| |
لماذا ليست هناك قنوات
فضائية أمازيغية؟
بقلم: مبارك بلقاسم (هولندا)
يحق لكل أمازيغي التساؤل حول سبب أو أسباب عدم وجود قنوات
تلفزية فضائية تبث برامجها باللغة الأمازيغية. وأفترض أن الجميع يفهم الأهمية
الطاغية التي أصبح يملكها الإعلام السمعي ـ البصري اليوم. فتحالف الصورة والصوت
والحرف في وعاء واحد أصبح يشكل تهديدا جديا لما يمكن أن نسميه الإعلام التقليدي أو
القديم ويتمثل في الكتاب (الذي قد يلعب دورا ثقافيا أو علميا أو إعلاميا أو كلها
معا) والصحيفة والمجلة المكتوبة وأيضا الراديو. فنشرة الأخبار المصورة والحية
انتزعت مكان الصحيفة التي تأتينا بأخبار البارحة مكتوبة. والبرنامج الوثائقي يزاحم
بقوة المجلة العلمية المتخصصة، والفيلم السينمائي تجاوز محدودية الكتاب أو الرواية
مع ما قد تكون له من سلبيات.
واليوم يواجَه المشاهد الأمازيغي بأعداد كبيرة من القنوات الفضائية العربية مدعومة
في جزء كبير منها بأموال البترودولار وبخبرات تقنية جيدة تقتحم عليه حياته الثقافية
بلغة عربية فصحى موحدة ولهجات عربية عامية موحدة أيضا. وهذا كله يقدم باحترافية
لابأس بها. ولا يقل عدد القنوات العربية الفضائية عن 100 قناة مجانية، 90 % منها
مشرقية مقابل لاشيء للأمازيغ باستثناء نشرة إخبارية شفوية واحدة يتيمة مدتها 10
دقائق بالقناة المغربية الأولى وأخرى بالقناة الجزائرية!!
إلى جانب ذلك تقتحم الفضائيات الأوروبية الفضاء الإعلامي لدول المغرب الكبير بأعداد
ضخمة وتشكيلة متنوعة من البرامج واحترافية عالية جدا. وهكذا تحظى القنوات الألمانية
والإيطالية والإسبانية والفرنسية بشعبية هائلة في بلدان المغرب الكبير تزدهر معها
تجارة قانونية وغير قانونية في اللاقطات الهوائية (البارابولات) وبطاقات فك الشفرة
وكلها مستوردة من أوروبا وشرق آسيا. فلا يملك المشاهد الأمازيغي إلا الاستسلام أمام
هذا الطوفان الإعلامي الرهيب فتبدأ عملية غسيل الهوية اللغوية والثقافية والتاريخية
للإنسان الأمازيغي. وأول ما يلاحظ من نتائج عن ذلك هو التدهور اللغوي الفظيع
التدريجي لدى الإنسان الأمازيغي، صغيرا كان أم كبيرا، فتبدأ عملية تغيير المعجم
اللغوي اليومي للإنسان الأمازيغي فتحل كلمات عربية وفرنسية وإسبانية محل الكلمات
الأمازيغية نظرا لعدم استخدام هذه الأخيرة. فاللغة تموت بعدم الإستخدام. وينسحب
التأثير نفسه على الهوية الثقافية والتاريخية الأمازيغية لأنها لا يهتم بها أحد في
الإعلام الأجنبي. وصدق من قال: ما حك جلدك مثل ظفرك.
لا أحد يعارض الانفتاح إعلاميا على ثقافة الآخر بشكل متوازن بين طرفي الاتصال، ولكن
إذا كان هذا الانفتاح من جهة واحدة فقط فإننا نكون بصدد التكلم حول حالة من عدم
التوازن تجسدها العلاقة بين القوي والضعيف أو بين المفترس وفريسته.
وقد أثار اهتمامي (كما قد يكون أثار اهتمام الكثيرين) عدم وجود أية قناة فضائية تبث
باللغة الأمازيغية تكون موجهة بالأساس للمتحدثين بالأمازيغية ترى العالم بعيون
أمازيغية (باستثناء قناة مشفرة تسمى Berbère tv موجودة على القمر Hotbird لا أدري
إن كانت تعمل أم لا) لأنني أشاهد يوميا العشرات من القنوات تخاطبني بلغات عديدة
ليست من بينها لغتي الأم.
فمن وما الذي يقف وراء هذا؟
لا أريد أن أسقط جميع أسباب مشاكل الأمازيغ في ميزان السلطة المخزنية في دول المغرب
الكبير ولكنها بالتأكيد فرطت عن قصد وعن غير قصد في تنمية الثقافة واللغة
الأمازيغية. فعلى مستوى الإعلام تملك دول المغرب الكبير حاليا في المجموع 9 قنوات
فضائية على الأقل كلها مملوكة للدولة: 4 منها للمغرب، 2 للجزائر، وواحدة لكل من
تونس وليبيا وموريتانيا. ورغم أن عدد المغاربيين الذين يتكلمون الأمازيغية كلغة أم
لا يقلون عن 50% من سكان المغرب الكبير تسيطر في هذه القنوات اللغتان العربية
والفرنسية على كل البرامج ولا تحظى اللغة الأمازيغية إلا بحوالي 10 دقائق يوميا في
نشرة إخبارية شفوية في القناة المغربية والقناة الجزائرية!
نعم، 20 دقيقة من الأخبار بالأمازيغية و أحيانا بعض المنوعات الغنائية “الفلكلورية”
باللغة الأمازيغية هي كل ما يمكن للإعلام المغاربي الرسمي تقديمه للمواطن المغاربي
الذي يدفع كل مصاريف هذا الإعلام الرسمي من ثمن خبزه اليومي. وفي الوقت نفسه لا
يتردد القائمون على هذا الإعلام في شراء حقوق بث آخر الأفلام والمسلسلات
التليفزيونية والأغاني المصورة المشرقية العربية بشكل مستدام رغم هبوط المستوى
الفني والتقني للكثير منها وتكرار تيماتها. كما لا يكف الإعلام المغربي عن شراء
حقوق بث الأفلام الأمريكية مدبلجة (مترجمة) إلى الفرنسية في وفاء وإخلاص غريبين
للغة والثقافة الفرنسيتين. في الوقت نفسه يضرب القائمون على الإعلام المغربي بعرض
الحائط معظم إبداعات الأمازيغ من مسرحيات وأفلام وأغانٍ، بل ويفرضون حظرا ماليا على
المبدعين باللغة الأمازيغية مقابل استفادة المبدعين المغاربة بالعربية الدارجة أو
الفصحى وحتى بالفرنسية أحيانا من بعض الدعم المالي.
هنا نتفهم جيدا أسباب انسحاب سبعة أعضاء من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية
بالمغرب والتي كان التهميش الإعلامي القاتل للأمازيغية واحدا منها.
يدعي القائمون على الإعلام المغربي قلة الموارد المالية كسبب لعدم الاهتمام الجدي
بتنمية الأمازيغية إعلاميا. لكن "قلة الموارد" هذه لم تمنعهم من إطلاق قناتين
تلفزيتين جديدتين هما "المغربية" و "الرابعة" ناطقتان بالعربية. وبمناسبة ذكر قناة
"الرابعة" التربوية فقد استبشرنا خيرا عندما رأينا إعلانا على القناة باللغة
الأمازيغية (تاشلحيت) يشير إلى نية "الرابعة" الاهتمام بالأمازيغية. لكن هذه الآمال
سرعان ما قتلت في مهدها بعد تأكدنا من تعامل "الرابعة" مع الأمازيغية بمنطق المتحفة
والفلكلرة فلم تشذ القناة بذلك عن القاعدة العامة المتبعة في المغرب بلد العجائب.
وهكذا اكتفت "الرابعة" ببث برنامج واحد لا غير يتضمن فقرة قصيرة لتعليم حروف
ثيفيناغ وقصة غرائبية شفوية قصيرة بالأمازيغية، مقابل تشكيلة منوعة من البرامج
الوثائقية باللغة العربية الفصحى والدارجة وحصص للدعم المدرسي بالعربية وثلاث أو
أربع لغات أجنبية وبرنامج شبه يومي لتعليم اللغة العربية تفوق مدته ومادته
التعليمية والجهد المستثمر فيه بكثير البرنامج "المعوق" المخصص للأمازيغية والتي هي
في أمس الحاجة إلى التدريس والنشر عكس العربية.
ختاما لا أرى نتيجة في إطلاق الدعوة المكررة للفعاليات الأمازيغية النافذة ورجال
السياسة والمال الأمازيغ والمغاربة عموما للتحرك بسرعة وإنقاذ الأمازيغية إعلاميا
وثقافيا، لأنه على ما يبدو ليس هناك من يرغب في الاستماع.
|