تأصيل انتماء الطفل
قضية أولويات
بقلم: عبد الصمد الوسطي (آيث
بوعياش، الحسيمة)
لا
شك أن قضية تأصيل الانتماء من أخطر القضايا التي يجب التركيز عليها في مجال تربية
الطفل الذي يواجه سياسة ثقافية لا ديموقراطية في مجال النظام التربوي والتعليمي
ببلادنا. فالطفل المغربي محروم من ثقافته ولغته المكتسبة من خلال البيت والشارع
كلغة حياته اليومية. وهنا لا بد من المطالبة باحترام الهوية اللغوية والثقافية
للطفل المغربي، وذلك بجعل الهدف التعليمي والتربوي يتجه إلى تنمية الشخصية
المتكاملة للطفل المغربي، لا إلى تدمير شخصيته وثقافته، هذا التدمير الذي ينطلق
منذ دخوله المدرسة حيث يعيش القطيعة داخل المدرسة مع محيطه الثقافي واللغوي خارج
المدرسة، الشيء الذي جعل المدرسة وسيلة للتدمير الثقافي والذاتي للمجتمع، باعتبار
أن تدمير الهوية اللغوية والثقافية للطفل سيؤدي حتما إلى تدمير هوية المجتمع
بكامله. ولكن بما أن
الوسائل في مفهوم ثقافة مجتمعنا قد انقلبت إلى غايات، فنجد الأسرة مثلا تهتم
بطعام الطفل ولباسه وصحته، وما إلى ذلك، مما يعتبر وسائل خادمة لا مخدومة.
وهنا لا بد للطفل أن يمر بمرحلتين
أعتبرهما ضروريتين، فلا بد للطفل أن يتفاهم مع ذاته
ثم مع بيئته ومحيطه، وبعد هذا التفاهم والفهم يستطيع أن يتعامل مع الآخرين
بعقلانية وتميز. ولذلك أرى أن قضية الطفل، حتى سن
الثانية عشرة، ينبغي أن تكون هي تحقيق انتمائه، فلا يمكن أن نعطي للطفل حتى سن
الثانية عشرة أي انتماء أو نموذج إلا انتماءه الحضاري والثقافي الوطني، كما هو
حال الدول المتقدمة. فليس من المنطقي أبدا أن نحدث
الطفل قبل هذا السن عن حضارة غير حضارته. فهذا لا يكون إلا بعد أن تنضج كل نماذج
الطفل وتصبح المرجعية القيمية والثقافية لديه واضحة
وثابتة. ويكمن هذا الخطر والخطأ في أن نجعل ذهنية الطفل مشوشة، وبذلك يدخل الطفل
في حيرة وصراع لاشعوري. ويجد الطفل نفسه أمام
خيارين: إما أن يحتار نموذج الثقافة المكتسبة من خلال المدرسة، وإما أن يتخلى عن
هذه الثقافة الغازية وثقافته الوطنية معا، مما سيؤدي به إلى انفصام في المرجعية
الحضارية والتكوين الثقافي. وأود أن أشير هنا بأني لا أقول بأنه لا يجب أن نعطي
للطفل حتى سن الثانية عشرة وسائل الاتصال الحضاري وأن لا نعلمه لغات أجنبية،
وإنما هذا يجب أن يكون، لكن بلا أية انتماءات أو إحالات أو نماذج. وحينما نقدم له
أمثلة يجب أن تكون نابعة من تاريخه ووطنه حتى لا نجعل أطفالنا يعيشون في تمرد مع
ذواتهم.
(آيث بوعياش،الحسيمة،
في 10/04/2003)