| |
صورة تمازيغت في الإعلام
بقلم: بـــحــــاج عـــــســـو
"اللغة هي الأداة الأساسية والوسيلة الممتازة نمثل بواسطتها
ثقافة المجموعة التي ننتمي إليها." (كلود ليفي ستروس)
تزخر ثقافة كل مجتمع بقيم وأعراف وتقاليد تشكل امتدادا لمسرته التاريخية نحو النماء
والتطور، وهي بمثابة الإسمنت اللاحم الذي يشد أفراد المجتمع بعضهم إلى بعض، يتجلى
ذلك في مستويات عدة في ممارسة الحياة: العمل، الإنتاج، التعبير عن الفرح أو الحزن...
و هذه التعابير لا يمكن لها أن تترجم إلى لغة أخرى، و إذا تم لها ذلك تفقد طرافتها
في الإيماء و التعبير.
كل يتمثل أفكاره وقيمه بلغته ومن داخل ثقافة المجموعة التي ينتمي إليها، بها يصنع
آماله وينسج أفكاره، يعيش أفراحه ويتأوه آلامه وأحزانه.
فاللغة كتوارد واتفاق بين مجموع تحمل من أفراح وأحزان هذا المجموع ما يجعلها مرتبطة
بهم إلى حد النخاع حيث يقول: gerard loingstone بأن اللغة: «نظام مركب و شبكة متصلة
من المعاني التي نستعملها للاتصال ولنا فيها أغراض أخرى». فإذا ما اتفقنا مع gerard
على أن اللغة أداة للتواصل اليومي بين الناس ككائنات ناطقة ومتحضرة مميزة عن باقي
الكائنات الأخرى، وهذا الفعل له امتدادات مادية على المستوى الاجتماعي والثقافي...
كما له امتدادات روحية و أخلاقية.
و باعتبار تمازيغت كلغة حية متداولة، تؤدي بامتياز هذه الوظائف كلها داخل محيطها
اليومي، أي في المجتمع: القبيلة، الســــوق، الحي، المدينة... خــارج مؤسسات الدولة
أو من داخلها، حيث هي بالنسبة للناطقين بها بمثابة الوسيلة الأكثــــر حميمية
للتواصل والتآلف...
فهي لغة التسلية والتعبير عن الفرح والسرور، لغة الأعراس، قرض الشعر والرقص والغناء...
وبالمقابل أيضا فإنها أداة للحزن والمواساة وللتضامن عند ما يحل البلاء: المرض،
الموت و غيره.
لغة الروح و مناجاة الخالق، فهذا الشعب له منذ القدم فلسفته الخاصة التي لا نتمكن
من الغوص في أعماقه وفهم مكامنه دون فهمها ـ بعيدا عن الارتجال و السطحية من حيث
طريقة التفكير، فئمازيغن يمتازون بعمق التأمل والتفكير في مظاهر الحياة لفهم
أسرارها.
واليــوم، ونحـــــن نحيى عصر الإعــلام بامتياز، حيث تطورت وسائطه كالأنترنيت
والقنوات الرقمية وأصبح العالم فعلا قرية صغيرة واللغات المهيمنة تقتحم فضاءه دون
استئذان!
واللغة التي لم تلج فضاء الإعلام من بابه الواسع، فحتما ستنقرض وستموت! وإذا ما
حاولنا ربط وضعية تمازيغت الراهنة بما سبق، نسجل أنها تتبوأ مكانة الدونية في
الإعلام الوطني بامتياز! حيث لم تسجل أية نقطة حسنة لصالحها في القنوات التلفزية
والإذاعات الوطنية باستثناء بعض البرامج الهزيلة التي تمر من حين لآخر، و على
علاتها يتم إنجازها باللغات الأخـــرى عـــوض تمازيغت مما يفقده الكثير من نكهتـــه
و ثرائه ـ مثلا برنامج حول المايسترو موحى أوالحسين اشيبان "أسطورة الأحيدوس" ليلة
الأربعاء 2 مارس 2005.
إن دمقرطة الإعلام كمطلب لجميع المواطنين، والذي يفرض نفسه بإلحاح شديد في عالم
أصبحت فيه المعلومة ثروة هائلة، يلبي حاجاتهم في التثقيف والترفيه و يعطيهم فرصة
لإبداء آرائهم بكل حرية (المادة 15 من العهد الدولي 1966) لن تقوم له قائمة في ظل
تغييب تمازيغت كلغة وثقافة من المشهد الإعلامي الوطني. ومادامت تمازيغت تقدم
كفلكلور موجه للاستهلاك السياحي، أو كمومياء محنطة بين الجدران ما عادت تنطق
بالحياة!
صورة تمازيغت لا تعدو أن تكون مجرد إنسان بئيس في طور الانقراض، رقصة أو نغمة موجهة
للاستهلاك! تحفة أو مومياء موجه للاستهلاك السياحي!
إن تحرير الإعلام السمعي البصري، بمعنى خروجه من تحت أية وصاية غير إعلامية يتماشى
مع لبرلة المجتمع بصفة عامة، أي خضوعه للمنافسة مما يستلزم أن تتوفر فيه شروط محددة:
ـ الجودة: أن تكون المادة الإعلامية الموجهة نحو الاستهلاك اليومي جيدة من حيث
المواصفات اللازم توفرها كجمالية الصورة، صدق الكلمة، الجودة بمعنى تشجيع الإبداع
والابتكار والنقد..
ـ خدمة كل القضايا المرتبطة بالمواطن سواء تعلق الأمر بالتنمية، البيئة، الاجتماع،
الترفيه، الثقافة، التربية..
ـ إبراز ما تتمتع به الشخصية المغربية من غنى وثراء ثقافي، لغوي وحضاري لحفظها من
الاستلاب.
|