| |
قبيلة آيت
أومريبط: من التهميش إلى الإقصاء
بقلم: علي أقديم (فاعل جمعوي)
تعتبر قبيلة آيت أمريبط واحدة من القبائل
الصحراوية الأمازيغية العريقة التي عاشت في الصحراء وانتقلت عبر رحابها وقاومت من
أجل الذود عنها ضد جميع الغزاة الذين تربصوا بها. وتنحدر القبيلة، حسب أغلب
الباحثين، من القبائل اللمتونية التي انطلقت من تخوم الصحراء (موريتانيا) واستطاعت
أن تؤسس دولة المرابطين التي حكمت المغرب والأندلس لحوالي قرن من الزمن (من 1056
إلى 1147 ميلادية) حيث شيدت حضارة عريقة امتدت من الصحراء جنوبا إلى الأندلس شمالا،
ومن المحيط الأطلسي غربا إلى الجزائر شرقا.
وقد عادت أغلب قبائل دولة المرابطين إلى الصحراء بعد سقوط مراكش في يد الموحدين سنة
1147 ميلادية، وتفرقت مختلف فروعها على مناطق متعددة ومن بينها منطقة الرحامنة
ومنطقة سوس (ماسة وتارودانت) الصحراء الجنوبية و منطقة واد نون (اكلميم-أسا و طان
طان) وباني/درعة (تمنارت - فم الحصن و أقا). وتشكل منطقة باني/درعة الموطن الرئيسى
الذي استقرت به إحدى أهم القبائل المرابطية مند سقوط دولة المرابطين. وهذه القبيلة
ما زالت تحمل اسم المرابطين (آيت أمريبط) إلى اليوم.
وكما هو الشأن بالنسبة للمرابطين كقبائل صحراوية أمازيغية ساهمت بشكل أساسي في
تشييد حضارة المغرب التاريخي، فإن قبيلة آيت أمريبط بمنطقة باني/درعة باعتبارها
إحدى الفروع المنحدرة من قبائل اللمتونيين المرابطية تتوفر هي الأخرى على تاريخ
حافل بالأمجاد والبطولات دفاعا عن المنطقة ضد الغزاة الأجانب. فقد قاومت الغزو
الفرنسي لمنطقة باني خلال الثلاثينيات من القرن الماضي وانخرطت بشكل مكثف في صفوف
المقاومة وجيش التحرير. و رغم طبيعتها الصحراوية والبدوية المتميزة بالترحال
والتنقل بحثا عن الكلاء والرعي ومنابع الماء، فقد ساهمت في بناء حضارة منطقة وادي
نون وباني/درعة التي استقرت بها مبكرا جنبا إلى جنب مع قبائل اداو سلام وآيت اوسى
وآيت موسى أوعلى وأزوافيط وآيت براهيم وداو بلال وعريب وأولاد جلال. وقد لعبت قبيلة
آيت أومريبط دورا كبيرا في الحركة الاقتصادية والتجارية في منطقة الصحراء قبل
اندلاع الحرب وخصوصا مع مناطق شنكيط، تومبوكتو وتندوف، الشيء الذي مكنها من نسج
علاقات تاريخية وسوسيو ثقافية متينة مع العديد من القبائل الصحراوية الأخرى، وعلى
رأسها قبائل الركيبات وتجكانت كما أن العديد من أبناء وأسر القبيلة ما زالت تعيش في
منطقة تندوف التي لا تفصلها عن الحدود الترابية لمركز فم الحصن إلا أقل من 200
كيلومتر.
وقد شارك أبناء القبيلة وبكثافة في المسيرة الخضراء وانخرطوا في صفوف الجيش الملكي
ومختلف الوحدات المسلحة، وقدمت القبيلة العديد من الشهداء والمفقودين والأسرى في
حرب الصحراء، بالإضافة إلى المعاناة والأضرار الجسيمة التي تكبدتها القبيلة مند
اندلاع الحرب سنة 1975، والمتمثلة على الخصوص في هجمات البوليساريو المتكررة في
نهاية السبعينات التي استهدفت مناطق فم الحصن وأقا التي يستقر بها أغلب سكان
القبيلة الذين كانوا بمثابة الدرع الواقي للدولة على طول الشريط الحدودي مع
الجزائر، ناهيك عن الأضرار الاقتصادية التي نتجت عن حرمان القبيلة ولسنوات طويلة من
استغلال أملاكها الفلاحية على ضفاف وادي درعه التي شكلت تاريخيا مورد عيش أساسيا
لسكان المنطقة، وذلك بسبب وجودها على مشارف الحدود الجزائرية واعتبارها منطقة عازلة.
وبالرغم من تلك المعاناة المريرة، فإن أبناء القبيلة ظلوا صامدين في منطقتهم ولم
يفكروا يوما في الهجرة أو مغادرة منازلهم حتى في الفترات الحرجة من الحرب. بل إن
أهالي القبيلة سارعوا للدفاع عن النفس وحماية الوطن حيث تطوع السكان المدنيون
وخصوصا الكهول الذين سبق لهم أن تمرسوا في صفوف المقاومة وجيش التحرير لحمل السلاح
في كل من أقا وفم الحصن بعد تعرضها لهجمات البوليساريو في نهاية السبعينيات
وزيارتها من طرف وزير الداخلية آنداك.
بالإضافة إلى هذا، فإن قبيلة آيت أومريبط تعتبر من بين القبائل التي اعترفت الأمم
المتحدة بصحراويتها وذلك بقبول العديد من أبناء القبيلة من طرف المنورسو وتسجيل
العديد من الأفراد والعائلات المريبطية في اللوائح النهائية للاستفتاء (لوائحH61
قبائل الشمال/الشراكة). بل إن بعض شيوخ ومؤطري عملية الأمم المتحدة لتحديد هوية ذوي
الحق في الاستفتاء بالصحراء ينتمون إلى قبيلة آيت أمريبط، علما بأن العديد من أبناء
وأسر القبيلة يقيمون بجميع مدن الصحراء من الداخلة مرورا بالعيون، السمارة وبوجدور
وانتهاء بأكلميم، أسا والزاك. و منهم من استقر بمنطقة الساقية الحمراء مند الاحتلال
الإسباني وخاصة بمدينة العيون. إلا أن منطقة تمنارت، فم الحصن وأقا هي التي تستقر
بها الغالبية العظمى من أبناء القبيلة مند زمن طويل.
وقد ظلت القبيلة عرضة للتهميش رغم تضحيات أبنائها وخصوصا مند إحداث التقسيم الإداري
لسنة 1977 الذي أحدثت على إثره عمالة طاطا التي ألحقت بها منطقة فم الحصن وذلك ضدا
على جميع المعايير الجغرافية والسوسيو اقتصادية والتاريخية حيث إن المكان الطبيعي
لمنطقة فم الحصن وأقا التي تسكنها أغلب عشائر القبيلة هي أقليم أسا-الزاك الذي
تربطه علاقات سوسيو ثقافية وتاريخية مع أبناء قبيلة آيت أومريبط ترجع إلى قرون
طويلة. بل إن المسافة الفاصلة بين مدينتي أسا وفم الحصن لا تتعدى 70 كيلومتر
بالإضافة إلى كون قبيلتي آيت اومريبط وآيت اوسى يجمعهما تاريخ مشترك مند سنوات
الترحال والعيش في الخيام.
إن التاريخ المشترك لقبيلتي آيت أومريبط وآيت أوسى وطبيعتهما الصحراوية بالإضافة
إلى عامل الجوار والقرب بينهما نتجت عنه علاقات عائلية وأواصر المصاهرة والاستغلال
المشترك للمراعي وأماكن الحرث (وادي درعة) والأملاك الزراعية، بل هناك موسم ثقافي
وتجاري مشترك بين قبيلتي آيت أمريبط وآيت أوسى يقام سنويا في زاوية "سيدي صالح" في
الحدود بين فم الحصن وأسا، ومازال مستمرا إلى حدود اليوم.
وما زال سكان القبيلة يعانون من تبعات إلحاق منطقتهم بإقليم طاطا الذي يبعد عن مركز
فم الحصن بأزيد من 140كيلومتر، الشيء الذي يرغم أبناء القبيلة لقطع تلك المسافة
ذهابا وإيابا وتحمل متاعب ومصاريف التنقل للحصول على أبسط وثيقة إدارية في حين يمكن
اختزال تلك المسافة إلى النصف وتقريب الإدارة من مواطني المنطقة في حالة إلحاق
المنطقة بإقليم أسا-الزاك، بل والمساهمة في جمع شمل العديد من ألأسر والعائلات
الموزعة بين مدينتي فم الحصن وأسا وربط الحاضر بالماضي المشترك بينهما.
هذا وإذا كان سكان المنطقة من أبناء قبيلة آيت أومريبط الذين حرموا من الامتيازات
الممنوحة للأقاليم الجنوبية طوال السنوات الماضية بالرغم من تضحيات أبنائها قد
عانوا كثيرا من تهميش منطقتهم و تغييبها من البرامج والأجهزة الخاصة بالصحراء، فإن
إقصاء القبيلة من التمثيلية في المجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء قد جاء
لتكريس هذا التهميش والإقصاء الذي عانت منه القبيلة لسنوات عدة.
وبمجرد الإعلان عن تشكيلة المجلس مباشرة بعد الخطاب الملكي بالعيون، عم الاستياء
صفوف أبناء القبيلة الذين استغربوا إقصاء قبيلتهم التي تعتبر واحدة من القبائل
الصحراوية العريقة. وبمرارة كبيرة يتسائل الجميع عن سبب إقصاء قبيلتهم وإقصاء
العديد من القبائل الصحراوية الموجودة بإقليم طاطا الذي ينتمي إلى جهة كلميم
السمارة، ويتعلق الأمر بقبائل اداو سلام، داو بلال، اولاد جلال واعريب وآخرين.
و مما زاد من مرارة الإقصاء أن المجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء في صيغته
الجديدة، حسب الخطاب الرسمي للدولة، أريد له التأسيس لمرحلة جديدة في تدبير شؤون
الصحراء وفق رؤية جديدة تقطع مع المقاربة السابقة في أفق منح أقاليم الصحراء نظام
الحكم الذاتي الذي سيخول لجميع قبائل الصحراء المشاركة في تدبير شؤونهم وتسيير
إدارتهم، الشيء الذي يستلزم إشراك جميع سكان الصحراء في المجلس وبشكل يراعي تمثيلية
جميع القبائل و مختلف المناطق.
إن قبيلة آيت أومريبط تتشبث بهويتها الأمازيغية والصحراوية الضاربة في جذور وفيافي
الصحراء التي توارث أبناء القبيلة نمط عيشها وأعرافها وتقاليدها أبا عن جد، وخبروا
مسالكها وفجاجها ودافعوا وببسالة عن رمالها ووديانها طوال الفترات العصيبة
والخطيرة، وذلك بالرغم من عواصف ومنعرجات التاريخ الملتوية والغير المنصفة في غالب
الأحيان.
ومن أجل إنصاف القبيلة وإعادة الاعتبار إليها، فإن الدولة مطالبة بما يلي:
ـ إشراك ممثلي القبيلة في المجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء.
ـ إنصافها في التقسيم الإداري المرتقب، وذلك بإلحاق دائرة أقا باقليم أسا-الزاك
ـ إدماج منطقة باني/درعة ضمن المناطق التي سيشملها مشروع الحكم الذاتي المرتقب.
(علي أقديم، فاعل جمعوي)
|