| |
رمزية
الحيوان من خلال بعض الحكايات والأمثال المتداولة بمدينة أبركان (1/2)
إنجاز الباحثة: مريم مركوم –كلية الآداب
وجدة-
المقدمة:
تعد الحكاية الشعبية والأمثال من بين الموروثات الشعبية بالمغرب التي لها صدى واسع
بين مختلف الأفراد، وهذان النسقان الثقافيان يمثلان الذاكرة المرجعية للمتخيل
الشعبي، ويكونان الأساس المرجعي للسلوك الجمعي، كما يلخصان الحمولة الثقافية،
والفكرية لمجتمع ما ويعبران عنه. وهما نوعان مهمان من أنواع الإبداع الأدبي في
الثقافة المغربية، إلى جانب الغناء والأسطورة والألغاز والنوادر والأحاجي...
لذا ارتأيت البحث من خلالهما عن رمزية الحيوان، مستعينة ببعض الحكايات والأمثال
الشعبية المتداولة بمدينة أبر كان، لما لهما من دور فعال في الأوساط الشعبية.
I) تعريف الحكاية والمثل
قبل الحديث عن رمزية الحيوان من خلال الحكايات والأمثال الشعبية، لابد من التعريف
بكل من الحكاية والمثل، باعتبارهما وعاء ثقافيا يعبر عن اللاشعور الجمعي لمجتمع ما.
فيمكن القول بأن «مصطلح الحكاية الشعبية جديد، لا بالقياس إلى الأدب العربي وحده،
ولكن بالقياس إلى الآداب العالمية. ومع ذلك تعد الحكاية الشعبية من أهم وأقدم ما
ابتدعه الإنسان، فهي ذاكرة قديمة تعبر عن مشاعره، وأحاسيسه، وواقعه، وتخيلاته،
وتصوراته، فهي ترتبط بالواقع وتعطيه صيغة خيالية تأملية، لتحسن التعبير عن حدوثها
في الواقع»1. وقد عرفت الحكاية الشعبية بكونها نوعا «من أهم الأنواع النثرية في
الأدب الشعبي، وهي ترجع في أصلها إلى المعتقدات الأولى للإنسان، وهي كذلك، ما يدل
على وحدة الفكر البشري»2. وهي ما يعرف عند المجتمع التقليدي في شمال إفريقيا
بالدارجة، بالمحاجية أو الخرافة، وبالأمازيغية «تحاجيت» أو «ثنفوستط. وعادة ما تروى
هذه الحكايات في سهرات السمر الليلية، وبطقوس معينة، ويحرم تداولها في النهار،
بدعوى أن من يرويها في الفترة الصباحية يصاب أولاده بالقرع.
وتتسم الحكاية الشعبية بكونها «ثمرة تفكير إنساني، وهي ليست عمل فرد بذاته. بل هي
من صنع الجماعة الإنسانية والمجتمع، وهي مجهولة المؤلف»3 وهي عريقة مأثورة، انتقلت
من جيل إلى جيل، مصورة للحياة الواقعية بأسلوب واقعي، ذاكرة لخصائص الجماعة
الاجتماعية، والعقائدية، والتاريخية، والعرقية، واصفة لأحداث وعادات وتقاليد
الجماعة، وقد تجرد الأحداث وتعطيها صيغة خيالية، وهي تعتمد على السرد لإثارة
المتلقي، بنقدها اللاذع، وسخريتها المرة، وفكاهتها الضاحكة، وعبرتها الرادعة.
وقد فرق علماء المأثورات الشعبية، بين العديد من أشكال الحكاية الشعبية، بحيث تعددت
أنماطها فتجد الحكاية الخرافية، والأساطير، وقصص الخوارق، والحكايات العجيبة،
وحكايات العادات، وحكايات الحيوان، والحكايات المرحة، وحكايات الجان، وحكايات
الحياة المعاشة. ولعل القاسم المشترك بين هذه الأنواع هو أهميتها في حياتنا
اليومية، بحيث يجد فيها الإنسان متنفسه من كل أنواع الضغوط الاجتماعية، وكذا خروجه
من قيده الزماني والمكاني، وتعبيره عن كل ما يجول في خاطره دون قيد، ومن ثم الحفاظ
على الموروث الثقافي الذي يحمل في ثناياه قيما اجتماعية مثالية، ربما انهارت بتأثير
الزحف المدني إلى المجتمع الشعبي، وكذا تطور وسائل الإعلام والتكنولوجيا.
أما الأمثال الشعبية فهي «تسجيل قولي كلامي، في جمل قصيرة لبعض ما مر بالإنسان من
أحداث استخلص منها مآثر ومواعظ»4. وهي منظومة من القيم الثقافية، مصاغة في نصوص
قصيرة وموجزة وثابتة، متداولة بين الأفراد، كما «تمثل خلاصات لتجاربه السابقة،
واستنتاجاته في الحياة، ومواقفه النهائية المضبوطة، المتبلورة المستندة على حوادث
مدققة مرتبطة بظروفها ومرجعياتها القصصية التي يحفظها ويتداولها ويرددها ويطبقها
على المواقف المختلفة التي يتعرض لها وتحدث له، ويتخذها دستورا، ونصوصا مرجعية»5.
وهذا الأنموذج المعرفي الناتج عن فعل سابق غالبا ما يذكر عند الاعتقاد بأنه سيتكرر
من طرف شخص ما، و»يتخذ المثل فاعليته وقوته من مقدار ملاءمته شكلا للموضوع الذي
أريد له أن يكون معبرا عنه ومانحا له صفة المشابهة والمشاكلة»6.
ويذهب مالينوسكي الأنثروبولوجي إلى القول بأنه من الخطأ أن ينظر إلى الأمثال على
أنها شكل من أشكال الفولكلور، أو مستند أوتوغرافي خاص بأحوال الشعوب، بل هي حكم
وقصص، وانتقاد لاذع للحياة، وتعبير شعبي يعكس الخلفية التاريخية، وخبرة الإنسان
التي اكتسبها من خلال ممارسة الحياة نفسها7. ولعل التركيز هو السمة الأساسية التي
تميز المثل عن الحكاية لأنه «لا يصف التجربة أو يسرد تفاصيلها، ولكنه يحمل رأيا
فيها»8 وهو أكثر الأنواع الشعبية انتشارا بين الشعوب، ويمتد ليشمل جميع مجالات
الحياة اليومية، معبرا بذلك عن طبيعة الشعب وذكائه وفلسفته.
من خلال ما سبق يتبين لنا، أن كلا من الحكاية والمثل، يعكسان لنا الجوانب المختلفة
للإنسان الشعبي، فكلاهما وعاء يحتوي على مخزون ثقافي من إنتاج الشعب يستهلكه ويجدده
حسب حاجته. ولا أحد ينكر ما لهذا الأدب الشعبي من قيمة كبرى، يجهلها البعض من
المتعصبين والمستنكرين، ويحاول البعض الآخر استخراجها، انطلاقا من بحثهم المتواصل
في ثنايا هذا الأدب الزاخر بالقيم والرموز، التي ما زالت موشومة في ذاكرة كل فرد.
II رمزية الحيوان من خلال بعض الحكايات والأمثال بمدينة أبركان
لعل التنوع التضاريسي والغابوي والثروة المائية والمناخ المعتدل، كلها عوامل ساعدت
على تكاثر وتواجد ثروة حيوانية متنوعة ومتعددة بشرق المغرب، لذا حاولت البحث في
رمزية هذه الحيوانات التي نجدها مذكورة في الحكايات الشعبية بمدينة أبركان، خاصة
وأن هناك تباينا في تعامل الإنسان البركاني مع هذه الحيوانات، وذلك وفق حاجاته
اليومية لها، فهناك من اتخذها وسيلة للتنقل، وهناك من اعتمدها في استهلاكه اليومي،
وهناك من طاردته بعض الحيوانات وأعاقت تنقله ووصلت إلى حد افتراسه، ويمكن تقسيم هذه
الثروة الحيوانية إلى ثلاث أقسام رئيسة:
* الحيوانات الأليفة: وهي التي ألفت الإنسان وأصبحت تعيش في محيطه، يعتني بها أو
يستخدمها لقضاء حاجياته وأغراضه اليومية، وهذا النوع كثير.
* الحيوانات المفترسة: وهي التي اتخذت صفة العداء ضد الإنسان، فنجدها تعيش في
الغابات، ومن أبرز مميزاتها كثرة الغضب والقوة وكذا الذكاء والسرعة، بالإضافة إلى
رشاقة الجسم وقوة العضلات، وكل هذه المميزات هي أسلحة وهبها الله إياها لتتمكن من
الحصول على قوت يومها.
* الحيوانات المائية: ويعد هذا القسم الأخير ثروة مهمة، لأن المجال المائي ساعد على
نموه وتطوره، فالثروة السمكية متنوعة وكثيرة ببلادنا، وهي مصدر عيش الكثير من
الأفراد بالمنطقة.
وكما سبقت الإشارة، هناك بعض الحكايات والأمثال المتداولة بمدينة أبركان، تتضمن
أسماء بعض الحيوانات، وهي ترمز لأشياء متنوعة، لربما أراد من خلالها الإنسان
التعبير عما يجول بخاطره بطريقة رمزية جميلة، مصاغة في قالب حكائي ما زال متداولا
في الأوساط الشعبية، لما يحمله من عبرة وطرافة. وسأقسم هذه الحكايات والأمثال حسب
الأبواب الآتية:
1) في باب القط:
الهر أو القط بالعربية الفصحى، أو «المش» بالدارجة، أو «موشْ» بأمازيغية بني
يزناسن، من الحيوانات الأليفة التي يعتني بها الإنسان، وهي بدورها، تحميه من شر
الفئران والزواحف، وتؤنس وحدته بموائها على السطوح، وجولانها بالليل كأحد الحراس
الصادقين. فمن الأمثال المتداولة عن القط نجد «الفأر لمقلق من سعد المش». ومن خلال
هذا المثل يحاول الإنسان إبراز دقة ملاحظة القط ونباهته في كل حين، كما يشبه
الإنسان المتسرع بالفأر الذي يقع في المصيدة وهي القط، وهذا الأخير رمز للإنسان
المتأني الذي يبحث عن فريسته بهدوء. أما قولهم «إذامن زو كيدي إغويان زو موش»، فهذا
المثل يضرب في الإنسان الكثير الصراخ والكلام رغم ارتكابه لأخطاء لا تغتفر، ولكثرة
كلامه وتبريراته يصدقه الناس ويتجاهلون المظلوم الحقيقي. ويعتقد الإنسان البركاني
أن القط الأسود هو شيطان يضر من يضربه أو يلمسه خاصة في الليل، أما مواء القطة
المتواصل إلى حد الإزعاج فنذير سوء، أما لحس القطة لقوائمها فهو نداء على رزق غير
منتظر، لأنها بلحسها لقوائمها تقوم بالوضوء والدعاء في صلاتها لأصحاب المنزل الذي
تعيش فيه. أما قولهم «ما نشري حوت ما يتبعوني قطوطا» فهذا دليل على أن القط يستأنس
بالشخص إذا أطعمه، ويتبعه أينما ذهب، وهنا إشارة إلى الإنسان الذي يبحث عن المشاكل
أينما كانت، مثله مثل القط الذي يتبع خطوات الإنسان لمجرد اشتمامه لرائحة السمك.
الحكاية الأولى:
ومما يحكى عن القط أنه في يوم من الأيام قرر أن يذهب إلى الحج، فأخبر الفئران بذلك،
وفعلا غاب عن نظرهم عدة أشهر، وحينما عاد، عقد الفئران اجتماعا وقرروا أن يزوروه في
منزله، واقترح أحدهم أن يذهب بمفرده حتى يختبروا مدى هدوئه وتغيره. ولما ذهب الفأر
وطرق باب القط فتح له هذا الأخير، وضايفه وعامله بلطف وسأله عن باقي الفئران وعن
سبب تخلفهم عن زيارته، أخبره الفأر الذكي حينما أحس بغدره بأنهم سيأتون عما قريب
لعقد مؤتمر صلح فيما بينهم، وهكذا فرح القط وترك الفأر يذهب على أساس أنه سيستمتع
بالتهام جميع الفئران في المرة القادمة. ولما وصل الفأر إلى أصدقائه سألوه عن أحوال
القط وعما رآه هناك حينها تحدث قائلا «عمي المش حج وأمارات الحج عليه، شلاغمو
يرتعدوا، والقفزة ما زالت فيه، واللي عندو شي غار يحفر ويزيد فيه»، وهكذا نجا
الفئران من القط وما زالت العداوة قائمة بينهم إلى حد الساعة، فمن خلال ما سبق
ذكره، يمكن القول بأن القط رمز للفطنة والحذاقة، وكثيرا ما استعمله الإنسان
البركاني أثناء تعبيره عن سلوك معين، ومخاطبته لشخص ما، معتمدا بذلك التستر وراءه
لتفادي المواقف الحرجة والمخجلة.
2- في باب الذئب والقنفذ.
ارتأيت الجمع بين الذئب والقنفذ في باب واحد، لأنهما كثيرا ما يلتقيان معا في
الحكاية ولا يفترقان.
فالذئب شخصية أساسية في حكايات الحيوان، ويطلق عليه عدة أسماء مثل: «أوشن» أو
«أكعب»، ويطلق عليه أيضا اسم «علي بنيونس»، وهو حيوان كثير الخبث، ذو غارات وخصومات
وحيل شديدة، يضرب بهذا الحيوان المثل في الذكاء، والمكر، والخبث، قوته الجيف،
والثمار، والأرانب، والطيور، والدجاج.
أما القنفذ أو «إينسي» بأمازيغية بني يزناسن، يطلق عليه أيضا اسم «بومحمد»، أو
«بوسبع نتحيلاثين».
ومما هو مشاع بين أفراد المجتمع البركاني، أن الذئب له مائة حيلة وحيلة، أما القنفذ
فله نصف حيله فقط، ورغم قوة الذئب العضلية والفيزيولوجية، فان القنفذ يتغلب عليه
دائما، وغالبا ما ينقذه من الأشراك التي ينصبها له، ليبين له أنه طيب، وإنما يفعل
به ذلك حتى لا يحتقره لمجرد صغر حجمه. وكثيرة هي الحكايات التي تنصب في هذا المجال،
وقد تولدت عنها أمثال لا زالت تضرب للعبر والموعظة لحد الساعة، وهي:
الحكاية الأولى:
يحكي أن القنفذ والذئب كانا يسيران في الطريق بحثا عن القوت، وبينما هما يتجادلان
ويتبدلان أطراف الحديث، أحس القنفذ بأن الأرض التي يمشيان عليها رطبة – وهذا دليل
على وجود شرك بها، منصوب من طرف أحد الفلاحين- فتوقف وقال للذئب: أرجوك أن تصفعني
بقوة، فقال له الذئب: لماذا؟ قال: لأنني لا أستحي، فأنا أصغر منك ومع ذلك أسبقك في
المشي وأتقدمك، فعلي أن أبقى خلفك احتراما لك، وفعلا صفعه الذئب ومشا وبعد بضع
خطوات، سقط الذئب في الشرك كما كان متوقعا، حينها بدأ الذئب يتوسل إلى القنفذ كي
ينقذه لكن هذا الأخير، سخر منه وتركه ينال جزاءه. فهذه الحكاية تساق في مجال التفكر
في الأمور، والانتباه إلى المصائب قبل وقوعها.
* الحكاية الثانية:
في يوم من الأيام تشارك القنفذ والذئب في زراعة قطعة أرضية، وكانت الغلة كثيرة تلك
السنة، ولما جمعوا القمح في البيدر، قال الذئب للقنفذ – وغرضه السخرية من القنفذ
والاستحواذ على نصيبه- تعال نجري سباقا، والفائز يأخذ المحصول كله. ورغم محاولة
القنفذ في إقناع الذئب لاقتسام المحصول، ورده عن قراره، لكن هذا الأخير أبى إلا أن
يجري السباق، واتفقا لإجراء السباق في الصباح الباكر. ذهب القنفذ إلى أصدقائه
ووزعهم على عدة أماكن انطلاقا من مكان السباق إلى نهايته أمام المحصول. أما الذئب
الغبي فقد كان فرحا نشطا، وبدأ السباق، وكلما وجد الذئب القنفذ في مكان يقول له:
ألا زلت هنا؟ ويضحك. وهكذا... وحينما وصل إلى المكان المحدد، وجد القنفذ هناك يملأ
الأكياس بالقمح، أما هو فقد خرج من المسابقة خاوي الوفاض، حينها قال له القنفذ
المثل الذي لا زال متداولا لحد الساعة «الحيلة أحسن من العار».
* الحكاية الثالثة:
في يوم من الأيام، وبينما القنفذ والذئب يسيران في الطريق، عثرا على «متمورة»- مكان
لتخزين الحبوب- مفتوحة، فقررا سرقة الحبوب، واقترح الذئب أن ينزل القنفذ بحجة أنه
صغير ويمكن سحبه بسرعة، فوافقه القنفذ على اقتراحه، وفعلا اكتالا ما يكفيهما لمدة
طويلة، وحينما طلب القنفذ من الذئب أن يسحبه إلى الخارج، ضحك الذئب وأخبره بأنه
سيتركه هناك، فقال له القنفذ حسنا افعل ما شئت، لكن عندي طلب أخير، وهو أن تسحب هذا
الدلو وتعطي ما به من حبوب لأبنائي. فحن قلب الذئب ووافق على طلبه. فسحب الدلو
المملوء بالحبوب وأفرغه في كيس جديد، وحمل جميع الأكياس على ظهره. وحينما مر ببيت
القنفذ وجد أبناءه يلعبون في الساحة، فبكى الذئب وقال لهم: إن هذا الكيس من الحبوب
قد بعث به لكم والدكم، أما هو فرحمة الله عليه. حينها خرج القنفذ من الكيس ضاحكا
وقال للذئب: كفاك مزاحا يا صديقي، لا تجعل أبنائي يقلقون بشأني فأنا مازلت حيا
أرزق.
* الحكاية الرابعة:
كان القنفذ والذئب يسيران في الطريق، فوجدا قطعة من اللحم على الناصية، فقال الذئب:
الأكبر سنا يأكلها. فرد القنفذ قائلا: نعم، لذا أعطني دليلا يؤكد لي أنك أكبر مني
سنا. فقال الذئب: لقد فتحت عيني على الحياة حينما كانوا يحفرون البحر، حينها بدأ
القنفذ بالبكاء والنحيب. فقال له الذئب كفاك بكاء إن قطعة اللحم من نصيبي. فقال له
القنفذ: أنا أبكي لأنك ذكرتني بولدي الحسن والحسين، اللذين ماتا أثناء حفر البحر.
وهكذا تغلب ذكاء القنفذ مرة أخرى على مكر الذئب وخبثه. وهناك مثل يقول:
«روح شك آيوشن أغنبو أنك ذا زرار»، ومعناه، أن الذئب لا يستحي ويعاود الفعل بالرغم
من أنه دائما يقع في الفخاخ.
* الحكاية الخامسة:
في يوم من الأيام ذهب القنفذ والذئب إلى بستان من العنب، وكي لا يراهما الفلاح،
دخلا من فتحة ضيقة، وبينما هما يأكلان العنب، كان القنفذ حذرا، وكان يلجأ بين
الفينة والأخرى إلى قياس جسمه مع الفتحة حتى لا يتورط أثناء الخروج، أما الذئب فقد
انبهر لكثرة العنب ولذته، ودفعه شرهه إلى التهام كل ما وجده بطريقه دون التفكير في
عاقبة الأمر، وحينما أحسا بقدوم الفلاح نحوهما خرج القنفذ مسرعا، لكن الذئب لم
يستطع الخروج، فظل يستعطف القنفذ ويستجديه، إلى أن نصحه بافتعال الموت، وحينما وصل
الفلاح، وجد الذئب مستلقيا على ظهره ببطن منتفخة، والذباب يحوم حوله، فاعتقده ميتا،
فرمى به خارجا وهو يسب ويشتم. حينها نطق القنفذ بحكمة قائلا: «الكرش غرارة ورباطها
عقل».
* الحكاية السادسة:
كان القنفذ والذئب يسيران في صحراء قاحلة، فأصيب بعطش فضيع، وبينما هما على هذه
الحال وجدا بئرا في طريقهما، فقال الذئب للقنفذ: انزل أنت وأحضر لنا الماء،
وسأسحبك. فنزل القنفذ فروى عطشه، وملأ الدلو للذئب، وحينما فرغ الذئب من الشرب أراد
أن يترك القنفذ عالقا في البئر، وحينما هب بالذهاب سمع القنفذ يضحك فقال له الذئب
ما بك؟ رد عليه القنفذ: لقد وجدت بالبئر خروفا وأنا فرح الآن أتمتع بأكله، لذا
استعمل الدول وتعال لتتمتع بالأكل والشرب، رحب الذئب بذلك واستعمل الدلو للنزول،
وفي وسط الطريق التقى مع القنفذ صاعدا لأنه أخف وزنا من الذئب، فسأله هذا الأخير:
إلى أين أنت ذاهب فرد القنفذ بحكمه المعتادة: «هذه هي الدنيا شي طالع شي هابط»،
فبقي هذا المثل متداولا لحد الآن.
(يتبع في العدد القادم)
|