|
المواطنة في المغرب... بين أنة الأمازيغ وعبث العروبية... بقلم: ابن الأطلس مصطفى زيان المواطنة أو "مبادئ التعايش" هي مجموع المبادئ التي تنظم علاقات الناس أفرادا وجماعات ضمن الحياة العامة لبلد معين... وتلك المبادئ والتطبيقات المترتبة عنها هي التي تشكل الوجه الحقيقي للنظام السياسي لذلك البلد لتجعله عادلا وديموقراطيا، أو عكس ذلك، ديكتاتوريا عنصريا... والمساواة بين "المواطنين" هو أول مبدأ تجب مراعاته في كل مجتمع عادل و في كل نظام يريد لنفسه أن يسمى ديموقراطيا... وفي المغرب تطورت بيئة المواطنة من النظام القبلي القديم ،"بما كان له و ما كان عليه"، نحو نظام "الدولة المغربية الحديثة"... تطور أدى إلى ما عشناه وما نعيشه اليوم بما له وما عليه بالنسبة لمفهوم "المواطنة" العادلة بين مكونات الأمة أفرادا وجماعات... فهل حقق النظام السياسي للمغرب مبدأ المساواة كميزة للمواطنة في المغرب؟ أم يا ترى كرس العنصرية واللامساواة بين أفراد و فئات الشعب و جهات الوطن؟... سؤال يكتسب مشروعيته من كثرة الحديث عن العلاقة بين العرب الوافدين والأمازيغ الأصليين كمكونين لهوية مغربية مستحدثة الازدواج... فوفاء لسياسة "ضرب وبكى ثم سبق فشكا" تطلع علينا جرائد العروبية وبياناتهم بسيل من المقالات التي تحاول، بأسلوب ومنطق سخيفين، أن تقنع العالمين بتطرف وعنصرية الأمازيغ... بل بلغ الغي بنخبة العروبية، بما فيها من تنطع وسنطيحة لا تستحي من الكذب و الغلو وتقديس الذات، أن تصدر منذ سنتين ذلك البيان المريض حول التنديد بعنصرية وتطرف لم يكونا أبدا ولن يصيرا أزلا من شيم الأمازيغ... هؤلاء الأحرار المتحررين, خاصة, من أفكار الهيمنة والاستلاب والتنقيص من "الآخرين" لصالح الذاتية... لكن, الواقع المر الصريح, "الآخرون" هم الجحيم... وحتى لا نعود للتاريخ القديم منذ الغزو العربي لشمال أفريقيا, نقتصر على سرد بعض أوجه الإقصاء والتمييز العنصري الذي كان الأمازيغ ضحية له في المغرب منذ مطلع القرن العشرين... ـ في مطلع القرن كان أول إصلاح مقترح هو نظام "الترتيب" الذي انبرى ضده العروبيون بذريعة معارضته للدين، بينما الحق أنه يحذف امتيازاتهم كشرفاء زوايا أو كخدام للمخزن ويساوي بين المغاربة بلا استثناء... وقد ورد هذا ضمن بيعة مشروطة للسلطان... ـ في تلك الأثناء سيحضر للمغرب عدد من المشارقة من أمثال "الأخوين نمور" و "محيي الدين الخطيب" و"شكيب أرسلان" و "مصالي الحاج" وغيرهم... وغير بعيد عن حركات هؤلاء, خاصة إنشاء جرائد عروبية في طنجة تحت الانتداب, ستظهر أولى المطالب الدستورية بالمغرب... مطالب تكفي قراءتها لنعلم ما سيظل يخطط له العروبيون ضد الأمازيغ الذين يشكلون الغالبية الساحقة للشعب المغربي... فبالنسبة لأصحاب "لسان العرب" التي صدرت في بلاد الأمازيغ, يخبرون الأمازيغ – الغائبين في انشغالهم آنذاك في مقاومة الفرنسيين الغزاة - أن لا مكان لهم في تسيير أمور دولتهم. فالبند 44 من الدستور المقترح يقصي غير العرب والمعربين(غير المتعلمين للعربية) من تمثيل الأمة, وهو ما يعني عنصرية صارخة ضد الأمازيغ ولغتهم في وطنهم... وهل يمكن أن يكون غير عنصري من يشترط في المغربي ليمثل إخوانه أن يتمتع بـ"الشخصية المحترمة و ذات الطبائع الجيدة"؟... يعني تلك الطبائع الأندلسية الغارقة في عقلية الدسائس والمؤامرات التي أطاحت بوهم كان قد صار الحقيقة بفضل طارق ومن كان معه من الأمازيغ في أغرناطة و في أقرطبة... ـ في الثلاثينات سيبتدعون "الظهير العربي الفرنسي" ليسموه "الظهير البربري" ضمن خطة متعددة التعسفات والأهداف... أولا لأن الأمازيغ لم يكونوا من ورائه ولا خططوا له... ثانيا لأن صيغة "البربري" لا تليق بمن يفترض في نفسه النبل واحترام الآخرين... ثالثا لأن هذا الظهير سيتخذ من طرف أعلام ما سمي "الحركة الوطنية" ذريعة لإقصاء دنيء للأمازيغ طوال القرن العشرين... فكلما تحدث أمازيغي عن هويته أو عن حقوقه الثقافية في سياسية البلاد يتم إتخامه بالعودة للظهير وبالعمالة للاستعمار وإن لم يعد له وجود... ـ في خضم مواقفهم من المقاومة نجدهم يمجدون أسماء لم تعرف لا السيف ولا البندقية أو بعضا من أسماء بلا أي امتداد كأنها "مقطوعة من شجرة و إن كانت طيبة"... في حين يتجاهلون الملاحم الحقيقية التي خاضتها القبائل الأمازيغية على مدى ثلث قرن من الزمن ضد المستعمرين الفرنسي و الإسباني... يتحاشون أسماء نبيلة كانت لها امتداداتها الشعبية ووجودها السياسي الحق كزعامات لها مواقعها التي ظلت تقض مضاجعهم قبل أن تتم فرنسا خدمتها الدنيئة في القضاء على آخر قادة المقاومة الأمازيغية حتى تتمكن هي من مباشرة "السمسرة السياسية" – المحترمة الشخصية والجيدة الطباع- أي –التي تعرف التلون الحربائي مع الظروف وتمتهن الوصولية السياسية والانتهازية الاقتصادية باحتراف -... ـ في خضم الحصول على استقلال البلاد وعودة السيادة, كان أن بلغت العنصرية والبلادة أوجها حين انبرى العروبيون لإقصاء الأمازيغ حيث سيشن حزب الاستقلال حربا ضروسا ضد الرموز الأمازيغية ممعنا في الدسائس والمؤامرات... فمن سقط في أيدي زبانية "بن بركة" و"علال" مفقود كالقائد عباس مسعدي... ومن لم يمت بغدرهم كانت وسيلة الدسائس التي برع فيها هؤلاء الوصوليون له بالمرصاد مثل قائد تافيلالت عدي أبيهي... وأما هدفهم وما كان يقض مضاجعهم التي أصيبت بمرض "الشرقانية" من المقام والتتلمذ عند القاهريين والدمشقيين و البغداديين مع شيء مما كان من إيديلوجيات أتوبية في الشرق والغرب الأوربي الاستعماري, هو القضاء على الوجود الأمازيغي... فالزعيم كان يعلم أن الفرنسيين مآلهم الرحيل إلا أن ما كان يؤرقه هو "السبيل لإجلاء الأمازيغ" كما عبر آنذاك... ولما لم يتمكن الزعيم من ذلك انبرى بشعره للتعبير عن حقده وكراهيته وعنصريته اتجاه الأمازيغ... فأنشد قصيدة لازال العروبيون يمعنون في تعليمها لأبنائهم حتى ضمن مقرراتهم الدراسية أو في منشورات كمجلة ”العندليب“ الخاصة بالصغار... تقول الأبيات الشهيرة من القصيدة المشؤومة: سقط الحمار من السفينة في الدجى فبكى الرفاق لفقده و ترحمـــواحتى إذا طلع النهار أتت بــــــــــــه نحو السفينة موجة تتقــــــــدم قالت خذوه كـما أتاني سالمــــــــــا لم ابتلعه لأنه لا يـهـــضـــــــم و ليعلم المتسائلون ما يعنيه الشاعر الزعيم هنا، نبين أن السفينة تعني المغرب والدجى تعني ليل الاستعمار وأترك للقارئ أن يحل لغز من يكون الحمار الذي لم يهضم في القضية... فقط أشير عليه أن يتصور الموقف لو أن الحمار هضم فعلا فأصبح موجا تحت السفينة عوض أن يقبل عليها كما جبل... ـ في مغرب الاستقلال سيستمر العروبيون بعد أن ضربوا الطوق على أغلب السلطات المخزنية في إقصاء الأمازيغ وتهميش مناطقهم وأبنائهم... لقد أصبح فقهاء المساجد وأبناء العطارة والخماسين في فاحش الغنى بما وفر لهم من تعليم ومن مناصب وامتيازات في أسلاك دولة الاستقلال التي لم تعد الأرض بعد استرجاعها لأصحابها الحقيقيين، بل ذهبت لملاك المغرب الجدد بفضل الاستعمار صاحب نعمتهم... - في خضم التطورات السياسية والحقوقية وتبين أن العروبيين أجرموا ببشاعة في حق الأمازيغية بإقصائها من أن تعبر عن حضارة و تطور شعبها, يبدو بديهيا أن نطرح عليهم السؤال: أليس إقصاء لغة أمة بأكملها نوعا من العنصرية وتجاوزا لحدود السلام بين الشعوب؟... أليس القول بأن الأمازيغية ليست لغة نوع من تجريد المرء من إنسيته، علما أن من لا يتكلم لغة إنما هو حيوان؟... فهل كانت أمهاتنا وآباؤنا مجرد حيوانات تكلمت وعلمت أبناءها شيئا غير اللغة؟... أليس عارا عنصريا بغيضا أن يطبل إعلامكم ونخبتكم لترجمة القرآن للفرنسية والإنجليزية وغيرها من اللغات في حين أقمتم القيامة ضد ترجمته للأمازيغية؟... أليس عارا أن تنشئوا جمعيات حقوقية تقف ضد الأمازيغ والأمازيغية محاولة أن تحرمهم من الاستفادة من التفتح على حقوق الإنسان ومصالح الشعوب؟... - في مجال العمل والتوظيف في المناصب... وإذا استثنينا فئة ضعيفة ممن وصلوا لمناصب, قلة بشكل مقبول نظرا لمؤهلات موضوعية علميا أو سياسيا, وأكثرية وصلت بتنكرها لأمازيغيتها من أمثال من صنفته الجزيرة القطرية ضمن كبار المفكرين ناسية أنه عدو "الذاكرة" صديق "النسيان" وأمثال "بوزلماظ" الذي أدعوه هنا ليغير اسمه ليصبح كما يفكر ويكتب "أبو ميسرة" حتى لا يبدو متطرفا وفق منطقه الذي اعتبر أنة الأمازيغ من الظلم تطرفا في الخطاب..., فإن الأمازيغ لم يحصلوا إلا على خفي حنين... المناصب الهامة ظلت خاصة ببعض المناطق بقرار وزير أو مستشار نافذ أو بفضل "خالة" حديدية بإمكانها أن تجعل من كل رعاة دوارها ومنطقتها قيادا و باشوات وعمالا ورؤساء إدارات ومصالح ومدراء مؤسسات عمومية... وحتى في إطار الترقيات الداخلية يتعامل بعض من هؤلاء وفق "عربي أو شلح؟" كمثال أحد "المتميزين" (ياحسرة على أيام الوعدة والعشور التي كان يجمعها أبوه من الأمازيغ) الذي عين – لسبب في نفس يعقوبات هذا البلد - مديرا عاما لشركة شبه عمومية هامة في تجاوز لكفاءة وأقدمية الأطر الأمازيغية التي بنت ما يعبث به اليوم هو ورئيسه الذي انتهز الفرصة فعين واحدا من أسرته في منصب نائب المدير العام (ضمن تفاهم مشبوه بين الرئيس و المديرين المتقاعد وخلفه) رغم جهله التام بميدان عمل الشركة في حين يعلنون حربا شعواء ضد الأطر الأمازيغية عبر العديد من المضايقات و التعسفات المعروفة لدى الإدارات... وكأني بالمصالح العامة في هذا البلد أصبحت ملكا للبعض ولآبائهم و أمهاتهم... ولأنهم لا يستحيون فهم يفعلون فيها ما يشاؤون... إن أمثلة العنصرية كثيرة ومتشعبة وتمس الأفراد والجماعات في حقوقهم الأساسية وتضرب في الصميم أي حديث عن "روح المواطنة" التي لا تستقيم إلا في بلدان المساواة وحقوق الإنسان... فيا من تدعون سلفية في الإسلام وتقدمية في الديموقراطية وبلاء في الوطنية وحكمة في السياسة, إلى متى تكررون الكلام الكبير ولا نرى منكم سوى الصغائر؟... م ز tilili@menara.ma
|
|