| |
الطفل الأمازيغي و صراع
الثقافات
إبراهيم عناني (أسيف ن دادس، ورزازات)
تجاوزا للتعاريف المعقدة للثقافة، سنتناول هذا المفهوم من
زاوية التعريف الأنتروبولوجي للثقافة، والتي تعني ذلك الشيء الذي يمتلكه الشخص أو
الجماعة، والتي تميزهم عن الآخرين. بداية سنستأنس بتعريف «وارد كود اناف» الذي
يعتبر الثقافة بأنها تلك المعرفة المكتسبة اجتماعيا: «إن ثقافة كل مجتمع تتكون من
أي شيء يجب على أي شخص أن يعرفه أو يعتقد به لكي يعمل بطريقة مقبولة من طرف عناصر
دلك المجتمع... الثقافة هو ذلك الشيء الذي يجب على الناس أن يتعلموه مقارنة مع
معطياتهم البيولوجية، و يجب أن يتكون من نتائج ما تعلموه: المعرفة بصفة عامة».
تماشيا مع هذا التعريف سأحاول أن أبين كيف استمرت الثقافة الأم، ومن خلال مؤسستها
الأولى في تزويد الطفل الأمازيغي بتلك المعرفة التي تستحق كسب ثقته. وسأحاول أيضا
إثبات فشل الثقافة «المسيدية» في تزويد الطفل الأمازيغي بأنواع المعارف التي
تحتاجها في تقدمه الحضاري.
إن الطقوس المسائية التي يقوم بها الأطفال عند رجوعهم من المسجد ما هي إلا جانبا من
الذاكرة الشعبية أو اللاوعي الجماعي يذكر الأطفال دائما بسلبية الثقافة الوافدة
فتقدم لهم الحلول المناسبة في صراعهم مع أزمات التعليم داخل المسجد. وقد تعكس خطورة
ثقافة المسجد في استلاب هويتهم. فرغم قصر المدة الزمنية التمثيلية للطقوس الشعبية،
فإن جودتها التثقيفية والمعرفية تعلن مساوئ أهداف التربية القسرية داخل المسجد.
إننا أمام نموذجين مختلفين ثقافيا يتصارعان داخل الطفل الأمازيغي. فالثقافة الوافدة
من خلال المسجد تستعمل نظرية بها بغيورية سلوكية تنظر إلى الكفايات كأنها سلوكات
ميكانيكية يمكن تطبيقها على الوضعيات المختلفة بعدد قليل من الأقوال. والثانية
احتفالية تقوم على تفكيكه وتنقيته، وبشكل طبيعي تزوده برصيد معرفي موروث على شكل
كفايات لكي يحصل على جودة هذا الإرث الثقافي. وعن طريق تحريك وتطبيق جميع كفاياته
الأنتروبولوجية بدرجة من الدقة والتركيز. وكما سنبين لاحقا فإن الطفل الأمازيغي
سيبقى متأرجحا بين كبت كفاياته الطبيعية داخل مؤسسة المسجد وبين انفجار هذه
الكفايات داخل المؤسسة الأولى ـ ثقافته الأصلية.
بعد دراستهم الإثنوغرافية لبعض الثقافات توصل الباحثون الغربيون إلى كشف أنماط
وأساليب ثقافية تتعلق بالسلوكات غير اللسنية للمتعلمين وهم يصطدمون بالأساليب
التقليدية وطرائق جديدة تختلف عن معارفهم الثقافية. ومن أمثلة هذه السلوكات
الطقوسية ما اصطلح عليه باسم «الإيقاع و التدفق»، نعني بالإيقاع درجة سرعة أو عدد
الحركات أو الأحداث التي تؤثر على مجرى أو سياق التواصل داخل مؤسسة تعليمية. أما
التدفق أو السيلان فتعني مدى انسجام أو تقارب هذه الحركات السلوكية للمتعلمين الذين
هم في تفاعل مستمر. نلاحظ أن سرعة الحركات داخل المسجد لا تنسجم مع تدفقها مما يؤدي
سلبا إلى انعدام التواصل بين «امحضارن» ـ المتعلمين أنفسهم من جهة، وبينهم وبين
الفقيه في تناقض مستمر مع تدفق حركات الطلاب حيث ينزل تدفق حركات الفقيه إلى أدنى
مرتبة (النوم) عندما يكون تدفق وسرعة الحركات عند المتعلمين عاليا. وكل ذلك يؤدي
إلى نزول التواصل إلى أدنى مرتبة، خاصة وأن الطلاب يتظاهرون بالتلقين كلما زادوا في
سرعة وتدفق حركاتهم، فقط لكي ينام الفقيه وسط الضجيج وتصل المهارات المعرفية إلى
مرتبتها السيئة السكونية. إن نمط التعليم الذي ينطبق على مؤسسة المسجد هو ما سماه
الانتروبولوجيون: «التدريس المعرضي» أو «المشهدي». فالأطفال يجلسون على شكل حلقة
حول الفقيه ويتابعون تحركاته في إجراء عملية «الفلاقة» لأحد الأطفال كنموذج مثالي
لأسلوب التعلم بنظرية العنف، تهدف بالأساس إلى تصحيح السلوكات غير اللسنية، بعيدة
كل البعد عن الشروط التي تؤسس لمجموعة تريد أن تتعلم عن طريق الوضعية ـ المشكلة أو
المعتمدة على حل المشاكل أو التمارين. فدور الفقيه ليس هو المضمون ولكن المشاركة في
الطقوس كبرهان على السيطرة المطلقة على العملية التعليمية، وبذلك تخلق ثقافة
التنميط المعتمدة على بيداغوجية الوعظ والتخويف لتسهيل عملية الحشو ببضائع معرفية
قديمة. وكل ذلك يؤسس لثقافة الشحن كظاهرة أنتروبولوجية سميت بـ»ثقافة الشحن». وتعني
ذلك الانفعال السلوكي الذي تكسبه مجموعة من الناس وهي تنتظر وصول مجموعة أخرى من
الناس مخالفة ثقافيا وتكنولوجيا لتزويدهم ببضائع وسلع على متن باخرة قادمة إلى
بلادهم. فالطفل الأمازيغي يلج المسجد في الصباح ليملأ لوحته ببضاعة استهلاكية قديمة
فيكتسب مع مرور الوقت سلوكا اتكاليا.
إن كل مؤسسة كنتاج ثقافي (وكما يصفها مالينوفسكي) تتميز بجدول من المبادئ ومجموعة
من الأشخاص كهيئة من الأطر يعملون وفق ذلك الجدول إلى جانب وجود مادة تحدد توجه
أفعال هذه المجموعة. وبهذا المفهوم فإن مجموعة الأطفال وهم يمثلون مراسيم الزواج
بعد خروجهم من المؤسسة الثانية ـ المسجد ـ قد يشكلون مؤسسة ثقافية. فللمؤسسة الأولى
ـ عكس مؤسسة المسجد التي تعطي الأهمية لجانبها القار الثابت ـ قواعد سلوكية ـ تمتاز
بجانبها الذينامي، التطبيقي للمبادئ الخاصة بها. وهذا ينعكس في أسلوبها التعليمي
غير الرسمي. هنا يكتسب الطفل الأمازيغي معرفته الاجتماعية بذلك الأسلوب أو النمط
الذي أطلق عليه الانتربولوجيون اسم: التعلم أو الاكتساب المهرجاني «وهو نمط ينطبق
على تمثيلية الزواج عند الأطفال في المساء حيث تشارك مجموعة من الأطفال في اكتساب
التقاليد والعادات بالطرقية التي تشارك فيها الناس في أي مهرجان احتفالي. فالطفل
الأمازيغي يتعلم عن طريق الممارسة الفعلية في أداء دوره داخل المجموعة فيحصل
الانسجام والتناغم بين إيقاع الحركات الطقوسية وتدفقها المنتظم. إن هذه الأشكال
الطقوسية هي بمثابة أساليب تعليمية أو تثقيفية تنتمي إلى الأنماط التحتية لثقافة
الأم، إنها كما يقول يونج نماذج أولية من البلاستيك «لهيكل» الجنس بصفة عامة.
فعندما يقوم الأطفال بتكرار وممارسة مراسيم الزواج مساء، بشكل طقوسي أو طوباوي،
فإنهم من جهة أولية يشخصون مرضا نفسانيا لمجموعة مقموعة من طرف الفقيه أو كنموذج
لذلك الكبت المفروض عليهم داخل فضاء المسجد (باستعمال مفاهيم نظرية التحليل النفسي
عند فرويد) ومن جهة أخرى فإن هذه الطقوس الاحتفالية ليست إلا مساهمة لمجموعة
الأطفال في اللاشعور الجماعي باستعمال مفاهيم التحليل النفسي للجماعات عند يونج.
ولنا عودة إلى موضوع الاوديب الأمازيغي في تحليلنا لبعض الأساطير الأمازيغية. إن
الطفل الأمازيغي وهو يلج عالم المسجد يتسلم لأنماط رئيسية من ثقافته الأصلية على
شكل بنيات إستراتيجية بامتياز حيث تولد عدد غير محدد من أنماط خاصة تصلح لمواجهة
الأزمات داخل المسجد وتقوم على تنظيم التفاعل مع كل ما هو جديد أو دخيل على ثقافته.
إنها أساليب توفر له القدرة على تحمل صراعه مع الفقيه االديداكتيكي لتقدم للطفل تلك
المعرفة الموروثة التي تستحق ثقته بفعالية علاجها.
ولتأويل قواعد الفقيه الغامضة والخيالية من اللوغوس ـ المنطق، فإن معرفة ثقافة الأم
توفر للطفل وصفة من القوانين والأعراف لتنظيم الاستهلاك، حيث ينتقل الطفل من سلوكات
طقوسية متوقعة إلى تواصل حيوي غير متوقع. فعندما يضرب على الألواح على نحو طقوسي
فإنه يشارك في نظام التواصل بين الأفراد يحدد كما لو أنه يشارك في رقصة جماعية «لاحيدوس».
إن وظيفة المؤسسة التعليمية كما يقول «ادريان هوليداي» تمثل في بعض الأحيان إشكالا
طقوسية لسلوك أكثر من وظيفي لنقل المعرفة». وعلى الرغم من أن الثقافة التي يحملها
الطفل معه إلى جهاز المسجد تحتفظ بنوع من الاستقلالية والتحفظ في مواجهة كل ما يهدد
سكونها في وقت الأزمات، فإنها قابلة للتغيير خاصة عندما يتعلق الأمر بأساليب وطرق
التدريس أو التثقيف، والتي لها علاقة مباشرة بالمعرفة داخل الذاكرة الشعبية أو تلك
المعرفة المكتسبة اجتماعيا. وكما يشير إليه ادريان هولداي، فإن الأزمات المنطوية
تحت لواء الثقافة الوافدة أو المهيمنة «تقاطع تدفق أو سيلان العادات في الثقافة
الأصلية، مما يعطي الانطلاقة لظروف الوعي والتطبيق». فكلما ازدادت خطورة فقدان
الهوية باستعمال أساليب جديدة كلما ازداد بها الوعي أو ثم الحرص في تطبيق عادات
ثقافته بها حسب فقدانها.
بداية العقد عند الطفل الأمازيغي
وأخيرا يأتي المساء، فيخرج الأطفال الذكور هاربين من عالم المسجد ونزعته إلى عالم
مليء بالروح الانثوية، ذلك العالم الذي طالما وصفه العالم النفساني فرويد «بالقارة
السوداء». إنه الرجوع إلى لكوس الجنس والتفكير بالجسد والغرائز. فثقافة المساء
تفجير للطاقات اللبيدية واستعاد للحكمة البهيجية عند «اله الحب» «هيرو». قبل الحديث
عن العقد النفسانية عند الطفل الأمازيغي وعلاقتهم بالأديب المسجدي وبثقافة الأم
المسائية كموارد معرفية لتوظيف لائحة من الكفايات الأنتروبولوجية وعلى شكل طقوس
أنثوية غريبة تعلن فشل قيم الميتافيزقيا والميتوس الوافد داخل فضاء المسجد في تجريد
الواقع المادي للطفل الأمازيغي. وأيضا قبل الحديث عن مراسيم «عرس القران» ـ «تمغرا
ن لقران» ـ كما يمثلها الأطفال الصغار مساء ودور الإناث بإنجاز طقوس أنثوية خفية
داخل فضاء المسجد. قبل كل هذا أود أن أزيل المخاوف و»الحشمة» عن بعض المصطلحات أو
المفاهيم المستعملة داخل حقل السيكولوجيا والتحليل النفساني كمحاولة لإزالة الستار
عن عقدة الاوديب الأمازيغي وتطبيع العلاقات مع «العيادة النفسية» كما أسستها ثقافة
الأم الأمازيغية. إن عقدة اوديب كما شرحها فرويد، هي المسؤولة عن التطور النفساني
لدى الطفل الذكر وفي تكوين «الأنا» و»الأنا الأعلى» وكذلك «اللاشعور». فالطفل يبدأ
باختيار الأم كموضوع لاستثمار طاقاته اللبيدية. وبما أن ذلك يثير غضب وجنون الأب،
فإن الطفل يظن، وبتقدير منطقي، أن غضب الأب يتخذ شكل «الخصي». فيبدأ الطفل بكبت
وتخزين القواعد والقوانين الذكورية التي يسنها الأب وينتج عن ذلك قدوم الأنا الأعلى
إلى الوجود ليصبح الأب المثال الأعلى الذي يقتدي به الطفل فيصبح يتمنى أن يكون له
ذلك العضو الجنسي الذكوري ـ القضيب ـ وبذلك يتراجع عن فكرة النيل من أمه ليغير مسار
طاقاته اللبيدية إلى أشياء أخرى غير الأم.
أما كارل كوستاف، فقد تحدث عن «عقدة الكترا»... ليوضح أن رغبة الطفلة الصغيرة تتجه
نحو أبيها. فالطفلة أصلا ـ مثل الطفل الذكر ـ مرتبطة بأمها لكنها عندما تكشف عن
غياب العضو الجنسي الذكوري ـ القضيب ـ عند إلام فإنها تغضب وتلومها عن ذلك فتغير
وجهة غرائزها اللبيدية نحو الأب لكي تحلم وتتخيل أنها زوجة أبيها أو أنها تحمل منه
معتقدة أن الحمل سيعوض العضو الجنسي الذكوري المفقود، والذي ترغب فيه لتكون لها
مرتبة مثل مرتبة أبيها..
سأحاول لاحقا إسقاط هذه التحاليل السيكولوجية على العقد النفسية عند الطفل
الأمازيغي عندما أتناول في موضوع آخر بعض الأساطير الأمازيغية، خاصة تلك الأساطير
المعروفة عندنا في الجنوب الشرقي بـ»تتبيرت تاوراغت» ـ «الحمامة الصفراء» والمعروفة
باسم «حمو أنامير» في جهة سوس. ما يهمنا الآن هو الاستئناس بمصطلحات ومفاهيم
التحليل النفساني لمعرفة، بل لتأويل العلاقات بين هذه العقد وبين الطقوس التي يقوم
بها الأطفال مساء خارج أو داخل فضاء المسجد.
إن الرجوع أو العودة إلى اللغوس في المساء أو الحكمة البهيجية الاحتمالية هو انتقام
من هيمنة الاوديب المسجدي والهوية الاوديبية بشكل يخلق العصاب بين الفقيه والطفل
الأمازيغي أو يخلق اصطداما قويا بين الثقافة الوافدة والأصلية. يحدث هذا مساء عندما
يقوم الأطفال الصغار بثمتيلية مراسيم «عرس القران»ـ تمغرا ن لقران ـ، يقوم الأطفال
بوضع أحد الأطفال البارزين في حفظ القران فوق ظهر دابة ـ في التمثيلية يستعمل القصب
ـ وفي يد الطفل لوحة من خشب مملوءة على آخرها. وبنفس الطقوس التي يتم بها الزواج ـ»تنكا»
يوم ذهاب العروسة إلى دار زوجها ـ ينطلق «الاحتفال: الأطفال يرددون «أشعار من ثقافة
المسجد والفتيات في أحسن الثياب كما في العرس ـ يزغردن. يتجه الموكب لإجراء دورة
شرفية حول أحد الأضرحة المعروفة في قبيلتهم ـ «اكورام» ـ. قد ينتهي الاحتفال هنا
بالمناسبة للأطفال الذكور، لكن الفتيات يذهبن في الخفاء إلى فضاء المسجد لإجراء
طقوس أنثوية في ظلام المسجد وعلى الرغم من أن أحدا لا يعرف ما يجري داخل «علبهن
السوداء». فقد يقال إن أكثر الفتيات شجاعة في خلع ثيابها والتدحرج لمرات عديدة فوق
«حصيرة ـ «المقصورة» هي المترشحة الأولى لتمثيل دور «تسليت» «العروسة» في اليوم
الموالي وفي تمثيلية المساء.
نحن أمام نموذجين مختلفين لأشكال من الطقوس يمثلان أرضية مشتركة لنموذجين متعارضين
من الكفايات كإنجازات ملموسة على شكل سلوكات يمكن وصفها لكن يصعب تحليل كيفية
اشتغال هذه الكفايات الأنتروبولوجية. فالكفاية ـ أو الطقوس ـ في نموذج عرس القران»ـ
نوعية وكتنظيم لعدد من السلوكات أو كعملية لإتمام وظيفة مناسبة لوضعية طفل بارز في
ثقافة المسجد، فإن الكفاية كسلوك يمكن ملاحظته ووصفه حيث يتجاوز فيها توظيف المعارف
على مستوى التحسيس التأملي وتنتقل إلى خطاطات منظمة: تتويج الطفل عندما يقوم أو
يحسن الأداء في تمثيله لدور الفقيه /الرايس. الخطاطة هنا تصبح عادة لأن كل طفل يمكن
له أن ينجز كفاية حسب التواجد. وهنا يدخل مفهوم التكرار المطابق كما يشير اليه «فليب
برنو» حول تعريفه للكفاية، أي ظهور تنوع من الوضعيات لنفس البنية ويكون حسن الأداء
في مواجهة العوائق المتنوعة.
إن الكفاية هنا معرفة تنفيذية حيث تتطابق المعارف مع التطبيق. وهنا يطرح السؤال حول
توظيف الموارد المعرفية: اللازمة لتنفيذ هذه الكفاية إعطاء الوسام للطفل في درجة
الفقيه؟ أم أن تقافة الأم هي التي توفر هذه المعارف لتتويج الطفل ‘’كاسلي’ عريس»؟
هل كفاية استيعاب عدد هائل من المعارف داخل فضاء المسجد معناه أن يكون الطفل قادرا
على تنفيذ عدد من الطقوس أو السلوكات التي لها وظيفة سوسيوتقنية داخل ثقافة أخرى
مغايرة؟ مهما يكن الأمر فإننا أمام بنية ونظام اوديبي بامياز. «فحسن الأداء» من
خلال هذه الطقوس ما هو إلا تطلعا إلى النزعة الذكورية ـ أو الافتخار بالعضو الجنسي
الذكوري (القضيب في تمثيل العريس وأيضا تطلع إلى السلطة الأبوية في دور الفقيه. ما
يثير الانتباه هنا أن الطفل يستعين بكفايات قبلية أصلية ـ كصور معرفية من ثقافة أمه
لتأدية أو إنجاز كفاية حسن التواجد ـ أي أن يعرف كيف يصبح فقيها. وهنا تدخل
العرضانية والكفايات المستعرضة بمفهوم «بيرنو»، ويعني بذلك إعادة تنظيم ما يمتلكه
الفرد مسبقا. فالطفل هنا يسترجع ذكرياته عندما يمثل دور العريس أو عندما كان يجري
أو يشارك في رقصة «أحيدوس» حيث يتم تحويل اتجاه كل الحركة العامة للرقص وتتم
العلاقات الزمنية بين الأجزاء المتتالية ليصل إلى الانسجام والشمولية. ومثل الكفاية
اللسنية فقد يتم إظهار الطابع الإبداعي للحركات /السلوك إذ يتم ضبط التنسيق بين
الحركات بطريقة جديدة. إدن يمكن القول إن الكفاية داخل «عرس القران» قد أخذت بنية
وقواعد العرس العادي من الثقافة الأولى كعناصر قديمة لتكوين كفاية جديدة. ويتضح
جليا أن الطفل لا يستعين بتوظيف الموارد المعرفية المسجدية لأن النظرية المعرفية
هناك بهايفيورية ـ سلوكية محضة إذ يعتبر الكفاية سلوكا ميكانيزميا ينطبق على عدد من
الوضعيات. وأكيد أنه لن ينطبق على وضعية البنات لأن الأطفال ـ الإناث لم يسبق لهن
أن دخلن المسجد إلا خفية. فهل تعيش الفتاة نفس المأساة الاوديبية التي يعيشها الطفل
داخل المسجد؟ هل يمكن اعتبار رغبة البنات ولوج فضاء المسجد ليلا مصيبة؟ هل قيامهن
بطقوس أنثوية داخل حرم المسجد يعكس استحالة زواجهن أو فقدانهن للعضو الجنسي الذكوري
خلال مشاركتهن الضعيفة في إنجاز مراسيم «عرس القران»؟ وهل عقدة الاوديب عند الطفلة
الأمازيغية تعاني من فراغ وغموض بسبب جريمة اقترفها أبوها؟ بماذا سنفسر ـ لاحقا في
الموضوع القادم ـ هذه العلاقة غير الحميمية بين الطفلة وأبيها في أسطورة «تتبيرت
توراغت، البنت تهرب من أبيها لأن هذا الأخير يرغب فيها ويعشقها كزوجة له، بعدما أن
تخلص من أمها«...
|