم ما كان من عشق مغربي غريب لـ"العضان" على الكراسي المتخمة بالأسنان؟... فرغم كل شيء لن نرى أحدا منهم يطلب من رئيسه الإعفاء حفظا لكرامة المؤسسة و احتراما لمصداقية المقعد نفسه... وهذه هي الطامة الكبرى في عرف طبيعة الأشياء, أن لا يحس أحد بوخز الضمير أمام جسامة الأخطاء, نعيد أنها قبلية و آنية و بعدية... أما الذين غبروا هذه الأيام من الساحة هم زعماء –و لتسمح الكلمة على هذا الاستعمال الرديء- أحزاب كاد الجيل الحالي من المخلفين في البؤس المغربي يثق أنهم قدوا من فصيلة عمالقة التضحية والنضال والوطنية, بينما يظهر زلزال الحسيمة أنهم طبعا مجرد كائنات "إكسترا" يعيشون عالما غير عالمنا المغربي بدليل أنهم أقدموا على توجيه تعازيهم للشعب المغربي عن طريق ملكه وكأنهم ليسوا من هذا الشعب... مثلهم مثل العالمين من مشارق الأرض ومغاربها رغم عدم إمكانية التشبيه مع الفارق في كون الخطوة غير مسبوقة و غير ذات معنى, بل علينا رفضها من منطلق كونها تجعل زعماء الأحزاب في وضع لا محل له من الإعراب بالنسبة للمملكة و بالنسبة للشعب المغربي... و لسنا نتخوف على قياد الأحزاب الحاليين لأنهم فعلا خارج التغطية قبل الزلزال و بعده... بل التخوف هو أن تصبح عادة أخرى من العادات البئيسة التي أدخلها تاريخ الاستلاب في المشهد المغربي, بعد أن يكون الرحمان الرحيم قد عفا عن المغرب منهم كأشخاص... و علينا أن نشكرهم هذه المرة لأنهم فهموا حيث هم من المعادلات السياسية واعترفوا لشعب جعلوا أنفسهم خارج صفوفه حتى أصبحوا في حاجة لتوجيه تعازيهم بصفة من هو خارج دائرة النكبة... دائرة النكبة هنا هي المملكة المغربية ملكا شهما أبى إلا أن يشارك أبناء الحسيمة ليالي الفزع و نهارات الإسعاف, و شعبا هب كرجل واحد لمساعدة إخوانه في الريف... و الحق أن ملحمة الحسيمة بينت مرة أخرى عن ذلك التلاحم بين القمة و القاعدة بلا "وسائط" ولا زعامات هو حقيقة المغرب وتاريخه العريق, و أن من يحاول أن يبدو بصفة ما بين الملك وشعبه إنما هو بمثابة ما يدخل بين الظفر واللحم... (ابن الأطلس)
|
|