|
لماذا أقصي الريفيون من حكومة عباس الفاسي؟ بقلم: محمد بودهان عندما نتصفح لائحة أعضاء الحكومة الجديدة التي "شكلها" السيد عباس الفاسي، ونطلع على سير الحياة الشخصية لهؤلاء الأعضاء، سنلاحظ أن هذه اللائحة خالية من أي وزير ينتمي إلى الريف. وهو ما يكذب ما صرّح به الوزير الأول الفاسي للتلفزة المغربية مساء يوم 15 أكتوبر عقب الإعلان عن التشكيلة النهائية للحكومة، عندما قال بأن من بين ما يميز هذه الحكومة أنها تمثل كل جهات المغرب. فهل هذا تناقض أم إخفاء للحقيقة في تصريح الفاسي؟ لا، كل ما هناك أن عباس الفاسي لا يعترف بالريف كجهة لها خصوصيات ترابية وجغرافية واقتصادية ـ دون الكلام عن الخصوصيات الثقافية واللغوية والتاريخية ـ تؤهلها لأن تكون جهة قائمة بذاتها، متبنيا في ذلك التقسيم الترابي والإداري الرسمي للجهات، القائم على هاجس أمني واعتبارات أمازيغوفوبية، والذي يجعل من الريف مجرد امتداد ترابي واقتصادي وجغرافي لجهات قائمة بذاتها ومعترف لها بذلك لاعتبارها جهات "عربية". وينتج عن ذلك أن الريف، كتاريخ ولغة وثقافة وهوية وأمازيغية وخصوصية، يغيب ويختفي ليصبح تابعا للخصوصيات التاريخية واللغوية والثقافية والهوياتية للجهة "العربية" الذي هو جزء منها حسب التقسيم المخزني الأمازيغوفوبي للجهات. وهذا الإلحاق القسري لجهات أمازيغية بجهات تعتبر "عربية" هو جزء من سياسة تعريب الإنسان والمحيط والمناخ والتضاريس والأرض... نعود إلى سؤالنا: لماذا أقصي الريفيون من الحكومة الفاسية لعباس الفاسي؟ يبدو السؤال، للعارف بالعلاقة التاريخية الصراعية المتوترة بين أهل الريف وأهل فاس، وخصوصا حزب الاستقلال الفاسي، يبدو بلا معنى لأن الجواب عنه بديهي. سيكون السؤال ذا معنى لو شارك الريفيون في حكومة عباس، وهنا يطرح بالصيغة التالية: لماذا أُشرك الريفيون في حكومة عباس الفاسية؟ نريد بهذا أن نوضح أن إبعاد الريفيين من حكومة فاسية يرأسها فاسي، أمر يبدو بديهيا جدا. أليس لفاسيون هم أصحاب القولة المشهورة: "لم يسبق للظريف أن جاء من الريف" (عمرو ظريف ما جا مالريف). فكيف لغير "الظرفاء" من الريفيين أن يكونوا أعضاء في حكومة "الظرفاء" الفاسيين؟ إنه نشاز لا يحتمل، إنه فعل مضاد للطبيعة Contre-nature. لكن لنستمر، رغم كل هذه البداهة، في طرح سؤالنا: لماذا أقصي الريفيون من حكومة عباس الفاسي؟ فهل يعتبر إقصاؤهم عقابا لهم على ما ينادون به من استقلال ذاتي، وخصوصا منذ فاتح ماي الماضي؟ ولكن في هذه الحالة، سيكون هذا الإقصاء مبررا مشروعا ووجيها لمطالبتهم بالاستقلال الذاتي لجهتهم الريفية. أليس كذلك؟ أم أن حزب الاستقلال، الذي يرأس الحكومة الفاسية الجديدة، عاد إلى سياسته الريفوبية (المعادية للريف) التي نهجها مباشرة بعد الاستقلال، والتي كانت وراء إبادة سكان الريف في أحداث الريف نهاية 1958 وبداية 1959؟ وهكذا يكون إقصاء الريفيين من حكومة حزب الاستقلال شيئا منطقيا ينسجم تماما مع المواقف الثابتة لحزب الاستقلال من الريف؟ أم لأن الريف منطقة أمازيغية، معروفة بتمسكها بأمازيغيتها وبدافعها عن انتمائها الأمازيغي، وهو ما يرفضه حزب الاستقلال ـ وأهل فاس عامة ـ الذي ارتبطت نشأته بمعاداة الأمازيغية ومحاربتها (لنتذكر أسطورة الظهير البربري)؟ ويتعزز هذا السبب "الأمازيغي" أكثر لتفسير إقصاء الريفيين من حكومة عباس الفاسي، عندما نعرف أن حزب الحركة الشعبية، المحسوب على الأمازيغية، أقصي هو كذلك من المشاركة في الحكومة الجديدة. فلا يمكن أن يكون الأمر مجرد صدفة تجمع في نفس الوقت بين إبعاد الريفيين وحزب الحركة الشعبية من حكومة يرأسها فاسي استقلالي هو عباس الفاسي، خصوصا إذا علمنا أن العدوين التاريخيين لحزب الاستقلال هما الريف والحركة الشعبية التي شوشت عليه منذ 1958 واحديته الحزبية واللغوية والقومية، وخلقت له منافسا "بربريا" وقرويا يقف في وجه هيمنته الفاسية المدينية. وإذا كان الأمر كذلك، فسيكون المستهدف النهائي من وراء إبعاد الريفيين والحركة الشعبية من المشاركة في حكومة عباس الفاسي، هو الأمازيغية لا غير، هذه الأمازيغية التي تتعارض على طول الخط مع الطابع الفاسي والاستقلالي (من حزب الاستقلال) لحكومة عباس الفاسي. فحتى التلفزة المغربية، وهي تستعرض حياة عباس الفاسي في نشرة الثامنة ليوم 15 أكتوبر، ورفعا لكل لبس حول أصله الفاسي النقي، أكدت للمشاهدين أنه ولد بفاس، مع أن الصحيح أنه ولد بمدينة بركان الأمازيغية. ثم ألا يكون هذا الإقصاء للعنصر الأمازيغي من حكومة عباس وفاء من هذا الأخير لعهده الذي آلى فيه بأنه سيكافح حتى لا تكون الأمازيغية لغة رسمية؟ ألا يكون هذا الإقصاء إذن التزاما بوعده وتنفيذا لبرنامجه في مكافحة الأمازيغية؟ وحتى لا نظلم عباس، لا ينبغي أن نحمله وحده وزر إقصاء العنصر الأمازيغي من المشاركة في حكومته. فالجميع يعرف أن دوره في تشكيل الحكومة كان مسرحيا فقط، في الوقت الذي كان فيه القصر هو صاحب الدور الفعال والكلمة الأخيرة في اختيار أعضاء الحكومة وأحزابها المشاركة فيها. وهنا لا نفهم أسباب اختيار القصر إبقاء العنصر الأمازيغي خارج التدجين الحكومي، وربما لأول مرة في تاريخ المغرب المستقل. فهل يشكل تنصيب حكومة فاسية عروبية فرصة للسلطة للمصالحة مع الذات العربية وعودة ميمونة إلى الهيمنة العروبية، مع كل ما يرافق ذلك من إقصاء سياسي للعنصر الأمازيغي؟ وهل من الحكمة ـ ومن فائدة القصر ـ ترك العنصر الأمازيغي طليقا حرا ـ "زايغ" ـ يمارس المعارضة بجانب المعارضة الإسلامية، علما أن الإثنين يملكان من الشرعية التاريخية والشعبية ما لا يملكه أي حزب أو تيار سياسي آخر؟ أليس في ذلك تهديدا لمصالح السلطة وإخلالا بلعبة التوازنات الإثنية والجهوية التي كانت تتقن دائما استعمالها والحفاظ عليها؟ أم أن السلطة لم تعد بحاجة إلى العنصر الأمازيغي الذي كانت تستعمله فقط لمواجهة خصومها المعارضين (من ضمنهم حزب الاستقلال نفسه) بعد أن أصبح اليوم هؤلاء المعارضون أنفسهم أكثر ولاء للمخزن من الأحزاب الإدارية المخزنية؟ أم أن السلطة لم تعد بحاجة كذلك إلى الاحتواء السياسي للمحسوبين على الأمازيغية بإدماجهم في لعبتها السياسية، لتبقى هذه اللعبة عروبية لا يكدر صفاء انتمائها العروبي أي نشاز "بربري"، بعد أن أصبحت "السياسية البربرية الجديدة"، التي يقودها "ليركام"، هي من تتكفل بالاحتواء السياسي للمحسوبين على الأمازيغية، مع إعفاء السلطة من هذه المهمة التي كانت تقوم بها على مضض، لما كانت تسببه لها من إحراج أمام "الأشقاء" العرب؟ وأخيرا، أليس هذا الإبعاد للعنصر الأمازيغي من حكومة عباس الفاسي يعطي مصداقية للأمازيغيين، لأنهم لا يشاركون في حكومة تمثل الفراغ والخواء، إذ لم يصوت في انتخابات 7 شتمبر، التي انبثقت عنها هذه الحكومة، سوى أقل من 20 في المائة من المواطنين الذين هم في سن التصويت؟ أسئلة كثيرة تطرحا طبيعة الحكومة الفاسية، خصوصا تلك المتعلقة بإقصائها للعنصر الأمازيغي، وهو ما ستجيب عنه بلا شك الأيامُ القادمة. |
|