افتتاحية:
على هامش انعقاد المؤتمر
القومي العربي بالمغرب:
هل أصبح المغرب مزبلة للنفايات العربية؟
بقلم: محمد بودهان
أصبح التخلص من النفايات الصناعية لدى الدول
المتقدمة هاجسا مؤرقا لهذه الأخيرة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالنفايات الخطيرة
والمسمومة الناتجة عن مواد مشعة أو نووية. لهذا تعمل هذه الدول على شراء مدافن
لنفاياتها الصناعية بدول الجنوب الفقيرة حتى تتقي أية أضرار أو أخطار قد يتسبب فيها
بقاء هذه النفايات ببلدها الأصلي. وهكذا أصبح العالم المتقدم ينتج التكنولوجيا، أما
العالم المتخلف فيستورد نفاياتها وحطامها.
ونذكّر، كمثال على المشاكل العويصة للنفايات الصناعية، أن حاملة الطائران الفرنسية
"كليمونسو" Clemenceau لا تزال تجوب البحار والمحيطات بحثا عن بلد من دول الجنوب
يقبل رسو السفينة العملاقة بموانئه قصد تفكيك آلاف الأطنان من النفايات السامة
الناجمة عن مادة "الأميانت" Amiante التي تدخل في تركيب السفينة، وذلك بعد أن
تراجعت الهند عن قرارها باستقبال السفينة/ الحطام خوفا من مخاطر نفايات "الأميانت"،
الشيء الذي اضطر "لوكليمونسو" إلى الإبحار من جديد في طريق العودة إلى فرنسا.
هذا ما يتعلق بالنفايات الصناعية. إلا أن هناك نفايات أخرى، غير صناعية. لكن
مخاطرها أشد وأكبر من مخاطر النفايات الصناعية. إنها النفايات الفكرية
والإيديولوجية التي تطرح بدورها مشكلا حقيقيا فيما يخص كيفية إتلافها والتخلص منها
بأمان وسلامة تجنبا لأضرارها وأخطارها وإشعاعاتها السامة. من بين هذه النفايات
الفكرية والإيديولوجية، نجد: الشيوعية، النازية ثم القومية العربية. لقد أصبحت هذه
الإيديولوجيات كلها حطاما وقمامة إيديولوحية منبوذة ومرفوضة من طرف الجميع بعد أن
لم تعد صالحة للاستعمال. وغالبية النفايات الإيديولوجية تدفن في مواطن نشأتها التي
ماتت بها، مثل الشيوعية التي دفنت بروسيا والنازية التي دفنت بألمانيا، باستثناء
القومية العربية التي ماتت بموطن نشأتها بالمشرق العربي، لكنها لم تدفن هناك، بل
صدِّرت إلى المغرب، ليس لتدفن هناك على غرار النفايات الصناعية التي تنقل إلى دول
الجنوب لتدفن بها كما سبقت الإشارة، بل لتنتعش وتحيى من جديد بعد أن وجدت لها
بالمغرب محتضنين ومناصرين لها يدافعون عنها ويعملون على نشرها وترويجها وتسويقها
مرة ثانية في شكلها الصدئ السام كحطام هالك انتهت صلاحيته.
وفي إطار هذا الإنعاش والإحياء للنفايات العربية وحطامها الميت،
احتضن المغرب
المؤتمر القومي العربي السابع عشر المنعقد بالدار البيضاء ما بين 5 و8 ماي 2006.
وللتذكير، فهذا المؤتمر القومي العربي عبارة عن تجمع عنصري أصبح ـ بسبب طابعه
العنصري هذا ـ مرفوضا حتى في كثير من دول المشرق العربي حيث نشأت القومية العربية.
وقد كان السيد معن بشور، الأمين العام للمؤتمر القومي، أي العنصري، صادقا وواضحا
عندما صرح للتلفزة المغربية (نشرة الثامنة ليوم الجمعية 5 ماي 2006) بأن كل الأقطار
العربية كانت قد أغلقت أبوابها في وجه المؤتمر القومي العربي ولم نجد سوى المغرب
الذي رحب بانعقاد المؤتمر فوق أرضه. نعم، كل الأقطار العربية رفضت انعقاد المؤتمر
القومي العربي ببلدانها حماية لنفسها من نتن النفايات السامة للقومية العربية التي
ماتت وانقرضت ولم تبق منها سوى الأزبال المتعفنة والنفايات السامة التي وجدت لها
أوراشا بالمغرب لترميمها وإصلاحها وبعث الحياة فيها من جديد.
فباختضانه للمؤتمرر القومي العربي، يقدم المغرب الدليل الساطع على
أنه أصبح مزبلة للنفايات العربية. وقد قام بهذا الدور ـ دور مزبلة للنفايات العربية
ـ في الحقيقة منذ أن استقبل إدريسَ الأول، أول هذه النفايات القادمة من المشرق
العربي بعد أن انتهت صلاحية استعمالها هناك. لكن، هنا بالمغرب، تم تمديد صلاحية
إدريس الأول، المنتهية بالمشرق، إلى تاريخ لم ينته بعد إلى الآن. وهذا ما تفوق فيه
وتميز به المغرب عن المشرق: استقبال نفايات وأزبال هذا المشرق، سواء كانت إفرادا أو
أفكارا أو إيديولوجيات، كالقومية والإسلاموية والوهابية، وحتى الإرهاب. فكل ما أصبح
ميتا ومنتهيا بالمشرق العربي، يجد له حياة ثانية بالمغرب.
والسؤال: كيف يسمح المسؤولون بالمغرب، البلد الأمازيغي الإفريقي، بعقد مؤتمر قومي
عربي، ذي مبادئ عنصرية وأسس عرقية، فوق أرضه الأمازيغية، مع العلم أن هذه المبادئ
العنصرية والأسس العرقية للقومية العربية هي التي استعملت في المغرب لإقصاء
الأمازيغية لما يزيد عن نصف قرن؟ فلو انعقد هذا المؤتمر في تركيا أو إيران أو
فرنسا، لما كان هناك اعتراض على ذلك الانعقاد فوق تلك الأرض، لأن القومية العربية
لم يسبق لها أن استعملت لإقصاء الهويات الأصلية لتلك البلدان كما هو حال المغرب
الأمازيغي. أما أن يعقد المؤتمر القومي العربي، المعادي للأمازيغية أصلا ومبدأ، فوق
الأرض الأمازيغية، فهو من باب من يستضيف قاتل أمه أو ابنه في عقر داره. إنه إذن
استفزاز، آخر، من طرف المسؤولين العروبيين المغاربة، لمشاعر الأمازيغيين وتحدِّ
سافر للحركة الأمازيغية التي تطالب بالقطع مع القومية العربية التي لم يجن منها
المغرب سوى التخلف والتبعية والاستلاب.
ثم كيف تقبل دولة تدعي أنها حداثية وديمقراطية تجرّم قوانينها الإرهاب والعنصرية
مثل المغرب، بانعقاد مؤتمر مبادئه قومية عنصرية، وأهدافه قومية عنصرية، ومبررات
انعقاده قومية عنصرية وهي الوحدة العربية القائمة على العرق والدم؟ فقبول انعقاده
بالمغرب يعني تحريضا، من طرف المسؤولين الذين سمحوا بذلك، على العنصرية وكراهية
الآخر المنتمي إلى عرق آخر. كيف يرخص المسؤولون العروبيون المغاربة لانعقاد مؤتمر
قومي عنصري بالمغرب يقول أمينه العام: "إن تنظيم القاعدة جزء من المقاومة"؟ (في
الندوة الصحفية لمعن بشور التي نقلت وقائعها "التجديد" ليوم 6 ماي 2005). مع أنه
كان ينبغي أن تتدخل النيابة العامة على الفور لاعتقال صاحب هذا التصريح تطبيقا
للفقرة الأولى من الفصل 218 من القانون الجنائي، والمتعلقة بتمحيد الأعمال
الإرهابية.
كيف يحتضن المغرب مؤتمرا قوميا يبني مشاريعه
على الأوهام والخرافات ونرجسية العرق والدم، ويمارس أصحابه النضال على شكل استمناء،
ليس كعادة سرية، بل كعادة علنية وجماعية تشعرهم بنشوة الانتصار الوهمي وبناء الوحدة
الوهمية، وهو ما يريحهم من هم المواجة الحقيقية للواقع الحقيقي، تماما كالمستمني
الذي يتخيل أنه يضاجع أجمل بنت في الدنيا مع أنه لا يجامع في الحقيقة إلا نفسه دون
أي موضوع خارجي واقعي يمارس عليه الجنس؟
ثم ماذا يستفيد المغرب من
احتضان مؤتمر قومي عنصري فوق أرضه؟ فبإلقاء نظرة على جدول
أشغال المؤتمر، نلاحظ أن كل
هذه الأشغال مخصصة للقضايا العربية بالمشرق، وعلى رأسها
فلسطين والعراق. فلو أدرج المؤتمر ضمن أشغاله قضية احتلال المدينتين المغربيتين
سبتة ومليلية، وقضية الصحراء المغربية، لكان هناك على الأقل مبرر معقول لقبول
انعقاد المؤتمر بالمغرب. فالعرب يتجاهلون بالمطلق هذه القضايا المغربية التي
يعتبرونها "بربرية" لا تعنيهم في شيء. لهذا لم يسبق لهم أن تضامنوا مع المغرب ولا
ساندوا قضاياه ولو حتى بواحد في المائة من مقدار مساندته هو للقضايا العربية
بالمشرق. فلماذا إذن هذا التزلف للعروبة البائدة لخدمة قضاياها والولاء لها رغم
أنها تشيح بوجهها عن المغرب ومشاكله؟ لماذا هذا التهافت على المشرق إلى درجة العمل
على إحياء ما مات منه من جديد بالمغرب كما هو حال القومية العربية؟
في الحقيقة، إن تاريخ/أسطورة طارق بن زياد وإدريس الأول يتكرر باستمرار في علاقة
المغرب بالمشرق. وهذا التكرار هو الذي يفسر طريقة تعامل المغرب مع العرب وتعامل
العرب مع المغرب. فكل ما يأتي من المشرق العربي، يعامل بالتبجيل والتكريم كإدريس
الأول الذي وجد بالمغرب، بعد أن فر إليه من المشرق كحطام منبوذ وغير نافع، كل
الترحاب والاحترام والتقدير، والملْك والحكم، والولاء والنساء. هكذا تنظر النخبة
المقررة بالمغرب إلى العرب: إنهم دائما يمثلون إدريس الأول "الشريف" الخالد
المتجدد، والمغاربة يمثلون "البرابرة" المغفلين الذين نصّبوه ملكا عليهم كما تقول
الأسطورة. أما دور المغرب، كما تريده وتمارسه النخبة المقررة، فيتمثل في تقمص شخصية
طارق بن زياد كـ"بطل"
خالد ومتجدد يتجدد معه الولاء للخلافة ـ التي أصبحت خلافات ـ بالمشرق، والتفاني في
خدمتها، والتضحية من أجلها، ومناصرة قضاياها كقضايا وطنية تحظى بالأولوية.
وبالفعل، فقد انتخب المؤتمر طارقا بن زياد ثانيا، هو
المغربي خالد السفياني، مجنون صدام حسين، بطلا له ـ أمينا عاما ـ ليقود جيش العرب نحو النصر!
أليس التاريخ يعيد نفسه؟
لكن ماذا كان جزاء طارق من طرف العرب الذين خدمهم طوال حياته؟ كان جزاؤه نكران
الجميل، والحبس، والإذلال إلى أن مات جائعا متسولا لا يُعرف له قبر ولا مدفن. هذا
النكران للجميل يتكرر ويتجدد كذلك في تعامل العرب مع المغرب: فرغم كل ما يبذله
المغرب من مجهود في دفاعه عن القضايا العربية واستباحة أرضه لنفاياتها وأزبالها،
إلا أن العرب لا يناصرون المغرب في قضاياه ولا يساندونه في ملف صحرائه ولا يقفون
بجانبه لاسترداد سبة ومليلية والجزر الأخرى المحتلة، ولا يستفيد شيئا من البترول
العربي الوفير الذي تستفيد منه حتى إسرائيل بطريق غير مباشر.
فمتى ستقطع النخبة المقررة بالمغرب مع ذهنية طارق "المتعاون" وإدريس "الشريف"، التي
تحكم علاقتها بالمشرق العربي؟ متى ستضع حدا لاستيراد القمامة العربية السامة
والضارة التي حولت المغرب إلى مزبلة لإيواء أزبال ونفايات المشرق العربي؟
إن القطع مع هذه الذهنية يتوقف على رد الاعتبار للأمازيغية كهوية رسمية للمغرب
قائمة بذاتها، في استقلال عن أية تبعية للمشرق.
وأخيرا لماذا إنشاء معهد للنهوض بالأمازيغية، إذا كان المقررون مستمرين في دعم
وحماية واحتضان ونشر الفكر القومي العنصري المعادي للحقوق الأمازيغية؟ هل هو استخفاف
بالمطالب الأمازيغية أم استبلاد للأمازيغ؟
لكن حبل الكذب قصير، كما يقال.
|