|
|
دفاعا عن الهوية الأمازيغية بقلم: أنير خالص (خنيفرة) إن سبب كتابة هذه السطور هو الرغبة في الدفاع عن الهوية المغربية الأمازيغية، والمناسبة هي ما ورد في العمود اليومي «شوف تشوف» للصحافي رشيد نيني بجريدة المساء عدد 421 (26-27/01/2008). وكمتتبع من حين لآخر لما يرد في هذا العمود لاحظت أن الكاتب يصنع من حين لآخر، خلائط غير متجانسة مما قد يسبب اضطرابات وعسر هضم لدى القراء. وهذا ما حصل في العدد المشار إليه حيث لوحظ أن هناك خفة في القفز بين مواضيع شتى في غياب تام للسياقات والحيثيات التي تأتي فيها الأحداث والتصريحات والمواقف وكأن لسان حاله يقول: «شوف تشوف برق ما تقشع». لقد تنقل الكاتب عبر عدة محطات تتباعد جغرافية وتاريخا، من إشهار الخمور بفرنسا إلى الأخلاق، فالحملة الانتخابية الأمريكية، فساركوزي والدين ثم المسيحية في فرنسا فالإسلام في المغرب، تصريحات الدغرني، أحداث الملك شيشونغ، تأسيس جمعيات صداقة أمازيغية إسرائيلية، انشغال المثقفين بالدفاع عن حقوق الشواذ... ليخلص إلى أن البلاد في خطر!!؟ ما أشبه طريقة كهذه في الكتابة بدحرجة كرة ثلج على سفح جبل كانت تلقى فيه القمامة قبل أن يكون الثلج رداءه، إذ سرعان ما ترى الكرة المتهاوية إلى أسفل تضم إلى أحشائها كل ما تجده في طريقها من أسمال وخيوط، وعصي وأحجار ونفايات وكل ما تحويه الزبالة المغربية... لقد تحول بقدرة قادر إشهار الخمور بمجلات فرنسا إلى أخلاق، فالأخلاق إلى دين، فالدين إلى مسيحية فالمسيحية إلى إسلام، وبذلك اكتملت صورة حصان طروادة الذي يحمل في بطنه كل ما يلزم لغزو وتحطيم قلعة الهوية المغربية الأمازيغية. لكن بين القلعة هاته والمحطة التي بلغها المحارب يوجد واد شاسع، ولا بد من قنطرة لبلوغ الهدف ونيل المبتغى. هنا يكون الدغرني الرجل المناسب في المكان المناسب، يمسك المحارب به ، فيكبله ويقيده بتصريحات وأقوال صدرت منه في أماكن مختلفة، وفي مناسبات متباينة، وفي سياقات ومواقف متفرقة؛ فأن يقول الدغرني بأن الهوية المغربية لا تحددها العروبة والإسلام، فهذا صحيح لأنها هوية ما قبل إسلامية بل ما قبل مسيحية وما قبل يهودية، وما قبل عربية وما قبل رومانية... إنها باختصار تضرب بجذورها في أعماق التاريخ إلى أبعد الحدود التي تزكيها المعطيات والأحداث التاريخية. ما الإسلام إذن إلا حلقة من حلقات تاريخ شمال إفريقيا، وما ينم الغضب بإمكانية انسحابه أو تقهقره إلا عن جهل بدروس التاريخ وعبره. إن هذا يذكرني بمحاكمة شهيرة في التاريخ بطلها الكنيسة الكاثوليكية وضحيتها العالم الفلكي كاليلي إثر تصريحاته حول دوران الكرة الأرضية حول نفسها وحول الشمس. لقد كانت هذه التصريحات بعيدة كل البعد عن الفكر الشعبي آنذاك ومناقضة له، لكن الكنيسة التي كانت تعد أنفاس البشر، رأت فيه شؤما وخطرا، رغم أن رهبانها لم تكن لهم دراية بطرق الحساب والمعادلات والقياسات التي كان يعتمدها. بالنسبة لهم كل ذلك لا يهم، بل الأجدر بالمارق أن يؤدي الثمن والكنيسة أن تنقذ البلاد والعباد من الفتن. حوكم العالم وعذب وسجن، وحمل على تطويع أقواله لما ترضاه الكنيسة وذلك ما لم يكن، ففرضت عليه الإقامة الجبرية حتى وافته المنية. مرت مآت السنين فعاد التاريخ ليرفع كاليليا إلى مقام الأتقياء والأنبياء، ويهوي بالكنيسة إلى درك السفهاء والجهلاء. إن من كرس حياته للفكر اليومي والشعبوي وأراد من خلاله أن يحجب كل شعاع أمل، فهاجم وحارب، وحاكم وأقام الدعاوى وأصدر الفتاوى، فمصيره مزبلة الفكر والتاريخ لا محالة.أن يعتز الذغرني بإنجازات الملك الأمازيغي شيشونغ قبل أكثر من 2950 سنة من الآن، بمناسبة رأس السنة الأمازيغية فهذا أمر عادي جدا لدى كل الشعوب في مناسباتها التاريخية والوطنية والدينية... وإلا فلن يحق لأحد كيفما كان أن يفتخر بتاريخ دولة أو شعب متى وكيفما كان، فكل معركة خاضها وانتصر فيها ملك أو قائد أو إمبراطور، لا بد لها من منهزم ومغلوب، ومقتول ومعذب، ومستعمر ومستلب ومحاصر... اللهم إلا إذا كان يجري في عروق الأعداء (من وجهة نظر الغالب) الماء بدل الدماء. وهنا أتساءل مع صاحب العمود الذي يقول عن نفسه بأنه أمازيغي، لماذا سمى شيشونغ بالملك الأمازيغي في البداية، ثم بعد ذلك سماه شيشونغ «البربري» ونحن نعلم أن هذا الوصف الثاني لا يطلقه الأمازيغ على أنفسهم، بل هو اسم عنصري وتميزي أطلقه الرومان على كل الشعوب التي تميزت عنهم واختلفت معهم، إذن فهو يزكي طرحهم هذا ويقتبس اسما يحضر من خلاله للسخرية من كل انجازات هذا الملك، فقال عن أحداث وقعت عشرة قرون قبل التاريخ بأنها حصار وقتل وتجويع لأهل القدس (أورشليم آنذاك) رابطا ذلك بما يعانيه سكان غزة الحاليين مع إسرائيل وأولمرت، فقارب بين حقيبتين بينهما سنوات ضوئية حتى ليخيل لمن لم يألف استعمال منظار التاريخ أن شيشونغ هو الرئيس الأسبق لدولة إسرائيل. فإذا كان صاحبنا يريد أن يرينا أحد وجوه عمله موغلة في القدم، فأنا أفضل أن نرى الوجهين معا لبعض العملات قديما وحديثا: فإذا كان الدخول إلى الأندلس فتحا عند العرب فهو استعمار وحصار وعار ودمار عند الإفرنج والعجم، وإذا كان دخول العرب إلى شمال إفريقيا اعتزازا وفتحا وافتخارا، فهو عند أهل الدار قتل وقهر، وسبي واستلاب واندحار، وإذا كان دخول أمريكا إلى العراق بالنسبة للأمريكان ومن حالفهم نشرا للحداثة وتأسيسا للديمقراطية وإنقاذا للعالم من أسلحة الدمار، فهو عند ثلة من العرب ومن أهل العراق احتلال وإحكام قبضة على مصادر المحروق. وإذا كان ثلة من الأمازيغ قد كتبوا وأبدعوا في لغة الضاد فهم مكرهون لا أبطال، فآلاف شباب العراق اليوم ارتموا في أحضان أمريكا وهاجروا بحثا عن مدرسة وعمل ومستقبل أفضل، ولن نعجب مستقبلا إذا رأينا منهم من يتقن لغة وثقافة المستلب. وإذا كان الأمازيغ يدافعون لحد الآن عن الإسلام، رغم كل ما صدر فلأنهم قد سارعوا إلى معرفة الدين الجديد آنذاك قبل أن يكلف العرب أنفسهم مشقة الإتيان به ، ليس على سواد عيوننا طبعا، ولكن طمعا في غنائم أوفر وخيرات أكثر وسبايا أبهر. لكن كل هذا لا يهم. فمحاربنا عاقد العزم على فتح القلعة المحصنة، لذا يمسك كما سلف الذكر بالرجل، ويلفه لفا، ويمده تمديدا ليكون جسرا يعبد من خلاله طريقا شاقا ليصل بعد عناء إلى مبتغاه، فيتسلل إلى القلعة، مستغلا ضعف الحراسة، وكذا تنكره في زي أهل البلد بقوله : «وكأمازيغي أحس بالقرف...» ليصيب هوية مسالمة لم تكن تلوي على شيء بجروح عميقة وكدمات بالغة، فلم يتوان صاحبنا في وصف هذه الهوية بالخيانة، والتآمر مع الإسرائيلي، كما وصفها سالفوه بالتآمر مع الفرنسي، واتهمها من سبقوهم بالتآمر مع لا أدري من... والبقية تأتي. فنحن الأمازيغ تتسابق الأمم كلما رغبت في غزو أوطاننا لتأكيد انحدار سلالتنا من ملتهم، وحينما ييأسون من تطويعنا، وتستفزهم طبائعنا، يسارعون إلى اتهامنا بالتآمر مع من ينافسهم سواء أكان سابقا لهم أو لاحقا عنهم. وعندما أيقن الجندي «الشجاع» أن جراحها لن ترسل الضحية إلى مستودع الأموات، نزع ملابس الحرب ولبس «فوقية» الفقيه الداعية، بل الصحفي الداهية، فأصدر فتواه ونادى في الناس أن ذروا مؤخرات الشواذ واسعوا لإنقاذ البلاد والعباد، فهل هناك من نداء أسمى من نداء الأوطان!؟ وحتى لا ننسى وللذكرى فقط، فصاحبنا هو من أشعل حرب الشواذ حينما كتب وكتب وتمادى في الكتابة في هذا الموضوع حتى بلغ أو كان قاب قوسين أو أدنى من الرتابة. إنني لا أعرف الدغرني ولا حزبه من قريب ولا من بعيد، ومع ذلك يحز في نفسي أن أرى أن هناك من يستغل دهشة وهفوات ناج من الزلزال، وأي زلزال أن ترى لغتك وثقافتك وهويتك تتهاوى أمام عينيك، وتكاد تجرفها سيولات من ثقافات معادية، يستغل ذلك لتوجيه ضربات تحت الحزام، ويبلغ به الأمر أن يصف من يهرول كي ينجو بنفسه بأنه يريد أن يتحالف مع الشيطان!! كما أنني لا أعرف رشيد نيني إلا من خلال ما يكتبه وله على ذلك كل التقدير والاحترام. وما أود فقط أن أقوله إن الواجب يقتضي أن نواجه الجبابرة والأقوياء بالشدة والحزم وأن نرحم الضعفاء بالتوجيه والتشجيع وإعطاء المثل.
|
|