| |
بعد(50) سنة من
الاستقلال الشكلي:
الزمن المغربي المعطوب
بقلم: محمد زاهد
بحلول الذكرى (50) لـ»استقلال» المغرب، عادت
صور ومشاهد وشريط أحداث ووقائع وذكريات لتؤثث الذاكرة الوطنية، ولتحتل موقعا هاما
على مستوى الأحداث الكبرى التي شهدها الفضاء المغربي. كما أن هذه المناسبة كانت
فرصة لتأمل الحاضر ونحن الذين تفصلنا مسافة زمنية معينة عن لحظات ومحطات الماضي وكل
ما كنا عليه، وليكون ذلك بوصلة نحو ما نريد أن نكون عليه في المستقبل.
كما أن هذه الذكرى كانت فرصة لطرح أكثر من سؤال واستحضار أكثر من جواب. سؤال الغائب
والمغيب. سؤال الحاضر والمحظور. سؤال المستقبل وما لسنا نحن إياه بعد. سؤال موقع
المغرب من الأحداث والتحولات الكبرى التي شهدها العالم خلال هذه الفترة. سؤال ماذا
تحقق في مغرب «الاستقلال». سؤال ما لم يتحقق في مغرب ألف رهان ورهان...
وإذا كانت العبرة بالذكرى والتذكير، فإن مساءلة هذه الذكرى أكبر من العبرة نفسها،
لذلك لا مناص من إعادة تركيب كل العناصر التي تحفل بها هذه المحطة، والاختيارات
التي حكمت مصير الشعب المغربي خلال هذه المدة، من دون أن تكون هذه الاختيارات من
صميم اختياراته. مساءلة الذات للمضي قدما لتدشين مسلسل البناء الحقيقي.
وقد يكون من السهل القول بأن مدة (50) سنة لا تعني شيئا في حياة الشعوب والمجتمعات،
وأنها لا تمثل إلا النزر القليل من مشروع ينبني على أبعاد مستقبلية وإستراتيجية
ومحكوم بإكراهات عظمى، لكن من المهم في نفس الوقت القول بأن هذه المدة تحتل مكانة
هامة وإن كانت محكومة بظرف زمني قصير، خاصة حينما يتعلق الأمر بفترات المخاضات
العسيرة ولحظات التمفصلات التاريخية والمنعطفات الحاسمة، مثلما هي الحالة هنا
لاسيما وأنها تمثل لحظة "الاستقلال" وما تحمله من أمال وأمانٍ وطموحات وتطلعات، وما
قد تحمله كذلك من مآسٍ وانكسارات كما الشأن لما حدث بعد 1956.
إن تتبع لحظات "الاستقلال " لحظة بلحظة وخطوة بخطوة، يبدو وكأن المغرب مرة أخرى،
ودائما، في مفترق الطرق. وكأن المغرب دوما يجر أثقال الماضي في الحاضر. وكأن رغبة
ما تشده نحو البقاء على ما هو عليه. وكأن ذلك تصديق لمقولة "في المغرب قد يحدث أن
يتغير كل شيء من أجل أن لا يتغير أي شيء." وكأن الدولة والمجتمع لم يدركا بعد العطب
المغربي الحقيقي.
لقد تحولت رهان المغاربة إلى إنتظارات، وتحولت إنتظارات المتربصين بالوطن والشعب
إلى رهانات، وصدقت مقولة الحكيم عبد النبي وأمثاله الكثر، أولئك الذين لا زالت
تقاسيم وجوههم تختزل مرارة العيش في وطن مستقل- وليس استقلالي- طالما حلموا به
وكافحوا في سبيله. وعبد النبي الحكيم والمعروف خاصة لدى أهل منطقة الريف ظلت
مقولاته تنتقل عبر الأجيال وتعكس خيبة آمال من ظل يحلم بوطن جميل وهو نموذج من
خَبِرَ تناقضات مغرب "الاستقلال" الموهوم الذي ناولوه للشعب في عز معركته ضد
الإستعمار والقهر واغتصاب الحرية والكرامة.
وإذا كان هناك من أثقل علينا بذكر حصيلة (50) سنة الحافلة بمسلسل "البناءات" و"الإنجازات"
و"التشييدات"... فإن تأمل حقيقة واقع هذا الوطن المستقل، يوحي بأننا لا نزال مثقلين
بخطابات جوفاء وذاكرة مزيفة وأحلام كثيرة، وأن مصيرنا ما زال حبيس الوطنية الكلامية.
وكأننا خارجون للتو من رماد الحرب.
فأين هي، إذن، تطلعات المغاربة والتضحيات الجسام التي قدموها في سبيل نيل الاستقلال
الحقيقي والتام والحرية الكاملة؟
ومع ذلك فهناك آمال وآمال بحجم تطلعات هذا الشعب. آمال تنطلق من التأكيد على أن هذا
الشعب قادر على تقديم مزيد من التضحيات في سبيل المأمول تحقيقه منذ زمن الكفاح إلى
يومنا هذا، على أساس أن يكون تحقيق هذا المأمول هو مفتاح المصير المغربي والمغاربي
وعنوان الانتصار في معركة التحرير والاستقلال، حتى لا نجسد حالة "المستعمِر الذي
يبدو محكوماً دائما بفقدان الذاكرة تدريجيا" كما يقول ألبير ميمي في كتابه "صورة
المستعمِر والمستعمَر"، حتى يتم بذلك تجاوز حالة الزمن المغربي المعطوب، خاصة في ظل
شروط ومعطيات تنذر بأنها ذو حدين.
ومن الأمور الهامة التي ينبغي التذكير بها، والدولة في غمرة الاحتفال بذكرى مضي نصف
قرن على الاستقلال الأعرج، وجود العديد من القضايا العالقة التي ذهبت ضحية حسابات
ما بعد 1956. أهمها القضية الأمازيغية في جميع أبعادها كأبرز ضحايا منطق "المغرب
لنا لا لغيرنا" ولشعار الأولويات.
وحتى لا نكرر تجارب "أبطال بلا مجد"، أتمنى أن يكون المغرب بعد مرور(50) سنة من
الآن فصاعدا وقد أدرك العطب ونال المجد الحقيقي.
|