|
إرهاب من نوع آخر: تحريم الاسم الأمازيغي "أنير" بقلم: رشيد سيفاو ونجيب (تيمولا، أكلميم) أقدم رئيس جماعة "أهل الغلام" بمدينة الدار البيضاء، المحسوب على حزب الاستقلال، على رفض تسجيل الطفل "أنير" بهوش بكناش الحالة المدنية معتبرا هذا الاسم الأمازيغي الأصيل مرفوضا وحراما!! فما هي الأبعاد والدلالات الخطيرة لهذا القرار الذي اتخذه رجل بمفرده بناء على هواه ونزواته التي تؤطرها إيديولوجية مريضة ومتعفنة؟ لقد برر هذا "المسؤول" رفضه لاسم "أنير" بناء على كون هذا الأخير اسما حراما! بذلك أصدر فتوى تحريم، مما يشكل تطاولا على مؤسسات الدولة القائمة. فمن المعلوم أن مصادر الإفتاء معروفة مؤسساتها بالمغرب، وهي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجالس العلمية التابعة لها. فهذه الهيئات المنظمة بقوانين هي التي منح لها القانون صلاحيات إخراج الفتاوى، وليس كل من هب ودب من أمثال رئيس جماعة "أهل لغلام". ألا يمكن هنا أن توجه إليه تهمة الإساءة إلى مؤسسات الدولة بالتحامل على اختصاصاتها وصلاحياتها؟ ألا يعلم المسؤول الاستقلالي بأبعاد فعلته التحريمية تلك؟ ماذا سيكون عليه حال ومآل مجتمعنا المتخلف أصلا إذا قام كل شخص بدور إصدار التحريم والتحليل؟! هذا العضو الجماعي المسمى عباسا ضرب عرض الحائط كذلك بالقوانين المدنية الجاري بها العمل في المغرب، إذ أن قانون الحالة المدنية واضح في حالة "أنير" هاته: فبمقتضى المادة 23 من هذا القانون، فإن الاسم الذي سبق للجنة العليا للحالة المدنية للأسماء أن تداولت بشأنه يصبح إلزامي التطبيق والتنفيذ بجميع مكاتب الحالة المدنية الموجودة بالمملكة بدون استثناء. ومن المعلوم أن اللجنة العليا للأسماء سبق لها في حالة سابقة أن حسمت في اسم "أنير" وأقرت بصلاحيته في جميع مكاتب الحالة المدنية، بما فيها المكتب التابع لجماعة "أهل الغلام". وما على ضابطها إلا احترام القانون وتسجيل الاسم كما هو دون مضيعة الوقت واللجوء مرة أخرى إلى اللجنة العليا للحالة المدنية، لأنها في نهاية المطاف ستحكم بجواز استعمال الاسم اعتمادا على اجتهاداتها السابقة وتطبيق قاعدة "حجية الشيء المقضي به". والدليل على ذلك تسجيل "أنير" كاسم شخصي اختارته العائلات المغربية الأمازيغية لمواليدها في عدد من الجماعات. أم أن السيد الرئيس يضع على المقاس قوانينه بنفسه؟ يحل ما يشاء ويحرم ما لا يشاء، يقبل ما يريد ويرفض ما لا يرغب فيه! لقد تطاول هذا المسؤول على أسمى قانون بالبلاد وهو الدستور، الذي يقر في ديباجته بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، إذ أصر على منع أحد المواطنين من أبسط حق من حقوقه، وهو تسمية ابنه البكر باسم أمازيغي جميل فرحة وسرورا بميلاده. ألا يجعل رئيس بلدية "أهل لغلام" بسلوكه هذا من نفسه أداة معرقلة لتطبيق الدستور، وبالتالي عرقلة التقدم الديموقراطي المنشود وحماية الحريات والحقوق؟ إن القرار الذي اتخذه الرئيس الغلامي قرار جائر يرمي إلى إشاعة العنصرية وخلق الفتن والتشويش على حقوق الإنسان في أبسط تجلياتها ومظاهرها، والإساءة إلى صورة المغرب على الصعيد الدولي، إذ يكفي أن نذكّر هنا أن الفيديرالية الدولية لحقوق الإنسان ـ وهي أكبر تجمع حقوقي دولي لمنظمات وجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان ـ في أحدث تقرير لها نشرته "ثاويزا"، دعت المغرب إلى منح الحرية للمواطنين في اختيار أسماء مواليدهم الجدد دون عراقيل أو مثبطات. فبقراره ذلك تطاول المسؤول الاستقلالي على القوانين الدولية التي صادق المغرب على كثير منها، وكذا على الأعراف الإنسانية. حيث أن ضابط الحالية المدنية رفض اسم الطفل "أنير"، وهو الأمر الذي يزعزع الشخصية القانونية لهذا الطفل، مواطن المستقبل. ولأن الاسم يشكل الدعامة الرئيسية لهذه الشخصية القانونية، فإنه خرق المادة السادسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تقول: »لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية«. ونفس الشيء يمكن أن نقوله عن تمتع الطفل "أنير" بالجنسية المغربية، ذلك أن الجنسية لا تأخذ معناها الصحيح والواضح إلا إذا اقترنت باسم شخصي واسم عائلي، وهو الأمر الذي يشكل خرقا للفصل الأول من المادة الخامسة عشرة من نفس الإعلان التي تقول: »لكل طفل حق التمتع بجنسية ما«. وحيث إن الطفل "أنير" جزء من أسرة، فمن واجب الدولة بكل مؤسساتها وسلطاتها حماية هذه الأسرة، وليس التسبب لها في مشاكل وإزعاجها بإجراءات بيروقراطية هي في غنى عنها. إن المسؤول الاستقلالي خرق الفصل الرابع من المادة السادسة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي ينص على أن »الأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة«. ولأن الاسم المختار من قبل الأسرة يعكس طريقة تفكيرهما في الحياة والمنهج الذي على أساسه سيربيان ابنهما العزيز عليهما، ولأن للأسرة الدور الكبير في التنشئة الاجتماعية للطفل، فإن القرار اللاديموقراطي الذي اتخذه المكلف بالحالة المدنية بجماعة "أهل لغلام" يتنافى ومنطوق الفصل الثالث من المادة السادسة والعشرين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي جاء فيه: »للآباء الحق الأول في اختيار نوع التربية لأولادهم«. وحيث أن رئيس "أهل غلام" عطّل بقراره ذلك التسمية القانونية والإدارية للطفل "أنير"، فإنه يكون بذلك قد خرق المادة 24 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي جاء في فصله الأول: »لكل طفل الحق في إجراءات الحماية التي يستوجبها مركزه كقاصر على أسرته وعلى كل من المجتمع والدولة دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو الولادة«. وجاء في فصلها الثاني: »يسجل كل طفل فور ولادته ويكون له اسم«. أما ما يتنافى معه القرار الغلامي الجائر مع مواد اتفاقية حقوق الطفل، فحدث ولا حرج! فالفصل الأول من المادة الثانية من اتفاقية حقوق الطفل يقول: »تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضوعة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز وبغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم أو مولدهم أو أي وضع آخر«. إننا نلاحظ أن رئيس جماعة "أهل لغلام" أساء إلى صورة المغرب على المستوى الدولي فيما يتعلق بعرقلته تطبيق هذا البند المأخوذ من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، كما أن قراره المتخذ قرار تمييزي لأنه يحرم على الطفل "أنير" حمل هذا الاسم لأن حمولته الثقافية تحيل على لغة غير لغة السيد عباس، كما أن الأصل القومي للطفل "أنير" هو غير أصل السيد عباس دائما، كما أن العائلة الكريمة التي ينتمي إليها المولود "أنير" بوهوش لا علاقة تربطها مع العشيرة الاستقلالية، ولأن في الحياة جانبا مهما ماديا وآخر معنويا رمزيا، فإن القرار العباسي مس البعد المعنوي للطفل "أنير". كيف، يا ترى، سيكون إحساس "أنير" حينما يكبر ويتذكر أنه كان ذات يوم عرضة لسلوك إداري عنصري أبارتايدي في وطنه، وهو ما يتنافى مع ما يقتضيه الفصل الأول من المادة السادسة من نفس الاتفاقية: »تعترف الدول الأطراف بأن لكل طفل حقا في الحياة«. أما الفصل الأول من المادة الثامنة من اتفاقية حقوق الطفل المتعارف عيها عالميا، والذي يقول: »يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية«. نورد هذا الفصل بلا تعليق ما دام في غير حاجة إلى ذلك. وحيث أن الفصل الأول من المادة الثامنة من اتفاقية حقوق الطفل يقول: »تتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته واسمه وصلاته العائلية، على النحو الذي يقره القانون، وذلك دون تدخل غير شرعي«. بالنظر إلى مقتضيات هذا البند، نستخلص أن القرار القاضي بتحريم اسم "أنير" ورفض تسجيله ما هو إلا تدخلا غير شرعي يستهدف حرمان طفل من اسمه للنيل من هويته الأمازيغية في محاولة لقطع الصلات الهوياتية لعائلته ما دامت هذه الأخيرة هي التي ارتضت له ذلك الاسم. أخيرا، إن هذه الطريقة التي تعامل بها مسؤول استقلالي مع اسم أمازيغي لطفل أمازيغي ما هي إلا العنوان العريض لسياسة وموقف حزب الاستقلال العروبي من الأمازيغية بصفة عامة، والأمازيغيين بصفة خاصة. وهو موقف عناوينه الفرعية هي: العنصرية، الرفض، التهميش، الاحتقار، الاستغلال، عدم الاعتراف.... |
|