| |
جزاء من
ناضل وأبدع بهوبة غير هويته
بقلم: عمر زنفي (أسيف ن دادس، ورزازات)
عبر تاريخ شمال أفريقيا، نقش العديد من
الأسماء والشخصيات الأمازيغية أسماءهم بأحرف من ذهب في ذاكرة إنسان تمازغا. وإذا لم
ينصفهم مؤرخو المعمرين لشمال أفريقيا ولا شملتهم المقررات الرسمية للاستعمار العربي
التي خصصت حيزا كبيرا لانهزاميين عاصروا نفس المراحل التاريخية، فإن التاريخ
الأمازيغي والذاكرة تكنّ لهم التقدير والاحترام، وتحتفي بهم في كل لحظة وحين. لقد
عرفت شمال أفريقيا أسماء في كل الميادين، فلسفية كانت أم سياسية. وعلى سبيل المثال
نذكر فقط أسماء كيوبا الثاني وماسينسا ويوكرتن، يوسف بن تاشفين وابن بطوطة وابن رشد...
فإذا كان تاريخ بعض الحضارات المعمرة بشمال أفريقيا كالحضارة الرومانية قد احتفت
ببعض الأسماء التي ساهمت في قيام حضارتها آنداك فأقامت لها تماثيل وخصصت لها كتبا
اعترافا لها بجميلها، فإن بعض "الحضارات" كالعربية قد أقبرت وأقصت كل شخصية
أمازيغية سطع اسمها وطبعت تاريخ شمال أفريقيا بأعمالها ومنجزاتها. فقد تزور هويته
وتنسبه إلى أصول شرقانية أو تهينه بعد مماته بتهميشه في التاريخ الرسمي أو قبره في
مزبلة التاريخ "اعترافا" له بما قدمه لهذه الأرض المستعمرة وبهوية مزورة.
فعلى صفحات جريدة نيني "المساء" عدد 355 بتاريخ الجمعة 09 نونبر 2007،حاولت الزميلة
فاطمة الزهراء شرف الدين تناول ما آل إليه حال باني مدينة مراكش ومؤسس الدولة
المرابطية الأمازيغي يوسف تاشفين. هذا البطل التاريخي الذي كان يضرب له ألف حساب
خلال فترة حكمه، والذي شيد أكبر إمبراطورية بهوية عربية إسلامية تجد قبره الآن "ببناية
مهملة أمام محطة حافلات سيدي مومن لشركة الزا Alsa الإسبانية وشرطة السياحة... في
رقعة كامتداد لمزبلة يخرج منها العاملون على توسيع فندق المامونية... بناية مقفلة
لا يفتح بابها إلا نادرا وإذا فتح ينال حقه من دخان الحافلات والرائحة الكريهة
لأسوار القبر" التي تسقى من سوائل المارة. "وتسهر على خدمة الضريح والاعتناء به
سيدة لا حول لها ولا قوة كيوسف بن تاشفين...
خلاصة القول إن حال ضريح البطل التاريخي هو حال ومآل كل أمازيغي ناضل وكافح وأبدع
متنكرا أو متجاهلا لهويته الأمازيغية وتبنى واعتنق هوية عروبية شرقانية. هذا هو
جزاء الرجل الذي أسس مدينة أصبحت الآن المنعش الاقتصادي الثاني بعد دراهم الأمازيغ
المهجرين إلى الخارج. فأقل ما يمكن أن يقام
لهذا الرجل الأمازيغي هو تذكار وسط
مدينة مراكش وضريح يليق بمقامه وذكرى تخلد لسنوات بطولاته ونضاله.
في الجانب الآخر من نفس مقال الزميلة حاولت أن تقارن بين ما يقام للمعتمد بن عباد
من مؤتمرات تصرف عليها أموال باهظة ويحضره كبار المفكرين والأدباء، لكن ما لم تتوصل
إليه الزميلة في تحليلها ووصفها لأوجه المقاربة بحكم جهلها لطبيعة الصراع، هو أن
يوسف بن تاشفين لن يقام له ما يقام لانهزاميين أقل منه شأنا يحتفي بهم, لأن يوسف بن
تاشفين أمازيغي وفقط. من زاوية أخرى فهذا التعامل العنصري الساري المفعول والمقنن
دستوريا بمثابة انتقام لهذا المعتمد الذي سجنه يوسف بن تاشفين. هذا الأخير إذن، ومن
منظور شعوبي شرقاني وعنصري، لا يستحق التقدير والاحترام بالرغم من نبله وبسالته
وحكمته، وبالرغم من أنه ناضل تحث لواء الهوية العربية الإسلامية، لأنه يبقى
أمازيغيا لا يستحق أي اعتراف ولا تقدير. وهدا فقط يحدث حصريا ببلدان شمال أفريقيا
المستعمرة من طرف أناس يفضلون أن يبدأ التاريخ باستعمار إدريس المشرقي للمغرب. فقد
يقيمون أضرحة لخونة وانهزاميين ونسمي أكبر الشوارع بأسمائهم وهذا حال المنهزمين
الذين يحتفون فقط بالانهزاميين.
ما يمكن فهمه من هذه النازلة هو بمثابة درس وعبرة لإخواننا الأمازيغ الدمى في أيدي
أعداء القضية حيث تجدهم إلى جانب دواليب حكم المعمرين الذين يبدعون في كل الميادين
وبهويات مستعارة غير هويتهم الحقيقية الأمازيغية لنيل رضاهم والحفاظ على تلك
الدراهم وتلك المناصب والامتيازات... يباركون المخططات العنصرية التي تنسج حول
رقبات إخوتهم وعشيرتهم الأقربين... فمهما نلتم من الرضا والمناصب السامية فإن متم
يوما فلن تستمتعوا حتى بحق الدفن بمسقط رؤوسكم التي غادرتموها مند أن تقلدتم مناصب
عالية، وتركتم بني بلدتكم تنهشهم سياسيات الحكومات التي أنتم مخططون آو منفذون بها.
قد تدفنون بمزبلة كما جرت العادة مع أسماء لستم أحسن ولاء منهم. قد ينساكم ذويكم
كعقاب لكم. وقد تقام لكم أضرحة بالمزابل ويسقيكم الناس والدواب بالبول كما يفعلون
بيوسف بن تاشفين وغيره. ولن تشفع لكم سياراتكم الفخمة ولا فيلاتكم ومعارفكم بالرباط
أو فاس.
فكم كان جميلا جدا أن نرى رياضيا مغربيا فاز في منافسة رياضية دولية وعانق بحرارة
شخصا من الجمهور يحمل علما أمازيغيا وهو واع كل الوعي أن سلوكه هذا قد يربك حسابات
الجامعة الرياضية التي قد تعاقبه بالمنشطات أو الإقصاء. وكم كان أجمل أن يوصي إدريس بنزكري الحقوقي الأمازيغي في
رسالته المجهولة المضمون أن يوارى الثرى قرب ضريح أمه وليس بمقبرة "الشهداء"،
كمحاولة منه في آخر لحظة الإدراك والجهر بهويته الأمازيغية. وكم سيكون جميلا أن ما
صرح به المحجوب احرضان على صفحات جريدة العالم الأمازيغي قد حدث حين انتفض الأمازيغ
بالقبايل سنة 1980، وحين اغتيل الشهيد المعتوب لونيس وحين اغتال نظام الجنيرالات
121 أمازيغيا سنة 2001 خلال الربيع الأمازيغي الأسود... وحين انتفض سكان الجنوب
الشرقي في إطار تنسيقية أيت غيغوش خلال أشهر متفرقة من سنة 2007، وحين اعتقل طلبة
الحركة الثقافية الأمازيغية بأكادير، امتغرن ومكناس، وعذبوا وحوكموا بتشريع عروبي
شرقاني ردعا لهم على فهمهم لما يجري حولهم وما سيجري بنقلهم للصراع والخطاب من داخل
أسوار الجامعة إلى الشارع العائلة والقبيلة.
وكم كان أروع ما يكون أن نقرا كسابقة في تاريخ الحركة الثقافية الأمازيغية بيانا ل
30 مهندسا بالمدرسة الوطنية للمهندسين، وفي إطار تنسيقية أيت غيغوش، يعبرون من
خلاله عن تضامنهم مع المعتقلين السياسيين للحركة الثقافية الأمازيغية ويدينون
الأحكام الجائرة في حقهم. كما عبروا عن تمسكهم بكل الحقوق الغوية الهوياتية
الاقتصادية والسياسية للإنسان الأمازيغي.
ولم لا فالتحرر يبدأ من الذات والوعي كذلك. كل من موقعه ومنصبه يجب أن يجهر بهويته
وحقوقه مهما يكلفه هذا الواجب من إقصاء وغضب عليه من ولاة نعمه. فإذا كان للعروبيين
جرأة أكثر بالجهر بهوياتهم ومخططاتهم العنصرية فيجب على أمازيغ الخدمة ـ "شلوح
السربيس" ـ أن يتحلوا بجرأة أكثر. وإلا فمصيرهم مصير يوسف بن تاشفين الذي وحدهم
وقوى شوكتهم بالأندلس، ثم أصبح ضريحه أقرب لمرحاض عمومي في الهواء الطلق في خدمة
مثانة زبناء الحانات الليلية.
وعلى الحركة الثقافية الأمازيغية أن تقف إلى جانب كل أمازيغي أعلن أمازيغيته وتعرض
للترهيب والإقصاء الذي قد يطاله في مجال إبداعه وعمله. فقد ثم إقصاء عادل الكوش
مباشرة بعد معانقته للعلم الأمازيغي بحجة تعاطيه لمادة محظورة بالرغم من أنه أكد
بتحاليل مضادة عدم صدق هذا الاتهام ، دون أن نسمع تضامن إي أحد معه. وهذا التعامل
لن يشجع أحدا للجهر بهويته. فقد آن الأوان أن نعيش الأمازيغية لا للدفاع عنها فقط.
آن الأوان أن نهتم بكل صغيرة و كبيرة تخص أمازيغيتنا وهويتنا.
(zanifi@hotmail.com)
|