| |
قـراءة في المطالـب
الأمــازيغـيـة بشــان ترسـيـم الأمــازيغـية في الـدستور
بقلــم : بـحــاج
مطلب دسترة الأمازيغية كلغة رسمية بدستور المملكة، له شرعية
تاريخية وحضارية من خلال الإنسان الذي استوطن هذه الأرض منذ الأزل وشيد عليها
عمرانا، وبنى عليها حضارات وشرعية حقوقية وأخلاقية مستمدة من المواثيق الدولية
لحقـوق الأفــراد والشعوب.
وهـو من الأشكال النضالية الحضارية للحركة الثقافية الأمازيغية والتي حملت هذا الهم
من بداياتها الأولى إن بشكل ضمني أو بشكل صريح.
الــدولة المغــربية المعاصرة
اتخذت الدولة المغربية المعاصرة- شكل جدولة موحدة تحتوي على مركز سياسي حكومي واحد،
تنبع فيه السلطة السياسية بكافة اختصاصاتها الإدارية من مصدر واحد هو الدولة1.
يخضع جميع الأشخاص الموجودين تحت سلطتها إلى نفس الدستور وإلى نفس القوانين، هؤلاء
المواطنون تجمعهم علاقات وطيدة بالدولة نتيجة لتوافر عوامل موضوعية (الجنس، اللغة و
الدين) أو عوامل ذاتية (الحضارة، التاريخ و العادات)2
ونتيجة للاستقرار الطويل الذي عرفه الشعب المغربي على هذه الأرض الطيبة نمت لديه
قيم الحب والغيرة على هذا الوطن، والتضحية بالغالي والنفيس من أجل الدفاع عن كرامته
والذود عن حدوده من أجل صيانة وحدته، وهذا ما برهن عليه الشعب المغربي الذي قاوم
ببسالة تامة الاستعمار حتى أجلاه عن أرضه.
لقد قامت الدولة المغربية بعد الاستقلال على ثوابت تصب كلها في وحدة الأمة (وحدة
المذهب، و حدة اللغة...) وعملت على إقصاء كل مظاهر التعدد على اعتبار أنه يضر بوحدة
الوطن.
فالمغرب كيان متعدد في كل مظاهره، في لغاته وثقافاته... فالدولة اعتمدت سياسة
الإقصاء ضد الأمازيغية بتواطؤ مع أحزاب الحركة الوطنية محتجة بعدة ذرائع: تفكيك
الوحدة الوطنية، ّإعاقة التنمية، إعاقة المشروع الوحدوي العروبي القائم على أسس
وهمية إلى غير ذلك من الحجج التي أثبتت التجارب أنها واهية، بل وأصبح من الضروري أن
تقتنع الدولة نفسها بأن التنوع يشكل غنى وثراء وليست له عرقلة للتنمية، وأن لا
تنمية حقيقية دون الأخذ بعين الاعتبار التنوع اللغوي والثقافي والديني.
كرنولوجيا الدساتير المغربية:
لقد عرف المغرب عدة مشاريع دساتير - قبل الفترة الكولونيالية - منذ سنة 1904 حيث تم
عرض أول مذكرة في الشأن على السلطان عبد العزيز من قبل السيد الحاج علي زنير
السلاوي الذي أقام مدة أربعة و عشرين سنة بمصر وعايش ثورة عرابي وكان هذا المشروع
يحمل اسم «حفظ الاستقلال ولفظ سيطرة الاحتلال»3.
وفي نفس العام قدم مشروع آخر إلى السلطان ويدعى مشروع بنسعيد ويضم فصولا تهتم
بالتنظيم الإداري والقضائي و الاقتصاد والجيش والأمن4.
كما هيأ عبد الكريم مراد وهو سوري الجنسية مشروعا آخر سنة 1906 وهو مشروع مطبوع
بالطابع الشرقاني.
أما مشروع سنة 1908 والمسمى ب »جماعة لسان المغرب»، والذي نص على مجموعة من الحقوق
والحريات كالإشارة إلى أن جميع المسلمين متساوون أمام وظائف المخزن وألغى عقوبة
الإعدام ودعا إلى توفير الأمن للرعية، كانت هذه أهم المشاريع التي قدمت قبل المرحلة
الكولونيالية. وبعد الاستقلال تعاقبت مجموعة من الدساتير الرسمية، والتي شكلت كلها
تعديلات في صك الوثيقة الدستورية لسنة 1962 وهي على التوالي: 1972-1992-1996. لكن
المشترك بينها هو أنها لم تعر أي اهتمام للمسألة الأمازيغية سواء كلغة أو كثقافة أو
كهوية. هذه القضية التي تم تغييبها وإقصاؤها من دواليب الدولة وفي برامج الأحزاب
السياسية خصوصا أحزاب الحركة الوطنية التي ما فتئت تتخذ من ظهير 16 ماي 1930 أو ما
يسمى بالظهير البربري ذريعة لمناهضة كل من يحمل مشعل هذه القضية واتهامه بالعمالة
للغرب أو أي شيء من هذا القبيل.
وإذا كان مطلب الحماية الدستورية للأمازيغية مطلبا حقوقيا وسياسيا ديمقراطيا، حيث
يرمي من جهة إلى حفظ حق شعب بأكمله في لغته وثقافته وفي استعمالها، أي رفع التهميش
والإقصاء عن الحقوق اللغوية والثقافية والاجتماعية الأمازيغية،فإنه من جهة أخرى
يسعى إلى ترسيخ الوحدة الوطنية لأن الأمازيغية ملك لجميع المغاربة دون استثناء، ورد
الاعتبار لها يحتم تضافر جهود الكل للعمل على تحقيق هذا المطلب.
كرنولوجيا المطالب الأمازيغية بشأن الوثيقة الدستورية ما قبل إنشاء IRCAM
يتقاسم الحركة الأمازيغية توجهان رئيسيان حول موضوع الحماية الدستورية للأمازيغية،
يسعى كل منها إلى بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، حيث يؤمن الأول بأولوية دسترة
الأمازيغية كمدخل أساسي للإصلاح الشامل بينما يذهب التوجه الثاني إلى التسوية بين
مطلب دسترة الأمازيغية وبقية المطالب الأخرى كإدماج اللغة الأمازيغية في المدرسة
والإعلام والإدارة... وإذا كنا من مناصري الرأي الثاني – لاعتبارات يطول ذكرها هنا
– فإن هذا لا يمنع من التذكير بنضالات الحركة الأمازيغية في هذا المضمار حيث نص
ميثاق أكادير 5 غشت 1991 على ضرورة الحماية الدستورية للأمازيغية: «الإقرار في
الدستور المغربي بكون اللغة الأمازيغية لغة وطنية إلى جانب اللغة العربية».
وبمناسبة التعديل الأخير للدستور تبين للفعاليات الأمازيغية عدم اهتمام واكتراث
الأحزاب الوطنية بالأمازيغية كلغة و هوية يجب أن تقرر في النص الدستوري، فبادرت 18
جمعية أمازيغية إلى رفع مذكرة إلى الديوان الملكي بتاريخ 22 يونيو 1996 تسعى من
خلالها إلى إقرار الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية.
و يعتبر هذا التاريخ بداية تحول في موقف الحركة الأمازيغية في تعاملها مع دسترة
الأمازيغية من لغة وطنية إلى لغة رسمية.
كما نص بيان الأكاديمي محمد شفيق الصادر بتاريخ 1 مارس 2000 ضمن مطالبه التسعة على
ضرورة دسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية حيث جاء في المطلب الثاني: «لقد آن
الأوان لدسترة الأمازيغية اعتبارا للغتنا الوطنية الأصلية لغة وطنية ورسمية»5. وإذا
كان للمطالب اللغوية والثقافية أسبقية على مطلب العدالة الاجتماعية فإن إدماج
الأمازيغية في الدستور هو الكفيل بإنجاز الانتقال الديمقراطي السياسي والديمقراطية
اللغوية والثقافية.
إن من لا يربط بين القضية الأمازيغية كلغة وثقافة وبين المسألة الديمقراطية مستمد
من بعض الدول الديمقراطية كفرنسا أو USA التي لا تعترف بلغة الهنود الحمر أو
الإسبان فإنه يخالف الحقيقة في وجهين:
يان: كون المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والشعوب، كلها تعترف بحق الأفراد والشعوب
في لغاتها وثقافتها الأصلية حتى ولو كانوا أقلية.
سين: كون الأمازيغية في المغرب ليست لغة وثقافة أقلية كما في الأمثلة السالفة الذكر
بل هي لكل المغاربة دون استثناء.
في الوقت الراهن:
إن طرح مسالة دسترة الأمازيغية في الوقت الراهن، تتصل به عدة قضايا هامة وجوهرية في
حد ذاتها، من قبيل: مساءلة الفكر والثقافة والتاريخ المغربي، أو وضعهم تحت مجهر
التنوير، تحديث البنيات الاجتماعية بما يكفي لتساير هذا التطور المنشود الذي يتوخى
ترسيخ قيم الحداثة داخل وسط مثخن بالتقليد و الانغلاق.
ونمر إلى طرح السؤال: ماذا تريد MCA، هل تريد تعديلا دستوريا أم إصلاحا دستوريا
بمعنى إحلال دستور جديد مكان دستور قائم؟
الإجابة نجدها مباشرة عند قراءة «ميثاق المطالب الأمازيغية بشأن مراجعة الوثيقة
الدستورية» حيث يتبين بوضوح أن السقف الحالي ل MCA لا يتجاوز اقتراح إجراء تعديلات-
إذا ما قبلت- على الدستور الحالي: «إن سقف الحركة الأمازيغية يقتصر على تعديل
الدستور القائم عبر مسلسل أمزغة قواعده وبنوده، سقف يأخذ بعين الاعتبار ميزان القوى
القائم وطبيعة مطالب الأطراف السياسية والمدنية الأخرى والوضع الذاتي للحركة كقوة
احتجاج واقتراح مدني6.
إلا أن مطالب هذا التعديل يجب أن تجعل كحد أدنى لها: المطالبة بإقرار المواطنة
بمفهومها الكوني وإقرار الهوية الأمازيغية بالدستور المغربي.
حيث تضيف الوثيقة السابقة: «إلا أنه تعديل تنفذ إلى مساءلة الفكرة السياسية
والدستورية القائمة على استبعاد المواطنة الثقافية والهوية العالمية والعلمانية من
الفضاء الدستوري7»
أما بالنسبة لجمعية تامينوت، كبريات الجمعيات المغربية الأمازيغية، فتضع كحد أدنى
لمطالبها: الإقرار بترسيم الأمازيغية لغة و ثقافة وهوية بالدستور.
إقرار دستور ديمقراطي فاصل للسلط ويصون الحريات الفردية والجماعية دون أي تمييز على
مستوى الجنس أو العرف أو الدين8.
لقد ظل مطلب التعديل مطلبا متجددا في الزمان والمكان تمليه التحولات الاجتماعية
والسياسية بالبلاد، واليوم أكثر من أي وقت مضى أضحى هذا الأخير مطلبا مدنيا يتجاوز
سقف الأحزاب التقليدية التي فشلت في تحقيق ما يصبو إليه المجتمع من تغييرات في صك
الوثيقة الدستورية: «وسيدخل المجتمع المدني بصفة عامة في الخط، بمعنى المطالبة
بالتعديل الدستوري متجاوزا الأحزاب السياسية باعتبار أنها أخفقت في تحقيق ما كان
الشعب يصبو إليه من تغييرات جذرية في المستوى الدستوري»9.
دسترة الأمازيغية بين المعيقات والمداخل الأساسية:
إن مسألة الإصلاح الديمقراطي أو تحرير الشأن العام وفتحه أمام العموم تقتضي من جهة،
نقدا عقلانيا للمعيقات التي تعترض إمكانية بناء دولة حديثة سمتها الأساسية
الديمقراطية الحقة وتخلع عنها ثوب التعالي: فالدولة المغربية: «ظاهرة سياسية
متفاعلة ملزمة بالتحديث10»
والتحديث يستلزم أيضا النهوض التنموي بكل الجهات والمناطق من تطوير الديمقراطية
المحلية وتوسيع مجال المشاركة لكل الفاعلين، وهنا تبرز إشكالية الصلاحيات المخولة
للهيئة المنتخبة محليا في تسيير الشأن اليومي في محيطها، ومدى قدرتها على تفعيل
مشاريع التنمية المستديمة التي لن تكون ناجعة في ظل تغييب إشراك الساكنة وإعطاء
مزيد من الاهتمام للغتها المحلية، فدعم الديمقراطية المحلية بشكل أكثر إيجابية لا
مناص منه لمزيد من النماء والتطور.
إن دمقرطة المشهد اللغوي والثقافي بالمغرب يبدأ من كسر حالة الاغتراب التي تعيشها
الدولة في التاريخ وربطها بالماضي البعيد الذي يؤرخ لأزيد من أربعين قرنا، فالتأسيس
على الماضي ربط للدولة بجذورها.
إن معيار دولة وطنية ديمقراطية رهين بما تقدمه من حلول ناجعة للإشكالات اللغوية
والثقافية، بمعنى فك عقدة الاستبداد الثقافي وفتح الباب على مصراعيه أمام التعامل
النسبي مع قضايا اللغة والثقافة والسياسة، حيث كما يعلم الجميع أن التعاطي السلبي
مع التعددية اللغوية والثقافية كان هو السمة البارزة لكل المشاريع الإصلاحية لدولة
الاستقلال.
أضف إلى ذلك أن أغلب الفاعلين السياسيين بالمغرب يتحاشون التعاطي الإيجابي مع
المسألة الأمازيغية ويضفون طابع التعالي والقدسية على العربية، فاللغة لديهم
استثناء من القاعدة الديمقراطية، بل منهم من يذهب إلى نعت كل من يتعاطى إيجابيا مع
هذه القضية بالعمالة للغرب والصهيونية*.
وأخيرا نتساءل مع الأستاذ محمد شفيق: ما المانع أن تكون للمغرب أكثر من لغة رسمية
واحدة؟ خصوصا إذا علمنا أن للهند 12 لغة رسمية، و لسويسرا 4 لغات رسمية و لكندا
لغتين رسميتين.
إن الطرح الهوياتي الذي يتخذ شعار: «الوحدة في إطار التنوع» يستهدف أن تكون للمغرب
لغتان رسميتان، الأمازيغية والعربية يتعامل بهما في الشأن العام على حد السواء.
إن للهوية الثقافية في المغرب أساسا يضرب بجذوره في أعماق التاريخ، وله أبعاد
متعددة نتيجة للاحتكاك بالشعوب المتوسطة عن طريق الاستعمار أو التبادل التجاري
والثقافي.
ومن هنا تأتي أهمية التنصيص على الهوية الأمازيغية للمعرب في دستور الدولة، الذي
يقر في ديباجته أنه متمسك بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان كما هو متعارف عليه
دوليا، وهنا تثار إشكالية من يرى أن ديباجة الدستور غير ملزمة للدولة، وأن المشرع
كان ذكيا عندما أدرجها في الديباجة، إلا أنه واستنادا إلى الفقه الدستوري، فقد وضع
المجلس الدستوري – الفرنسي بتاريخ 16 يوليوز 1971 حدا للخلاف الدائر منذ الجمهورية
الرابعة حول القيمة القانونية للديباجة، و أوضح أنها جزء لا يتجزأ من الدستور ولها
نفس القيمة القانونية التي تتمتع بها فصول الدستور.
الهوامش:
1 ـالدولة المغربية (قضايا الديمقراطية، القومية والاشتراكية) عبد السلام المودن
2 ـ نفسه
3 ـ الإسلام دين حقوق الإنسان. يوسف الكتاني ص : 20-34
4 ـ نفسه
5 ـ المستقل الأسبوعي 27 أبريل 3 ماي 2000
6 ـ أكراو أمازيغ العدد 127- 18 يونيو 2004
7 ـ نفسه
8 ـ وثيقة صادرة عن المكتب المركزي لجمعية تماينوت
9 ـ دفاتر سياسية العدد 59 دجنبر 2003 ، إبراهيم أخياط
10 ـ فصلية أبحاث ، العدد 56- 2004/2005 – عبد اللطيف الخمسي: قضايا الإصلاح
والتحديث في المغرب المعاصر
* أنظر مثلا : مجلة الفرقان، حوار مع الإسلامي المقرئ ابو زيد الإدريسي.
11 ـ مجلة نوافذ العددان 17 و 18 غشت 2002- حوار مع الأستاذ محمد شيق
12 ـ محاضرات في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية: الدكتوران إدريس سدود
وبوشعيب أوعبي.
|