|
الفعل السياسي الأمازيغي بقلم: بحاج عسو المتتبع بكل موضوعية لدينامية الخطاب السياسي الأمازيغي على صفحات الإعلام الوطني لابد وأن يخرج بثلة من الملاحظات التقويمية الهامة: -لجوء منتجي هذا الخطاب إلى استنساخ جمل وعبارات من قاموس فاعلين آخرين ك: «خريطة الطريق» و»الللاءات العشر» إلى غير ذلك من المفردات السياسية التي أتخمتنا بها وسائل الإعلام المرئية يوميا التي تسلط الأضواء على بؤر التوتر في الشرق الأوسط. فالسبيل نحو بناء خطاب سياسي متميز للفاعل الأمازيغي هو الانطلاق من الذات المغربية بهمومها ومشاغلها، ومحاولة إبداع صيغ جديدة في الممارسة والخطاب، تلائـم واقعنا ومشاكلنـا، لا اللجـوء لاستعـارة تجارب وقواميس شعوب أخرى. -الاقتصار على اللغة والثقافة أثناء عملية التحليل ونسيان الهموم والمعاناة اليومية للمواطن وظروف العيش اليومية، وهذا ربما يفسر صعوبة الانتقال من الثقافي إلى السياسي. -اجترار ما هو مدني فيما هو سياسي: الاستفادة من التجربة في العمل المدني شيء مهم بالنسبة للفاعل السياسي إلا أنه لا يجب أن يتحول هذا إلى عملية اجترار وإعادة تنميط للعمل السياسي في قالب جمعوي. وانطلاقا مما سبق ذكره يتعين على الفاعل السياسي الأمازيغي أن يحسم في التصور والرؤية. أي ماذا يريد من العمل السياسي؟ ووفق أية مرجعية فكرية سيؤسس للعمل: أي سيبني برنامجه للإصلاح والتغيير حتى لا يسقط في فخ الغباء السياسي بحيث كما نعلم لا يمكن إنجاز أي برنامج سياسي من الفراغ، بل اعتمادا على مرجعية معينة. وبالتالي يحدد منطق التحالفات التي سيعمل وفقها لنسج “الجبهة السياسية القوية” التي يتحدث عنها السيد الدغرني. الجماهيرية: إن اختراق العمل السياسي يقتضي تجاوز التعبئة النخبوية التقليدية التي تمارسها الجمعيات الثقافية والانفتاح على جميع الشرائح الاجتماعية (شباب – نساء، شغيلة...) والانخراط في صفوفها. سؤال المرجعية الفكرية أو الإيديولوجية: هذا السؤال الذي ظل معلقا في انتظار إجابات شافية، سؤال بالنسبة ل MCA أو للحزب الأمازيغي PDAM أو للحزب الفدرالي الأمازيغي الذي يطرح شعار: الشراكة في الثروة والسلطة والقيم، أو بالنسبة لفاعلين آخرين حيث يلاحظ وجود فراغ على المستويين الفكري والإيديولوجي في الوثائق الأساسية للأحزاب التي تعتمد قيما غير مدققة كالحداثة والعقلانية والنسبية، التي تجعل الممارسة السياسية فضفاضة وغير سليمة، فضفاضة لأنها تخل بمنطق التطور وتحافظ على مصالح المهيمن. كل ما هناك يتمثل في إعلان نوايا: -الاستناد للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان (الإعلان العالمي ل 10 دجنبر 1948- العهد الدولي ل 1966 – إعلان برشلونة...) -تبني العلمانية كمطلب -الإعلان عن التخندق في الصف الديمقراطي بالنسبة للحركة الأمازيغية الديمقراطية، فأي مشروع اجتماعي وتاريخي يريد بناءه هذا الفاعل؟ ووفق أي تصور؟ كيف يتصور تحقيق الفدرالية وتوزيع الثروة والشراكة في القيم؟ فإذا كان PDAM يطرح اعتماد «المذهبية الأمازيغية» المستنبطة من ازرفازن تمازيغت، رغم أن هذا يبقى أمرا مريبا، لأنه لا يستفيد من تطور الفكر الإنساني.هذا الجمود في الاقتراحية والضبابية في الرؤية ستلقي بهذا الفاعل في قطار الانتظارية التي تميز الفاعل السياسي عموما: بطء في الاقتراحية، وعدم مسايرة للسقف النظري للتحولات الفكرية والعلمية والاجتماعية عالميا، مما يحيل على وجود مطالب جديدة يجب معالجتها. إن الاشتغال خارج منطق التصور والمرجعية الإيديولوجية هو ما سيجمد أفكار نخبة تؤمن بمنطق الاحتجاج «وفق خلفية حداثية علمانية لكن بشكل غير مدقق لتنذمج ضمن: «آلية تقليدية حاملة لموروث «الأمة» في دلالتها الإسلامية، الرعية بدل المواطنة1...» فالسياسة هي صراع المصالح بين فئات وطبقات اجتماعية، والفكر السياسي عليه أن ينهل دوما من تطور الفكر الإنساني ويستفيد من التقدم العلمي، وعليه أن يبرز مدى مساهمة التطورات التي عرفها مجتمعنا عبر التاريخ في تطور وتحرر الإنسانية جمعاء، وكذا إظهار مدى تجذر مجتمعنا في التاريخ الإنساني. أهم الوثائق السياسة المنجزة في عقد السبعينات: لعل من أبرز الوثائق السياسية التي أنتجت في العقدين الأخيرين فيما يخص الفعل السياسي الأمازيغي «وثيقة البديل الأمازيغي للأستاذ أحمد الذغرني»، ووثيقة العمل بجناحين (ثقافي وسياسي) للأستاذ حسن إذ بلقاسم بحيث نستخلص من الأخيرة: -الحث على ضرورة الانخراط في العمل السياسي، لأن العمل الثقافي مجرد آلية ضغط ولا يمكنه تغيير ما تقدره الإرادة السياسية في ظل الأوضاع القائمة، لأن الجمعيات الثقافية «تستطيع أن تشكل مجموعة ضغط ولن يسمع صوتها إلا بعد الانتقال إلى نظام ديمقراطي». - «إن إقصاء الأمازيغية بكل أبعادها كان بقرار سياسي، وهو يستمر بالقرار السياسي»، وبالتالي فإن الضغط الذي تمارسه الجمعيات الثقافية غير كاف لتغيير هذا القرار مادام هو المتحكم حتى وسائل الدعم الممنوحة لهذه الجمعيات ذاتها. جدلية الثقافي والسياسي: إن للمشاركة السياسية إلى جانب الفعل الثقافي أو العمل بجناحين متلازمين أهمية قصوى في الرقي بتمازيغت . «إن ممارسة حق المشاركة في الحياة الثقافية لا يمكن فصله عن ممارسة حق المشاركة في الحياة السياسية في مرحلة الانتقال الديمقراطي». أما مشروع البديل الأمازيغي كوثيقة سياسية صادرة آنذاك عن فاعل جمعوي فهي تنزع رغم أهميتها إلى اليوتوبيا والطوبى كونها تسعى إلى استبدال كل المرجعيات الإيديولوجيــة الموجـــودة في الساحـــة السياسيــة بالمرجعية الأمازيغية (البديل الأمازيغي) وإعادة بناء «الدولة الأمازيغية» التي تحكمها «الأعراف الأمازيغية»، طوباوية لأنها لا تستنجد بالمواثيق الدولية للحقوق والحريات، ولا تضع «تمازيغت» ضمن بعدها الكوني الذي يمكن أن تلعبه بانفتاحها وحنينيتها إلى الكونية. أما أهم النقط الساخنة الواردة في الوثيقة المشروع فيمكن تلخيصها في: -تجاوز النظرة التقافــوية لتمازيغـــت، ومحاولــة جعلها تهتــم بما هــو يومي ومعاش للمواطن: البيئة، الغابات، الماء، المواصلات... -تحميل الهيئات السياسية والنقابية التقليدية جزءا هاما من إقصاء الأمازيغية و تهميشها «إلا أن الأحزاب والنقابات المرتبطة بالمصالح الشرق الأوسطية لم تستطع أن تخطو خطوات لوضع برنامج عملي للتغيير الفعلي لسياسة الإقصاء تجاه الأمازيغية». في مداخل العمل السياسي عند الفاعل الأمازيغي: المدخل الأول: نحو تعايش الديانات واللائكية معا. يعتري هذا المفهوم إشكالات عدة، بين من يحصرها في المعنى البسيط والمتبادر إلى الذهن مباشرة بعد ذكر لفظه «العلمانية»، أي الفصل بين الدين والدولة، المحيلة إلى عدم تدخل الدولة في الشأن الديني، وعدم خضوع الشأن العام للمقدس. يعطينا فقط القالب العام الـذي يؤطـر هذا المبدأ الذي هو أساس المساواة بيـن البشـر وضمان حريتهم وكرامتهم والتعبير عن حقوقهم، فهذا التعريف له حمولة سياسية بالدرجة الأولى، لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يتعداه ليلامس جوانب متعددة: ثقافية، اجتماعية، اقتصادية... استحضر هنا كلمة لمراد وهبة: «التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق، أو بالأدق العلمانية محصورة في عدم تحويل النسبي إلى مطلق، أي عدم مطلقة النسبي»، مما يفيد أنها أساس حرية التفكير الذي يجب أن يبقى نسبيا ولا يتعدى حدوده إلى تحويل ثوابته إلى مطلقات، فالنسبية هي أساس الاختلاف والتعدد. وهكذا، فمن الجانب المعرفي- الذي يجب أن يحكم الفعل السياسي- يمكن تحديد شروط لاشتغال العقل: -الاعتقاد بنسبية الحقائق المتوصل إليها -استخدام مناهج البحث العلمي مما يحيلنا إلى تبني إسقاطات على: -الثقافة: يتحتم إعطاء أولوية للعقل البشري وإطلاق عنانه للتفكير و الإبداع، وهذا من أساسيات العلمنة المعرفية التي وضع أولى أسسها إيمانويل كانط في كتابه: «نقد العقل الخالص». واليوم ما أحوجنا لإعادة الاعتبار للعقــل والفكـــر وتفنيــد الخرافــة والوهم. ربطا لهذا بما سلف ذكره، يعضد هذا خروج الأمازيغية من دائرة التقليدية مما سيساعدها على إزالة العوائق التي تقف كحاجز أمام تطورها ونمائها وأن تسهم هي بدورها في بناء الدولة الحداثية. -إنتاج تحول ثقافي يسهم في تحديث البنيات الثقافية على عكس ما يقع الآن: توجه إلى بناء حداثة اقتصادية وسياسية هشة في مقابل نكوص وتكلس على المستوى الاجتماعي والثقافي. الجانب الإجتماعي و السياسي: «لا أستطيع أن أتصور نهضة عصرية... ما لم تقم على المبــادئ الأوربية للحرية والمساواة والدستور مع النظرة العلمية والموضوعية للكون2» تستند الأسس الحديثة للممارسة السياسية إلى إبعاد المقدس عن الشأن العام الذي هو وليد فكر الأنوار المتبلور في أوربا، والذي حصر الدين في الجانب الخاص من حياة الناس. فنحن محكوم علينا بتبني طريق العلمنة إذا ما أردنا بناء فعل سياسي ديمقراطي. فالعلمنة هي الأساس الثقافي الصلب الذي تستند إليه الديمقراطية. فنسبية الحقائق والأفكار سمح بالتعدد في المناهج في الرأي، في المعتقد، مؤسسات قادرة على تجسيد: -المواطنة الكاملة للجميع تستلهم أسسها من الفكر المتنور من المبادئ الدولية لحقوق الإنسان، دون إعطاء أي اعتبار لدين المواطن أو جنسه. -المساواة الكاملة بين الرجل و المرأة. واللائكية تجد لها أسسا في الأعراف الأمازيغية كما تستند إلى ذلك الوثائق المؤسسة لبعض الأحزاب حيث تشير وثيقة «أي أفق للحركة السياسية الأمازيغية» إلى أن من المبادئ التي نجدها في تاريخنا مبدأ اللائكية أو فصل الدين عن السياسة، والذي تمارسه القبائل الأمازيغية في إخضاع «الشرع» أو «الفقيه والإمام» للقوانين الأمازيغية. وما إخضاع الفقيه أو الإمام أو الطالب لقرار «إينفلاس» إلا لاستبدال البيرقراطية بالمشاركة3. وفي نفس الإطار يسعى الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي PDAM «إلى توافق المجتمـــع المغربي حــول تواجد الديانات واللائكية معا وإمكانية عيشها لخدمة مصلحة الشعب». المدخل2: في إشكالات الدمقرطة اللغوية والثقافية: «أفترض أن إنتاج الخطاب في كل مجتمع، هو في نفس الوقت إنتاج مراقب ومنتقى ومنظم، ومعاد توزيعه من خلال عدد من الإجراءات التي يكون دورها هو الحد من سلطاته ومخاطره، التحكم في حدوثه المحتمل، وإخفاء ماديته الثقيلة والرهيبة4» كما كتب فوكو. قبل الولوج إلى صلب الموضوع لا بد من الإشارة إلى جملة من الملاحظات المستقاة من خلال متابعة وقراءة كتب متخصصة في مجال اللغة والخطاب: -أسماء الأشياء والأماكن والحيوانات... وضعت نتيجة لتواطؤ مسبق بين الأفراد والجماعات البشرية. -الرمز أكثر صدقا وإبداعية لأنه يستطيع دوما الانفلات من فعل الرقابة. -تتأثر اللغة تأثرا قويا بثقافة المجتمع الذي يصبغها. -حرية اللغة تتمثل في القدرة على الانفلات من الضبط وعدم إخضاع أي كان: «وأكون في ذات الوقت سيدا ومسودا: إذ أنني لا أكتفي بأن ألوك ما قيل وأردده، مرتكنا بارتياح إلى عبودية الدلائل، بل إنني أؤكد وأثبت وأفند ما أردده5» المتتبع لإشكالية الحقوق اللغوية في مجتمعنا، لا بد وأن يلاحظ أنها تنبني أساسا على عامل الانتماء الاجتماعي (الهرمي)، بحيث شكلت العربية على مر القرون الماضية التي دخلت فيها إلى المغرب لغة المخزن وحاشيته من الإقطاع وملاكي الأراضي من الجيش والفقهاء وسائر النخب المحظوظة التي تستغـــل الفلاحيــن وتزيد من معاناتهم مع العمل في الأرض. ويتم توظيف هذه اللغة في التعاملات والمراسلات الإدارية، المدنيــة والعسكريــة أو على المستوى الديني: لغة النخبة العالمة المتمركزة في الحواضر كفاس ومراكش وسلا وتطوان... ولكونها لغة المكتوب أو اللغة العالمة فهي وسيلة للترقي والوصول إلى دواليب الجهاز المخزني والجهاز الديني الذي يمثله الفقهاء. وتمثل الحركة الوطنية كرافعة لشعار العروبة امتدادا طبيعيا لهذه الفئة، حيث ورثت عنها الدفاع عن العربية التي تعبر عن مصالحها الفئوية المناهضة لكل إمكانية للتعدد والانفتاح على الهوامش. وتحتل الفرنسية أيضا، لغة الإمبريالي الفرنسي الذي توسع واكتسح الآخر بحثا عن الموارد الطبيعية والبشرية البخسة وبحثا عن الأسواق لبضاعته التي باتت تعاني الكساد، مكانة لغة الاقتصاد والتحديث حيث ورثت الدولة المغربية لما بعد الاستقلال جناحين أحدهما: يتجلى في استمرارية المخزن التقليدي بمؤسساته الاستبدادية وثانيهما في بروز مؤسسات عصرية على النمط الفرنسي وإن كانت فارغة المحتوى في مجملها. هذه الازدواجية جعلت من الفرنسية لغة الاقتصاد الذي يمثله الكمبرادور المستفيد من الإمتيازات التي يوفرها له المخزن. و الإدارة العصرية و تلقين المعارف و العلوم الحديثة، و غذت بذلك هي لغة الإنفتاح على الكونية و الترقي الإجتماعي بامتياز بحيث سحبت البساط من تحت أقدام سالفتها. أما الأمازيغية والدارجة لغتا عموم الشعب ولغتا التواصل اليومي في الأوساط الشعبية وفي المغرب العميق المهمش فهي تتعرض لإقصاء ممنهج: «يشير العنف الممنهج إلى نموذج من التفكير تراتبي وواسع الانتشار إلى شكل من «الإدراك المتغطرس»الذي يفضل بعض الجماعات ويهمش أو يخضع أخرى من دون أي سبب مسوغ خلقيا6»، ولا تحظى بأي دعم أو امتياز من قبل مؤسسات الدولة. نستخلص مما سبق ذكره أن لغة الطبقات المهيمنة تكرس تعزيز منطق الهيمنة الاجتماعية والطبقية اللغوية واستمرار التهميش لفئات عريضة خصوصا في المغرب العميق. فطبيعي أن تدافع الفئات المهمشة عن لغتها وأن يرتبط النضال على الحقوق اللغوية والثقافية بالنضال الاجتماعي، كالدفـــاع عن الحق في استغــــلال الملك الغابـــوي وأراضي الجموع والحق في التنمية الاقتصادية والاجتماعية محليا وبشكل مستدام، والحق في بيئة سليمة والحفاظ على الموروث الغابوي: شجرة أركان، الأرز... وبتعبير عام الشراكة العادلة في الثروة والقيم الثقافية، وهذا لن يتم إلا بمداخل أساسية: -افتراض الاختلاف المسبق والتمييز بين الذات والآخر، الاعتراف المتبادل بين أطراف الحراك الاجتماعي. -منح أهمية اعتبارية لتعددية الأصوات وعدم استبعاد أحدها، وترك عقلية الاختزالية أو الأحادية تحيى في مزابل التاريخ. -يجب اعتماد منطق «التمييز الإيجابي» والتفضيلي للأمازيغية لكي تصل إلى مستوى مشرف. المدخل 3: من التعدد اللغوي والثقافي إلى الشراكة في السلطة والقيم الرمزية والمادية: لعل من المخاوف التي تنتاب كل المتوجسين خيفة من الفدرالية خصوصا ممن تشبعوا «بالفكر المركزي»: الخوف من تجزيء الدولة الوطنية، نشوب النزاعات بالصراعات... لأنهم لا يتصورون الوحدة وقوة الدولة وهيبتها إلا في ربط وحداتها الترابية، وجمع خيوط السلطة في مركز واحد قوي ومتحكم في زمام الأمور. بينما يرى المخالف أن مفهوم سلطة «القرب» والتنمية المستدامة»... تستدعي الانفتاح على المحيط ومعالجة الإشكالات مهما كانت درجة صعوبتها في عين المكان ومتابعتها عن كثب، وقد حاول البعض التأصيل للفدرالية كممارسة بالمغرب انطلاقا من تاريخ القبائل والكونفدراليات القبلية «طاظا» إلى حدود خضوع المغرب للحماية الفرنسية، حيث كانت تتمتع باستقلالية في تسيير شؤونها المحلية. وموازاة مع «الفكر اليعقوبي» الذي تبنته الدولة الوطنية الموحدة في أوربا – فرنسا كمثال- منذ عصر الأنوار نما فكر مخالف يمكن تسميته بالفدرالي حاول بدوره التأسيس لدولة فدرالية- سويسرا كمثال ( 1848) تلتها تجـــارب فيمــا بعـــد كبلجيكا و إسبانيا... بتحليل خطاب الفاعل السياسي الأمازيغي ورصد سلوكه يتضح أنه يسعى إلى ترسيم الأمازيغي في دستور ديمقراطي فدرالي: «فمداخل الانتقال الديمقراطي ليست سياسية فقط ولكنها تنظيمية ترابية وأيضا بتوسيع نظام الجهوية7»بمعنى ما، خلق جهة قادرة على تسيير شؤونها المحلية وقادرة على اتخاذ القرار المناسب في حدود الدائرة الترابية التابعة لها. وهذا سيشجع على: -توسيع مجال المشاركة السياسية وحل إشكالات التعدد اللغوي والثقافي التي تعد نقطة القوة الدستورية في براديغم دولة الجهات»، حيث سيتم من خلالها حل إشكالات تخص الثروة والسلطة والقيم، وهو الشعار الذي يرفعه الحزب الأمازيغي الفدرالي المغربي، حيث يطرح كبديل لواقع التهميش الذي يعاني منه المغرب العميق «الشراكة في القيم والسلطة والمسؤوليات والقرارات السياسية والشراكة في تسيير الموارد والثروات والمسؤوليات والقرارات الاقتصادية والشراكة في إقرار القيم في دستور ديمقراطي8» كل هذا يهم توزيع السلطات بشكل تشاركي بين المركز والمحيط وتمكين المناطق الأمازيغية الاستفادة من خبراتها المادية والرمزية، مستندا في ذلك إلى الأعراف الأمازيغية التي توارثت هذا التسيير عبر آلاف السنين: «أما الأسس الفدرالية في ماضينا فنجدها لا زالت حية في القبائل والجماعات الأصلية التي تسيرها القوانين الأمازيغية أو القوانين العرفية كما يحلو للبعض أن يسميها9» فأسس الفدرالية كما تراها الوثيقة المؤسسة، تنطلق من أن (أولا): لكل قبيلة مجالها الجغرافي والاقتصادي والطبيعي. (ثانيا): تمارس عليه سيادتها كاملة مع الحفاظ على سيادة القبائل المجاورة (ثالثا): وجود أجهزة منتخبة تسيرها (رابعا) : تشكل إطار كونفذرالي مع القبائل المجاورة لحفظ مصالحها. وهذا رأي يثمنه الأستاذ أحمد الذغرني، والذي يدعو إلى تمكين الجهات من الاستفادة من خيراتها: «والحضارة المغربية المستخلصة من الماضي وتجارب الحكم المحلية في القرون الوسطى أثبتت أن التعامل بين السلطات المركزية والجهات لها سند عرفي وتاريخي في منطقتنا، فلا توجد إذن مشكلة عويصة على مستوى التاريخ والجغرافيا والفلسفة السياسية بالنسبة للمخزن الحديث، والذي بقي الآن هو مدى قدرة الناس على تجديد البرامج حول الحكم من الأعلى والحكم المنسجــم مع الأسفل (الجهات) وبصفة مجملة تطوير علم السياسة في كل منطقة». لأن السلطة المركزية تسعى دوما إلى السيطرة على خيـــرات المناطــــق التابعة لها: «كما أن الدولة التي تعاني من الفقر تحتاج إلى أن تستحوذ على ثروات الجهات لكي تعيش السلطة المركزية». لذا يجب أن يتم الاتجاه صوب حل وتذويب هذه الخلافات عبر خلق شراكة لتقاسم الخيرات والحفاظ على القيم المادية والرمزية لكل جهة على حدة. الإحالات: 1 أتركين محمد: السياسي و الدستوري في تقرير التنمية البشرية: السلطة العلمية في خدمة مشروع السلطة السياسية، وجهة نظر عدد: 29/صيف 2006 2 الدكتور سلامة موسى- ما هي النهظة؟ ص: 108 3 - أي أفق للحركة الأمازيغية: الأفق الديمقراطي الفدرالي للمغرب: من أجل تنظيم سياسي فدرالي منبثق من تاريخ الشعوب الأصلية في شمال افريقيا. 4 - Michel Foucoult , l'ordre du discours . Ed Galhimard 5 - Roland Barthes, leçon . ed Jeuil Paris 1978 6 - الفلسفة البيئية : تحرير مايكل زيمرمان –ترجمة: معين شفيق رومية عالم المعرفة عدد 333 ص: 74 7 الجهوية و التمثيلية السياسية في الدستور المغربي: فرضيات حول براديغم " دولة الجهات" وجهة نظر عدد: 2526 صيف 2005 8 -العالم الأمازيغي حوار مع حسن إذ بلقاسم- العدد 82 مارس2007 9 أي أفق للحركة السياسية الأمازيغية- وثيقة تأسيسية للحزب الأمازيغي الفدرالي المغربي. |
|