|
|
رحيل السي أحمد البغدادي (شعطوف) صاحب رائعة "أميمونت ميهلّيكنْ" بقلم: محمد الزياني
يوم الإثنين 07 من شهر يناير الجاري 2008 توفي الفنان والمغني الأمازيغي أحمد البغدادي المعروف بالشيخ شعطوف عن عمر يناهز 75 سنة... وهو من الرواد الأوائل للأغنية الأمازيغية بالريف مطلع الخمسينيات من القرن الماضي. فقد عرف عن الفنان شعطوف سبقه في التعاطي للآلة السنتير (البانجو) التي كيفها مع النغمة الموسيقية الأمازيغية بالريف. فبفضل تسجيلات شعطوف وفناني زمانه: موذروس ويامنة الخماري وثرايثماس وفاطنة العباس وفتيات ثزي وسلي وشباب آخرين... أضحى للأغنية الأمازيغية بالريف تاريخها الخاص يعضده ما أنقذته الذاكرة الجماعية من عنف التهميش والإقصاء والتغييب والضياع المؤسساتي... وبفضل جنود الخفاء وراء ميكروفونات الإذاعة الأمازيغية عاد لمثل هذه الأسماء وزنها وقيمتها الفنية التي يحق لنا التباهي بها تجاه مختلف الثقافات والحضارات... وما قام به كل من الزميلين سلوى المقدم وأحمد التعمانتي في برنامجهما المشترك (الخط المفتوح) أو ما يقوم به الصديق والزميل مصطفى بوزياني في برامجه المتنوعة للتعريف بمثل هؤلاء الفنانين المغمورين في الثقافة الأمازيغية عموما وبالريف خصوصا... سيظل بمثابة الأعمال الخالدة التي ستترك بصماتها واضحة في ذاكرة أجيالنا المتعاقبة... التي يحق لها أن تعيش مصالحة حقيقية مع ذاتها... فتحية خاصة للصحافي والإذاعي الزميل مصطفى بوزياني الذي أشركنا في مأتم وداع فناننا الكبير: السي أحمد البيغدادي = شعطوف،من خلال برنامجه المتميز ليوم الأربعاء 09 يناير الجاري مؤكدا بذلك نجاحه في إيصال حرارة الفقدان وتداعيات الأهل والأصدقاء إلى كل من أمتعته يوما أو زمانا أغاني الشيخ شعطوف ونغماته الخالدة... تعازينا لكل فرد فرد من عائلة شعطوف الصغيرة والكبيرة... ولكل مهتم بأغنيتنا الأمازيغية بالريف... ووداعا للشيخ شعطوف الذي سيلتحم بمن سبقه إلى رحاب التاريخ والذاكرة... من شهداء الفن الأمازيغي... ولقد سبق لنا أن أنجزنا تقريرا متواضعا، بمثابة خاطرة،عن لقاء إذاعي في تسعينيات القرن الماضي كان الفقيد ضيفا عليه بعد أن ظل اسمه مغيبا لعقود... وهو خير ما نقدمه لبعضنا البعض في مثل هذه المناسبة الأليمة. (الزياني محمد) ***** لقاء مفاجئ بالفنان البغدادي أحمد (الشيخ شعطوف) اليوم :الأربعاء 09/04/97 الساعة الثانية والنصف بعد الزوال. البرنامج: الخط المفتوح بين إذاعتي: الرباط المركزية وتطوان الجهوية. المذيعان : سلوى المقدم وأحمد التعمانتي. لم أستشعر سر الصدفة التي قادت هواي، في تلك الظهيرة للضغط على زر المذياع وأنا في أوج انشغالي بمستلزمات اليومي... لأجد نفسي فجأة محاصرا بلحظة تحقق قصوى لأمل راودني منذ تعاشقتُ وعالم الأغنية الأمازيغية نهاية الستينات وبداية السبعينات، أملي في اللقاء والمعايشة المباشرة لأبرز فنانينا المحدثين الذين بفضلهم استتبت هذه الأغنية باكرا بين جوارحنا لتتوطد علاقتنا بهم وبفنهم الذي كان السّماد المخصب واللبنة الأساسية في الانطلاقة الثقافية الجديدة بالريف على درب الخلق والإبداع الذي تجندت أجيال بكاملها لجعل هذه الأغنية الأمازيغية بالريف تتبوأ المكانة اللائقة بها ضمن المنتوج الرمزي الجماعي.. ومن هؤلاء: الفنان موذروس الذي التحمت شروط اللقيا معه فيما مضى لتجعل من علاقتنا "بنيانا مرصوصا" كشفت ديمومتها على مكنون ترثنا الغنائي العريق الذي أغناه مثل هؤلاء الرجال والنساء منهم مبدعون غيبهم النسيان وجحيم الإقصاء.... وها أنا اليوم أفوز بفرصة مماثلة وأنا القابع والملتحم بعمود كهربائي في منطقة لا حظ لها في الفوز بالبرامج الأمازيغية لإذاعتنا المركزية إلا إذا تمغنط أهلها مثلي اللحظة بهذه الأعمدة الكهربائية التي قيل إنها تمتص وتجذب هذه الموجات الإذاعية قصيرها وطويلها بالرغم من كل شيء... وأنا وسط الصخب الإذاعي الناتج عن صدام الموجات الممغنطة السارية في أجسامنا مجتمعين: المذياع والعمود وانأ، استشففت بصعوبة متناهية أن ضيف برنامج حلقة اليوم هو الفنان الأمازيغي القديم / الحديث المفقود :السي البغدادي أحمد ، المعروف بالشيخ شعطوف، ابن قبيلة فرخانة / الناظور المزداد بها حوالي سنة 1933 .. وهو الذي يشهد له التاريخ معية رفاقه من فناني جيله، أروع عطاء في مجال الأغنية الأمازيغية بالريف وسمها بميسم الأصالة والخصوصية الفنية والجمالية أغنت رصيدنا الفني الوطني والإنساني .. إنه ممن اعتصر في وعاء هذه الأغنية هموم شعب بكامله بداية الخمسينات... في تحد واضح للمثـبطات المزدوجة لذاك الفضاء الاستعماري من جهة والمحافظ من جهة أخرى والذي اخترقته أغاني شعطوف المحملة بأنبل قيم الإنسان، أسعفته في ذلك تلك التونة الوترية للآلة الحديثة سنيتر/ البانجو الذي يعتبر صاحبنا أول من أدخلها إلى رحاب الموسيقى الأمازيغية بالريف، مكيفا إياها مع مميزات الفن الأصيل المتغلغل والنافذ للوجدان ضامنا إشباعا جماليا لحاجتنا الجماعية لمثل هذا الصوت الجميل "الذي يجري مجرى الدم في العروق" على حد قول الجاحظ.. مما أهل شعطوف لاحتلال أعلى المراتب معية مؤسسي الأغنية الأمازيغية الحديثة بالريف: الفنان موذروس ويامنة الخماري وفاطنة العباس والتمسماني والناظوري إضافة لفرق غنائية سميت بإمذيازن التي غطت ولا تزال منطقة الناظور والحسيمة بروادها: الشيخ علال والدراوي والشيخ محند وأبناؤه وآخرون بآيث أورشك وأيث توزين وإبضارسن........... وبالرغم من قلة إنتاج شعطوف الغنائي (من 3 إلى 4 أغاني المعروفة على الأقل) فقد تعرفنا عنه والتحمنا بفنه كأحد رموز الأغنية الأمازيغية بالريف خصوصا في شقها الغزلي المشبع بالصور الجمالية المستمدة من بيئته الأمازيغية الأصيلة بكل غناها الثقافي وقيمها الإنسانية التي تعكسها بكل صدق وحنان أغنيته الرائعة "ثاميمونت" التي سجلها للإذاعة الوطنية بالرباط يوم 10 أبريل 1955 من كلماته وتلحينه وأدائه حيث يستهلها ب: أميمونت اميمونت اميمونت مهليكن أذ ربهوث انتمزي إشمسبهــــــــرين إذيسيغ اصينيث أزايس أريخ أدروج اركاس إغيوضان أرقاث شم أخدوج أديسيغ الصينيث ثشور أر ثقامـونت ركاس إغيوضان ايسيث شم أميمونت إلا أن صاحبنا لم يلازم بلدته الأصلية تلك، فسرعان ما ضاق به الحال في بيئته التي اعتنقها بكل شوق حتى كانت بالنسبة له سبيلا تمكن من خلالها تفجير موهبته الغنائية التي لم تكن لتسمح ظروفه الشخصية والاجتماعية العامة باستثمارها لمستلزمات معيشية أو لأغراض خارجة عن أهداف الفن الصادق.. كما يفعل الكثيرون تحت يافطة الاحتراف... مما حدا به إلى مغادرة الوطن كليا للاستقرار بجرز الكناري، حيث هو إلى اليوم يزاول تجارته كغيره من المهاجرين الحريصين على ربط العلاقة الدائمة بالوطن والأهل عبر زياراتهم الموسمية للاطمئنان على روح هذه البلدة النائية يشمال المغرب (فرخانة/ الناظور)... . إلا أن ذلك كله لم ولن يمنع فناننا شعطوف من معاودة علاقته بمعشوقته الأولى: الأغنية، فهو غالبا ما يستمتع بذلك في أوقات الأنس حينما يعمد إلى "إفراغ ما بدواخله من إحساس وشوق للأرض والأهل، ترويحا عن الروح والبدن، وتحقيقا للنشاط والراحة (الزهو)، كما يحب أن يسميه هو نفسه بنفس البرنامج، وسط رفاق المهجر أثناء استقبالهم لفنانهم أثناء عودته من "البلاد" ... أو حينما يستقبلون عزيزا عليهم عابرا كما فعلوا مع فريدة الحسيمية في إحدى المناسبات ... ويؤكد فناننا شعطوف في هذا اللقاء الإذاعي بالقول* "لا زلت احتفظ بأدواتي الموسيقية الأولى إلى اليوم" وهو كذلك فإنما يحتفظ بها انطلاقا من إحساس خاص بالذكريات الماضية، علما أنه يصر على عدم رضاه عن أبنائه أن يحذو أحدهم حذوه في الغناء خاصة إذا كان من أجل الكسب والعيش، لأن الغناء، حسبه، موهبة طبيعية جدا كباقي الضروريات الحياتية الأخرى التي على أي إنسان التعاطي لها للحفاظ على توازنه الطبيعي وإشباع حاجاته العاطفية والوجدانية ... فما مارسه (هو) وتعاطي له في طفولته وشبابه كان محض تسلية النفس والترويح عنها من ضغوطات اليومي في لحظة من لحظات تاريخية قاسية بكل المقاييس بداية الخمسينيات ... انتهى البرنامج دون أن نشفي غليلنا بكل ما صدر عن الفنان شعطوف من تداعيات لم تف بالمطلوب منه إزاء كل المهتمين والغيورين عن هذا الفن الغنائي وتاريخه ومنعرجاته بالريف.. مما ولد فينا رغبة جامحة في معاودة لقائه لمرات ومرات للتعرف عن تفاصيل تجربة هذا الفنان المتميز بالريف ما دام أنه لا يزال علي قيد الحياة... بعد (محمد الزياني، الحسيمة في 09/04/1997) |
|