| |
المثقف الأمازيغي بين
الثقافة الوافدة ودوامة المراكز الحزبية والسلطوية والمهنية
بقلم: عمر زنفي (أسيف ن دادس، ورزازات)
إن دور المثقف بمعزل عن الواقع والبيئة التي يعيش وينشط بها
شأنه شأن الدور الذي قد يقدم عليه المثقف الذي ينشط في مجتمع وواقع يجهل أو يتجاهل
مكوناته الثقافية واللغوية والاجتماعية، السياسة والاقتصادية الواجب البت فيها. لذا
فإن تعريف المثقف في بلدان حققت في الميدان الحقوقي إنجازات تحسد عليها ومشكلها
الوحيد يكمن في عدم فهم خلفيات بعض الدول التي لم تستقر على رأي، مثلا تدريس لغة
اغلبيه الشعب، لن تتساوى مع تعريف المثقف في أمم ترى في المتعلم فتنة وفي العالِم
خطرا، وفي المثقف كافرا ومتمردا، وفي كتابة التاريخ الحقيقي جرما وردة. ففي سويسرا
مثلا، النموذج الحي والمشهور لترسيم أكثر من لغة، نجد هم المثقف والدولة على حد
سواء يكمن في إشكالية التصدي لمشروع طريق سيار قد يمكن المواطن السويسري من ربح
الوقت، لكن لاعتبار أن هذا السلوك سيتلف وجودا طبيعيا جذابا يكمن في جبال بيضاء
مطلة على بركة مائية تحيط بها مجالات خضراء... يبقى هذا المشروع غير ممكن طالما
حافظ الفكر عن علوه. ولو باستطاعتهم استشارة المنظر الطبيعي لما تأخروا عن دللك...
إلى غير ذلك من الإشكاليات التي تعبر عن السمو والحداثة في الفكر.
رغم ذلك، ومن منطلق الحديث عن المثقف المغربي الأمازيغي خاصة، يمكن تحديد الصورة
العامة التي تنطبق على كل شخص يحاول مراوغة وتجاوز التعاريف التقليدية والمعاصرة،
والتي تحاول في مجملها تحديد شخص المثقف أفكارا وسلوكا. ففي نظر الجمهور، المصطلح
الفلسفي، وكذلك الذي يعني نظر الشارع بلغة المنابر الأخرى، فالمثقف هو ذلك الذي
يجيد العربية الفصحى والدارجة المغربية، والذي يتصفح الجرائد باستمرار. واذا أخدنا
نفس المصطلح من أفواه الفلاسفة أمثال الفيلسوف الإيطالي الذي دفع ثمن إصراره أداء
دور ووظيفة المثقف على أكمل وجه حين سجنه موسوليني، فالمثقف نوعان اثنان: النوع
الأول من المثقفين التقليديين شمل المدرسين والكهنة والموظفين التنفيذين الذين
ينزعون بطبعهم وبطبيعة مهنهم إلى البقاء أوفياء للأدوار التي من أجلها عينوا،
يواصلون فعل نفس الأشياء من جيل إلى جيل دون التفكير في الارتقاء لتطوير دورهم أو
المساهمة في تحديد معنى وجودهم في هذا المجتمع أو ذاك، والارتقاء أكثر عن سلوك
الكائنات الحية الأخرى. وهذا الصنف تجدهم في المقاهي، موضوعاتهم يمكن تحديدها في
ملء مسهمات أبو سلمى بالأحداث المغربية أو موضوعات تهم وظائفهم كالترقية الداخلية،
تنظيم مسيرة احتجاجية لمساندة فلسطين أو تحرير بيانات تشجب محاكمة صدام حسن، في
الوقت الذي يعاني فيه شخصيا، أي المثقف التقليدي، والمجتمع حيث يعيش، أزمات حادة
وطمسا هوياتيا ثقافيا، تأزما اقتصاديا واجتماعيا جماعيا. والصنف الثاني من المثقفين
أطلق عليهم غرامشي اسم المثقفين العضويين، وما أكثرهم كالتقليديين. فهم أفراد
مرتبطون مباشرة بأرباب المشاريع والهيئات السياسية أو السلطوية يستخدمون لتنظيم
مصالحهم واكتساب المزيد من الأرباح والسلط والمقاعد... ويراهن على هذا الصنف الفريد
من نوعه صناعة وابتكار سلعة مادية أو معنوية قد يروج لها في السوق بأحدث وسائل
الإعلام ليجد لها مستهلكا ويجعله يحقق إرباحا ينال منها المثقف حظا تتراوح نسبته
حسب خبرة وتجربة وطموح المثقف المخطط.كما يمكن لنفس النوع من المثقفين أن يصبح دمية
بأيدي سياسيين يعدون لهم الإيديولوجيات الآنية والمستقبلية لخدمة استمرارية
الأسطورة/ الخيال الذي قد يكسبونه للرفع من نسبة مستهلكي الخرافة ونسبة الأموال
التي قد يتقاضاها من كل فرد لا يفرق بين الحقيقة والخيال. وهذا الصنف من المثقفين
العضويين، بالرغم من أن دوره يكمن في خلق الحركية والإبداع حتى في البهتان، فهو
الأخطر إذ باستطاعته توجيه وتغيير العقول والأفكار ما دام الربح ماديا وسلطويا على
حساب ما هو أعظم كرهانات المجتمع، الوجود والكرامة، الشرف... إلى غير ذلك من
الخصائص التي تجعل الإنسان يسمو عن النعجة في الحظيرة، أي أن هؤلاء مهما سلبت منهم
لغتهم وثقافتهم أو همشت عائلاتهم وعشيرتهم، لن يعيروا للأمر أي اعتبار ما داموا
يتقاسمون الإرباح والسلط وينالون رضا مستخدميهم وأربابهم وزعمائهم، ويكتبون التاريخ
بدماء المثقفين الحقيقيين.
وفي نفس السياق يصف «جوليان بندا» المثقفين كونهم جماعة صغيرة العدد يتميزون عن
غيرهم بتمتعهم بالأخلاق العالية ويمثلون بشكل أو آخر ضمير الإنسانية، حاملين هموما
مجتمعية. وفي الطرف النقيض نجد الطائفة غير المنضوية تحت هذه المعايير يهملون
واجبهم الإنساني، بل ويساومون على مبادئهم. وهؤلاء الأشخاص المثقفون الحقيقون
شخصيات نادرة لكون ما يؤمنون به وما يدافعون عنه أبعد بكثير مما يسعى الطرف الآخر
من الأشخاص إلى تحقيقه من مراكز سلطوية وكتابة سجلات مزيفة تشهد له بالزور أمام
ضميره أولا وأمام أبنائه ثانيا. وأما المجتمع والأجيال القادمة في التاريخ القادم.
فالتاريخ وحده يحدد الفرق بين المثقف المواطن العادي والمثقف «البورجوازي» السلطوي،
من حيث ما يحققه كل طرف ماديا كان أم فكريا تستحضره الأجيال القادمة مهما طال الزمن.
غير هذه المعايير والصفات، نجد المثقف الحقيقي يكرس نفسه وحياته لتشخيص حالات
وإشكاليات مستعصية وخفية يكون من ثمة همه الوحيد فك الرموز حتى ولو تطلب منه ذلك
تحديا قويا أكبر من قواه قد تفقده أعز ما لديه في سبيل إسماع صوته ورفع الظلم
الجماعي والتهميش الثقافي اللغوي الاقتصادي الاجتماعي والسياسي الذي يستهدف فئة
ضعيفة النفوذ من فئة قوية لا تعير أي اهتمام أو احترام للمستضعفين.
وإذا أخدنا التصنيف الأول ووضع المثقف المغربي الأمازيغي، فما أكثر المثقفين
العضويين والتقليديين الأمازيغ، وما أقل المثقف الأمازيغي الحقيقي. كيف ذلك؟
فالمثقف الحقيقي هو الذي يضحي بالغالي والنفيس في سبيل تحقيق وظيفته ورسالته في
الحياة، والتي تكمن في المساهمة في حل إشكاليات وقضايا علمية منطقية آنية ومصيرية.
وهذه شروط لا تتوفر إلا في عدد قليل من المثقفين الأمازيغ، والذين تجدهم مشردين بين
إطارات نضالهم ومستلزمات حياتهم اليومية الطبيعية. ظروف عيشهم جد قاسية لكنهم لا
يتأخرون في المساهمة في كل ما من شأنه ضمان استمرارية النضال والاحتجاج وتوعية
الآخر بالقضية المشروعة بعيدا عن خلق السجالات والتطلع إلى المناصب اللامعة أو
المشاريع الشخصية... تمر السنوات دون أن يحقق أقرب حقوقه الطبيعية كالاستقرار
المادي والعائلي، لكنه يحقق ما هو أعظم من ذلك في كونه قد ساهم مع أصدقائه وإخوانه
في المسار في إبقاء المشعل على ما هو عليه أو أكثر كي يسلمه إلى الأجيال القادمة.
وقد يتعرض هذا المثقف أو ذاك لتهديدات أو عراقيل، لكن يبقى المبدأ /الرسالة هما
الحكم والفصل.
بالمقابل تجد قاعدة عريضة من»الأمازيغ» المثقفين العضويين ينشطون في مشاريع شركات
وأحزاب، وحتى في مناصب حكومية، همهم الوحيد تنمية اسمه، حقيبته أو رقم معاملته حتى
ولو تطلب منه ذلك التنكر لذاته وهويته الأمازيغية ولأصله ما دام ذلك قد يساعده أو
يضمن له تسلق درجة في سلم المادة والسلطة. وقد لا يقف عند هذا الحد إذ يمكن أن يصل
به الأمر إلى المشاركة في مخططات قد تمسه شخصيا أو تمس عشيرته الأقربين كي لا نقول
إخوانه الأمازيغ لأن هذا الاعتبار بعيد عن أحاسيسه بنفسه وذاته لم يستيقظ حتى يوقظ
الوعي بالارتباط الهوياتي الأمازيغي.الوعي الذي تستند إليه القيادات الحزبية الأخرى
و كذا «مثقفيها» والمنعشين الاقتصاديين في كل سياساتهم وخطواتهم لتنمية أصولهم
ومسقط رؤوسهم ثقافيا، اقتصاديا، اجتماعيا وسياسيا، بمباركة من مسؤولين «أمازيغ»،
والذين لا يقدمون لذويهم سوى التنكر والانسلاخ.
وللحديث عن «المثقف» المغربي الذي يعتبر نفسه عربيا قوميا حتى النخاع، يعتبر أن
المشكل يكمن في كون مثقفي هذا الزمان ضحايا «منظمة العواطف الجماعية»، الطائفية، «المثقف
الاسلاموي، الولع القومي، العربي المزعوم، (ولم يدع الأمازيغ يوما قوميتهم بل
حقوقهم كما لم يكن لهم حصان أمازيغي...) كلها أحاسيس تعمل على حجب حقيقة ما يحدث
وما يفعلون أو يدعون باسم الحفاظ على»الكرامة القومية». فاذا كان دور المثقف يكمن
في لعب دور تفعيل وخلق حركية دائمة عبر مشاركة هموم عشيرته المنطقية المشروعة
الطبيعية العادلة، فلن تجد أي مثقف مغربي «عربيا» كان أو «أمازيغيا» بهده الشروط.
بحيث تجد المثقف المغربي الذي يؤلف في كتب العلوم بكل أنواعها يساهم في تشويه تاريخ
المغرب الذي يبدأ ببداية التاريخ بدل غزو إدريس، ويشارك في الندوات الدولية حول
قضايا منطقية علمية، ويعتبر نفسه عربيا وهو يتكلم الأمازيغية، أو يتكلم الدارجة وله
مواقف معادية للحقوق الشرعية الأمازيغية اللغوية الثقافية،الاجتماعية والاقتصادية
السياسية. كما يشارك نفس المثقف الشرق العربي همومه حين يتظاهر بالملايين لفلسطين
والعراق ويشكل هيئة للدفاع عن ديكتاتوريين بالشرق العربي، ولا يشارك المغرب همومه
ورهاناته ولا يخرج في تظاهرات تهم موضوع أرضه ووطنه الصحراء. فهذا هو حال من يسمي
نفسه بالمغرب بالمثقف.. فلا يمكن الحديث عن مثقفين بالمغرب، بل عن نخبة تحرر وتقرأ
الجرائد وتدون أكاذيب باللغة العربية.
ولكون القضايا والأفكار التي يطرحها المثقف لا تخطر ببال الإنسان العادي، والذي
يشكل قاعدة عريضة، وتبعد عن تصوره، فعلى المثقف أن يتحمل عواقب تشبثه بمبادئه مهما
كانت التداعيات التي قد تصل به إلى حد نبذه أو صلبه من طرف محيطه. وهنا يبدأ العمل
الشاق بالنسبة للمثقف، والذي ينطلق بإخراج الإشكالية إلى حيز الوجود وتناولها
بإشراك المجتمع أو العشيرة بما توصل إليه في قضية من قضاياهم الراهنة، والتي تتطلب
تضافر الجهود والأفكار المتممة أو المصححة للأطروحة كي يخلص المثقف والمجتمع معه
إلى مشروع متكامل كنتاج لمجتمع متماسك وليس من إنتاج المثقف وحده.
هنا نستدل بأمثلة واقعية للمثقفين الأمازيغ، قليلي العدد، واستحضار تجاربهم في إطار
العمل الجمعوي أو غير ذلك من إشكال النضال وكذا للمحن التي يصادفونها أثناء أدائهم
لرسالتهم. فنظرا لانتعاش الإيديولوجية العربية القومية والممزوجة بالتحالف
الإسلاماوي و»التيارات» المتمركسة، لفترة كادت أن تصبح من ثوابت هذا الوطن، كان من
المنطقي ومن المنتظر أن يلتقي خطاب الحركة الأمازيغية بممارسات عنيفة أحيانا
وإقصائية تتزعمها قوى خفية أو قوى أفكارها غريبة عن تراب هذا الوجود التاريخي أو
العشيرة الأقربين نتيجة تأثير «التيارات» المشار إليها سابقا... فهذا خريج الجامعة
المغربي /طالب جامعي يطلق على النخبة القليلة التي تحمل روح الخطاب الأمازيغي «بايت
أزول» مقزمين حقوقهم التي يحملها الخطاب في تحية مخالفة لتحية المشرق، وذلك الإمام
أو تلميذ حركة من الحركات الإسلاموية يتهم نفس الخطاب بالكفر والردة وإرث الاستعمار
أو من صنع اليهود أعداء فلسطين، كما نجد مختصا في اللسانيات يعتبر الحقوق
الأمازيغية رجوعا بالعجلة إلى الوراء... سلوكات ومؤامرات يكون ضحيتها أولا الطبقة
العريضة من الأمازيغ المستضعفين ماديا وثقافيا ويسهل لأي مروج لبضاعة الخرافات
والأكاذيب أن ينتعش وتنفذ له بضاعته دون عناء يقاس بعناء المثقف في إيصال رسالته
المشروعة المنطقية لخدمة المجتمع. ثم الخطاب الأمازيغي ثانيا لكونه يصبح محتكرا على
المثقف الحامل لنفس الخطاب لاستحالة نقله إلى القاعدة العريضة التي تتحكم فيها خوفا
من أساطير وإرث ماضٍ وعاطفة السلالات الخيالية الواهية وإيديولوجيات حققت ما حققته
في أراض تختلف ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وتاريخيا عن أراضينا، بالإضافة إلى إنها
تتبنى القومية العربية وتتضامن مع فلسطين ولا تتضامن مع إيمازيغن بالقبائل وتعادي
أمازيغ المغرب...
إذن فالمثقف الحقيقي هو الذي يؤمن بما توصل إليه نتيجة سمو في التفكير ومستعد
للدفاع عنه مهما كانت العواقب التي تبدأ بنبذ المجتمع له ووضعه في خانة المغضوب
عليهم. ولا يقف الحد عن ذلك بل تقطع أية صلة تربطهم به وبذلك محاولة عرقلة كل خطوة
يحاول تخطيها و لو أن الخطوة قد تعود عليه بالنفع المادي مادام النفع المعنوي لا
يؤخذ بعين الاعتبار. فهذه الخطوة مثلا قد تجعل الإنسان يحقق نفسه هوياتيا، اقتصاديا
واجتماعيا كتحسين صورة الرجل الذي لا يعمل ولا ينتج في نظر زوجته التي تشقى ليل
نهار وفي نظر أبنائه الذين يدفعون ثمن غباء وتبعية أبيهم. وقد تنتهي عواقب تداعيات
سمو فكر المثقف بفقدانه لهامش كبير من الحرية أو مذاق العيش الكريم كما هو متعارف
عليه في بلاد الغرب وليس ببلاد المشرق. ويصبح بذلك المثقف هو ذلك الشخص الذي يطرح
أسئلة مربكة معقدة ومحرجة، والذي يواجه الأفكار التقليدية والعقائدية الجامدة. هنا
يأتي دور الرموز الخياليين لكل مجتمع، والذين يستغلون اعتيادهم للمساجد /التورط في
اختلاس أموال الجماعة و مراكز سلطوية أفرزتها طبيعة عقلية القاعدة العريضة ضحية
العوامل السالفة الذكر. من هذه القنوات ينطلق الرموز في إذاعة أساطيرهم التي تفكك
وحدة المنطق ويتبادل المثقف الأماكن والأدوار مع الأساطير ليصبح ما يؤمن به المثقف
أساطير وما خلص إليه الرمز والقاعدة وراءه المنطق الواجب اتباعه هو الخلاص الوحيد.
كما يصطدم تصور المثقف الذي تجده في غالب الأحيان دون الثلاثين أو الأربعين ينتمي
إلى الجيل القديم من الشيوخ والشباب المتشيخين فكريا، والذين مهما حاول المثقف
احترام تجاربهم و الخلفيات التي تتحكم في آرائهم، أو إشراكهم في أطروحته، لا يقبلون
بتولي شؤونهم أو زعامتهم، حسب تصورهم للأمر، شخص يتذكرون يوم ولادته وكيف يصبح لهم
ناصحا ومقترح حلول عقدهم النفسية الثقافية اللغوية الاجتماعية الاقتصادية
والسياسية. ويصبح المثقف يصارع الأجيال بدل أن يصارع التهميش و الإقصاء.
وفي علاقة المثقف بالشركات والأشكال السياسية الحزبية والسلطوية، يجب على المثقف أن
يتحلى بالشخصية المرنة التي يصعب على الحكومات أو الشركات أو اللوبيات، استلابه
واحتواءه و بذلك التعامل والتعاون معه بسهولة بشكل ينسيه مهمته التقليدية وواجبه
تجاه مضامين رسالته. كما يجب أن يكون شخصا تكون علة وجوده هي تمثيل الناس والقضايا
التي تم إهمالها بصورة متكررة أو أنها كنست وخبئت تحت البساط والعمل على النبش لجعل
القضية أو هموم المجتمع في متناول العامة، وكذا توجيه طاقاتهم لخدمة الأطروحة
القضية. وهذا ما يحاول المثقف الأمازيغي تحقيقه في جعل القضية الأمازيغية تنال نفس
الحظ الذي نالته قضايا تبعد عن الأراضي المغربية بكيلومترات، واستئصال داء الانتماء
الروحي للمشرق وتأجيل قضايا المغرب إلى أجل غير مسمى. وهدا الموقف الشجاع في الجهر
بالمجرى الطبيعي والنقد الموجه لطائفة أو نخبة من قبل المثقفين،لن يجعل المثقف
الحقيقي الناقد متهما بالعجز الثقافي أو الانتساب لأفكار متطرف أو مؤامرة خارجية،
بل سيظهر في نظر المستضعفين الحقيقيين على أنه وجه من وجوه الحركة الأمازيغية التي
تحمل مشروعا متكاملا، ثقافي واجتماعيا، اقتصادي وسياسيا على غرار ما يروج له كونه
ثقافيا ولن يعوض مهزلة برامج الأحزاب والمفكرين المشرقيين.كما أن ما يميز المثقف
الحقيقي عن المثقف الذي يقرأ الجرائد كون المثقف الحقيقي ينتسب إلى صف الضعفاء وغير
الممثلين وليس إلى صف الذين لا يعانون من نقص أو انعدام ابسط الحقوق الأساسية
اللغوية الثقافية الاجتماعية الاقتصادية والسياسية، والتي تجعل الكائن الحي
الأمازيغي يحس أنه ينطبق عليه مصطلح الإنسان بعد 14 قرن من عيش البراري،الفئران و
ذئاب الجبل.
كاستنتاج وخلاصة يجب على من يسمي نفسه مثقفا، أمازيغيا كان آم «عربيا»، أن يحقق
ذاته أولا ورسالته تجاه مجتمعه ثانيا ووظيفته الطبيعية ثالثا بشكل مواز يحقق ما
يمكن أن نصطلح عليه بالتوازن الإنساني.كما يجب اتخاذ المجتمع أو العشيرة مرآة له،
فكلما كان المحيط سالما غير ناقص كلما كان المثقف كذلك، وما حالة المجتمع سوى صورة
كاملة للمثقف الذي يعيش بينهم دون أن يؤثر سلبا أو إيجابا فيهم. ومهما كانت ردود
الآخر لنبذ الأفكار الجديدة وحامليها، يجب على المثقف أن يكون شجاعا قوي الشخصية،
أي أن يجعل شخصيته رهينة مبادئه و قناعاته وليس شخصية دمية بيد أساطير الآخر،
وحسابات رب المنتوج، مخططات حزبية عنصرية، «إيديولوجيات» ماتت حيث ولدت وتبحث عن
حياة لها بين الأمازيغ رغم أنها تقصيهم ولا تعير لهم أي احترام.
عمر زنفي (اسيف ن دادس،ورزازات)
zanifi@hotmail.com
|