| |
"خريف السعار»
يعلن القطيعة بين الخطاب الأمازيغي والخطاب القومي العربي الإسلامي
بقلم: لحسن والنيعام
بعد القطيعة التي تمخضت عن حوار كان قد دشن بين الأستاذ
محمد شفيق عن الحركة الأمازيغية والأستاذ عبد السلام ياسين عن الحركة الإسلامية،
يأتي "خريف السعار" ليعلن عن قطيعة أخرى بين موحى أيت مساعد عن الحركة الأمازيغية
وعبد الله بوحميدي عن الحركة القومية التي استنجدت بالأصولية بعد أن راكمت الكثير
من الإخفاقات والإحباطات.
الكتاب الصادر عن مركز طارق بن زياد يقدم خواطر تتضمن أهم نقط التقاطع بين الحركتين.
والمقال التالي يقربنا من كنه نظرتين متناقضتين للعالم ولقضايا الساعة.
خواطر الكتاب تكمن أهميتها في راهنيتها. فالأولى أرخت بتاريخ 27 أبريل 2002،
والثانية مؤرخة بيونيو 2002. وهكذا، فإن المواضيع التي تناقشها هي قضايا الساعة.
إنها خواطر تناقش قضايا الإرهاب ومرحلة ما بعد 11 شتنبر 2001 وتناقش قضايا التعدد
والاختلاف الثقافي، وبالتحديد قضية الأمازيغية والقضايا المرتبطة بالتوجه القومي
الإسلامي. وكما كتب المدني بوحمالة، وهو الذي جمع مادة الكتاب، فهي خواطر بين
صديقين جمعتهما ظروف الحياة، وفرقت بينهما ملابساتها. "يحملان هموم مجتمعاتهم
وآمالها، ولكنهما يختلفان في الرؤى، وينطلقان من أرضية مختلفة، ويؤمان هدفا مغايرا".
الخاطرة الأولى تعبر عن التيار القومي الذي "اضطر" للانضمام إلى الصف الإسلامي، بعد
"تواتر الخيبات" و"الإخفاق الذي يعمي البصيرة"، بتعبير موحى أيت مساعد. والخاطرة
الثانية تعبير عن الخطاب الأمازيغي الذي يرفض أن ينظر إلى الأمور "من خلال منظار
يحدد لي (له) في بغداد أو دمشق أو نابلس أو الرياض". ويعتبر نفسه "شيئا آخر"، تفاعل
مع حضارات محيطة به دون أن تذوب هويته (من خواطر موحى ).
في خواطره، يؤاخذ بوحميدي على موحى "زيغه" و"انحرافه" على مسار كان قد التزما به من
قبل وهما في الولايات المتحدة الأمريكية. مسار هو مسار عبد الله بوحميدي الذي يشن
حربا ضروسا (على مستوى الخطاب على الأقل) على الغرب لأنه يعادي العرب والمسلمين.
مسار وجد في ما خلفته مرحلة ما بعد 11 شتنبر 2001 ضالته لكي يتهم الغرب بتصعيد
عداوته وحقده ضد العرب والمسلمين.
بوحميدي يؤكد أنه لا يمكن فصل الإسلام عن العروبة ويرى أن العلاقة بينهما علاقة
عضوية ولا يتردد في القول بأن العرب هم المستهدفون "في هذه الحرب التي أخذت شكلا
جديدا والتي هي قديمة في واقع الأمر"(فلسطين ـ العرق ). ويشدد على أن "فلسطين هي
معركتنا. هي التي تحدد مصيرنا، إما أن نكبو كبوة لا قومة بعدها، وإما أن ننهض من
كبوتنا ونبعث ونبعث من عثارنا... ولذلك فالمعركة الدائرة رحاها الآن هي معركتنا
جميعا. والذين يموتون لا يموتون من أجل قطعة تراب وعلم نشيد، ولكن من أجل بعث جديد.."،
بعث العرب بكل تأكيد.
خواطر بوحميدي العربي الإسلامي القح، فيها رفض قاطع لأي اهتمام باللهجات "العربية"
لما تشكله من خطر على حياة اللغة العربية الموحدة، لغة السماء، لغة "هي لحمتنا وإن
ذهبت ذهبنا". ومع ذلك، بوحميدي يمكن أن يتجاوز زلة الاهتمام باللهجات "العربية"،
على أن "الخطورة كل الخطورة، هي التي ستأتي من دعاوى عرقية أو جهوية...دعاوى ترفع
لواء الدفاع عن حقوق الأكراد، والحقوق الثقافية للأمازيغ، والأقليات الدينية في مصر
والشام". وما يقض مضجعه بالخصوص هو "هذا الظهور المتنامي للأمازيغية في ربوعنا...
وأخشى ما أخشى أن يتم تلاقي خصوم العروبة التقليديين مع دعاة الأمازيغية الجدد في
سياق ما بعد 11 شتنبر ليضعفوا نسيج العروبة عندنا".
ثم بعد ذلك، يؤاخذ على موحى نايت مساعد تغيره وتحوله وهو الذي "عانق كل هموم
العروبة وأحلام القومية". بوحميدي يؤاخد أيت مساعد على تحوله إلى واحد من دعاة
خطابات إذا ما شاع ما يتناهى منها إلى علمه وما يقرأه "فذلك أشد قسوة على من زرع
إسرائيل في مشرق الوطن العربي...فالمغرب العربي الصخرة الصلدة وموئل العروبة،
والمعتمد وخط الرجعة والعمق الإستراتيجي لوطننا العربي".
إن صيحات الخصوصية الثقافية التي تتعالى في نظر بوحميدي، ستتعزز بمطالب اجتماعية
وبذرائع الحرمان والاقتصاد فتفضي إلى مطالب سياسية ظاهرها البراءة وباطنها الله
وحده أعلم أمرها... "والويل والثبور إن صدر من حكومة مغلوبة أنة أو احتجاج؟ فالكي
دورساي (يقصد فرنسا) بالمرصاد. وهو لن يقبل أن يذهب الدم القبائلي هدرا". مادام هذا
الأخير "يرفض تعريب الجزائر، ولأنه يحرص على استعمال الفرنسية، ولأنه الأقرب
وجدانيا من تراث فرنسا. ومن توجه الغرب؟".
ثم هاهو بوحميدي يملي تصوره لما ينبغي أن يكون عليه وضع الأمازيغية في المغرب: "ندرس
الأمازيغية. أي نعم ولكن ليس ندا للغة العربية ولا شريكة لها أو ضرة. تدرس وبحروف
عربية... تدرس كما كانت دوما في سياق الحضارة العربية الإسلامية....".
وإذا بموحى يرد بأن التحول والتغير حكمة إنسانية، معترفا بنأيه عن محطة وجدها "لا
تقود لشئ" والأجدى أن يلتمس "سبيلا يفضي إلى خلاص". وبهجرانه للخطاب القديم
واعتناقه لخطاب جديد، يكون موحى قد عانق الفؤاد عناق المتيم المشدود إلى الحق
الأقرب إلى العدل، كما يقول.
خواطر موحى لا تؤاخذ بوحميدي فقط على عدم هجرانه لخطاب لا ينطبق على الواقع بل إنه
يسائله باستغراب عن السر الكامن وراء هروبه إلى الأصولية والبحث عن الأرضية
المشتركة معهم. "أهو الإخفاق يعمي البصيرة؟ أهو تواتر الخيبات يدفع المرء أن يركب
الصعب والذلول". موحى يقول، بصيغة التأكيد، إن بوحميدي يعيد حلم ميشيل عفلق المنتكس..
لماذا تغير موحى؟
لقد كان في السابق يلهج بأمة واحدة، لكن دهاقنة القومية ومن العرب الخلص يلاقونه
دوما بعدم التقدير. "يشك في لكنة أرتضخها واسم أحمله يفضحني". وكان البدء في جريدة
العرب الدولية، حيث التمييز. العرب الأقحاح يجازون بكرم شديد والآخرون بنتف لا تكفي
لسد أدنى الأحتياجات. "وهل يستوي الأشراف والموالي؟ والعرب والعجم؟".
ثم إن هؤلاء يريدون منه أن يحرف التاريخ والأسماء. عندما تكلم عن مدينة مراكش وقال
إنها كلمة أمازيغية "ولم أتمم عنفني واحد من "الإخوة العرب"... وجدتني لتوي مبعدا
كالبعير الأجرب". ربما موحى نادم على تلك المرحلة من حياته، فقد "وجدتني ألهث وراء
لقمة العيش عوض أن أنقب عن الأفكار وأصوغ الرؤى.. أعمتني الحاجة"... لم لا يندم وهو
الذي يتحول إلى مشبوه بمجرد ما يعرف أنه "بربري".
يلتقي موحى فتية مثله، "يعانون الخصاص مثلي، يأتون من معاطن نائية مثلي. ومثلي
كانوا ينبذون. ولكنهم كانوا يحملون أملا كبيرا واستماتة شديدة".
"كلهم تعرضوا للإقصاء والحيطة. كلهم كانوا عرضة للمظنات والشبهات. وكل ذلك يترك
ندوبا"...
لقد عاد موحى أدراجه ليكتشف واقعه "عوض هذا اللهث الأعمى وراء عوالم "غير عالمه.
عاد إلى قريته فوجدها "قرية خارج الزمن لم تعرف من مظاهر التحديث شيئا... والأدهى
أن السدى الاجتماعي الذي كان يجمعها تهلهل وأن الروح التي كانت تنبعث فيها الحياة
فاضت".
رسالة موحى "أن لا شيء يسمو على اهتمامي ببلدي... لا شيء يسمو على أنات أرضي ومآسي
أهلي... وهل علي أن لا أرى إلا ما يجري على بعد خمسة الآف كلمتر مني ولا أتفاعل إلا
على أنات تصدر في بيت جالا وجنين وبيت ساحور ورام الله؟".
"أمة واحدة؟ أين تراها؟ في دول البترول التي تعيش بحبوحة متغطرسة وتهزأ بفقر الدول
الأخرى بل وتجعله ذريعة للاستعلاء". ثم ما دخل موحى، "إذا كان ما يهيأ لي في أحسن
الأحوال أن أكون مولى. أما إن وقفت مدافعا عن خصوصيتي كان مصيري مصير طارق بن زياد
يموت في أغلال سجون دمشق، أو مصير الملك ادريس الذي دس له هارون الرشيد من يقتله
لأنه خرج على الإمبراطورية العباسية".
بوحميدي يقول إن كنه الصراع في فلسطين أما موحى فيؤكد أنه لا يستطيع كذلك أن لا يظل
مباليا "لامرأة اسرائيلية أو طفل إسرائيلي يفجر على حين غرة وهو في الحافلة، أو في
مطعم أو مرقص أو سوبر ماركت... لا لشيء إلا لأنه أسرائيلي، ولا أقبل أن تنتهك حرمات
كنيس أو مقبرة لا لشيء إلا لأن أصحابها يهود"... موحى لا يقبل أن تحجب عنه أية
إيديولوجية البعد الإنساني الملازم لكل شعب ولكل أمة.
وموحى يحسم في العلاقة بين الدين والسياسة لأنه لا يقبل بالضبابية في المواقف. موحى
يدافع عن العلمانية جهرا ويشدد على أنها لا تكن العداء للدين. إنها على العكس من
ذلك تحترمه وتوقره وتجعله بمنأى عن الصراعات السياسية.
وقبل أن تنتهي الصحبة بهما، يرد موحى على عبد الله بشأن الخواطر التي تطرقت لما
سماه بالمغرب العربي. يرد بتساؤل استنكاري عن هذا المغرب العربي الذي "من الأصوب أن
يسمى مغارب النخب المفرنسة والبيروقراطيات المهترئة والتقنوقراطيات المتعجرفة..."
هذا المغارب الذي يسمى بطلانا بالعربي "تصوب حرابه على شعوبه عوض حرب ضد الفقر الذي
ينخر مجتمعاتنا، وضد الجهل المستشري في جنباتنا". مغارب ينكر فيه "غلام وجدة"
الاعتراف بالأمازيغية. مغارب يصوب فيه سهام زرع دويلة في جسمنا مكونة من بضعة آلاف
شخص، باسم مبادئ رنانة، كحق الشعوب في تقرير مصيرها". وموحى "لن يقبل بجمهورية
عربية صحراوية على أرضي. لأنها دعوة عنصرية ولأن الأرض أيضا لها كلمتها تختزن ذاكرة
من عمرها، وهي أرض أمازيغية".
الخواطر انتهت، وبانتهائها ربما انتهاء لصحبة لم يترك الاختلاف التام للرؤى من
استمرارها. اختلاف تام لأن موحى لا يتردد في النداء جهرا بضرورة فصل الدين عن
السياسة بينما عبد الله القومي قد خطا نحو الأصولية خطوات جبارة تمخض عنها اندماج
وتزاوج، وغدا من المدافعين عن العروبة المغلفة بالإسلام السياسي بعد سلسلة
الإحباطات والإخفاقات التي راكمها خطابها.
اختلاف تام لأن موحى ينطلق من الذات والواقع في انفتاح كامل على الكونية والعالمية
بغض النظر عن الجنس أو الأصل أو اللون أو الدين بينما عبد الله يصر على اعتبار
العرب "شعب الله المختار" ويؤمن بنظرية المؤامرة ويستعدي الكل ويصر على الدفاع عن
العرب والعروبة مستبطنا نظرة الإقصاء والاحتقار للآخر كيفما كان، وخصوصا لأقليات
العالم العربي" ولليهود.
اختلاف تام لأن موحى مدافع شرس عن الأمازيغية باعتبارها لغته وثقافته ومكونا أساسيا
من هويته بينما عبد الله يعتبرها تشكل الخطر للوحدة وتهدد بالتفتت والانقسام ويعتبر
بأن الغرب يذكيها للقضاء على العربية والعروبة والحد من التعريب.
إنه ربما وصول إلى نقطة القطيعة بين خطابين. قطيعة تنضاف إلى تلك التي سبق أن سجلها
الأستاذ شفيق عن الحركة الأمازيغية وعبد السلام ياسين عن الحركة الإسلامية. وبهذه
القطائع قد تكون الحركة الأمازيغية قد اختارت بوضوح طريق التوجه نحو المستقبل، طريق
التعدد والانفتاح والحداثة والديمقراطية.
|