|
افتتاحية: سنتان على تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بقلم: محمد بودهان ثورة كوبرنيكية: في 17 أكتوبر الجاري تكون قد مرت على تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنتان كاملتان. وإذا تأملنا هذا الحدث في إطار هيمنة المرجعية المشرقية العربية بالمغرب منذ نصف قرن، دستورا وثقافة ولغة وهوية وفكرا وإعلاما وتعليما...، فلا يمكن إلا اعتباره ـ الحدث ـ ثورة كوبيرنيكية حقيقية: فقبل كوبرنيك كانت الشمس ـ حسب الاعتقاد الذي كان سائدا ـ هي التي تدور حول الأرض. أما بعد كوبرنيك فقد أصبحت الأرض هي التي تدور حول الشمس. كذلك قبل تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كان المغرب يدور حول قطب رئيسي هو المشرق العربي. أما بعد تأسيس المعهد، فقد أصبح المغرب، ولأول مرة بعد الاستقلال، يدور حول ذاته، حول مركزه، حول مركز ثقله، حول قطبه الذي تشكله الأمازيغية، في انتظار أن يكف نهائيا عن الاستمرار في الدوران حول فلك المشرق. ولن تبدو هذه المقارنة بالثورة الكوبرنيكية مبالغة إلا بالنسبة لمن لم يدرك بعدُ مدى ثقل الهيمنة الشاملة والمطلقة لإيديولوجية الانتماء العروبي للمغرب، إلى حد أن المطالبة بانتماء آخر غير عربي كان يعرض صاحبها لتهمة الخيانة، مثلما كان من يشكك، قبل كوبرنيك، في دوران الشمس حول الأرض يتهم بالزندقة والمروق عن الدين. الأمازيغية والمرأة: هذا الحدث الأساسي في تاريخ المغرب المعاصر، والذي هو بمثابة ثورة كوبرنيكية كما قلت، كان وراءه نضال الحركة الأمازيغية والمؤسسة الملكية التي استجابت لبعض مطالب هذه الحركة. أما الأحزاب السياسية فلم يسبق لها أن طالبت برد الاعتبار للأمازيغية ولا ساندت الحركة الأمازيغية في مطالبها العادلة والمشروعة. فالتغيير بالمغرب، بعد الاستقلال، يأتي دائما من الملك. فإذا كانت الأحزاب في الدول الديموقراطية والمتقدمة هي التي تقود قاطرة التغيير تجاه أنظمة الحكم التي هي بطبيعتها محافظة، فإن العكس هو ما يجري في المغرب حيث نلاحظ أن الجديد يأتي دائما من الملك. وما حصل مع الأمازيغية تكرر كذلك مع المطالب النسائية. فمشروع إدماج المرأة في التنمية الذي أعدته حكومة السيد اليوسفي السابقة سرعان ما تخلت عنه أمام صراخ وغوغاء الملتحين. وها هو الملك يعلن، في خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة، عن المساواة بين الرجل والمرأة التي ستتضمنها وتنص عليها فصول المدونة الجديدة للأسرة. وعلى ذكر موضوع المرأة، تجدر الإشارة إلى اشتراكه في كثير من النقط مع موضوع القضية الأمازيغية: ـ لقد كانت الأمازيغية والمرأة يعانيان كلاهما من الحيف والتهميش والإقصاء. ـ كانت الأمازيغية والمرأة يشكلان طابويين لا يجوز الكلام عنهما ولا المطالبة برد الاعتبار لهما. ـ إن كلمة "الأمازيغية" تعني في اللغة الأمازيغية "المرأة" كذلك. فرد الاعتبار لأحداهما هو رد للاعتبار كذلك للأخرى بصفة غير مباشرة. ـ نفس المبررات التي كانت وراء تهميش الأمازيغية كانت وراء تهميش المرأة كذلك: مؤامرة غربية صهيونية ضد الإسلام!. ـ غياب المساواة بين الأمازيغية والعربية وتفضيل الثانية على الأولى في الحقوق والامتيازات، وغياب المساواة بين المرأة والرجل وتفضيل هذا الأخير عنها في الحقوق والامتيازات كذلك. ـ الخطاب الملكي بأجدير في 17 أكتوبر 2001 أعاد الاعتبار للأمازيغية مثلما أعاد الخطاب الملكي في 10 أكتوبر الاعتبار للمرأة. ـ لم تفعل الأحزاب شيئا لصالح الأمازيغية كما لم تفعل شيئا لصالح المرأة. أعرف أن الكثيرين سيرون في تشبيه تأسيس معهد الأمازيغية بالثورة الكوبرنيكية خطابا رجعا ومخزنيا كما تعلمنا ذلك من الأحزاب التي أثبتت الوقائع أنها الأكثر مخزنية من رجال المخزن أنفسهم. أقول لهؤلاء: نعْم الرجعية التي تتقدم بها الأمازيغية، وبئس التقدمية التي ترجع بها الأمازيغية إلى الوراء. المعهد بين »الثورة الكوبيرنيكية« و »الرضاعة« المنومة: لكن إذا كان إنشاء المعهد هو بمثابة "ثورة كوبيرنيكية"، فالخوف كل الخوف هو أن تتحول هذه "الثورة" التي قامت أصلا لخدمة الأمازيغية، إلى "ثورة مضادة" للأمازيغية، أي إلى عائق يحول دون تحقيق المطالب الأمازيغية كاملة، وعلى رأسها دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية ووطنية، كما حدث لكبريات الثورات في التاريخ: لقد كان الإسلام عند ظهوره ثورة على الظلم والعبودية واستغلال الإنسان. لكنه يستعمل فيما بعد، خصوصا مع بداية الحكم الأموي، لتبرير الظلم والعبودية واستغلال الإنسان للإنسان. وكانت الماركسية كذلك في بدايتها ثورة اشتراكية ضد الظلم والاستغلال والعبودية والإقطاع. لكنها ستتحول إلى أداة للقهر والظلم والعبودية في الأنظمة الاستبدادية الشيوعية. وهذا ما جعلنا نحذّر، في مقالات سابقة، من أن يصبح المعهد "رضاعة" للتنويم والإسكات والإلهاء والاحتواء. لكن إذا كان المعهد مبدئيا مكسبا أساسيا اعتبرناه بمثابة "ثورة كوبرنيكية"، فإن تحوله إلى أداة تدجين واحتواء وإقبار للمطالب الأمازيغية والنضال الأمازيغي، لن يكون مسؤولية السلطة وحدها التي لها طبعا حساباتها ومخططاتها الخاصة بملف الأمازيغية. بل ستتحمل مسؤولية ذلك على الخصوص الحركة الأمازيغية، وخصوصا عناصرها المتواجدة بالمعهد، كباحثين أو كأعضاء بمجلسه الإداري. إدماج الأمازيغية في المدرسة: لقد مرت سنتان على تأسيس المعهد وأزيد من سنة ونصف على انطلاق الأشغال به. وإذا كان من الصعب إعطاء تقييم موضوعي عن فترة وجيزة مثل هذه، فإنه يمكن تشخيص التوجهات العامة التي تسمح لنا بتوقع ما سيسير عليه ـ وإليه ـ المعهد مستقبلا. إن الإنجاز الوحيد الملموس والأكثر بروزا، والذي حققه المعهد إلى الآن هو إدخال الأمازيغية إلى المدرسة العمومية مع انطلاق الموسم الدراسي الحالي. أقول الإنجاز الذي حققه المعهد لأن وزارة التربية الوطنية، رغم دورها الأساسي في تنفيذ برنامج تدريس الأمازيغية، إلا أنه بدون المعهد ما كانت اللغة الأمازيغية ستلج المدرسة إلا على أساس لهجة اختيارية، يستأنس بها لتسهيل تعلم العربية كما جاء في ميثاق التربية والتكوين. فبغض النظر عما قد يعرفه تدريس الأمازيغية في بدايته من مشاكل، أو حتى تعثرات، فإن الجديد فيه، الجديد الثوري، هو الإجبارية والتعميم والمساواة بين الأمازيغية وباقي المواد الأخرى من حيث قيمتها البيداغوجية. ولن ندرك أهمية هذا المكسب ـ الإجبارية والتعميم والمساواة ـ إلا إذا قارنا تدريس الأمازيغية كما بدأ عندنا مع تدريسها عند أشقائنا الجزائريين: فرغم النضال المرير والدموي أحيانا الذي تخوضه الحركة الأمازيغية بالجزائر من أجل تحقيق مطالبها، لم تستطع إلا انتزاع حق تدريس الأمازيغية كمادة اختيارية لا قيمة لها في النجاح أو الرسوب. ورغم هذا الإنجاز ـ وهو ليس إنجازا بسيطا ـ المتمثل في تدريس الأمازيغية كلغة إجبارية وأساسية ولجميع المغاربة، إلا أن الأمور لا زالت تسير كأن شيئا لم يتغير بالمغرب، الذي لا زال "عربيا" والرباط عاصمة للثقافة العربية. لكن يجب الاعتراف بأن التغيير في مجال الهوية والثقافة والأفكار والذهنيات بصفة عامة يتطلب وقتا ليس بالقصير. والملاحظ كذلك أن تدريس الأمازيغية، رغم أنه حدث فريد من نوعه في تاريخ المغرب المعاصر، إلا أن الإعلام لم يوله أية أهمية تذكر. وهذا ما يعني أن الأمازيغية، حتى بعد إنشاء المعهد، لا زال التعامل معها كأمر لا يهم إلا نخبة محدودة من المناضلين واللسانيين. لهذا يجب التفكير في إستراتيجية أخرى: فبدل إدماج الأمازيغية في المدرسة والتعليم، ينبغي العمل على إدماج التعليم والمجتمع في الأمازيغية، كما يقول الأستاذ الجغايمي. فصول ملتبسة وغيلر كافية: نلاحظ أولا أن الظهير المحدث والمنظم للمعهد، كأي نص تشريعي، يتضمن ثغرات ونواقص بدأ يكشف عنها التطبيق العملي لفصوله. ووجود ثغرات ونواقص في نصوص تشريعية شيء عادي لأن النصوص التشريعة توضع للإجابة على مجموعة من الأسئلة ولتقديم الحلول لمجموعة من المشاكل. لكن مع الوقت تظهر مشاكل جديدة وتطرح أسئلة جديدة لا تكفي تلك النصوص لحلها والإجابة عنها. وهذا ما يجعل النصوص التشريعية تتغير وتتطور باستمرار لتتكيف مع الوقائع الجديدة، بما فيها النصوص الدستورية. لقد رأينا أن أول مشكل طرح على المعهد هو مشكل الحسم في اختيار الحرف الذي ستكتب به الأمازيغية. وما كان ليشكل هذا الاختيار مشكلا لو لم ينص الظهير في الفقرة الثالثة من الفصل الثامن على أن المجلس "يتخذ قراراته بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين". فلو أراد محررو الظهير تسهيل المأمورية على المجلس وعلى الأمازيغية لنصوا على أن القرارات تتخذ بالأغلبية كما ينص على ذلك الظهير المنظم والمنشئ لأكاديمية اللغة العربية ـ والتي أعلن عن إنشائها مباشرة بعد تأسيس معهد الأمازيغية لطمأنة المعارضين للأمازيغية ـ الذي يقول في الفقرة الرابعة من الفصل الثامن "إن قرارات المجلس تتخذ عن طريق التراضي، أو بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين عند الاقتضاء". هنا يظهر أن المشرع قصد التيسير بالنسبة للعربية والتعسير بالنسبة للأمازيغية. وبعد مشكلة الحرف ظهرت مسألة استخلاف العميد محمد شفيق: فمنذ أن ودّع هذا الأخير أعضاء المجلس الإداري في اجتماع 30 ـ 31 يناير 2003، أصبح المعهد عمليا بدون عميد، وإن كان رسميا لا زال يرأسه السيد شفيق. وإذا عرفنا ضخامة المسؤوليات والصلاحيات التي يخولها الظهير للعميد، نستخلص أن هذه المسؤوليات والصلاحيات أصبحت معطّلة ومعلّقة، وهو ما قد يؤثر على سير عمل المعهد بصفة عامة. فمثلا منذ وفاة المرحوم بحري عضو المجلس الإداري لم يتخذ أي إجراء لتعويضه طبقا للفقرة الرابعة من الفصل السادس التي تقول: "وفي حالة شغور مقعد أحد أعضاء المجلس لأي سبب من الأسباب، يقترح العميد على جلالتنا الشريفة، وفقا للإجراءات المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة السادسة بعده، عضوا يخلف العضو الشاغر مقعده ويمارس انتدابه لمدة أربع سنوات ابتداء من تاريخ تعيينه". فهذه الصلاحية التي يخولها الظهير للعميد، والمتمثلة في اتخاذ مبادرة تعويض المقعد الشاغر أصبحت معطّلة لغياب عميد للمعهد. وإذا كانت السلطة لا تزال مترددة في تعيين عميد جديد، فلأن في الأمر صعوبة حقيقية، خصوصا استحضار جانب المساواة والتوازنات الجهوية التي لا بد من مراعاتها في هذه المرحلة التأسيسية الانتقالية المؤقتة. إلا أنه كان من الممكن تذليل جزء كبير من هذه الصعوبة لو أن الظهير قيّد ولاية العميد بمدة محددة، خمس أو ست سنوات مثلا قابلة للتجديد مرة واحدة، تحسبا لما بعد محمد شفيق الذي يصعب إيجاد عميد مثله. وهذا طبعا بصفة انتقالية ومؤقتة كما قلت. وسيطرح تجديد أعضاء المجلس الإداري مشكلا آخر لا يمكن حله إلا بتعديل النصوص الخاصة بهذا التجديد. ينص الفصل السادس من الظهير على ما يلي: "يعين عميد المعهد من لدن جنابنا العالي بالله. وتتولى جلالتنا الشريفة تعيين أعضاء مجلس إدارة المعهد الآخرين وتجديد تعيينهم عند الاقتضاء، بناء على اقتراح من عميد المعهد [...] طبقا لإجراءات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادية التاسعة بعده". وتنص هذه الفقرة الثانية من الفصل التاسع: "غير أنه يجب على المجلس أن يحدث لجنة خاصة بالتعيين والتمثيل يعهد إليها بأن تنظر، قبل عرضها على مجلس الإدارة، في اقتراحات العميد المتعلقة بتعيين أعضاء المجلس الجدد خلفا لمن انتهت مدة انتدابهم [...] وتتألف هذه اللجنة برئاسة العميد من ممثلي الوزارات الخمس ورئيس الجامعة ومدير الأكاديمية الأعضاء في مجلس الإدارة ومن سبعة أعضاء يعينهم المجلس من بين أعضائه". واضح من هذه الفقرة التي يحيل عليها الفصل السادس أن الجهة التي يخول لها الظهير صلاحية النظر والموافقة على مقترحات العميد الخاصة بتعيين الأعضاء الجدد هم أعضاء اللجنة المحدثة طبقا للفقرة الأولى من الفصل الثامن. وبما أن أعضاء هذه اللجنة يكونون هم أيضا قد انتهت مدة انتدابهم بعد أربع سنوات عملا بالفقرة الثانية من الفصل السادس، فلا يمكن لهم إذن أن يكون أعضاء بتلك اللجنة الخاصة بالتعيين التي تنص عليها الفقرة الثانية من الفصل التاسع لأنهم يكونون في حكم غير الموجود من الناحية القانونية. ومن لا وجود له لا يمكن أن يكون مصدرا لوجود آخرين. يطرح إذن السؤال: من هي الجهة التي ستنظر في مقترحات العميد الخاصة بتجديد أعضاء المجلس بعد انتهاء ولايتهم الأولى؟ ولا يمكن الجواب عن هذا السؤال إلا بتعديل فصول الظهير المتعلقة بتجديد أعضاء مجلس الإدارة ورفع ما يشوبها ـ الفصول ـ من تناقض والتباس. كما أن الجمع، داخل المعهد، بين إدارة مركز للبحث وعضوية مجلس الإدارة، بالنسبة لبعض مديري هذه المراكز، فيه إخلال بمبدأ الفصل الواجب بين سلطة التقرير وسلطة التنفيذ حتى لا يكون العضو خصما وحكما في نفس الوقت، الشيء الذي قد يمس بمصداقية وجدية المشاريع المقترحة ومناقشتها، وخصوصا مصداقية وجدية التصويت عليها، إذ كيف يكون تصويت عضو على مشروع أعده هو، تصويتا موضوعيا وديموقراطيا وذا مصداقية؟ يستحسن إذن إعادة النظر في هذه المسألة واعتبارها من حالات التنافي في الولايات القادمة للمجلس الإداري. أين يسير المعهد بعد الولاية الأولى لمجلس الإدارة؟: ثم إن هذه الفقرة الثانية من الفصل التاسع الخاصة بلجنة التعيين تسمح لنا برسم الصورة التي سيكون عليها المعهد بعد انتهاء الولاية الأولى لأعضاء مجلسه الإداري: إذا كانت غالبية الحركة الأمازيغية قد رحبّت بالمعهد، فذلك راجع إلى طبيعة تشكيلة مجلسه الإداري الحالية التي تضم 25 عضوا ـ من مجموع 32 ـ ينتمون إلى الحركة الأمازيغية. والفضل يرجع إلى الأستاذ محمد شفيق الذي فرض واشترط أن تكون أغلبية أعضاء المجلس ممثلين للحركة الأمازيغية. لكن السؤال: هل ستستمر مثل هذه التشكيلة، التي تحتل فيها الحركة الأمازيغية حصة الأسد، بعد انتهاء هذه الولاية الأولى لأعضاء مجلس الإدارة؟ نتلمس الجواب في العناصر التالية: ـ أولا، لن يكون هناك عميد من عيار ونضال محمد شفيق ليفرض المناضلين الذين يختارهم ويقترحهم. ـ ثانيا، إن اللجنة التي ستنظر في مقترحات العميد تتكون من سبعة أعضاء يمثلون الإدارات العمومية بجانب سبعة يختارهم المجلس من بين أعضائه (الفقرة الثانية من الفصل التاسع). نلاحظ إذن أن رأي الأعضاء الممثلين للإدارات العمومية والذين عينتهم للسلطة سيكون حاسما ـ ما داموا يشكلون 50% من مجموع أعضاء اللجنة ـ في اختيار الأعضاء الجدد. بناء على هذا المعطى، نظريا يمكن توقع أن يقلّ عدد الأعضاء الممثلين لمطالب الحركة الأمازيغية في الولاية الجديدة للمجلس الإداري لتصبح الأغلبية في يد غير ممثلي المطالب الأمازيغية. وهذا ما قد يعطي للمجلس توجها قد لا يتطابق مع انتظارات الحركة الأمازيغية، وربما يكون معارضا لمطالبها ونضالها. لا يجب أن يفهم من هذا الاستنتاج أن أعضاء المجلس الإداري الممثلين للإدارات العمومية قد عيّنوا ليكونوا سدا أمام تمرير مشاريع ومقترحات الحركة الأمازيغية، ففيهم من هم أكثر نضالا وغيرة على الأمازيغية من كثير من المناضلين الجمعويين المعروفين. نحو مزيد من الوظائفية والبروقراطية: أما إذا انتقلنا إلى الطريقة التي اشتغل بها المعهد خلال الفترة الوجيزة التي تلت تأسيسه، وعلاقة المراكز بعضها ببعض وعلاقتها بالأمانة العامة وبالمجلس الإداري، فإن كل المؤشرات والقرائن تدل على أن المعهد يسير نحو ترسيخ طابع الوظائفية Fonctionnariat et Fonctionnarisme، بمعنى أن المعهد يتجه إلى أن يصبح مؤسسة تضم مجموعة من الموظفين يقومون بمهام محددة بقواعد وضوابط ومساطر. هذا هو المطلوب في كل مؤسسة لولا أننا أمام مؤسسة من نوع خاص، مؤسسة ينتظر منها تحقيق مجموعة من الأهداف التي هي في الأصل موضوع حركة مطلبية ونضالية. لهذا فإن هيمنة الوظائفية على مؤسسة مثل معهد الأمازيغية قد تؤدي إلى: ـ تحول المناضلين الذين التحقوا للعمل بالمعهد، باحثين وأعضاء مجلس الإدارة، إلى مجرد موظفين. وليس هناك ما يقتل النضال، في كل قضية، من تحوله إلى وظيفة مؤدى عنها. ـ إلى اهتمام الموظف بقوته الشهري أكثر من اهتمامه بالقضية الأمازيغية لأن من طبيعة الموظف وطبيعة عمله أنه يفكر أكثر في كيفية إيصال بداية الشهر بنهايته Joindre les deux bouts، وهو ما يجعل هم القوت الشهري يطغى لديه على المبادئ والنضال. ـ إلى مزيد من البيروقراطية التي تحول المؤسسة إلى جسم بلا روح وجسد بلا حياة، تعطى فيها الأولوية للشكليات على المحتوى وللوسائل على الغايات. وقد بدأت علامات البيروقراطية تظهر منذ الآن بالمعهد. ـ التزام الموظف باختيارات الدولة وسياستها الخاصة بالمجال المعني، تطبيقا لقانون الوظيفة العمومية المغربي الذي ينص: "على الموظف أن يحترم الدولة ويعمل على احترامها". وعندما يحترم موظف بالمعهد الدولة ويعمل على احترامها، فمعنى ذلك أن عليه أن يطبق تعليمات والدولة وسياستها الخاصة بالأمازيغية. والمشكل أن هذه التعليمات وهذه السياسة ليستا دائما في صالح الأمازيغية، خصوصا على المدى البعيد. وقد برهن المعهد على توجهه الوظائفي هذا حين منعت السلطة كتابة تيفيناغ بالناظور فلم يحرك ساكنا ولم يصدر بيانا ولا عقد اجتماعا لمناقشة الموضوع، لأنه اعتبر المسألة شأنا "خارجيا" ولا تدخل ضمن المهام "الوظائفية" الداخلية لـ"موظفي" المعهد. وقد يعمّم هذا الموقف "الوظائفي" الحيادي السلبي إلى مسائل أخرى، مثل فشل تعليم الأمازيغية، وعدم إدماجها في الإعلام والإدارة والقضاء، وعدم دسترتها، ومنع الأسماء الأمازيغية... فكل هذه الأمور قد لا تهمّ المعهد ولا يتدخل فيها لأنها تحدث خارج مقره، أي خارج اختصاصه الوظائفي. وهذا أخطر ما قد تؤدي إليه النزعة الوظائفية التي بدأت ملامحها تظهر جليا للعيان بالمعهد. إلا أن الذي سيساهم أكثر في تسريع إضفاء طابع الوظائفية على المعهد هو أن تعيّن السلطة ـ لا قدر الله ـ موظفا عميدا للمعهد، بدل أن تعين مناضلا، إن لم يكن مثل محمد شفيق فعلى الأقل يكون قريبا منه في القناعات والمبادئ وطريقة العمل والتسيير. وإذا آل المعهد، بعد الأستاذ شفيق، إلى مؤسسة بيروقراطية ووظائفية، فإن "السياسة البربرية الجديدة" تكون قد نجحت وأتت أكلها حتى لو أن النية لم تكن في البداية متجهة إلى تطبيق مثل هذه السياسة، خصوصا إذا استمرت الحركة الأمازيغية في فتورها وانتظاريتها اللذين لم يفارقاها منذ تأسيس المعهد. فنصبح آنذاك أمام "ثورة كوبرنيكية" جديدة أخرى تتعلق بالأمازيغية: فبدل أن يدور المعهد، كمجرد وسيلة، حول الأمازيغية كقطب وغاية، تصبح الأمازيغية هي التي تدور، كمجرد وسيلة لا غير، حول المعهد كمركز وغاية في ذاتها. |
|