| |
وقالت الأمازيغية: «العربية
ابنتي... فمن هم العرب؟»
بقلم: أمس أتاف زيان ابن الأطلس
قالوا الكثير وكتبوا المثير على أن العروبة في الأمم أصل عريق
منيع... وأن العربية هي لغة البدء والمنتهى، فمن آدم وحتى الجنة قالوا إنها اللسان
الرفيع... فقال الناس آمين مصدقين من دون فحص الكلام المذيع... لكن لما تعلق الأمر
بالتعامل مع الأمازيغ، وأمام انزواء هؤلاء في صمت هزيع واكتفائهم في محنة التاريخ
بحال بكم وضيع، انبرى العرب من خلف حجب الإسلام وتحت ظلال السيوف لأي كلام «ذريع»...
قالوا إن الأمازيغ قوم «بربر» بلسان فج «شلح لغيغ»... وقالوا إنهم إنما «سكان
أقدمون» أي من «الغاشي الرعيع»، عن حبش وعن مصر جاءوا وكونوا شعبهم «اللهيج» الرقيع...
فكان على الأصل الفصل بغزو مريع... ينشر الحضارة ويصلح الوضع الخليع... ولما يحسون
بنهاية الوهم المميع، قالوا وكل فيها سميع إن «الأمازيغ عرب قدامى» ولغوهم عربي
الصنيع... فلعنة الله على كل فاسق يأتي بالنبأ الشنيع...
ليس هذا غناء من طرب المقامات... بل واقع تاريخ سمح فيه للعرب بالإهانات... وبعدهم
لمن هم في مثل وضعهم بالذات، بعد أن نقلوا عنهم كل الترهات، أن يقولوا ما يريدون
تحت جنح ظلام قرون الجهالات... واقع صمت أمازيغي بهيم ظل مستمرا فينا حتى اليوم رغم
طلوع الشموس الساطعات... هذا الاستسلام من الأحرار دون أن يدري أحد إن كان ذلك من
لاوعي مريض يغط في الجهالات أو من جبن معيب أو حتى من خيانات...
لكن والحمد لها أم اللغات... الأمازيغية أقوى من سطو أعدائها ومن أهلها البكم
الصمات...
لغة الإنسان العالمة بالأسرار والحاملة لحقائق الأخبار تعلن للأحبة والأخيار
وللأعداء الأشرار أنها قررت أن لا تسكن بعد اليوم للاستهتار... ولا للاستهانة
الفكرية التي نقلها اللاحقون عن السابقين بلا استبصار... ولا لأن يظل الكبار الفجار
يكذبون على الأطفال الصغار... قررت، ونعم القرار، أن تقول ما تعلم من صحيح الأخبار
مما لم تسر به ركبان ثقافات الاستعمار ولا خطرت ببال العالم والأمصار... قررت أن
تعلم الجميع، من الكهل حتى الرضيع، أنها ربة الديار... و أنها أم الدنيا لمن شاء أن
يعلم إنما العالمين فيها أشقاء لولا حضارات الإنكار...
فاعلم حفظك الرب الكريم... وهو خبر في مسار الفكر عظيم... أنك إن أخذت أية كلمة من
العربي السليم... و سألت نفسك عن سر شكلها وتكوينها الرميم... لم هي هكذا بالضبط
ولم تكن شيئا آخر في التصميم؟... و طبعا لم، ولن، تسعفك عربيتك في فهم قويم...
فاستعذ بالله الواحد الصمد العظيم من خناس الشيطان الرجيم... وارجع للأمازيغية فهي
جدة هذا العالم الأثيم... تخبرك اليقين وتمدك بالشرح الوافي السليم، كيف كون آلك
لغوهم «النميم»... و كيف أن اللسان العربي ما هو إلا لهجة أمازيغية في الصميم...
أمازيغية رغم أنفهم وأنفك ورغم التاريخ الذي انبرى لها منكرا كاللئيم...
خذ ما شئت من كلمات تخبرك أنها لن تجد سرها إلا عند الأم الولود... أم اللغات لها
المجد ولها الخلود... خذ مثلا كلمة «مدينة» تجد أنها «أمدين» أي مجتمع المسافرين
المختلطين بلا صدود... أو خذ «سفينة» تخبرك أنها «أسيف إينا» أي «راكب النهر»
المرفود... وخذ «جهاد» تخبرك «إيج أحد» أنها للظلم «جعل لحدود»... وخذ «الإنسان»
يخبرك أنه مجرد اللبسان من بين الوجود... وخذ «امرأة» تعلمك «إم ييران» أنها إنما
الأم «الذات الولود»... وخذ «جزيرة» تبين لك «آك إيزرا» أنها الصخور الناتئة في
البحر الممدود... وخذ «كلب» تبين لك «آك آبل» أنه الحارس المعهود... ومثله «حبل» إذ
«آح آبل» إعفاء من رقيب بربط حمارك إلى عمود... و خذ «صحراء» تنبهك «آس حرن» أنما
هي الشمس الحارة تحرق الوجود... وخذ «نار» تجد أنها «آن آر» أي «ذو الجمرات» بعد
اللهب المشهود... وخذ «مثالية» تخبرك أنها إنما «آمث إلا إيجت» حيث المرء وعي أن
الموت يوم موعود... وخذ «سلام» تخبرك «آس آلم» أن به الجمع بين الناس مرصود... وخذ
«عالم» تخبرك «آع آلم» أنه يرفض الوحدة ويبني الحدود...
خذ من القواميس إلى أن تتعب من أسماء الوجود تخبرك عنهم لغة الجدود...
واعلم أخ العرب ـ قول آخ الأمازيغ أولى بعد هذا ـ لك ولآلك والعشيرة في «أك أمان» و»آع
أدن» و»آع آمن» و»آمكا» و»أمدين» و»آن آكد» و»أوقر إيش» و»إح آجز» و»أود إبي» و»آق
إهران» و»آقن آدس» و»أبج أورث» و»إد امشق» و» آبج آد» وحتى «إيران»... وفي كل بلاد
الـ»أع ربان»... أخبرهم أن الأمازيغية ترسل لكم بهذا البيان... وما هو بلغو ولا
بهذيان ولا هو بكلام الصبيان ولا هذرا من امرئ سليط اللسان، بل فقط، هو الحق الواضح
العريان: العربية ما هي إلا لهجة أمازيغية جديدة يا عالم العميان... العربية ما هي
إلا ابنة أخرى من بنات الأمازيغية المنتشرة تتداولها الركبان... بينما الأم
الوالدة، تلك اللغة الخالدة، طواها المؤرخون من عجزهم أمامها طي الكتمان... ولكنها
لغة عبقرية لا تتأثر بالأزمان لأنها لا تعرف النسيان...
والسؤال المعقول المبني على المعلول والمجهول المحير للعقول والبادي للعيان:
«إذا كانت العربية كلغة، بقوة العلم الذي لا يدرس في جامعات الاستلاب، بنتا شرعية
للأمازيغية ظهرت عند قوم العرب الرافضين أمازيغية الأصول... فمن هم العرب أصلا يا
أهل البيان؟ ما علاقتهم بلغتهم؟ بجزيرتهم؟ وحتى بما عندهم يعجز اللسان؟»...
و آخر الكلام... قد لا يكفي هذا لكي يفهم الكثيرون عما نتحدث، فرغم بساطة الأمر ومن
كثرة الثرثرة التي هي طبعا عنوان لكسل الأدمغة، وطوال أربعة عشرة قرنا من الزمن، لم
يتنبه أحد حتى أصبح من الصعب التصديق... لكن الكل سيصدق، لأنها الحقيقة الساطعة
التي توصلنا لدلائلها البديهية بعد عشرات السنين من الاعتكاف بصبر على التاريخ
والجغرافيا واللغات... والتي تجعلنا مستعدين لمقابلة أولائك اللذين هم أعداء أنفسهم
لما عادوا الأمازيغية، أولا لأنها جدتهم ولو كانوا عربا أو لاتنيين أقحاح، ثانيا
لأنها تستدعيهم متى شاءوا لتفجير أساطير الأولين واللاحقين منهم... و يعلم بعض «المساخيط
الأمازيغ» الذين أصبح لهم شأن عروبي لما سبوا والداتهم الأمازيغيات، ليعلموا أنهم
مجرد بلداء من النوع الرديء... وحتى ليعلم أولائك الذين من خلف الستار يحركون
كراكيز «الإيركام» ليشكلوا لنا ثقافة من «الفيكسيون» Fiction تجعلنا مجرد أشباه
أمازيغ، أن لعبتهم مآلها إلى فشل أمام قوة اللغة الأمازيغية المتمثلة في قدرتها
العجيبة، ومن ذاتها كلغة، على تحطيم كل هجومات الاستلاب...
(أمس أتاف زيان ابن الأطلس)
|