|
الأمازيغية.. والنخبة المصنفة. بقلم: أحمد برطيع على ما يبدو إن المغرب يعرف انعطافة ستؤدى إلى ترسيخ الأصل المغربي في الجو العام السياسي الاجتماعي والثقافي والبشري، نظرا إلى التحول والانزياح المتمهل والناضج الذي تعرفه الساحة الثقافية المغربية والمجسدة في تنظيماتها الجمعوية والاجتماعية من خلال ذهنية ترنو إلى أهداف مرئية وأخرى مدسوسة. حيث الشارع المغربي يتململ بشكل طفيف في أفق ترسيخ البنيات الاجتماعية الصلبة والمقاومة لكل هبوب، قد يكون يمينا أو يسارا. يدخل في إطار هذه البنيات عمليات التجميع التي تتم بين مجموعة من الفعاليات، تجميع سياسي، ومدني، ومالي. ويبدو ذلك بشكل صريح في الحقل الأمازيغي الذي يتحسس وجوده وأطرافه بهدف استنهاض قواه ووقوفه السوي. هذا الإستنهاض الذي نعنيه يتمركز حول مطلب الإقرار الكوني والقانوني والدستوري لهذا المكون العريق، و يتمظهر في أشكال التجميع الذي تعرفه الحركة الثقافية الامازيغية، إلا أننا نقول إن كل حركة اجتماعية احتجاجية يجب أن تكون محصنة حصانة شعبية قبل أن تكون قانونية.. يعيدنا هذا الجدل إلى أحد المبادئ التي دأبت التنظيمات المتآكلة على تصديره في ديباجة أوراقها، دون أن تكلف نفسها عناء البحث عن وضع آليات التصريف، والتعاطي معه ميدانيا. ونقصد مبدأ الجماهيرية.. جماهيرية الفعل والسكون، على اعتبار أن كل تنظيم يكون نخبويا فهو عمودي لا تتداول فيه إلا قضايا العليين مما يجعله معرضا للهبوب والنثر في كل لحظة، بمجرد زحف أو هبة شعبية خفيفة تعصف بالرؤوس والهياكل. الحركة الثقافية الأمازيغية لن تشذ عن النسق السوسيو ثقافي لهذا الوطن بحكم الفاعلين- إلى حدود هذه السطور نخبة مصففة -، لا مكان فيها للأمازيغي العادي، أمازيغ المداشر والقصور. ولذلك فالحركة مطالبة بتحديث آلياتها للتواصل مع الشارع الأمازيغي الذي يبقى الهم الثقافي آخر المفكر فيه. فالإنسان الأمي يفكر في الخبر قبل الحرف، ويفكر في السكن والأرض والعيش.. أما ثقافته.. وجوده.. فيبقى مقتصرا على حسه الانفعالي المحدود. لن نكون إلا منوهين بما تشهده الساحة الثقافية الأمازيغية من تواتر وتسريع في وثيرة التجميع و التنسيقات الدائرة هذه الأيام، إن على مستوى تأسيس الجمعيات أو التنظيمات أو التواجد الميداني ولكن.. ما مدى تأثير وفائدة هذه الموافق على الساكنة؟ لمن تقام الأنشطة؟ لمن يتم هذا التطبيل؟ أليس للجماهير؟ أين هي هذه الجماهير؟ إذا لم تحضر وتـزكّ فعل النخبة المصنفة، وما مدى محدودية دورها؟ وما مدى حضور النخبة المصنفة في صفوفها؟ هل قصور في التواصل مع الجماهير ، أم عزوف هذه الأخيرة عن كل أشكال التنظيم لما ترسخ عندها من مفهوم سلبي خلال التجارب السياسية طيلة السنوات الأولى للاستقلال؟ و كيف تتم إعادة الثقة إلى الجماهير؟ ألم يصبح من الضروري على هذه النخبة أن تقوم بدورها التنويري والتحسيسي وأن تنزل إلى الشارع لمعانقة هموم الناس والابتعاد عن التوهيم؟ إن النخبة المصنفة -المثقفين الأمازيغ- عليهم أن يغادروا أماكنهم وينتشروا عبر الأرض بهدف إيجاد قاعدة شعبية تضمن لهم الامتداد الثقافي والوجداني والكاريزماتي. في فترة الجزر، بعد الاستقلال إلى حدود 1991 كانت مقولة الجماهيرية كافية لتعبئة الفئة المحظوظة من الناس، وكان كل إطار يتباهى بكونه إطارا جماهيريا دون أن يعمل على تطويع هذا المبدأ وممارسته. مما أدى إلى شرخ بحجم فيلق جيولوجي يصعب ردمه، حيث كانت نخب ما بعد الاستقلال محدودة وبعيدة عن الجماهير، وكان اشتغالها يقتصر على التركيبة المنظرة، والمكونات التنظيمية مما جعلها في غالب الأحيان بعيدة عن الجماهير التي تتبناها في أوراقها. نقول هذا فقط، لنثير انتباه مثقفي الأمازيغية، لكي لا يسقطوا في أخطاء المتآكلين الماضويين ولأن يقتحموا عالم الجماهير، و حياتهم المعاشية، ويشركوها في كل انشغالاتها ، بشكل ديموقراطي وبآليات حديثة ترغب العامة في العمل والنضال والمشاركة القوية. لقد كان المتآكلون يقومون بحجب الحقائق والأوراق التنظيمية والبرامج النضالية والبيانات عن الجماهير خوفا من تسريب هذه المعلومات إلى الأجهزة القمعية، ليتضح فيما بعد أن الحقيقة غير ذلك، حيث إن القمع بوسائله كانت له الأسبقية على الجماهير في الحصول على الخطابات والبنيانات والبرامج النضالية مما وضع المتآكلين في مأزق السرية عن من؟ والجواب كان...للأسف عن الجماهير.. إن المثقفين الأمازيغين والفاعلين الأمازيغين بصفة عامة، يجب أن يضعوا على طاولتهم كل تجارب مغرب الاستقلال، وتجارب الديموقراطية العالمية، للاهتداء بها واستخلاص العبر منها. لقد كان اليسار في السبعينات - واليسار فيه جزر وخيار- مأزوما من حيث التنظير والممارسة ففشل في تشخيص ومعرفة طبيعة المجتمع المغربي هل هو متخلف؟ هل هو أمي؟ هل هو مركب؟ هل هو فئوي؟ هل هو قبلي؟ هل هو عربي؟... والحقيقة أن المجتمع المغربي على طبيعته له حقيقة واحدة: وهي حقيقة اجتماعية وثقافية وعرقية. المجتمع المغربي مجتمع أمازيغي قبلي إفريقي مما يعطينا تفسيرا لفشل التجارب الإصلاحية بعد الاستقلال،حيث تم إدخال المغرب في بوتقة ليست له.. العالم العربي، المغرب العربي.. القومية العربية.. المشروع الحضاري العربي.. إلى آخره من تيكات عربية.. لماذا لم تنتج البنية الثقافية المغربية نمودج المثقف المغربي الحداثي الضارب في أصوله الانتمائية؟ وبعد أن قمنا بالعديد من الرصد والتمحيص للبحث في تشكلات المثقف المغربي المتأصل لم نجد غير نمودج أو إثنين كـ: أزايكو، شفيق، أبحري الذي لم يحمله الموت معه...
|
|