| |
المغرب و"العالم العربي"
بقلم: مبارك بلقاسم (هولندا)
أصبح تعبير «العالم العربي» شيئا طبيعيا في منظومة الإعلام
الناطق والمكتوب بالعربية، وأصبحت معه المصطلحات التي يستحضرها معه مثل «الوحدة
العربية» و»الشعوب العربية» تشكل منظرا فريدا في هذا الإعلام، لأنه يحيل إلى أساس
عرقي ولغوي «يجمع» بلدانا تحتوي غالبيتها على قوميتين أو لغتين على الأقل، وهذه
البلدان تقع في قارتين مختلفتين. هذا النموذج يقل، بل ربما ينعدم نظير له في بقية
أرجاء العالم. إلا أن ما أريد أن أركز عليه هو مسألة «انتماء» المغرب إلى هذا
العالم العربي ومدى شرعيتها ومنطقيتها.
لنبدأ من «القمة» العربية الأخيرة في الجزائر، الأرض العظيمة.. أرض الملك ماسينيسا.
حيث تابعت جزءً من القمة والأخبار الآتية عنها فرأيت السمفونية تكرر نفسها بدون ملل
ولا كلل. إنها السمفونية غير الرسمية التي تقول إن جامعة الدول العربية منظمة لدول
المشرق العربي الهدف من وجودها حل مشاكل العرب (عرب المشرق). أما دول المغرب الكبير
الخمس فما هي إلا دولا ترغب في نيل "شرف" الانتماء إلى العالم العربي "الشريف"
بالإضافة إلى مساهمة بسيطة تتمثل في التطوع لحل تبعات المشاكل والهزائم المتتالية
التي تتكبدها دول المشرق العربية. وقد أكدت قمة الجزائر بشكل قاطع لا يقبل شكا أن
هذه الرؤية سليمة إلى حد كبير. ففي هذه القمة لم تطرح قضية مغاربية واحدة رغم أن
القمة منعقدة بأرض مغاربية ورغم كثرة المشاكل بهذه المنطقة بدء بمشكلة الصحراء
المغربية إلى سبتة ومليلية المغربيتين المحتلتين، إلى التوتر الدائم بين المغرب
والجزائر. في مقابل هذا طرحت قضايا مثل القضية الفلسطينية والعراق وسوريا ولبنان
وكانت محور العمل. وهنا يحق لي أن أتساءل ما الذي جناه ويجنيه كل من المغرب
والجزائر من التطوع في حل قضايا الغير دون حل قضاياهما. ألا يمكن تشبيه هذه الهرولة
المضحكة للمغاربيين بتقديم القرابين للآلهة الحجرية التي لا تنفع ولا تضر؟ إنها
علاقة المريد بشيخه وعلاقة التابع الروحية بسيده رغم أن التابع قد يكون أقوى من
سيده!
بكم من الجهد ساهم "إخواننا" العرب في الدفاع عن قضايا المغرب في المحافل الدولية؟
كم من المظاهرات انطلقت في بلدان المشرق العربي للتنديد بعدوان اسبانيا على جزيرة "ثورا"
المغربية والاحتلال الإسباني لسبتة ومليلية كرد لجميل المظاهرات المغربية بمئات
الآلاف دعما لفلسطين والعراق وحتى الصحفي المشرقي تيسير علوني؟
كم من المظاهرات التي نظمها العرب لمساندة الوحدة الترابية لـ"شقيقهم " المغرب؟ كم
من المظاهرات انطلقت لدعم الشعب الجزائري الذي طحنه الإرهاب مخلفا 150.000 قتيل في
10 سنوات؟
لا شيء... لا شيء...
وهذا له تفسير واحد لا غير هو أن عرب المشرق عموما لا ينظرون إلى المغاربيين كإخوة
في العرق كما تتمنى النخبة العروبية المغاربية، بل ينظرون في أعماقهم إليهم كـ"بربر"
أو كعرب هجناء، مما يؤدي إلى عدم مبالاتهم بما يحدث في المغرب الكبير وخصوصا
البلدين الكبيرين والأمازيغيين المغرب والجزائر. أما السياسيون المشارقة فيحسنون
توزيع الأدوار فيما بينهم واستخدام الكلمات الرنانة (والركيكة أحيانا) مثل (الوحدة
العربية) و(الشعب العربي) و(من المحيط إلى الخليج) و(العمل العربي المشترك)...إلخ
وذلك من أجل حشد الدعم المغاربي المجاني في أوقات الشدة.
أما النخبة العروبية المغاربية فإن أي تشكيك مباشر أو غير مباشر في عروبتها، أو أي
تذكير بأصلها الأمازيغي الذي يتجلى مثلا في الكلمات والتراكيب الأمازيغية المتأصلة
في الدارجة المغاربية (والتي يعجز عرب المشرق عن فهمها) يدفعها شعوريا ولاشعوريا
إلى تقديم "قرابين" للتكفير عن أصلها الأمازيغي والتأكيد على "عروبة" المغرب. وقد
تأخذ هذه القرابين أشكالا يثير تعددها الإعجاب بقدر ما يثيره من الشفقة، فتتنوع بين
مظاهرات مبالغ فيها لدعم قضايا المشرق السياسية وترحيب لامشروط بكل ما يأتي من
المشرق من فيديو كليبات ومسلسلات وإرهاب وفنانات... وسط تهميش عام لكل ما يمت
للأمازيغية بصلة.
أما إذا تحدثنا عن قضايا مثل المسألة الأمازيغية والديموقراطية وحقوق الإنسان فلا
نتوقع من "إخواننا" العرب المشارقة أي آذان صاغية، طبعا لأن الأيديولوجية القومية
العربية لا تقبل بالتعدد وتعتبر "الأقليات" عاملا مشوشا مع أن الأمازيغ في المغرب
ليسوا أقلية.
أما في مسألة الديموقراطية فغالبية دول المشرق مازالت في طور تعلم أبجدياتها
وبالتالي فلا يمكن أن ننتظر منهم ما قد يفيد في هذا الشأن.
ثقافيا فالتبعية العمياء لمعظم النخبة المغربية المستعربة وأيضا جزء مهم من الجمهور
لكل ما هو قادم من الشرق شيء لا تخطئه العين على المستويين الثقافي العام أو
الإعلامي الخاص. فالنخبة المغربية تحاول دائما استحضار "البعد العربي" في مختلف
القضايا الوطنية حتى ولو كانت هذه القضايا مغرقة في المحلية. ونلاحظ هذه الظاهرة
الغريبة خصوصا في التلفزة والصحف. وهذا مقابل التغييب الجائر للبعد الأمازيغي الذي
هو المكون الأساسي للهوية المغربية الثقافية قبل دخول الإسلام وبعده.
|