|
الظهير "البربري": السياق السوسيوتاريخي و الأبعاد السياسية. بقلم : الحسين بوالزيت أوماست (ماست) تصادف هذه السنة ـ سنة 2004 الميلادية ـ "الذكرى" الرابعة والسبعين لإصدار السلطات الفرنسية لظهير 16 ماي 1930 الخاص بتنظيم المحاكم العرفية في المناطق ذات العوائد ولأعراف الأمازيغية. لقد اعتبر هذا الحدث التاريخي ـ حدث إصدار الظهير ـ بمثابة البدائية الفجائية لظهور ما يسمي "بالحركة الوطنية " و"العمل الوطني" التحرري ذي الصبغة السياسية. ونعتقد هنا كمهتمين بالتاريخ الوطني أن هذا التمثل أصابه عياء إيديولوجي وسياسي، ولم يعد في مقدوره الاستمرار و الصمود أمام النقد التاريخي والسياسي. وسبب إنهاكه و عيائه هو العديد من الأسئلة الملحة و المحرجة المطروحة عليه. يحق لنا اليوم كباحثين و مناضلين أمازيغيين أن نطرح جملة من الأسئلة بخصوص التعامل السياسوي مع هذا الحدث من قبل من يدعون الوطنية. أول هذه الأسئلة هو سؤال عن الخلفيات السياسية التي جعلت الوطنيين المزعومين يبدأون عملهم الوطني عام 1930 بالضبط، بينما الاستعمار عمر في البلاد مدة تناهز ثمانية عشر سنة أي من 1912 إلى سنة 1934 أين كان هؤلاء؟ وبغية الإجابة عن هذا السؤال، من الواجب علينا الرجوع قليلا إلى الوراء، من أجل القيام بمسح تاريخي لبعض الأحداث التي شهدها المغرب آنذاك، بما فيها كعنصر أساسي و مركزي طبيعة العلاقة بين النخبة المدينية التي ادعت الوطنية وبين الدولة الفرنسية آنذاك، في بعض المدن المغربية ومنها فاس، تطوان، الرباط، سلا... هذه المدن كانت تُعرف في ذلك الوقت باحتضانها لعناصر الحركة التي تسمى نفسها وطنية وتحتضن كذلك أهم بوادر ورموز هذه الأخيرة، باعتبار هذه المدن تشكل في تلك الحقبة بالذات مراكز تجارية وصناعية تسيطر عليها العائلات التي ينحدر منها أشباه الوطنيين أولئك. فهذه النخبة المسيطرة على التجارة والصناعة في تلك المدن لعبت دورا طفيليا يتمثل في لعبها لدور الوساطة بين الرأسمال الأجنبي الذي تمثله فرنسا والشعب المغربي آنذاك، واحتكرت بالتالي التجارة من بيع وشراء مع سلطات الاستعمار الفرنسي. وفي هذه الظروف سوف تقدم فرنسا على إصدار سنة 1914 ظهيرا من أخطر الظهائر التي أصدرتها فرنسا في المغرب طوال مدة تواجدها في المغرب، هذا الظهير هو المتعلق بنزع ومصادرة أراضي القبائل الأمازيغية في إطار سياسة التخفيض العقاري الذي طبقته آنذاك السلطات الاستعمارية. وبحكم أن هذا الظهير لم يكن يستهدف مصالح هذه النخبة فإنها سكتت عنه ولم تقرأ اللطيف في المساجد من أجل استنهاض مشاعر الشعب لمقاومته، بل الأدهى والأمر أن كوادر هذه النخبة انهمكوا في نظم الشعر في مدح الاستعمار عندما كان يحقق انتصارا على القبائل الأمازيغية، وبالخصوص في جريدة ”السعادة“ التي تصدرها آنذاك الإقامة العامة بتعاون مع بعض الشخصيات "الوطنية". وذلك في الوقت الذي كان فيه إمازيغن يحاربون في الجبال والسهول والصحاري التواجد الاستعماري في المغرب بزعامة كل من محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف وموحا أوحمو الزياني في الأطلس المتوسط وعبد الله أزكور في الأطلس الصغير وعسو با سلام في الأطلس الكبير الشرقي وآخرون. وكان الوطنيون آنذاك في سبات عميق، يستمتعون بأشهى الأطعمة والأشربة وقضاء الليالي الحمر ... ولم يستفيقوا من سباتهم ذلك وممارسة مجونهم إلا سنة 1930 وما فوق إبان إصدار سلطات الحماية لظهير 16 ماي. وسبب استفاقتهم تلك ليست بريئة و صادقة بمعنى الرغبة المبدئية في محاربة الاستعمار وتحقيق الاستقلال للشعب المغربي وإرجاع السيادة إليه، بل بالعكس سبب ذلك هو مايلي: بوصول سنة 1930 اقتربت فرنسا من إخضاع مجمل التراب الوطني، بحيث أنه في سنة 1934 سوف يتم القضاء على أخر معاقل المقاومة المسلحة الأمازيغية، كان آخرها هو عبد الله أزكو في الأطلس الصغير، ولم يستسلم إلا عندما استعملت ضده طائرات حربية، وبذلك سوف تنهي فرنسا مجمل فصول المقاومة المسلحة، واستكملت بالتالي احتلال المغرب. ومن هذا المنطلق لم تعد الدولة الفرنسية بحاجة إلى وسائط وطفيليين مغاربة يلعبون دور الوسيط التكتيكي والمؤقت، بمعنى أن دور النخبة المدنية التي ادعت الوطنية انتهى، ولم يعد باستطاعتها القيام بأية مهمة لصالح الدولة الفرنسية، التي سوف تحاول التخلص منه مما سيضر لا محالة بمصالح هذه النخبة على جميع المستويات. كل هذا أدى إلى انتفاضة هذه النخبة واستغلت ظهير 16 ماي 1930 في تحريض المغاربة ضد الفرنسيين عن طريق رفع شعار مواجهة التفرقة والتنصير والخروج عن الشريعة الإسلامية. كل ذلك صاحبته قراءة اللطيف في المساجد المغربية في بعض المدن وعملت النخبة المدينية على استغلال المكانة الرمزية للمساجد في المجتمع المغربي لإعطاء المزيد من المصداقية والشرعية لعملها السياسوي آنذاك، الذي أضفت عليه بمكرها وخديعتها السياسية صبغة العمل الوطني المقدس والدفاع عن مصالح الشعب المغربي. لكن مع كامل الأسف تبين فيما بعد أن هؤلاء لم يكونوا يدافعون في حقيقة الأمر إلا على مصالح عائلات مدينية موريسكية تخلى عنها الاستعمار، وبدأ ينبذها ويمل منها. واستغلت هذه النخبة وهذه الفئة حدث إصدار الظهير لتعلن العصيان والتمرد على سلطات الحماية من أجل استرجاع ما ضاع منهم وليس من أجل الاستقلال الفعلي للدولة المغربية. لقد شكل "الظهير البربري" طوال العقود الماضية سيفا سلط على رقاب الأمازيغ في نضالهم المرير من أجل إحقاق الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، كما أنه بفضل مخلفات هذا الظهير والاستغلال السياسوي الذي صاحبه إبان إصداره ، أدخل كل ماله علاقة بالإنسان الأمازيغي في إطار المشروع الكولونيالي، بمعنى أن اللغة والثقافة الأمازيغية تم تجريمها وتخوينها بفضل تبعات ذلك الظهير الذي اعتبره البعض بمثابة شرعنة العنف والإقصاء واحتقار إمازيغن رغم أنهم ليست لديهم أية مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة في إصدار ذلك الظهير المسمى قسرا ظهيرا بربريا. ويعد أن اتضحت الحقيقة واكتشف الشعب المرامي التي جعلت الوطنيين يقرأون الظهير تلك القراءة المعروفة، ألم يحن الوقت أمام أولئك للاعتذار لإمازيغن!!.
|
|