|
الأمازيغية: أي دور في مدرسة القرن 21؟ بقلم: علي زنو، باباس ن ماسين(تارودانت) 1 ـ تقديم حول إشكالية التربية والتعليم. إن العالم يتغير ويتجدد باستمرار ويتحقق الكثير للإنسانية في ظل هذه المستجدات والمتغيرات. ولكن نتساءل ما ذا تحقق للإنسان المغربي؟ وما دوره في هذا التغيير؟ ولكن قبل هذا وذاك، ما هوية هذا الإنسان؟ لأنه لكي يكون الإنسان فاعلا لا لابد من اعتباره ككائن حي، واعتبار ذاته، وكذا ضرورة تكوينه وتربيته على أن يلعب الدور المنوط به، وهذا يقودنا إلى طرح السؤال المحوري: عن أية تربية نتحدث؟ ولمن وكيف؟ وماذا نريد؟ من منطلق أن المجتمعات لا تنهض ولا تتقدم إلا بمجهودات ومساهمة كل أبنائها، مما يستلزم إعطاءهم الرعاية والتربية والعناية اللازمة، وهذه التربية مهمة للطفل بالدرجة الأولى على اعتبار أنه يحتاج إلى من يرعاه ويعده للحياة ليساهم في تدبير أموره أولا ثم يعمل بإيجابية داخل مجتمعه. والتربية الأولى تبدأ من الآباء/الأسرة، وبعد ذلك يكونون غير قادرين بمفردهم، ليأتي دور المدرسة التي يجب أن تكون بطبيعة الحال عصرية، لتستجيب لمتطلبات العصر وتعكس محيطها السوسيوثقافي، وتستمر بذلك في ما راكمته الأسرة من قبل واستثماره دون أن تجعل مع الأسرة قطيعة كما هو الحال الآن، في نظرنا. وتجدر الإشارة إلى أن العملية التعليمية التعلمية تعد أساسية في بناء مدرسة حديثة تستوعب كل الإشكالات التربوية المطروحة. ونود قبل الخوض فيها أن نبدأ بالمثل الصيني: "إذا أعطيتك سمكة فستأكل منها مرة واحدة فقط، وإذا علمتك كيف تصطاد فستأكل مدة طويلة". وهذا المثل يوضح بجلاء أن المهم ليس بالضرورة إيصال المعرفة/المعلومات في صيغتها النهائية، كالسمكة التي تم تقديمها، بل أهم شيء هو كيف يمكن استثمارها واعتبار كل الظواهر المتشابكة التي يمكن أن تتم في العملية التعليمية التعلمية بين الأقطاب الرئيسية: المدرس ـ المتعلم ـ المحتوى. وهذا يقودنا إلى طرح السؤال: ما هي المعلومات التي هي صالحة في هذا العصر؟ لأن المدرسة لم تعد ولا يجب أن تقتصر على الإلقاء وتقديم معلومات نهائية ومحددة لاعتبارات: أولها تصاعد "وتكاثر" المعلومات بشكل مريع Accroissement exponentiel وتزايدها ألف مرة أو أكثر كل سنوات حتى صرنا لا نكاد نستوعب ماذا يحدث. والتكنولوجيا الحديثة ساهمت بشكل كبير في تزايد مراجع المعلومات في الاتصالات (أنترنيت، معلوميات..) ووسائل الإعلام (شبكات خاصة..)، الشيء الذي يؤثر على النظام التعليمي ويجعله في مأزق: هل يجب توسيع عدد المواضيع/المحتوى التي يجب تقديمها (وهنا عدد الساعات)؟ وثانيا هل يمكن التنبؤ بالمحتويات التي ستكون مجدية في ظرف 20 سنة مثلا؟ ويبقى الأهم هو: كيف يمكن خلق مناخ/جو ملائم للتلميذ في ظل معطيات محددة ومدققة "ليصنع" هو معلوماته الخاصة؟ وما دام أن هناك مصادر كثيرة للمعرفة، فالمدرسة عليها أن تدخل في منافسة حرة في سوق المعلومات، ولا يجب عليها أن تظل كما كانت تبحث عن كيفية تلقين المعلومات (وأية معلومات؟)، بل ضروري أن تتبع مسلسل/مخطط حداثي دقيق يستوعب كل المتغيرات التي تقع ويمكن أن تقع في طريق معين. 2 ـ معرفة المحيط السوسيوثقافي للمتعلم شرط أساسي: تشير علوم التربية الحديثة إلى أن معرفة المتعلم شرط أساسي في العملية التعليمية التعلمية لأنه هو الذي يقع عليه التعلم، وحينما نتحدث عن المتعلم نقصد المتعلم المفرد قبل الحديث على فئة (كفصل) مستهدفة لأن داخلها تتفاوت متغيرات كل فرد على حدة، إذ يجب الأخذ بعين الاعتبار كل الجوانب التي تحيط بها تلك المتغيرات والعوامل التي تؤثر في كل فرد فرد، واعتباره كائنا حيا ينمو وينضج، وما يعنيه ذلك من إعطائه زمام المبادرة والمسؤولية الكافية ليعبر عن أفكاره بحرية، وألا تنتظر منه جوابا محددا مسبقا من طرف المدرس، لأن تلك العوامل والمتغيرات تؤثر طبعا بشكل مباشر أو غير مباشر على جواب التلميذ وعلى المدرس ألا يقدم معلومات مفبركة ولا مواقف جاهزة يشحن بها المتعلم. وما على هذا الأخير إلا أن يكون ببغاء يردد ويحفظ ما يلقن له دون بذل أي مجهود فكري. وهذا يناقض والنسبية التي تضع حتى المعلومات المقدمة تحت المحك. بالإضافة إلى معرفة المتعلم ومحيطه السوسيوثقافي، لا بد من تنقية نظامنا التربوي من المطلقات التي تعوق التفكير وتجعل الحقيقة معطى جاهزا عوض أن تكون بناء وسيرورة، وثمرة للجهد البشري في التفكير والتدبير، وهي مهمة، إن تحققت، فسيتمكن المواطن المغربي من التعامل مع واقعه انطلاقا من حس تجريبي وميداني(1). هذا السبيل القائم على النسبية واحترام الإنسان، وحده يخلق مواطنا متوازنا ومنسجما مع ذاته، ومعتزا بلغته وانتمائه لوطنه، يؤمن بالاختلاف، الذي يعني وجود الآخر ونكران الذات واعتبار العهود والمواثيق الدولية، وأن تكون متضمنة في المحتويات والمقررات المدرسية دون أن تكون معزولة جافة، ومفروضة فوقيا لكي لا تكون كسابقاتها (كمادة دراسية) التي تثقل كاهل التلميذ في عرضها أثناء الامتحان ولا غير ذلك، دون أن يستطيع تفكيك رموزها. وأخيرا يتم إدماج جميع أفراد المجتمع في التنمية، واستغلال التنوع الموجود على أرض الواقع استغلالا إيجابيا لصالح التنمية، والنهوض بمغرب القرن 21 لكي يتبوأ المكانة التي يستحقها بين الأمم بقوة تجذره في أعماق التاريخ، وبقوة انتمائه الجغرافي الإستراتيجي. 3 ـ دور اللغة الأمازيغية في العملية التعليمية التعلمية: في هذه العملية، يلعب التواصل دورا مهما، وتعتبر اللغة العنصر الأساسي فيه، تساعد في إيصال المعرفة، وتسهل استيعابها، وهي طبعا مهارة توجد عند الطفل قبل دخوله المدرسة في السنة السادسة من عمره، ويتواصل بها مع أسرته وأقرانه، وتعبر عن التفاعل الفكري والوجداني الذي يربطه ببيئته وينسجم معها(2)، إذ يجب على المدرسة أن تعرف هذا الرصيد اللغوي. ونعتقد أن من بين العراقيل التي يواجهها الطفل المغربي، وهو في هذا العمر، اختلاف لغة المدرسة مع لغة المنزل والشارع. وعلينا أن نقر أن لغة المدرسة (أي العربية التقليدية) لا تتواجد لا في المنزل ولا في الشارع، لا أحد على الأقل في المغرب يقول لأمه عند دخوله إلى المنزل: "هات كأس شاي يا أماه"، أو يقول: "ناوليني إنائين من الحريرة يا أماه"، بل يقولون:"أويد اتاي اما/جيبي أتاي أ مي" Awi d atay ama/Jibi atay a mmî. أو: "أويد سنات ن تزلافين ن تحريرت/جيبي جوج زلافات د لحريرة" Awi d snat n tezlafin n tehrirtLJibi juj zlafat d lehrira. يمكن هنا أن نستنتج حتى التقارب بين لغتينا الوطنيتين، سواء من الناحية الاصطلاحية من كلمات: تزلافت Tazlaft، أو Atay، أو من ناحية المثنى الذي هو غائب في لغتينا، ولو كنا نتحدث باللغة العربية لاستعملنا على الأقل: أقول لك كلمتين # نكول لك جوج لكمات. ويعتبر هذا التباعد بين لغة المدرسة ولغة المنزل والشارع، في نظرنا عائقا أساسيا في نمو فكر التلميذ، لأنه قبل أن يدخل إلى المدرسة كون شخصية متكاملة تتفاعل مع محيطها الطبيعي والاجتماعي، بما في ذلك رصيد لغوي هام، وحينما يدخل المدرسة تقع الكارثة، لأنه يدرس بلغة أخرى لا يفهمها، فكأنما نقول لن انس الماضي وابدأ في بناء شخصيتك من جديد. ذلك الماضي الذي يعني الكثير والكثير، من تربية ومن علاقات اجتماعية مع الأهل والأقران وأعراف وتقاليد وقصص وحكايات الأمهات والأجداد. هذا التناقص يجعله يتناقص مع نفسه باستمرار ويفقد الثقة فيها، يدخل إلى المنزل وعالمه الخاص، ويدخل إلى المدرسة وعالمها الغريب، مما يولد لديه الشعور بالنقص، وهذا ما يفسر ربما عدم الثقة في النفس التي يحس بها معظم الشباب حاليا، ولا يعرف هل سيتبع الشرق أم الغرب؟ وهل نقرأ ونضحك ونلعب ونبكي ونغني ونرقص كما يشاؤون؟ فالسر واضح كما يقول أستاذنا الكبير الصافي مومن علي: يتم تنشئتهم وتربيتهم بواسطة التعليم على الولاء الاصطناعي لذات الشعب المغربي العربي بدل تنشئتهم على الولاء الطبيعي لذات الشعب الأمازيغي. 4 ـ من واقع المدرسة المغربية: كيف يمكن دراسة تاريخ المغرب وجغرافيته دون الأمازيغية؟ وكيف نبني تصورا لمجتمع نسي كل أفراده ثقافتهم وحضارتهم وهويتهم الأمازيغية؟ كيف يمكن للمدرسة تكوين مواطن يعمل إيجابيا داخل مجتمعه؟ يقول العالم التربوي جامع جغايمي: "إن التربية التي لا تقوم على رصيد ثقافي موروث تظل بدون روح، والإرث الذي ينقل إلى الأجيال اللاحقة بدون أمانة وصدق، يبقى إرثا بدون قيمة، وبالتالي فلا خير في أجيال لم تستطع أن تنقل موروثها الثقافي إلى من يسخلفها بثقة وحماس كبيرين"(3). ويشخص هذا القول واقع المدرسة المغربية، إذ تخرج أجيالا لا يثقون في أنفسهم، ولا يستطيعون مواجهة أبسط المشاكل التي يواجهونها، فبالأحرى العمل بإيجابية داخل مجتمعهم، ثم المساهمة في بناء تصور مجتمعي سليم يستوعب التنوع الثقافي الذي نتميز به، ويستوعب كل التفاعلات التي ربطت المغرب بمحيطه الطبيعي، هذا التنوع من شأنه إرساء ثقافة ديموقراطية متعددة ترسخ قيم التنوير والتسامح والحرية وتشجيع الإبداع والمبادرة وروح المسؤولية. ومن جانبه وضع الأستاذ الأمازيغي أحمد أرحموش(4) الأصبع على الجرح في التربية والتعليم حينما أوضخ أن هناك تباعدا كبيرا بين تصور الإعلان العالمي حول التربية للجميع، والتصور الذي انطلق منه النظام التعليمي المغربي، حيث تنطلق الوثيقة من الحقوق الأساسية للإنسان، وخاصة حقوق الطفل وواقعه، وليس العكس الذي ينطلق منه النظام التعليمي المغربي حيث ينطلق من تصور مفترض لهوية الطفل المغربي ولواقعه، وما على الطفل إلا أن يتكيف مع لك الواقع المفترض، وهو ما اعتبر في الفترة السابقة بالولاء الاصطناعي. ومن جانبه أشار الباحث والمفكر الأمازيغي احمد عصيد: "أدى تكريس المغرب الرسمي على حساب المغرب الحي إلى خلق سلوكات فصامية لدى المواطن المغربي، تضطره إلى نوع من النفاق الاجتماعي اليومي الذي يعكس حيرته بين ما تفرضه المدرسة ومؤسسات الدولة وما يعيشه في الواقع الحي"(5). إن المدرسة الحديثة هي تلك الضامنة لتكافؤ الفرص بين جميع أبناء هذا الوطن، وتوثق صلة المتعلم بوطنه وهويته المغربية، وتساعد في خلق مواطن متوازن في شخصيته ومعتزا بانتمائه إلى وطنه، ومنفتحا على محيطه، ويملك تصورا عقلانيا وجدانيا لمجتمعه، ويملك مفاتيح مستقبله، ويحمي قيمه الحضارية، وهذه الحماية طبعا ستكون لا محالة بمثابة المناعة ضد العولمة المتوحشة التي تحصد الأخضر واليابس في حقول الثقافات والقيم الأخرى. آن الأوان أن نقر بفشل سياسة التعريب الممنهجة، لأنها إيديولوجية قومية تسكنها روح العنصرية. هذا الشعار/التعريب هدفه إقصاء عدد هائل من أبناء هذا الشعب بعد إقبالهم على التمدرس، على اعتبار أن أولئك الذين يرفعونه يرسلون أبناءهم إلى المؤسسات الأجنبية وإلى المعاهد العليا والكليات في أميريكا وأوروبا. ويأتي "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" ليزيد الطين بلة، عندما طرح إمكانية "الاستئناس" بالأمازيغية قصد تيسير تعلم العربية في التعليم الابتدائي، هذا الموقف يعني بالنسبة لهم وجود الأمازيغية كلهجة تسهل تعلم العربية، مما يستلزم ازدواجية في الخطاب: وجود الأمازيغية ورفض الأمازيغية، ويمكن تصنيف ذلك في التذبذب الذي يشعر به جل أبناء الشعب، وخاصة النخب منها، من جراء طبعا نظامنا التعليمي. والإصلاح يتطلب، على الأقل، مصطلحات مدققة وعلمية، لا مفاهيم فضفاضة، متناقضة، بل يستوجب نظاما تربويا عصريا، مرجعيته علوم التربية الحديثة وحقوق الإنسان بمنظورها الشمولي. (الأستاذ علي زنّو، باباس ن ماسين، أستاذ التعليم الثانوي وناشط جمعوي، تارودانت في 3/4/2003.)
المراجع: 1 ـ أحمد عصيد، "أسئلة الثقافة والهوية في المغرب المعاصر"، صفحة 36. 2 ـ جامع جغايمي، "هوية المدسصة المغربية"، السلسلة التربوية(1). 3 ـ جامع جغايمي، نفس المرجع. 4 ـ أحمد أرحموش، جريدة تامازيغت، مقال نشره الأستاذ. 5 ـ أحمد عصيد، مرجع سابق. 6 ـ أجعجاع محمد، "أس مرجعياتنا في نضالنا الديموقراطي"، مجلة "تيفاوت"، عدد 9.
|
|