|
|
هنيئا للمغرب بالمرتبة 126 وكل عام ومصاصو الدماء أحرار بقلم: خالد حدودي (النيف، الرشيدية)
كعادته كل سنة يطالعنا برنامج الأمم المتحدة للتنمية بتقريره السنوي ليخبرنا عن الموقع الذي نحتله بين الأمم في مجال التنمية البشرية. وبمجرد رقم من ثلاثة أعداد يمحو البرنامج سنة كاملة من مئات ملايين الكلمات الدعائية المبثوثة عبر التلفزيون والإذاعات والصحف،واللقاءات المباشرة وكافة أدوات الدعاية الكاذبة التي تقولب المجتمع وترسم صورة مثالية في مخيلته المتتبع والمشاهد للبرامج والأوراش التي يروجون لها. لقد أصبحنا هذه السنة نحتل المرتبة 126 في سلم ترتيب بلدان المعمورة، وبذلك أضفنا خطوات جديدة في مسار التدحرج نحو هوة التخلف العميقة التي اختارها لنا الحاكمون على مدى ما يقارب نصف قرن من الزمن. وبالمقارنة مع تقرير السنة الماضية فقد عرف المغرب تقهقرا بعدما كان يحتل المرتبة 123. والمرتبة 126 من أصل 177 دولة هي في الواقع أقل في المرتبة الحقيقية التي تظهر أكثر فظاعة إذا ما راعينا أن ضمن 177 دولة هناك دول لم تنل استقلالها سوى منذ سنوات معدودة (ناميبيا مثلا). وهناك دول تفتقر إلى كل المواصفات المعروفة (جزر فيجي أو جيوتي أو ايرتييا) للصغر اللامتناهي لحجمها، وهناك دول أخرى لم تنعم عليها الطبيعة من خيراتها إلا بالشح والجفاف والفراغ من الثروات الطبيعية. وهناك بلدان تعرف حروبا (أفغانستان، فلسطين، رواندا....) ودول في طريق التفكك بسبب عدم الاستقرار الاجتماعي ( الجزائر، السودان.....). وهناك العديد من العناصر التي تجعل من غير الحق واللامنطقي مقارنة بعض البلدان بالمغرب. ولو استثنينا هذه البلدان التي تعرف أوضاعا استثنائية من الترتيب، أي موقع سيحتل المغرب؟ بدون مبالغة، إفراطا في السوداوية يمكن التأكيد من أن المغرب سيحتل المرتبة الأخيرة، أو في أحسن الأحوال المرتبة ما قبل الأخيرة. المغرب بلد الخيرات: فلاحة، مياه، معادن، شواطئ، جالية مهاجرة تدر الملايير بالعملة الصعبة، سياحة، هرم بشري شاب، طاقات إبداعية مثقفة، (معتصمة على الدوام )..... كل هذه المواصفات الإيجابية كان من الممكن أن تصنع من المغرب فرنسا إفريقيا بنفس الطاقة والقوة الاقتصادية. ولطالما كانت الحكومة بوزيرها المالي والخوصصة تنادي وتطلب بإنصاف المغرب وقد بلع بها الحد إلى إٍرسال وفد إلى لندن للتسول إلى PNUD قبل إصدار التقرير، سيرا على دأب دولتنا المحترمة في اعتماد الزبونية والرشوة وسياسة الأبواب الخلفية، غير أنه عاد خائبا تتقفاه ركلة التصنيف الأممي في المؤخرة دائما. وأسباب هذا الترتيب يجب البحث عنها عند مصاصي الدماء، أولئك الذين سرقوا كل شيء، أولئك الذين دمروا بلادنا وحياتنا ومستقبلنا ودفعوا بنا إلى أحياء القصدير وامتهان الدعارة والسمسرة والتعاطي للمخدرات وإلى سنوات السجون إما لأننا رفعنا صوتنا بالاحتجاج بتلفيق تهم جاهزة (المس بالمقدسات...) كما وقع مؤخرا ب (بومالن دادس) وإلى الموت في مضيق جبل طارق. كل هذا ناتج عن سياسات واتفاقيات مفبركة وفاشلة (مخططات خماسية، سياسة الانفتاح، برنامج التقويم الهيكلي، برنامج التنمية الاجتماعية وصولا إلى جوكير القرن 21: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ....) التي تبقى مجرد شعارات جوفاء وفارغة من المحتوى. أولئك الذين تعودوا على مناصب الحكم عبر الانتماء والنسب التي أفرزتها ديكتاتورية الامتياز في حق المواطنة ( ظهائر التوقير والاحترام ...) وغيرها من مختلف الأجهزة الإيديولوجية القديمة، الجديدة التي موقعت المغرب في حجم ارتفاع معدل الفقر، البطالة، الجريمة، الفساد المالي والإداري (الرشوة....) والضريبة، الأسعار، السياحة، الجنسية... وهي من بين أهم المجالات التي يعتمد عليها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي و PNUD كمعايير وضوابط ملمترية في التصنيف. ولإعطاء إيجابية نوعية للمشاكل التي يتخبط فيها المغرب يجب التسلح بالملف الأمازيغي كبديل استراتيجي للالتحاق بركب الدول المتقدمة وركوب قطار العولمة عن طريق مشروعه المجتمعي التي أصبحت ملامحه ومعالمه متميزة وتكتسي نوعا من الشرعية لدى PNUD وذلك بزعزعة الإيديولوجية الرسمية للدولة المرتبطة بشبكة المصالح والمنافع السياسية والاقتصادية (ما يسمى بالنمط الباتريمونيالي)وطرح فلسفة جديدة في الحكم تجيب على طريقه توزيع السلطة، إنتاج الثروة وإعادة توزيعها والقضاء على التقليدانية والحسم في الاختيارات الاقتصادية من خلال تبني نمط اقتصادي مندمج في الاقتصاد العالمي وتبني اقتصاد السوق بدلا من اقتصاد الريع والتفكير في خلق إطار اتحاد المغرب الكبير أو الانخراط في الاتحاد المتوسطي واعتماد مفهوم الحكامة La Gouvernance كمجموعة من القواعد والمبادئ الجديدة للتنظيم والضبط وممارسة السلطة وشرعنة علاقات جديدة بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وقد استخدم مفهوم الحكامة الجيدة (La bonne Gouvernance ) منذ عقدين من الزمن من قبل مؤسسات الأمم المتحدة لإعطاء حكم قيمي على ممارسة السلطة السياسية لإدارة شؤون المجتمع باتجاه تطويري تنموي، ورغم أن المفهوم مثقل بالدلالات التاريخية والإيديولوجية، فقد أصبح واقعا وضرورة ملحة أمام الاختلال المتزايد في تسيير الشأن العام، وقد شدد PNUD على المسألة كضرورة للإصلاح وبناء حكامة جيدة وفق أنساق توجب خضوع صناع القرار وأصحاب المناصب السياسية والإدارية، ولعل النموذج الأغندي يأتي بالدليل الواضح على إنجاز المسألة الفعالة استجابة للرأي العام عندما تم توقيف وعزل 121 موظفا إثر احتجاجات الجمهور، في حين لم توجه أصابع الاتهام دائما إلى مسؤولين كبار في المغرب عند وقوع كارثة وإنما يبحثون عن أكباش فداء في صغار الموظفين (النجاة، عمارة القنيطرة ....) ولم نسمع يوما عن استقالة وزير أو والٍ بل نسمع بغضب ملكي على مسؤولين في إقليم معين (الرشيدية مثلا) ويمتنع عن الزيارة دون محاكمة المسؤولين، بل نجد بعضهم يتحصنون بعلاقتهم بالبلاط.
|
|